لقاء الشبيبة السنويّ 2016، “مسيرتي إيمان ورجاء”
مدرسة مار يوسف للآباء اللعازريّين – عينطورة- كسروان
تأمّل روحيّ: “مسيرتي إيمان ورجاء”
الأب ميشال عبود الكرمليّ،
إنّ أحدًا منّا، نحن المؤمنين بالمسيح، لن يتجرّأ على أن يدوس الإنجيل بِقَدَميه، إنْ رآه مرميًا أرضًا حتّى وإن طُلِب منه ذلك. إنّ قيمة الإنجيل لا تكمن في كونه كتابًا مصنوعًا من ورق بل تكمن في مضمونه، كونه كلمة الله، لذا ينبغي علينا تبجيله وتكريمه وتقبيله. غير أنّنا ندوس الإنجيل دون قصدٍ منّا في حياتنا اليوميّة، عندما يُكلِّمنا الله بطرقٍ مختلفة ونحن لا نصغي إليه: إنّه يكلّمنا في القدّاس من خلال إنجيله، وفي المواضيع الروحيّة، وفي مواضيع التّنشئة الّتي تُلقى على مسامعنا، ومن خلال وسائل أخرى متعدّدة أيضًا، لكنّنا لا نأبه له، فنُتابِع مسيرتنا في هذه الحياة غير مُكترثين لكلمة الله. وهنا علينا اتّخاذ القرار في أن نكون مع الله أو ضدّه.
إنّ الإنسان الّذي يُحِبّ، يُصغي للمحبوب، كما يفرح بالسّماع عنه، وبالتّالي إنْ كنّا نُحِبُّ الله حقيقةً، فعلينا أنْ نُصغي إليه ونسمع عنه، فتَتَمكّن كلمتُه من الرّسوخ في حياتنا وتحويلها، وعندها ننجح في نقلِها للآخرين. إنّ الطاعة للوالدين لا تقتصِر على سماع كلامهم، بل تتعدّاها لتَصِلَ إلى تطبيق نصائحِهم لنا في حياتنا. إنّ سماعنا لكلمة الله، يُعطينا الحياة، ولكنْ هناك أمور كثيرة تقف حاجزًا أمام سماعنا الكلمة وطاعتها، كالسّأَمِ والضجر والتعب، وهذه كلّها تَمنعُنا من سماع كلمة الله والتفاعل معها. إنّ كلمة الله، إنْ كانت مُبتَغانا، فَسَتجِد طريقة للدّخول إلى قلوبنا وعقولنا، كما يقول القدِّيس أوغسطينوس: إنّ الله الّذي خلَقَنا دون إرادتنا، لا يستطيع أن يُخلِّصنا دون إرادتنا، وكذلك الـمَثَل الصينيّ الّذي يقول بأنّك تستطيع أخذَ الحصان إلى النّهر ليشرب، لكنّك لا تستطيع إجباره على الشُرب. وبالتّالي، لا تستطيع الكنيسة إجبار المؤمنين على الاستفادة من المواضيع الروحيّة الّتي تَعرِضُها عليهم، والتفاعل مع كلمة الله، فذلك يجب أن يَصدرَ عن إرادة المؤمِن الشخصيّة.
عنوان لقائنا اليوم، هو:”مسيرتي: إيمان ورجاء”. إنّ عبارة “مسيرتي”، تشير إلى أنّ هذه المسيرة هي المسيرة الشخصيّة لكلّ إنسان. إنّ كلّ مسيرة تتميّز بنقطة انطلاق ونقطة وصول، وخريطة الطريق أي الطريق الّذي يجب على الإنسان أن يسْلكَه. إنّ بيلاطس قد سأل يسوع حين مَثَل أمامه في أثناء المحاكمة: “مِن أينَ أنت؟”. وعندما يُسأَل أحدكم هذا السؤال، يُقدِّم للآخر بطاقةَ هويّته الّتي تُعرِّف عنه، هذا على المستوى البشريّ الأرضيّ. ولكنْ إنْ أردنا الدّخول في العمق للإجابة على هذا السؤال الّذي يُطرح على كلّ منّا، لَوَجَدْنا أنّ الله هو خالقنا، أي أنّنا مِنْهُ أَتَيْنا وإليه نعود. إنّ الله لا يخلق شيئًا سّيئًا ورديئًا، بل إنّ كلّ ما يخلقه الله هو جيّد وصالح. إنّ نظرتنا إلى ذواتنا ومسيرتنا الشخصيّة مرتبطتان بمدى معرفتنا لله.
إذًا، في الجواب على سؤال: “مِن أين أنت؟”، نَجِدُ ماهيّة مسيرتنا، فنقطة الانطلاق فيها هي نقطة الوصول أيضًا: إذ إنّنا ننطلق مِن الله، وإليه نصِل في نهاية هذه الحياة. إنّ نظرتنا إلى الحياة تعكِسُ نظرتنا إلى ذواتنا، فما إنْ تتغيَّر نظرتنا إلى ذواتنا، حتّى تتغيّر نظرتنا إلى العالم من حولِنا. إنّ كثيرًا من النّاس يتخاصمون جرّاء نَعْت أحدهم الآخر بكلمات جارحة ومؤذية. إخوتي، إنَّ نَعتَ الآخر لنا بكلمات جارحة لا يعني أنّنا حقًّا كما قيل عنّا. إنّ الآخرين بكلماتهم الـمُسيئة، لا يقومون بتحديد هويّتنا الحقيقيّة، إنّما يقومون بتحديد هويّتنا بالنسبة لهم، فقيمتنا لا تنبع من كلام الآخرين، بل تنبع من الله. هذه هي هويّتنا الحقيقيّة: فالله هو خالقنا، ونحن متَّصِلون به، أي أنّه هو من يُعطِينا قيمَتنا الحقيقيّة، فقيمَتُنا تنبع من داخلنا.
فكما أنّ العملة الماديّة تحافظ على قيمتها مهما فعل بها الإنسان أَبَصَقَ عليها أم داسها بِرِجْلَيه، كذلك نحن، إذ إنّ قيمتَنا تبقى في داخلنا مهما قال الآخرون فينا، لأنّنا نستمّد قيمتَنا من الله. عندما سأل بيلاطس يسوع: “من أين أنت؟”، كان جواب يسوع له هوَ إنّ مملكته ليست من هذا العالم. إنّ مملكة يسوع هي ملكوت السّماوات: إنّ يسوع لم يُولَد في السّماء بين الغمام بل على الأرض، وُلِد في قرية بيت لحم، وهي أصغر مُدُن يهوَذا، إنّ يسوع أمضى حياته على الأرض مُتَنقِّلاً سائرًا على الأقدام ما بين صيدا والجليل وأورشليم أو في المراكب البحريّة لاجتياز بحر الجليل. “أن تكون مملكة يسوع ليست من هذا العالم” لا ينفي عيْشَه على هذه الأرض ضمن زمانٍ ومكانٍ محدَّديْن حين تَجسَّد.
إنّ مجيء يسوع التاريخيّ مؤكَّد، والإنجيل هو برهانٌ على ذلك.
إنّ الإنجيل ليس نتيجة اتفاق مجموعة من النّاس على تدوين قصّة أسطوريّة تتكلّم عن فكرة تمَّ اختراعها اسمها يسوع، وذلك بهدف نقل بشرى سارّة إلى النّاس. إنّ الإنجيل هو الكتاب الّذي يؤكدّ حقيقة مجيء يسوع. فكما أنّ الفلاسفة والملوك الّذين عاشوا ما قبل المسيح كأرسطو وأفلاطون ونبوخَذنصّر، قد تأكّد وجودهم من خلال كتاباتهم ومؤلفاتهم وما كُتِب عنهم، فكذلك وجود كتابات عن المسيح تؤكّد مروره في الزّمان: إنّ بعض المؤرخيّن اليهود، على الرغم من عدم إيمانهم بيسوع، كتبوا عنه قائلين إنّ هناك شخص اسمه يسوع قد تعرّض للموت، وقد كان له أتباع قالوا إنّه قام من بين الأموات بعد ثلاثة أيّام على موته. إنّ هذه الكتابات تشكِّل دليلاً على وجود المسيح تاريخيًّا. إنّ المسيح لم يُملِ أعاجيبه وأقواله على التّلاميذ، وهو لم يدوِّن شيئًا عن أعماله، غير أنّ ما يؤكِّد صحّة الإنجيل هو موت الرّسل من أجل المسيح، إذ لا أحد يموت في سبيل إنسان أو فكرة غير حقيقيّة، فَهُم قد عرفوه، وانجذبوا إليه وأحبّوه، ومعه اكتشفوا معنى الحياة، فلم يعد الموت يُخِيفهم. إنّ مملكة يسوع ليست من هذا العالم، وهذا ما نكتشفه من خلال قراءتنا للإنجيل، الّذي يشكِّل خارطة تُوصِلنا إلى ملكوت الله. إنّ الله يُكلِّمنا من خلال الإنجيل، وما كلامه إلاّ تعبير عن مدى حبّه للإنسان الّذي ما إن يَقبَلْ بهذا الحبّ حتّى يُحقِّق فيه التغييرات الجذريّة.
إذًا، إنّ يسوع يدعونا للقيام بمسيرة معه: سأل يومًا أحد التّلاميذ يسوع عن كيفيّة الوصول إلى الآب، حيث كان يسوع ذاهبًا، على الرّغم من جَهْلِهِم للطريق، فَجاءَه جواب يسوع على سؤاله إنّه هو “الطريق والحقّ والحياة”. إنّ إعلاننا أنّ يسوع هو الطريق، إنّما هو إعلان منّا عن إيماننا به وعن اتّباعه. إنّ الإيمان هو أن تُصدِّق الشخص الّذي يُكلِّمك، وأنْ تَلتَزِم به وأن تُحِبّه. عندما تَمُرّون بأزماتٍ إيمانيّة وتطرَحون على ذواتِكم أسئلة حول حقيقة ما تؤمنون به، تذكَّروا القدّيسين إذ لا يمكن أنْ يكون كلَّ ما عاشوه مع الله وَهْمًا، كما أنّه لا يمكن أنْ يكون جميع المؤمنين الملتزِمين بالمسيح اليوم على خطأ، إذ لا يمكن أن يُخطِئ الجميع في اتّباع الحقيقة، وأنْ تكون الحقيقة مُلكًا وحِكرًا على شخصٍ واحد. وعندما ننظر إلى كلّ هؤلاء، سنُدرِك أنّهم كانوا شهودًا لنا عن حقيقة وجود الله من خلال مسيرتهم الحياتيّة واتّباعهم له. إنّ صُوَر أجدادِنا المتَوَفِين قبل أن نُولَد، الموجودة في منازلنا، تؤكِّد لنا أنّهم كانوا أحياء، إضافةً إلى شهادات أهالينا عنهم ونَقلِهم لبعض الخُبرات الّتي عاشوها معهم. إنّ عدم رؤيتنا لأمْرٍ ما، لا ينفي حقيقة وجوده. هذه هي حالنا مع الله، فنحن نؤمن بالله على الرّغم من أنّنا غير قادرين على رؤيته بعيوننا البشريّة، وبالتّالي في الأمور الإيمانيّة، علينا الاستناد إلى خبرات الآخرين ومعرفتهم بها.
وإليكم قصّة تُوضِح لكم ما أقول: صعد أحد المسافرين إلى الطائرة، وإذ بجارِه في أثناء حديثه معه عن الإيمان وما تُعلِّمنا إيّاه الكنيسة، قد سأله إن كان يعرف قُبطانَ الطائرة أو إن كان قد اختبر مهارته سابقًا في قيادة الطائرة، والجواب كان سلبيًّا بالتأكيد. عندها، أضاف المسافر المؤمِن قائلاً لجاره غير المؤمن: كيف تستطيع أن تضع حياتك بين يديّ قبطان أنت لا تعرفه؟ فكان الجواب أنّه اختار شركة طيران أهلاً للثقة في اختيار مُوَظفيها. عندها أضاف المؤمن قائلاً: كيف يمكنك الوثوق بِشَركة مؤلّفة من بشرٍ، وتُسلِّمها حياتك، وأنت لا تستطيع الوثوق بالكنيسة الّتي أسَّسها الله في شخص ابنه يسوع، والّذي قد فَداها بدمه وَأَوْكَلَها نقلَ الإيمان إلينا؟ إنّ الإيمان هو وَضْعُ ذواتِنا بين يَدَيْ الربّ وتصديقه، فإنّ الربّ صادقٌ في جميع وعوده، وهي موجودة بوَفْرَةٍ في الإنجيل. إن يوحنّا الرّسول يقول لنا في إحدى رسائِله إنّه يُبشِّرنا بِـمَن رأته عيونهم البشريّة ومَنْ لمسته أيديهم، وما سمعوه بآذانهم البشريّة، أي أنّه يبشّرنا بما قد اختبره مع الربّ.
لا تسمحوا بأن تُغمِضوا أعينكم عن هذه الأرض الفانية من دون أن تكونوا قَدْ قُمتُم بقراءة الكتاب المقدّس بأكمله، إذ لا يجب أن نقف أمام الربّ في اليوم الأخير غيرَ مُدرِكين لِـما وعَدَنا به في الإنجيل “كتاب الحياة”. إنّ فقراء كثيرين في العالم أغنياء بالمال ولكنّهم يفتقرون للمحبّة والعطاء والتضحيّة. يُخبرون عن أرملةٍ عجوز جَهَدَت طوال حياتها في تربية ابنها، الذّي ما إن أصبح شابًّا حتّى اضطر للسفر من أجل تأمين لقمة العيش. وقد تمكّن هذا الشّاب من إيجاد وظيفة مكَّنَتْهُ من تجميع الثروات. ولكنّه لم ينسَ والدتَه العجوز، فَقَدْ كان يُرسِل الرسائل لوالدتِه باستمرار غير أنّها كانت تجهل القراءة والكتابة، لذا كان تلجأ إلى الجيران كي يَقرأوا لها الرسائل. ولكنّها عندما اطْمَأنَّ قلبها لحال ابنها في الخارج، ما عادت تطلب من الجيران قراءة كلّ تلك الرسائل الّتي يرسلها لها ابنها، لكنّها كانت تحتفظ بها وتُعلِّقها على الجدران، وكانت تؤمِّن معيشتها ممّا يتكرّم عليها الجيران به لأنّها كانت فقيرة جدًّا. وفي أحد الأيّام، سافر أحد الجيران إلى تلك البلاد البعيدة، وعند رؤيته لابن تلك الأرملة، أخبَره بحال والدته المذريّة، فاستغرب الابن هذا الحديث وقرّر العودة إلى الوطن. وعندما وصل إلى قريته وجد أنّ أمّه في حال فقرٍ مُدْقع فسألها ماذا فعلت بكلّ المال الّذي أرسله إليها، فاستغربت حديث ابنها هذا، قائلةً إنّه لم يُرسل لها المال يومًا. وعندما سألها عن الشِيكات الماليّة الّتي كان يُرسلها إليها،لم تفهم عندها ما كان يقوله، ولكنّها أشارت له إلى الجدار حين كانت تُعلِّق كلّ رسائله، فوَجَد الشيكات معلّقة على الجدار.
فخلاصة هذه القصّة هي أنّ تلك الأرملة بَقيت فقيرة على الرّغم من امتلاكها للشِيكات الماليّة، وذلك بسبب عدم تَمكُّنِها من قراءتها، فلا تكونَّنَ حالتنا الروحيّة كحال تلك المرأة: فالإنجيل متواجدٌ بين أيدينا وفي منازلنا، وهو يحوي وُعُود الرّبّ ونِعَمِه لنا، وهو مترجم إلى كلّ اللغات، ولا عُذرَ لنا لعدم قراءته. لنستفِد إخوتي من وجود هذا الكتاب بين أيدينا، ولنَعتَبِرْه دعوةً من الربّ لنا لقراءة كتابه.
إخوتي، إنّ من يقرأ الإنجيل هو إنسان قد قَبِل ذاته، ومن يقبل ذاته لا يعود يهتمّ لنظرات النّاس، وبالتّالي فَهوَ إنسان يتمتّع بثقةٍ بالنفس كبيرة جدًّا، أي أنّه قد أصبح قادرًا على اتّخاد القرارات في حياته والالتزام بها. إنَّ من يقرأ في الإنجيل هو إنسانٌ يعرف معنى التّضحيّة، وهو إنسان يُحِبُّ الحياة، وهو إنسان مِعطاء إذ لا يتوانى عن إعطاء الآخرين ما يحتاجونه، فالعطاء لا يقتصر على الأمور الماديّة: إنّه إنسان لا يخاف أن يُعطي من ذاته، وبالتّالي أيضًا من مالِهِ. إنّ الإنسان الّذي يقرأ الإنجيل هو إنسانٌ مؤمنٌ بالربّ، وبالتّالي هو إنسان فَرِح، لا تفارق الابتسامةُ وجهَهُ. إنّ تلك الابتسامة لا تعني بتاتًا أنّ الشخص المؤمن هو إنسانٌ دونَ هموم دنيويّة، بل تعني أنّ إيمانه بالربّ يفوق كلّ اهتماماته الأرضيّة، فالابتسامة هي كلمات تَعْبُر إلى الآخر ولكنّها من دون حروف.
إنّ الإنسان المؤمِن يُدرِك أنّ في هذه الحياة هي فرصة وحيدة له، لذلك لا يجعل حياته مرتكزة على إيمانه بشيءٍ معيّن، بل على إيمانه بشخص يسوع المسيح، ويجعل من كلام يسوع برنامجًا لحياته، ويسعى ليعيش حياته وِفْقَهُ. كثيرةٌ هي الرسائل الإنجيليّة والروحيّة الّتي تَصِلُنا عبر الهواتف لكن قلائلَ هم الأشخاص الّذين يقرؤونها ويتأمّلون بها ويَسعُون إلى تطبيقها في حياتهم اليوميّة. إخوتي، إنَّ انشغالاتنا الكثيرة تَمنَعُنا من إعطاء وقتٍ لكلمة الله، فإنْ لم نُكرِّس وقتًا لقراءة كلمة الله والتأمّل بها، فإنّها لن تكون قادرة على أن تفعل فينا وبالتّالي لن تَظهرَ للآخرين من خلالنا. فَمَنْ يريد الله في حياته، عليه أن يُكرِّس وقتًا لكلمته ولتفعيلِها في حياته.
إنّ مسيرتنا هي مسيرة إيمان بالربّ يسوع ولكنّها أيضًا مسيرة رجاءٍ به. إنّ الموت، إخوتي، يأتي كالسّارق، إذ قد يأتي على غفلةٍ منّا، أي في وقتٍ وساعةٍ لا نعرفهما. إنّ كلام يسوع في الإنجيل هو واضح جدًّا فهو لا يَعِد المؤمنين به بحياةٍ أرضيّة خاليّة من الموت والألم والهموم الدنيويّة. إنّ يسوع لم يَقُل إنّ من يؤمِن به لن يموت، بل قالْ إنَّ مَن يُؤمِنْ به يَنَلْ حياةً أبديّة، لذا لا يجب أن نَفْقِد إيماننا بالله عندما نَفقِد أحد الأعزّاء بالجسد، لأنّه لم يَعِدْنا بحياةٍ مليئة بالأفراح وخالية من الأحزان في هذه الأرض، وبالتّالي لا يجب أنْ نُعاتِب الله ونقطع علاقتنا به ونخاصمه إن لم يحقِّق لنا ما لم يَعِدْنا به، فَهُوَ لم يَعِدْنا بتحقيق كلّ ما نرغب به من أمور دنيويّة. إنّ الله قد وَعَدَنا بالسّماء، وهو لم يَعِدْنا بأنّنا لن تموت أبدًا بل وَعَدَنا بالحياة الأبديّة حين نغادر هذه الفانية إذ قال: “من آمن بي، وإن مات فسيحيا”.
إنَّ مسيرتنا في هذه الحياة إذًا، لا يجب أن ترتكز على التوقّف عند أمور دنيويّة فانية بل يجب أن تتخطّاها إلى وعود الربّ لنا في الحياة الأبديّة بَعدَ هذه الحياة الأرضيّة. إخوتي، هنا أوّد الإشارة إلى ضرورة أن نتشارك في النِّعم الروحيّة الّتي نحصل عليها، لأنّ مسؤوليّتنا تكمن في نقل البشارة إلى الآخرين إذ إنَّ الربّ قد جعلنا رُسُلاً له في هذه الحياة. إنّ نَقلَ كلمة البشارة إلى الآخرين يتطلّب منّا أوّلاً سماع كلمة الله، ومِنْ ثمَّ التشارك بها مع الآخرين، وهي في بعض الأحيان تصل إلى الآخرين بطريقة مشوّهة وغير صحيحة. إنَّ يسوع المسيح بِتَجَسُّدِهِ قد قال لنا الحقيقة كاملة، وهي الحياة الأبديّة.
اجتمع المفكرون والفلاسفة على الفكرة التّالية: أنّ الإنسان هو كائن مميّز عن بقيّة المخلوقات اللّاعاقلة، إذ تمكّن من القيام باختراعات كثيرة لا تُعَدّ ولا تُحصى كاللّغة والتِقَنيات الّتي مَكَّنَتْهُ من التواصل مع إخوته البشر في كافة بِقاع الأرض، وهذا ما لم تتمكّن بقيّة المخلوقات اللّاعاقلة من القيام به. ولذا، فَقَدْ تَوَصَّل هؤلاء إلى الاعتقاد بإمكانيّة وجود حياة أخرى بعد الموت، إذ بالنسبة لهم لا يمكن أن تنتهي حياة الإنسان بالموت كسائر المخلوقات، وأنْ يكون الإنسان محدودًا بالجسد، وأن يزول بزوال جسده. إنّ الفلاسفة لم يكونوا مؤمنين، وبالتّالي لم يكن لديهم رؤية روحيّة واضحة للأمور، لذا أطلق أفلاطون على الحياة الأبديّة لقب “عالم الـمُثُل”، ليُعبِّر عن الحياة الأبديّة الّتي تنتظر الإنسان. هذا ما قام يسوع بتأكيده فيما بَعِد حين تجسّد، إذ كلَّمنا عن الحياة الأبديّة وَوَعدنا بها، والكتاب المقدّس وتحديدًا العهد الجديد، كُتِب ليُخبرنا أنّنا خُلِقنا للسّماء وليس للأرض، وأنّ نهايتَنا لا تكون بأنْ نعود إلى الأرض، إلى التراب بل إلى السّماء أي من حيث أَتَيْنا.
إنّ الرّجاء يختلف كلّ الاختلاف عن الأمل، فالأمل يتعلّق بأمور أرضيّة دنيويّة ويرتبطٌ بإنسانٍ محدودٍ في الزّمان والمكان، وهذا ما يَجعَلُنا معرَّضِين في كلّ لحظة لخيبات أملٍ كثيرة. أمّا الرّجاء فهو مرتبط بالله، ومرتبط بالحياة ما بَعْدَ الموت. فالإنسان الّذي يؤمن بالرّبّ يسوع ويرجو الحياة الأبديّة، فإنّما رجاؤه هذا لن يخيب لأنّ الربّ أكّد عبر التّاريخ أنّه صادقٌ وأمينٌ في وُعُودِه. هذا هو الرّجاء: أنْ نَنْظُر إلى فوق، إلى السّماء، وننتظر الحصول على الحياة الأبديّة بَعْد الموت الجسديّ. إنّ عيش الإنسان لهذه الحياة بالملء إنّما هو دلالة على أنّه يُدرِك أنّ الحياة لا تنتهي بالموت، بل إنّه يَعبُر في هذه الحياة الّتي يعيشها مرّة واحدة ليَصِل في النّهاية إلى الملكوت أي إلى الحياة الأبديّة. وكلامُ مار بولس في إحدى رسائِلِه ما هو إلّا تأكيد على ما نقول إذ قال: إنّ آلام هذا الدّهر ما هي إلاّ لحظة في الدّهر الآتي، ولذا، فإنَّ كلّ ما كان سببًا لانزعاجنا وأَلَـمِنا في هذه الدّنيا، سيكون سببًا لفرحنا في الدّهر الآتي. إنّ الرّجاء هو ما تَكَلَّم عنه أيضًا يوحنّا الرّسول في سفر الرؤيا إذ قال إنّ الأرض والبحر سيزولان، وستكون هناك أرض جديدة وسماء جديدة، وسيكون الله إلهًا لسُكَّان هذه الأرض الجديدة، وهم سيكونون شعبه.
إذًا، السؤال الّذي يجب أن نطرحه على ذواتنا هو: كيف نعيش مسيرتَنا الروحيّة على هذه الأرض؟ إنّ مسيرتنا تكون مسيرة رجاءٍ إنْ كُنّا نبغي كلّ ما هو فوق، ونسعى للوصول إليه، أي الوصول إلى السّماء وَنَيْلِ الحياة الأبديّة. في كلّ مسيرة، نقطة انطلاق، ونقطة الانطلاق في مسيرتنا صوب ملكوت السّماوات تَبدأ من هذه الحياة الأرضيّة، أي من زمانٍ ومكانٍ محدَّدَيْن كما فَعلَ يسوع إذ بدأ مسيرته صوب الملكوت كإنسان حين اتّخذ جسدًا يحيا بين البشر. إنّ الله خلَقَنا من دون إرادتنا، ولم يترك لنا الحريّة في اختيار المحيط الّذي نرغب في الانضمام إليه من عائلة وإخوة ورفاق وقرية وبلد، ولكنّه أعطانا الحريّة في أنْ نحبّهم ونعيش الحياة بملئها، مع الّذين يُحيطون بنا. إنّ يوحنا الرّسول في هذا الإطار قال بما بمعناه إنّه على كلّ إنسان يحبُّ الله، أنْ يُعبِّر عن ذلك من خلال محبّته لإخوته البشر، إذ لا يستطيع الإنسان أن يُبغِض أخاه الإنسان الّذي يراه، ويُحِبّ الله الّذي لا يراه، لأنّه حينئذٍ يكون كاذبًا. إذًا، إنّ نقطة الانطلاق في مسيرة كلّ إنسان صوب الملكوت هي المحيط الّذي يعيش وينمو فيه.
إنّ مسيرتنا صوب الملكوت لا تكون مسيرة فرديّة إنّما مسيرة ضمن جماعة، وعلى كلّ إنسان في هذه المسيرة أنْ يسعى لأنّ يُحِبّ الآخرين وأنْ يَشعُرَ بأنّه محبوب من الآخرين. إنّ الربّ يقول لنا إنّه حتّى لو نَسِيَتْ الأمّ رضيعها فَهُوَ لن يَنساها، ليُعبِّر لنا عن مدى حبّه لنا نحن البشر. وإنّ أكبر إهانة يتعرّضُ لها الأهل، هي لوم الأبناء لهم على عدم شعورِهم بمحبّتهم. إنّ الأهل يتعاملون مع أبنائهم باندفاعٍ كليّ، ولكنْ في ظلّ صعوبات هذه الحياة، قَدْ لا يشعر الأبناء بمحبّة والديهم، وبالتّالي يتحوّل الأقرباء إلى أعداء. إنّ ذلك ليس مُستغربًا أبدًا، فَيَسُوع قد عاش الأمر نفسه، إذ قد سلَّمه يهوذا أحد الاثني عشر إلى بيلاطس أي إلى المحاكمة والموت، كما أنَّ يسوع تعرَّضَ للنُكران من قِبَل بطرس. إنّ ما يُسبِّب ألـمًا نفسيًّا للإنسان هو أنْ يتعرَّض للخيانة من قِبَل المقرّبين منه، من أحبّائه. إنَّ الأمور السّيئة والسلبيّة الّـتي نمرّ بها قد تكون وسيلة ليتدخّل الله في حياتنا من خلالها، فنُدرِك حينها أنّنا محبوبون من قِبَلِه، وعندها فقط سنتمكّن من أن نحبّ الآخرين. إنَّ الإنسان الّذي يُحِبّ، هو إنسان قادر على عطاء ذاته للآخرين، وهو بالتّالي يُشبِهُ الحفرة الّتي كُلَّما أفرغناها من الرّمال اتَّسَعَت وأصبحت قادرة على استقبال المزيد من كميّات المياه في داخلها. ففي كلّ مرّة، يُقدِّم الإنسان التّضحيات في سبيل الآخر، أي كلّما أعطى الإنسان من ذاته، كلّما ازداد اتِّساعًا لاستقبال نعمة الله، وتمكّن الله من إفاضة نِعَمِه على هذا الإنسان المعطاء.
إنّ الكنيسة تعلّمنا أنّنا نولد في المعموديّة أبناءً للملكوت، وأنَّ مسيرتنا الروحيّة مع يسوع تبدأ منذ ذلك الحين. غير أنَّ الأطفال لا يستطيعون تأمين الغذاء لنفوسهم ولا الاهتمام بنظافتهم، وهم يحتاجون لِـمَن يُساعدهم في ذلك. لذلك، فإنّ الكنيسة تهتمّ بغذائنا فَتُقدِّم لنا سرّ الافخارستيّا وتُغَذِّينا بالغذاء الروحيّ في القربانة الّتي نتناولها في كلّ قدّاس، كما أنّها تمنحنا سرّ التوبة للاعتراف بخطايانا والتحرّر منها فَنَتَجدّد بالرّوح القدس.
إنّ يسوع أعطى تلاميذه سلطانًا ليغفروا الخطايا فَوَهبهم الرّوح القدس، وقال لهم :”خذوا الرّوح القدس، فَمَن غفرتم له خطاياه غُفِرَت له، وَمَن أمسكتم عليه خطاياه أُمسِكَتْ له”. وفي القربان المقدّس، أعطانا الله مفتاحًا للسّماء إذ قال لنا: “مَنْ أكل جسدي، له الحياة الأبديّة”. إذًا إنَّ غذاءنا الروحيّ في مسيرتنا صوب الملكوت هو الأسرار، وتحديدًا سرّ التوبة وسرّ الافخارستيا، إضافةً إلى الحبّ البشريّ الّذي نعيشه مع إخوتنا البشر. لنَسعَ إخوتي، كي لا نسمع مُستغربين، حين نقف في اليوم الأخير أمام الرّبّ للدينونة، ذلك الصوت القائل: “إليكم عنّي أيّها الملاعين، لأنّي لا أعرفكم”. إنّ الإنجيل واضِحٌ حين يُكلِّمنا عن أولئك الّذين قاموا بالمعجزات باسم يسوع، وبَشَّروا به، ولكنّهم أصبحوا غرباء عن المسيح في اليوم الأخير لأنّ هدفهم لم يكن المسيح بل المجد الأرضيّ. إخوتي، لِنَسعَ كي لا نكون من عداد أولئك الّذين يقفون مُستَغرِبين من نُكران المسيح لهم في اليوم الأخير، إذ يقول لنا إنّ مكاننا للأسف ليس معه، لأنّنا حين كُنّا على هذه الأرض لم نُشارك في القداديس، والمواضيع الروحيّة محبّةً به، بل من أجل مصالحنا الشخصيّة أي من أجل القيام بلقاءات خاصّة وإظهار ذواتنا للآخرين من خلال ثيابنا الجديدة. وهنا أودّ أن أختم بمقالةٍ كتَبْتُها سنة 1999، بعنوان “هذا ما يَنقُصُني”، تُلخِّص كلّ ما قلناه اليوم:
“كنتُ يومًا من الأيّام، على منبر الوعظ، أَعِظ وأبشِّر بكلام الله. وإذا بالنّاس جميعًا مدهوشين من كلامي، وما يخرج من فمي من كلامٍ وحِكَم حتّى خُيِّلَ للبعض بأنّه كلام الملائكة يُقال بِلُغة البشر. وكنت أَرُّد بِوَعظي أناسًا كثيرين إلى الإيمان، وأتنبّأ بنبوءات مستقبليّة، تتمّ الواحدة تلوَ الأخرى، وكنت أجترح المعجزات الكثيرة وأتنبّأ بنبوءات كبيرة. وكان كلّ ما يصل إليّ أفرِّقُهُ لإطعام الفقراء والمساكين. وكنت أُزَكِّي نفسي بالقول: لو كنتُ في أيّام المسيح أو في عهد الرّسل لما كانت أي بقعة في الأرض، لا تعرف المسيح لأنّي كنت سأبشِّرها به.
وفي يومٍ من الأيّام، وَقَعَ اضطهادٌ شديد ضدّ المسيحيّة. وكنتُ أنا أوّل مَن قَدَّم جسده ليُحرَق غير آبهٍ بالاستشهاد لأنّي مُتَيَّقنٌ مِن أنّي أنا وارث الملكوت، أنا من قام بكلّ تلك الأفعال العظيمة. ولـمّا فَنِيَ جسدي، مَثَلْتُ بروحي أمام المسيح الديّان الجالس على عدله يدين النّاس بالعدل والمحبّة. وكنتُ كلّما اقتربت منه، أشعر بخجلٍ شديد يمنعني مِنَ التقرّب إليه. وإذا بي أرى يده تُشير لي إلى يساره أي إلى العذاب الأبديّ. فالتَفَتُّ ورائي حَسبي أنّ هناك أحدًا غيري يُشار إليه بذلك، فوَجدتُ نفسي وحيدًا أمامه، فقُلْتُ له: هذا أنا يا ربّ، أنا الّذي فعلت كذا وكذا وكذا، وعَدَّدتُ له كثيرًا من الأمور الّتي قُمتُ بها. فَخُيِّلَ إليَّ بأنّه يهزّ برأسه قائلاً: “مكانك ليس عندي”. فَعُدتُ بتذكيره “هذا أنا”، فإذا بي أرى القدِّيس متّى حاملاً في يده إنجيلي الخاصّ الّذي كنتُ أنا أقرأه وأعلّم منه، قائلاً: ليس من يقول لي: “يا ربّ، يا ربّ، يدخل ملكوت السّماوات، بل مَن يعمل بمشيئة أبي الّذي في السّماوات. سوف يقول لي كثيرٌ من النّاس في ذلك الوقت: يا ربّ باسمك تنَبّأنا، باسمك طردنا الشياطين، وباسمك قمنا بالمعجزات. أقول لهم: إليكم عنّي أيّها الأثمة لا أعرفكم أبدًا.” فقُلْتُ يا ربّ هذا الكلام قرأته وما فهِمْتُه، والآن لم أفهمه أيضًا.
فإذا بي أرى القدِّيس بولس يحمل في يده رسالته الأولى إلى أهل قورنتس في الفصل الثالث عشر، وبدأ يقرأ: لو تكلّمتُ بلُغات النّاس والملائكة، ولم تكن لديّ المحبّة، فما أنا إلّا نحاسٌ يطنّ وصنجٌ يرنّ، ولو فرّقتُ كلّ مالي لإطعام الفقراء والمساكين وليس لديّ المحبّة، ولو أسلمتُ جسدي ليُحرَق وليس لديّ المحبّة، فما يفيدني ذلك نفعًا! ووَجدْتُ القدِّيس يوحنا الصليب قائلاً: عند المساء، أي عند غروب حياتك سوف تُحاسَب على الحبّ، فَتَعلَّم أن تُحِبّ الله بالطريقة الّتي يريد هو أنْ يكون محبوبًا بها. نَظَرْتُ إلى السّماء، فإذا بي أرى القدِّيسين والتواضع ينبعُ من قلوبهم والمحبّة تُشِّع من وجوههم. ومرّت حياتي أمامي في لحظة، فلم أجد فيها إلّا كبريائي وافتخاري وحبّي لذاتي، وإنّ كلّ ما فعلْتُه كان لمجدي الشّخصيّ. ندِمْتُ وماذا يَنْفَعُ النَدَم؟! سالت دموعي فإذا هي تمرّ على يديَّ وتُرَطِّبهما. فاستيقظْتُ مِن نومي واجدًا نفسي أحلُمُ وأنا نائمٌ في ساعة تأمّل. إنّها كانت فُرصَتي.”
إنّ مسيرتنا هي مسيرة إيمان ورجاء. نعيش الإيمان من خلال محبّتنا للآخر. إنّ الله صادقٌ بِوُعُوده لنا بأنّه سيَهَبُنا الحياة. وإنّنا نعلم أنّ أمواتنا هم بين يديّ رحمة الرّبّ: فَهُمْ السّابقون ونحن اللّاحقون. وَكَونُ أمواتنا هم السّابقون فَهُمْ يطلبون إلينا أنْ نسعى لنعيش حياتنا الأرضيّة بملئها ونبدأ بالتّحضير للسّماء، أي من أجل حصولنا على الحياة الأبديّة. إنّ أمواتنا هم في سعادةٍ لا تُوصَف لأنّهم في حضرة الربّ، وَهُمْ يَدعوننا إلى عدم القلق في أمرهم، بل أكثر من ذلك، إنّهم يطلبون منّا الاهتمام بتحضير ذواتنا للقائهم في اليوم الأخير، لنكون وإيّاهم في حضرة الربّ. إنّ مسيرتنا هي مسيرة رجاءٍ بالربّ. فَنَحْنُ في هذه الأرض نُشبِه مسافرًا ترك بلاده، من أجل جمع الثروات، ولذا فَهُوَ لا يشتري كلّ شيء، بل فقط ما يحتاحه ويفيده إلى حين عودته إلى بلده. لذا، لِنَسعَ إلى جمع كلّ ما يفيدنا ويُهيِّئُنا للحياة الأبديّة، ولنطرح عنّا كلّ ما لا فائدة منه في الملكوت.
ملاحظة: دوِّنت التأمّل بأمانةٍ من قِبَلِنا.