القدّاس الإلهيّ من أجل الرّاقدين على رجاء القيامة،
عظة سيادة المطران كميل زيدان السامي الاحترام،
صاحبَي السيادة، حضرة الآباء الأجلّاء، أخواتي الفاضلات، أيّها الأخوات والإخوة،
يسعدني أنّ أختتم معكم هذا النّهار الّذي اجتمعتم فيه لتحتفلوا بعشر سنوات على تأسيس جماعة “أذكرني في ملكوتك”، فقد أمضيتم النّهار في التّأمل والتفكير والصّلاة متلمّسين إرادة الرّب. لقد تُليت على مسامعكم القراءات الّتي تتبعها الكنيسة المارونيّة لمثل هذا اليوم، وقد قررت الإبقاء عليها لأنّها قراءات من سفر أعمال الرّسل الّذي نكتشف فيه كيف أنّ الله يسيّر حياتنا ويهتمّ بنا.
ففي النّهاية، كنيسة الله ليست قائمة على بشر فحسب، إنّما هي قائمة على حضوره فيها وفي ما بينهم، وهذا ما اكتشفناه مع بولس عندما خاطبه الرّبّ على طريق دمشق قائلاً له: “شاوول، شاوول، لماذا تضطهدني؟”، فاضطاد بولس لم يكن للإنسان إنّما كان إضطهادًا لله الّذي يسكن في داخل كلّ إنسان. وفي مقطع سفر أعمال الرسل الّذي تمّت قراءته اليوم، نسمع بولس يخبرنا عن كيفيّة وصوله إلى روما، وعن المخاطر الّتي تعرّض لها، وعن الاعتقال الّذي تعرّض له بهدف قتله.كما يخبرنا بولس في هذا المقطع أيضًا عن قائد المئة الذّي اعترض على أمر قتل كافة السّجناء، وذلك بهدف تخليص بولس، الّذي كان أحدهم. إنّ بولس يريد أن يشجّع سامعيه على عدم الخوف، لأنّ الرّبّ هو الّذي يحفظ النّاس في مشروعه الخلاصيّ لهم، والّذي لا بدّ له أن يتمّ إذ لا يمكن أن تسقط شعرة من رأس الإنسان من دون علم من الرّبّ.
أمّا إنجيل اليوم، فيكلّمنا عن تلك المرأة الّتي كبّلها الشيطان مدّة ثماني عشرة سنة. وأنتم تعلمون أنّ للأرقام رمزيّة في الكتاب المقدس، فالرقم ثماني عشر، هو ثلاثة أضعاف الرقم ستة، الّذي يرمز إلى قوّة الشّر الّذي كبّل تلك المرأة. لذا، عندما رآها يسوع، شفاها جسديًا ونفسيًّا، وهذا ما دفع بالمرأة إلى أن تمجّد الله، إذ إنّ الشفاء الحقيقيّ يكمن في تمجيد الله وتسبيحه في حياتنا اليوميّة. ومن خلال الحوار الّذي دار بين يسوع ورئيس المجمع، يحثّنا الرّبّ إلى عدم الاهتمام بالقشور والمظاهر، أو بالتقاليد والأمور الدنيويّة، بل يدفعنا إلى الاهتمام بالإنسان الّذي يحمل في داخله صورة الله، وبالتّالي فعلينا تفضيل الاهتمام بالإنسان على التعلّق بالأمور الزائلة والتقاليد الّتي قد نتوّهم أنّها أهمّ من الإنسان. وانطلاقًا من هذا المنطق البسيط الّذي حاول يسوع أن يُفهِم من خلاله رئيس المجمع أنّ الإنسان هو أهمّ من السبت، يمكننا أن نستنتج من خلال تينك القراءتين أهميّتنا الكبيرة في نظر الله فهو لديه مشروع خلاصيّ لكلٍّ منّا، ومتى أدركنا ذلك، نكون قد دخلنا في الملكوت. وبالتّالي، علينا أن نرّدد باستمرار الاسم الّذي اتخذتموه لجماعتكم: “أذكرني في ملكوتك”، لأنّنا بحاجة ماسّة لنتذّكر من دون انقطاع أنّنا نعيش منذ الآن في الملكوت، وأنّه خلال مسيرتنا على هذه الأرض، علينا أن ننشر ملكوت الله، لكي نتمكّن في نهاية مسيرتنا من أن نلتقي بالرّبّ وجهًا لوجه.
نصلّي على نيّة بعضنا البعض، كما نصلّي على نيّة أمواتنا الّذين اختبروا هذا الشوق إلى الملكوت، ونصلّي أيضًا بشكلٍ خاص على نيّة الأموات، أولئك الّذين لم يختبروا هذا الشوق، لكي يعاملهم الرّبّ بحسب رحمته، فيستقبلهم في ملكوته. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ من قبلنا.