كونوا قدِّيسِين…

بقلم الأب مارون صدقة ر.م.م.

 “كونوا قدِّيسِين، لأنِّي أنا قُدّوس” (1 بط 1: 16)، “وقد عَلِمتُم أنَّكم لم تُفتَدوا بِالفاني من الفِضَّة أو الذَّهب من سِيرتِكم الباطلة… بل بِدَم كريمٍ، دَم الحَمل الّذي لا عَيْب فيه ولا دَنس، دَم المسيح” (1 بط1: 18).

تُقيم الكَنِيسةُ المقدَّسةُ في كلِّ يومٍ مِن السَّنة تَذكارًا لقدِّيس: ويبقى عددٌ لا يُحصى مِن القدِّيسِين بِدون تَذكارٍ خاصٍّ بهم. لذلك أقامَت الكنيسة الكاثوليكيّة عيدًا لِجميع القدّيسّين في الأوّل من شهر تشرين الثاني من كلّ عام. 

مَن هم هؤلاء القدِّيسون؟ يُجيبُنا على السُّؤال الإنجيليّ يوحنَّا الرَّسول، التِّلميذ الّذي كان يسوع يُحبِّه، في سِفر الرّؤيا (7: 9-12) فيَقول:

’ورأيتُ جَمعًا كثيرًا، لا يَستطيع أحدٌ أن يُحصِيه، من كلِّ أُمَّةٍ وقَبيلةٍ وشَعبٍ ولِسان. كانوا قائمِين أمام العَرش وأمام الحَمل لابِسين حُللاً بَيضاء، بأيدِيهم سُعفُ النَّخل، يرتِّلون بأعلى أصواتِهم، وهم يَصيحون بِأعلى أصواتهم فيقولون: “الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللحمل!”. وكان جميع الملائكة قائمِين حول العرش والشيوخ والأحياء الأربعة، فسقطوا على وجوهِهم أمام العرش وسجَدوا لله قائلِين: “المجدُ والعَظمة والكرامة والقُدرة، لكَ يا إلهَنا، إلى دَهرِ الدُّهور. آمين”. فخاطبَني أحد الشيوخ قال: “هؤلاء اللابسون الحُلَل البَيضاء، مَن هم ومِن أين أتوا؟”. فقلتُ له: “يا سيّدي، أنتَ أعلم”. فقال لي: “هؤلاء هم الذين أتوا من الشدة الكبرى، وقد غسلوا حُللهم وبيّضوها بِدم الحمل… ولن يجوعوا ولن يَعطشوا فيما بعد، لأنَّ الحَمَل الّذي في وسَطِ العَرشِ سيَرعاهُم وسيَهديهم إلى يَنابيع ماء الحياة، وسيَمسَحُ اللهُ كلَّ دَمعةٍ مِن عيونِهم”‘.

هؤلاء القدِّيسون هُم الآباء الأقدَمون والأنبياء والرُّسل والشُّهداء والمعتَرِفون والعذارى والأبرار والصِّدِيقون جَميعًا، الّذين جاهَدوا الجِهاد الحَسَن، وفازوا بإكليل المجد الأبديّ. فصاروا مِثالَنا الأعلى، شُفعاءنا لدى الله، وعَونًا لنا في الشَّدائد والـمِحَن. فَبِتَكريمِنا لهم، نُقدِّم المجد والشُّكر لله الّذي قوَّاهم بِنِعمتِه وأهَّلهم إلى السَّعادة الخالدة.

  • فهؤلاء القدِّيسون كانوا أُناسًا مِثلَنا، عاشوا قَبلَنا … وعَرفوا الصُّعوبات ومَشاكِل الحياة على أنواعِها. وكانوا يَنتمون إلى مختَلَف فئات المجتمع، مِن مُلوك وعُظماء مِثل الـمَلِك لويس التَّاسع، والـمَلِكة فيكتوريا مَلِكة الـمَجَر.. مرورًا باللّاهوتِيِّين والعُظماء مِثل أُغسطينوس ويوحنّا فَم الذَّهب، ومِن أرباب العِيال والعمَّال العاديِّين وأصحاب الـمِهَن الحُرَّة: مِثل والِدَيّ القدِّيسة تريزيا الطِّفل يسوع وجانَّا الإيطاليّة الّتي ضحَّت بحياتِها، مِن أجل طِفلتِها، فكَبرَت هذه، وَحَضَرَتْ احتفال إعلان قداسة والِدَتِها، في الفاتيكان.
  •  
  • فعلى مِثال هؤلاء، الّذين عَرَفوا أن يُميِّزوا صَوت الضَّمير الصّالح، ويَسلُكوا بموجَبِه، فنالوا رِضى الله وأصبَحوا قدِّيسِين. هكذا علينا جميعًا، وعلى كُلِّ واحدٍ منّا أن نتَّخذهم لنا مِثالاً ونقتَدي بِفضائِلهم، فنَحصُلَ على نصيبِهم. لأنَّ القدّاسة لَيسَت لِفئةٍ دون أُخرى، فهي مطلوبةٌ منَّا جميعًا، كَما سَمِعنا كلام الرَّسول بطرس أعلاه، وأنَّ بُذور القداسة زُرِعَتْ فينا، في جُرن المعموديّة. لَيْتَنا نَعرِفُ أن نُنَميِّها في حياتنا اليوميّة. فَنَستَحِقَّ المشاركة في المجد الأبديّ. آمين.
Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp