لقاء الشبيبة السنويّ 2015 بعنوان: “نحن أبناء الرجاء”

 مدرسة سيّدة جبل الكرمل (Carmélite) – الفنار،

شهادة حياة: “ما جرى في حياتنا هو بفعل يد الله…”

الشابة مايا الهبر،

منذ عشر سنوات كان اختبار واقع الموت، الموت المفاجىء لوالدي، باسيليوس، الذي لم يكن يُعاني مِن أيّ مُشكلة صحيّة. كان عمري 19سنة، وكنتُ أظنّ أنّ الموت فكرة بعيدة عنّي، وأعتقد دائمًا أنّ الموت يكون لشخصٍ مريضٍ، كبيرٍ في السنِّ، ولم أكن أدرك أنّه يُفاجِئنا أحياناً.
في ذلك اليوم خرج أبي لرياضته ولم يَعُد، وبالطبع كانت صدمة كبيرة للعائلة، وواجهنا واقع الموت. ولكنّ الله، في هذه الفترة الصعبة، رافقنا في حياتنا ولم يتركنا أبداً، إذ كانت دعوة لي لفهم حقيقة سرّ الموت… فتغيّرت حياتي وحياة عائلتي.
بعد موت أبي، بدأنا نصلّي مع إخوتي وأمّي صلاة السبحة يوميًا علّ محبتُنا له تدوم. وبعد فترة قصيرة، بدأنا نشعر بتدخّل عناية الله في حياتنا، وحضور أبي خاصة من خلال مواقف صغيرة حصلَتْ معنا، أكدّتْ لنا حضورَه، وحقيقة القيامة، ووجود حياة ثانية ما بعد الموت… مما أفاض في قلوبنا الفرح والتعزية والسلام. وهنا أدركنا أنّ الإنسان الذي يموت يبقى حيّاً ونلتمس حضوره إذا واظبنا على الصلاة. وموته لا يعني نسيانه أو عدم ذكر اسمه.

وفي قدّاس الأربعين الذي كان في زمن القيامة، يُرَدَدُّ دائماً في القدّاس البيزنطي: “المسيحُ قَامَ مِن بين الأموات، ووطىء الموتَ بالموت، ووهبَ الحياةَ للذين في القبور”. عندها فهِمتُ العبارة بمعنى جديد، فهمْتُ معنى القيامة، ودخل السلام إلى قلبي، وخلعتُ اللباس الأسود وارتديتُ الأبيض بدلاً مِنه لأنّه رمز القيامة، وبعد أن عشتُ والعائلة علامات تعزية وفرح القيامة من خلال تدخل عناية الله وتدبيره في حياتنا، دُعينا للصلاة من أجل الموتى وابتدأتْ مسيرةُ “اذكرني في ملكوتك”.

وبعد هذه التجربة، فهمتُ المعنى الحقيقي للحياة، والحياة الحقيقية هي ما بعد الموت. فالحياة الأرضيّة جزءٌ صغيرٌ من حياتِنا، والجزء الأهم يأتي لاحقاً. وأصبحتُ أعتمد على الله في حياتي بشكل أكبر، أعيش حضوره وأذكره في يومي مراراً.
في البدء، لم نكن نفهم ما يحصل لنا، ولا الغاية في وقتها، وهنا أدركنا أن الله يقودنا في طريقنا ويعرف ما هو الخيرُ لنا. وما جرى في حياتنا هو بفعل يد الله… وكلّ المشاكل والصعوبات التي كنّا نواجهها في حياتنا أصبحنا نعتبرها صغيرة، فالمهمّ أن نعيش بمحبة ورجاء لنصل إلى الحياة الحقيقية…

وإذا اعتبرنا أن هذه هي الحياة الحقيقيّة التي نُخلق فيها، نعيشها، نواجه المشاكل والصعوبات، ونموت من بعدها، فلا نكون قد اختبرنا المعنى الحقيقيّ للحياة بعد، فهذه حياة بسيطة وتمهيد للحياة الثانية التي هي حياة الملكوت.
وإذا ابتعدنا نحن كشبيبة عن التفكير بموضوع الموت، فلا يعني أنّه بعيد عنّا حقّاً، فإنّه سوف يدقُّ أبوابنا من دون أن نعلم، ويجب أن نكون دائماً حاضرين لنتقبله ونفهمه، ولنساعد من حولنا بإيماننا المسيحي. فالقيامة هي ركيزة المسيحيّة، ويقول بولس: “إن لم يَكُن المسيح قد قام فباطل إيمانكم”.

وأخيراً علينا أن نكون، نحن الشبيبة، العلامة الفارقة من خلال لبس الأبيض في الحزن، وقول جملة “المسيح قام “…فكلّ هذا من المؤكَّد أنّه سيؤثر في أحدِّ الموجودين ويمسّه ويُغيّر له حياته. وأيضًا أن نعيش الحياة الحاضرة بمحبة ورجاء ولكن من دون نسيان النظر إلى الأعلى والتفكير بالحياة الثانية.

ملاحظة: شهادة حياة لمايا باسيليوس الهبر في نشأة الجماعة، أثر انتقال والدها الى الحياة الأبدية.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp