لقاء الشبيبة السنويّ 2015 بعنوان: “نحن أبناء الرّجاء”
مدرسة سيّدة جبل الكرمل (Carmélite) – الفنار،
شهادة حياة: “كلّما اقتَرَب الإنسان من الربّ عاش النّعمة…”
السيّدة ألين لحود،
كنتُ أشكر الربّ في كلّ حين على أنّني تربّيتُ في عائلة مؤمنة، وكان لوالدتي إصرارٌ دائم على الصلاة، الاعتراف، الذهاب للكنيسة، وكلّ الطقوس الدينيّة. وأيضًا، كنت أعتقد أنّه يكفي أن أصلّي لوحدي في غرفتي، فالربّ يسمع الصلاة أينما كنت، واكتشفتُ من خلال تجارب حياتي أنّه كلّما اقتَرَب الإنسان من الربّ عاش النعمة، وكلمّا ساعد نفسه، الربّ سَاعَدَه أكثر.
اعتبرتُ أنّني أستطيع أن أعتمد على نفسي في كثير من مراحل حياتي. فالله وهبني العقل والمواهب لأستفيد منها وأتابع حياتي، وحاولتُ أن أختبرَ نفسي في مرحلتَيْن مختلفتَيْن واجهتُ فيهما الصعوبات نفسها. في مرحلة معيّنة اعتقدتُ أنّني من الممكن أن أجدَ الحلّ للمشاكل التي تعترض طريقي، فلاحظتُ أنّ هذه المشاكل تدوم لوقت طويل وأنّه أصبح من الصعب تجاوزها. وفي يوم من الأيام، بينما كنت أتحدّث مع أحدّ الكهنة عن مشكلة كبيرة، غير قادرة أن أجد لها حلًّا، وبعد أن وصلتُ إلى مرحلة من اليأس وفقدتُ الأمل من إيجاد حلول لها، ذكّرني الكاهن بأنني في مرحلة من مراحل حياتي كرّستُ نفسي للربّ من خلال أعمالي وصلواتي، فلماذا ابتعدتُ عنه ؟
فقدتُ والدتي بعد أن عشتُ معها كلّ المراحل الدينية، وكانت صدمة كبيرة لي؛ فقد كنتُ أصلّي دائمًا أن يُنجيني الله تجربة فقدان أمّي التي هي نقطة الضعف في حياتي، وأنّني حاضرة لأخوض كلّ التجارب الأخرى. وهكذا بعد وفاة والدتي لفترة زمنية، تفاجأتُ من صمودي، من القوّة التي وهبني إيّاها الربّ لأقف على رجلَيّ وأتابع حياتي، ولكنّني بدلاً من الإستفادة من هذه القوّة، ابتعدت عن طريق الربّ، ورفضت الذهاب إلى الكنيسة، وعشتُ جمودًا في صلاتي، وتُهتُ في فراغ كبير، فراغ لم يعد أحد يملأه…لا الأصحاب، ولا الأقارب، ومع ذلك لم يبتعد الربّ عنّي بل بقيَتْ نعمتُه موجودة من خلال متابعتي لعملي، ومن هنا كانت تفيض نعمتُه وقوّته على حياتي، ولكنّني لم أكن مُدركة لهذا الموضوع، وظننتُ أنّني القويّة، أنا التي أهبُ نفسي هذه القوة من خلال تأقلمي مع الوضع.
ابتعدت لسنوات عدّة عن الله، حتى وقعتُ في مشكلة شخصيّة كنتُ قد مررتُ بها سابقًا في الأيام التي كنت فيها أكثر روحانيّة وإيمان، وتفاجأتُ من نفسي أنّني أكبر سِنّاً الآن، وليس بإمكاني معالجة هذا الموضوع وأخذ قرارات صارمة، وأصبحتُ أتساءل لماذا عندما كانت أصغر سنّاً، كنت أكثر صرامة وقوّة في قراراتي؟. حتّى التقيتُ مجدّدًا بالكاهن ذاته الذي كنت على علاقة وطيدة معه منذ الصِغر، فهو الّذي كان يُرافقني ويُتابعني روحيًّا في حياتي، ووجد في عينَيّ فراغًا كبيرًا، وسألني عن سبب غيابي كلّ هذه السنين عن الكنيسة وعن سبب انطفاء الحرارة التي في داخلي. فأجبته أنّني لم أكن على استعداد لإعلامه كي لا أقوم بما يطلبه منّي. كنتُ غارقة في فراغ اليأس والوجع، وأنظر دائماً إلى السماء وأقول للربّ: “لماذا أنَا، مَاذا تُريد مِنِّي بعد، فقد تُوفيت أُمّي، وتوفيت خَالتي بعدها بعشرة أشهر، وأصبحتُ وحيدة”.
لم أكن مدركةً بأنّني أنا التي تركتُ الربّ وليس هو من ابتعد عنّي، وكان الكاهن يُذكِرّني بألين السابقة، ألين التي كانت تَشِعُّ بالفرح وتنبض بالحياة. وبعد فترة أدركتُ واقعي، وقررت النهوض من جديد والعودة إلى ممارسة حياتي الروحيّة، وتساءلتُ هنا حول كيفيّة العودة إلى الكنيسة…إلى سرّ الاعتراف؟ ولماذا لم أعُد قادرة على حلّ مشاكلي؟. فدعاني الكاهن بأن أقوم بالخطوة الأولى، والنعمة تأتي من الربّ تدريجيًا. وبعد مدّة بدأتُ بالذهاب إلى جماعات صلاة مع إحدى صديقاتي التي كانت جِسر عبورٍ لي في هذه المرحلة، وبدأت أشعر بأنّني أريد الذهاب من تلقاء نفسي للمشاركة في السجود للقربان المقدّس وتلاوة المسبحة…. وبدأت تتفكك يومًا بعد يوم المشكلة التي كنت أعاني منها منذ سنة. ذهبت بعد شهر إلى الكاهن وحدّثته عن وضعي وكيف بدأت المشكلة تزول، وأنّني أصبحتُ أصلّي من كلّ قلبي، وأردّد مسبحة الرحمة في عملي (التصوير)، وأقرأ الإنجيل…وبدأت نعمة الربّ تحلّ عليّ، أصلّي من كلّ قلبي وكأنّني على موعد مع الحبيب، واكتشفت أنّه رغم العقل والمواهب والنعم التي أفاضها الربّ عليّ، فوجوده في حياتي وعلاقتي به هما الأهم.. ولم أعُد أريد أن أتعامل مع الربّ على أنّه القوة التي تخيفني، فكان كلّ هدفي أن يعود هذا الرابط القويّ معه، وأن أتقرّب منه أكثر. بعدها أدركتُ أنّ الإنسان هو الذي يبتعد عن الربّ بسبب ضعفه.
كنتُ أشكر الربّ دومًا على الأوجاع التي عانيتها، وأؤكد أنّ كلّ الآلام التي يتحمّلها الإنسان هي بمثابة الوزنات، وكلّ شخص يعطيه الرّب وزنات خاصّة به وهو يعرف أنّه قادر على تحمّلها من خلال الاقتراب منه والإيمان به.
ملاحظة: دُوّنت الكلمة بأمانةٍ من قبلنا.