القدّاس الاحتفاليّ في عيد القيامة المجيدة،
كنيسة مار فوقا – غادير، كسروان.
عظة القدّاس الإلهيّ للأباتي سمعان أبو عبدو:
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
إنَّهُ لِمنْ دَواعي محبّتي وسُروري أنْ أَحْتَفِلَ مَعَكُم اليومَ بهذهِ الذَّبيحةِ الإلهيَّةِ المُمَيِّزةِ بنواياها وأبعادِها، بدعوةٍ كريمةٍ من جماعة « اذكرني في ملكوتك » ، التي تربِطُني بأعضائِها عوامِلُ المحبَّةِ والتّقديرِ والاحترامِ. وهذه الجماعة تكبر، كماً ونوعاً، مع مزيدٍ في عدد الرعايا والجماعات، في لبنان وبلاد الانتشار. اليوم أودّ أن أُحيي بشكل خاص الشبيبة على نشاطهم واندفاعهم في الالتزام والعمل، هم المستقبل الجماعة والكنيسة والوطن. كما لا ننسى أن نحيّي الاطفال الذين يسيرون على الطريق الصحيح منذ الآن، فالروح يجمعنا بمحبته كمؤمنين، من كل الكنائس المسيحية، على حسب دعوة المسيح لنا “ليكونوا واحداً بأجمعهم”.
نجتَمِعُ أَيُّها الأحِبَّةُ في غمرةِ عيدِ الأعيادِ، عيدِ القيامَةِ المجيدَةِ، جوهَرِ إيمانِنا المسيحيِّ، لِنُصَلِّيَ من أجلِ راحةِ أنْفُسِ موتانا الذين انتقَلوا من بينِنا على رجاءِ القيامَةِ، من أجلِ أحبابٍ وأقرباءَ وأصدقاءَ ترافقوا في قوافِلِ الموتِ، مُغادِرينَ هذه الفانية عابرينَ إلى حياةٍ جديدةٍ أبديَّةٍ…
انسَلَخوا عنّا لِيَتَّحِدوا بالله. تركونا وتركوا كُلَّ شيءٍ هُنا لينالوا كلَّ الأشياءِ هُناك. اخْتَصروا فِعْلَ الشَّوْقِ وَمَضَوا لملاقاةِ الحبيبِ.
اليومَ، نحن كَكَنيسَةٍ، نُقَدِّمُ الصلواتِ من أَجْلِهم، نرفَعُ ذبيحةَ الشكر، وتقومُون بأعمالِ المحبةِ والإِحسانِ ومساعدة المحتاج لِيَذْكُرَهُمُ اللهُ في مَلكوتِهِ. ومعكم نضرَعُ إلى اللهِ قائلين: الرَّاحةَ الدّائمةَ أَعْطِهِمْ يا ربُّ، ونورُكَ الأزليُّ فَلْيُضىءْ لهم، وَلْتَسْتَرِحْ أنفُسُهم بسلام.
إلى أَحِبّائِنا في العالَمِ الآخَرِ نُصلّي، نَتَشَفَّعُ، ومنهم نتعلَّمُ كيف نَسْتَعِدُّ لِملاقاةِ وَجْهِ الرَّبِّ، غداً عندما تحينُ ساعتُنا… منهم نَتَعَلَّمُ كَيفَ نَجْعَلُ من حَياتِنا هُنا صورةً لحياتنا هُناكَ وَمُخْتَبراً لها وَفِعْلَ تهيئة، وذلك من خلالِ حفاظِنا على عهدِ الربِّ وإتمامِنا لما يَطْلُبُه مِنّا من أَعْمالٍ سَتَرْسُم من دونِ شَكّ إطارَ حَياتِنا الثانيةِ.
أَعِزّائي!
الكنيسَةُ، نحنُ منها، تُصلّي وَتَسْتَشفِعُ الأبرارَ والصّديقينَ الذينَ يَنْعَمونَ بِمُشاهَدَةِ وَجْهِ اللهِ في السَّماءِ. فهؤلاءِ يُكوِّنونَ الكنيسةَ الممجَّدَةَ ويشفَعونَ لدى اللهِ من أجلِ الكنيسَةِ المُجاهِدَةِ على الأرضِ، أيْ منْ أجلِنا نحنُ، ومن أجْلِ الكنيسَةِ المُتأَلِّمةِ في المَطْهَرِ…
وهذهِ الثلاثُ تؤلِّفُ كنيسةَ المسيح الواحِدَةَ أيْ جَسَدَهُ السِّرِّيَّ.
إنَّ المسيحَ، بشَخْصِهِ، يَرْبِطُ الإيمانَ بالقيامَةِ فيقول: “أنا هو القِيامَةُ والحياةُ (يو11/25). والمسيحُ عينُهُ هو من سَيُقيمُ في اليومِ الأخيرِ مَنْ يكونونَ قد آمنوا بِهِ. وَعَلَيْهِ نحنُ مَدْعوّونَ إلى التّبشيرِ وإلى عَيْشِ هذا الإيمانِ ورجاءِ القِيامَةِ، في داخِلِنا، وفي كنيستِنا و بَعْضِنا معَ بعضِ.
يقولُ المجمَعُ الفاتيكانيّ الثاني: “إِنَّ لُغْزَ الحياةِ البشريَّةِ يَبْلُغُ قيمتَهُ أمامَ الموت (فرح ورجاء 18). فالموتُ هو نهايةُ مسيرةِ الإنسانِ على الأرضِ، وجميعُنا سنبلغُ تلكَ السّاعَةَ. وفي هذا الإطارِ، يقولُ القِدّيسُ يوحنّا الصّليبي:”في مساءِ الحياةِ، سَنُدانُ على المحبَّةِ”. فالسّماءُ هي الغايةُ الأخيرةُ لأعمقِ رَغباتِ الإنسانِ، ونحنُ لا نستطيعُ أَنْ نَفْهَم سِرَّ الموتِ إلاّ في ضوءِ سِرِّ موتِ المسيحِ وقيامتِهِ من بينِ الأمواتِ. وكما يشترِكُ كلٌّ منّا في آلامِ المسيح من خلالِ آلامِه الشخصيَّةِ المتأتّيَةِ من الظُّلمِ والمرضِ ومَعْطوبيتَه الأرضية، هكذا نشتركُ مَعَ المسيحِ في مجدِ القيامةِ، وخلاصُنا سيكونُ عبرَ من قالَ:”أنا هو الطّريقُ والحقُّ والحياة”.
أسألُ الربَّ الإلهَ أن يمنحَ جماعة « اذكرني في ملكوتك » النِّعْمَةَ والبَرَكَةَ، ولتبقَ صلاةُ ورجاءُ أعضائها مرتكزِةً على مجدِ قيامَةِ سَيِّدِ الحياةِ يسوع المسيح، َلْنُردِّدْ مَعاً اليومَ وفي كل يَوْمٍ: المسيحُ قام، حقاً قام ونحن شهودٌ على ذلك.