نجتَمِعُ اليومَ لنُصَلِّيَ من أجلِ موتانا، من أَجْلِ الأنفُسِ المطهريَّةِ المنقَطِعَةِ، ونحنُ في زمنِ مجدِ القيامةِ، حَيْثُ يسوعُ المسيحُ المنتَصِرُ على الموتِ يُعطينا الرَّجاءَ بالحياةِ الأبديَّةِ.
إِنَّ الموتَ هو نهايَةُ الوجودِ التاريخيِّ وبدايَةُ الوجودِ الأَبَدِيِّ. الوجودُ الأَوَّلُ يُهيِّىءُ الثاني، الوجودُ الأَوَّلُ طريقٌ نَسْلُكُهُ، والثاني هَدَفٌ نَسْعى إليهِ.
نولَدُ ونموتُ من دونِ قرارٍ منّا. لَكِنَّ كلَّ واحدٍ مِنّا يقرِّرُ نوعيَّةَ وجودِه التاريخيِّ، أكانَ في ضوءِ كلامِ اللهِ الذي هو “روحٌ وحياةٌ” (يو6/63)، أَمْ في ظلمةِ الخطيئةِ والشرِّ، وبالتّالي يقرّرُ نوعيَّةَ مَصيرِه الأبديِّ أخلاصاً كانَ أَمْ هلاكاً. ونحنُ نتصرَّفُ على هذهِ الأرضِ من خلالِ عقلِنا الذي يقودُنا إلى نورِ الحقيقةِ، ومن خلالِ إرادتِنا التي بها نفعَلُ الخيرَ، ومن خلالِ حريَّتِنا التي بها نَضَعُ خيارَنا اليوميَّ في إطارِ الحقيقةِ والخيرِ. وعندَ السقوطِ الذي نتعرَّضُ له في حياتِنا، أعطانا اللهُ كلامَهُ ونعْمتَه وغفرانَهُ وحياتَهُ لنَشْفى ونَنْهَضَ ونتقوّى.
هنا أودُّ التّوقُّفَ قليلاً عِنْدَ أهميَّةِ سيرَةِ حياتِنا على هذهِ الأرضِ، “… فالذينَ عَملوا الخيرَ إلى قيامَةِ الحياةِ، والذينَ عَمِلوا الشرَّ إلى قيامَةِ الدَّينونَةِ” (يو5/29). إِنّ المعنى الذي يُعطيه الإنسانُ لموتِهِ مرتَبِطٌ بما أَعْطى حياتَهُ من مَعْنىً. نحنُ نعلَمُ أَنَّ اللهَ وَهَبَ المسيحَ الخلاصَ لجميعِ البشرِ بواسِطَةِ موتِه وقيامَتِه مِنْ بينِ الأمواتِ. وهذا ما يَدْعونا إلى أسلوبِ حَياةٍ جديدٍ في ضوءِ المسيحِ المُنتَصِرِ، فالحياةُ هي نعمةٌ من اللهِ، لأَنَّ الأبديَّةَ تَبْدأُ من هنا، مِنَ الإطارِ والخِياراتِ والالتزاماتِ والاقتناعاتِ التي نعيشُها ونَعْمَلُ بِها.

ابنُ سيراخ في العهدِ القديمِ يُحذِّرُنا: “في جميعِ أعمالِك أُذْكُر أواخِرَكَ، فلن تُخطِىء أبداً” (7/36). إذا أحسنّا الحياةَ نحسنُ الموتَ، ونعني بالحياةِ كُلَّ مداها التاريخيِّ من المهدِ إلى اللحدِ، ونعني بالموتِ البابَ الذي نُطِلُّ منهُ على الحياةِ الأبديَّةِ بالقربِ مِنَ اللهِ.
إخوتي الأحبّاء،
نحنُ أبناءَ القيامَةِ، نَضَعُ مُعْضِلَةَ الموتِ تحتَ علامةِ الخلاصِ الذي منحهُ المسيحُ، فإنّه يُفضي بنا إلى مِلْءِ الحياةِ في اللهِ. وإذا ما ابتعَدْنا عنْ زمنِ القيامةِ في إيمانِنا، يُصْبِحُ الموتُ مُعْضِلَةً فنائيَّةً تنتهي عندما تنتهي الحياةُ التاريخيّةُ لكلِّ إنسانٍ.
نُصلّي اليومَ مَعَ جَماعَةِ “أُذكرني في ملكوتِك”. مَعَ هذهِ الجماعَةِ نَفْهَمُ المعنى الجديدَ للموتِ، من خلالِ الإيمانِ بيسوعَ المسيحِ مخلِّصِنا ومعلِّمِنا وفادينا. أعضاءُ هذهِ الجماعَةِ، مَعَ الكثيرينَ منكُم، يصلّونَ من أجلِ الراقدينَ. تقيمونَ أعمالَ رحمةٍ لأجلِ راحةِ النفوسِ المُنْتَقِلَةِ إلى الحياةِ الأبديَّةِ، وتَسْعَوْنَ لمُرافَقَةِ المرضى المُشْرفينَ على الموتِ. إنَّهُ عَمَلٌ روحيٌّ رعائيٌّ بامتيازٍ: الصلاةُ من أجلِ مَنْ سَبَقونا إلى ديارِ الخلودِ وطلبُ شفاعَتِهِم.
في جوِّ القيامَةِ هذا، أطلبُ من سيّدِ الحياةِ أن يعطيَنا نورَه لنسيرَ كما يجِبُ كمسيحيّينَ، رافعينَ الصّلاةَ من أجلِ جميع موتانا، طالبينَ شفاعَتهُم، وأَنْ يُعْطيَنا الربُّ رجاءَهُ الحقيقيُّ حتّى نتحَمَّلَ في هذهِ الأيّامِ فقدان الكثيرينَ مِنَ اللبنانيّينَ، من جرّاءِ حوادثٍ مؤلمةِ أو مرضٍ شنيع، طالبينَ مِنْهُ أن يعطيَنا سلامَهُ الحقيقيَّ وأن يساعِدَنا على الاتحادِ بعضِنا مع بعضِ كلُبنانيّينَ وخاصة كمسيحيّينَ، لأنَّ خلاصَنا باتحادنا بعضِنا مع بعضِ من دونِ منازعاتٍ وانقساماتٍ، ساعين لبناء حضارة الرجاء والسلام؛ وليكُنْ شعارُ حياتنا: “المسيحُ قام حقاً قام”.