لقاء الشبيبة السنويّ 2017، “عيش السما على الأرض”

دير الكرمل ومدرسة الكرمليت – القبيات، عكار،

عظة القدّاس الإلهيّ: “إيماننا يتخطى الصّليب إلى الحياة”

الأب قيريانوس قبريانوس،

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
إنّنا نجتمع اليوم، مع جماعة “أذكرني في ملكوتك”، لنتعلّم منها عدم الشكّ بكلام الربّ، ما فَشِل زكريّا في تعليمِنا إيّاه في أحد بشارته.
قال لنا يسوع إنّه هو الطريق والحقّ والحياة، فإنْ آمَنّا بهذا الكلام، أدرَكْنا أنّ لا وجود للموت في حياتنا المسيحيّة. إنّنا، نحن المؤمنين بالمسيح، لسنا أبناء الموت بل أبناء الحياة، أبناء الله وإخوة يسوع المسيح، وبالتّالي لا يجب أن نسمح لليأس والإحباط أن يسيطرا علينا، بل علينا أن نسيطر عليهما من خلال التمسّك بالفضائل الإلهيّة وهي: الرّجاء والإيمان والمحبّة. 

إن أردنا أن نكون أبناء الرّجاء والإيمان والحياة، علينا عدم التوقُّف عند أقدام الصّليب لنبكي المسيح لأنّ إيماننا يتعدّى الصّليب والموت عليه، إلى القيامة. فالتوقُّف عند مرحلة الصّليب والموت، يجعل من إيماننا بالله باطلاً، فإيماننا بالله يرتكز على القيامة، سبب فرحِنا وعزائنا ورجائنا. إنّ القدِّيسة تريزيا تؤكِّد على كلامنا هذا إذ تقول:”أنا لا أموت أبدًا بل أدخل الحياة”.

إنّ مجتمعنا المسيحيّ يُعاني من أزمةٍ كبيرة في مسألة تعبيره عن حزنه أمام الموت، وهي: خوف المؤمنين الحزانى من التعرُّض للانتقاد مِن قِبَل مجتمعهم، في حال عدم ارتدائهم ثياب الحداد لمدّة معيّنة من الزّمن. إخوتي، إنّنا أبناء النّور، فلماذا نرتدي الملابس السوداء في الحُزن؟ إنّ الملابس السوداء تدلّ على أنّنا أبناء الظّلمة لا أبناء النّور. فإن كُنّا حقًّا أبناء النّور، علينا ارتداء الملابس البيضاء لا السوداء في فترة الحِداد. إنّ كُنّا أبناء النّور، فهذا يعني أنّه علينا الإصغاء إلى الربّ الّذي قال عن نفسه إنّه هو نور العالم، والسير وِفق تعاليمه، لا الإصغاء إلى كلام النّاس وانتقاداتهم لنا.

في القديم، سادَت عادات كثيرة تتعلّق بعيش المؤمن لفترة الحِداد، منها ما زال مع الزّمن، ومنها ما لا يزال مُطبَّقًا في أيّامنا هذه. في الأيّام الخوالي، كان يمتنع المحزون عن مشاهدة التِّلفاز خوفًا من انتقاد الآخرين له، غير أنّ الأطفال في تلك البيوت المحزونة، كانوا يرغبون بمتابعة بعض البرامج التِّلفزيونيّة، لهذا السبب كانوا يُزنِّرون نوافد منازلهم بالشَّارات السّوداء كي لا يتمكّن أحد من الجيران من معرفة ذلك وانتقاد أهاليهم. 

أمّا اليوم، فما إن تصل العائلة المحزونة إلى المنزل، حتّى تُشعِل التِّلفاز. والسؤال الّذي يُطرح أمام زوال هذه العادة: أَلَم يَحِن الوقت كي تزول كلّ تلك العادات القديمة الّتي لا تُعبّر عن حقيقة إيماننا ورجائنا بالربّ القائم من بين الأموات؟ في القديم، كانت تمتنع العائلة المحزونة عن تناول اللّحوم وعن تناول المشروبات الروحيّة، أمّا اليوم فتُقام ولائم رحمة لأجل راحة نفس الفقيد، تضمّ كلّ ما لذّ وطاب من المأكولات والمشروبات. إخوتي، مع زوال بعض العادات القديمة كالّتي ذكرناها، أيجوز لنا اليوم، نحن أبناء النّور أن نبقى متعلِّقين بعادة ارتداء الملابس السوداء في فترة الحِداد؟ أقول لكم، إنّه كان على هذه العادة أن تزول قبل سواها من العادات المتعلِّقة بتعبيرنا عن الحُزن.

إنّ أعظم ما في حياتنا المسيحيّة هو القدّاس الإلهيّ، ولكن للأسف، إنّ العدد الكبير من المؤمنين الّذي يتواجد يوم الدّفن في الكنيسة، لا يحضر إليها للمشاركة في القداديس يوم الأحد، إنّما فقط لأداء واجب التعزيّة عند وفاة أحدهم. إخوتي، إنّي لا أقول إنّ تلك الواجبات غير مهمّة، بل ما أودّ قوله هو إنّ ما يحتاجه الفقيد منّا بعد انتقاله من هذه الأرض، هو ذِكره في القدّاسات الإلهيّة، إضافةً إلى أعمال الرّحمة الّتي نقوم بها من أجل راحة نفسه، فارتداء الملابس السوداء، حدادًا على رحيله من بيننا، والامتناع عن المأكولات، لا تفيده بشيء، في الحياة الأخرى. 

لقد لفتت انتباهي عظة أحد الأساقفة في يوم وداع أحد المنتقلين من هذه الأرض إلى الملكوت، فقال: إنّه حقّ لنا نحن الحزانى في هذه الأرض أن نبكي على أعزائنا الّذين فقدناهم بالموت، ولكن على بكائنا أن يُعبّر عن رجائنا بالربّ لا أن يعبّر عن يأسنا من الحياة وانتهائها. إنّه من غير الضروريّ أن تُفارق البسمة وجه المحزون، تعبيرًا عن حزنه، لا بل على تلك البسمة أن تبقى لتشهد على أنّ صاحبها هو من أبناء الرّجاء والنّور لا من أبناء الموت والظّلام. 

عند وفاة والدي الحبيب، جاء النّاس لتقديم واجب العزاء، ولكنّ مفاجأتهم كانت كبيرة حين رأوا أهل الفقيد يُعزّون الآخرين بتصرّفاتهم الّتي تُعبّر عن رجائهم بقيامة الموتى. في كلّ مرّةٍ كانت تشعر برغبتها في البكاء على رحيل والدي، كانت تلجأ أختي إلى صلاة المسبحة على راحة نفس والدِنا كي يزول حزنها، وقد نجحت في تخطّي الحزن بواسطة المسبحة. وبالتّالي يمكنكم أن تستفيدوا من تلك الخبرة، لتجعلوا من مسبحتكم سلاحًا لكم في وقت الحزن والألم.

في فترة العيد، تمتنع العائلات المحزونة عن وَضْعِ المغارة لأنّها تُشكِّل إحدى مباهج العيد بالنسبة لهم، وبالتّالي يمتنعون عنها لأنّهم لا يشعرون بالعيد بسبب فقدان أحد الأعزّاء. إخوتي، هذه العادة لا تُعبّر عن إيماننا المسيحيّ، لذا عليها أن تزول. على المحزون من بيننا، أن يضَع مغارة في منزله، دون أن يتحاشى وَضْعَ المولود فيها، إذ عليه أن يُصلّي أمام المغارة لفقيده الغالي طالبًا من الربّ أن يُفيض عليه مراحمه، وأن يمنحه في هذا العيد نعمة مشاهدة وجهه القدُّوس.

إخوتي، لا يجب أن نقبل بعد اليوم، أن نكون شعبًا ميّتًا يتمسّك بالعادات القديمة، ويلتزم بالقدّاس كونه أحدى الواجبات الدّينيّة، بل علينا أن نشهد للآخرين عن إيماننا من خلال تصرّفاتنا وبخاصّة في أوقات الحُزن والشدائد. يُخبرون عن كاهن حاول بكلّ الوسائل أن يدفع أبناء رعيّته للحضور إلى الكنيسة والمشاركة في الاحتفالات الدِّينيّة، ولكن محاولاته كلّها باءت بالفشل. لذا، قرّر في يوم من الأيّام أن يدفن تلك الرعيّة الميّتة، فدقَّ جرس الكنيسة حُزنًا مُعلنًا موتها. فحضر أبناء الرعيّة ليعرفوا مَن هو الفقيد، فَدعاهم الكاهن للمشاركة في الدّفن دون أن يُعلِن عن اسم الفقيد، فحضر جميع أهالي تلك المنطقة، رغبة منهم بمعرفة هويّة الفقيد. 

بعد العظة، طلب كاهن الرعيّة من جميع أبناء الرعيّة أن يتقدَّم كلٌّ بمفرده، ويُلقي نظرة الوداع على الفقيد قبل أن يُوارى الثرى. وكم كانت مفاجأة أبناء الرعيّة كبيرة حين رأى كلٌّ منهم صورته في النَّعش، إذ إنّ الكاهن كان قد وضع مرآةً داخل التابوت. عندها أدرك أبناء الرعيّة أنّهم السبب في موت رعيّتهم، إذ إنّهم لا يلتزمون بها.

على المؤمنين بالمسيح، أن يكونوا علامةً عن العطاء والبذل والتضحية في سبيل الآخرين في مجتمعاتهم، وأن يُعبِّروا عن فرحهم ورجائهم، نتيجة إيمانهم بالربّ يسوع. لذا، فإنّ كلّ مؤمن حزين ليس بمسيحيّ، لأنّ الربّ يسوع يدعو المؤمنين به إلى الفرح لا إلى الحزن والبكاء. 

إخوتي، في كلّ مرّةٍ تواجهنا الصّعوبات، علينا أن نحمل صليبنا بفرحٍ، فنتعلَّم من صعوباتنا، ويتعلّم منّا الآخرون كيفيّة مواجهة الصّعوبات في الحياة فيُدركون معنى الإيمان بالمسيح يسوع.

إخوتي، تذكّروا دائمًا أنّكم أبناء الرّجاء والقيامة، أبناء النّور والإيمان، وهذه كلّها تُعبّر عن هويّتكم الحقيقيّة. إنّ المؤمن بالمسيح، يحمل في داخله المسيح، الّذي هو الّنور والفرح والقيامة. آمين.

ملاحظة: دُوِّن التأمّل بأمانةٍ من قِبلنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp