“لن أتركَكم يَتامى، فإنّي آتي إليكم” (يو 14: 18)
بقلم الأب عبود عبود الكرمليّ،
لَو وَضَعَ كلٌّ منّا نفسَه مكان تلاميذ المسيح، وعاش مع الربّ يسوع على الأرض، فَشاهده وسمِعَ تعاليمه، وعايَنَ معجزاته، وقبل أن يراه صاعدًا إلى الصّليب، فوجئ في نهاية المطاف بالربّ يسوع يقول له: “في بيْت أبي منازل كثيرة. وأنا أمضي لأُعِدَّ لكم مقامًا” (يو 2:14). أفما تكون رسالته صعبةً، ويخِيبُ أمَلُه؟
ولكنّ الربّ يسوع تابع كلامه وطمأنهم في الإنجيل ذاته قائلاً: “لن أتركَكم يتامى، فإنّي آتي إليكم” (يو 18:14). لأنّه يعرف أنّهم، سيَعيشون يتامى عندما سيَتركهم.
مَن هو اليَتيم؟ هو شخصٌ وُلِدَ ولا يَعرف أباه أو خَسِر والِدَيه. لذا فهو لن يعيش في أمانٍ، وسيحيا بلا سندٍ ولا مَن يقوده في مسيرته، ويعلِّمه كيف يسير في حياته ويشرح له مصاعب الحياة. غالبًا ما يعيش مجهولاً، ولا مَن يسأل عنه. كُلُّنا نمرّ بأوقاتٍ شبيهة كهذه، ونعيش أنواعًا من اليُتْم ونَفقد الثِّقة بالذَّات أو بالآخَرين.
مع أنَّ كلام الرَّسول بولس واضحٌ:”لم تتلَقّوا روحَ عبوديّةٍ لِتَعودوا إلى الخوف، بل روح تَبَنٍّ، به نُنادي: “يا أبتِ!”. وهذا الرُّوح نفسه يشهد مع أرواحِنا بأنَّنا أبناء الله. فإذا كُنَّا أبناء الله، فنَحنُ ورَثة، ورثة الله وشركاء المسيح في الميراث” (رومية 8: 15- 17).
نحن أبناء الله في المسيح. فبَعد صعود المسيح إلى السَّماء وحلول الرَّوح القدس على التَّلاميذ في العِليَّة في اليوم الخَمسين، امتلأوا من الرُّوح القدس، وعرفوا العلاقة بالأب. يقول الرَّسول بولس: “إنّ الله أرسلَ روحَ ابنه إلى قلوبِنا، الرّوح الذي ينادي: يا أبتِ!” (غلا 6:4)؛ الرُّوح القدس يصرخ فينا ويُحيينا، فنعرف أننّا أبناء، ولنا أبٌ روحيّ. وتصبح علاقتُنا بالله علاقة الأبناء بأبيهم. وهنا يمكننا أن نتصوَّر علاقتنا بالله على أنَّها علاقة شبيهة بعلاقة البشر بآبائهم، فيُرشِدنا بِروحه السَّاكن فينا، ويُعزِّينا في أحزانِنا، ويساندنا في جميع مراحل حياتِنا.
واليوم، في خِضَمّ وباء كورونا، الّذي ينتشر في أنحاء العالم كُلِّه، فلنتذكَّر أنَّنا أبناء الله، فنعيش حسب هذه الصِّفة. ومَن مِنَّا لا يَفتَخِر بأبيه؟ فكيف إذا كان والدُنا أبًا عظيمًا، ألا نَفتَخِر به، ونُعلِن محبَّتنا له؟ وبِذلك نزداد عُرفانًا بِجَميلِه وبِعنايَتِه، ونشكره على كلِّ صنائعه، ونرجو منه الخلاص لنا ولكلِّ أبناء وَطَنِنا.