نحبُّها كما أحبَّها يسوع،
بقلم الأب ميشال عبود الكرمليّ،
هناك عند أقدام الصّليب، تَسَلّمْنا مريم بشخص التلميذ الحبيب، الذي أخذها إلى بيته وأصبحت عنده “ستّ البيت”، على أن تكون في بيوتنا هي الأم الملكة.
في شهر أيّار، وفي كلّ لحظة نكرّمها ونتأمّل في عمق إيمانها وصبرها، هي التي جاز في قلبها سيف الأوجاع ووحيدها مائت أمام عينيها. لكلّ أمّ تسأل: “أين كانت مريم، عندما مات ابني؟” يكون الجواب: “حيثما كانت عندما مات ابنها”.
نعم سرّ الموت مؤلِم، وإنّما قوّة الرجاء أكبر. ونتذكّر هذا الموقف ونطلبه قائلين في صلاتنا: “صلّي لأجلنا الآن وفي ساعة موتنا”، أي كما كنتِ حاضرة هناك في آخر ساعات ابنكِ الأرضيّة، كوني إلى جانبنا في آخر لحظات حياتنا، لكيما نكون بصحبتكِ في السماء حيث نتوق أن نكون مع المسيح، هو الذي بموته وقيامته فتح لنا أبواب الملكوت، وبصعوده حمل إنسانيّتنا وشاركنا في لاهوته، ليُشركنا في مجده السّماوي.
إنّ الإكرام المريميّ ليس جزءًا مضافًا إلى الحياة المسيحيّة، وإنّما هو جزء لا يتجزّأ منها، فإيماننا مرتكزٌ على شخص يسوع المسيح بالذّات، نعبده، نحبّه، ويبقى هو الأوّل في حياتنا، هو الحاضر في القربان، نتناوله، وهذه المناولة تعطينا الحياة الأبديّة. هو القائل: مَن أكل جسدي له الحياة الأبديّة. هو يسوع، سكن في حشا مريم، وُلد منها، فأخذ جسده من جسدها ودمه من دمها، لذلك عندما نحبّ يسوع ونعبده، فلا نقدر إلّا أن نحبّ مريم ونلتجئ إليها، نذهب إليها كما هو ذهب إليها، ونحبّه كما هي أحبّته.
نتأمّل صعوده إلى السماء، ونتأمّل كذلك انتقالها إليه؛ فالذي صعد ممجّدًا إلى السماء، لم يشأ إلاّ أن يُشرك أمّه في هذا المجد، فتبادلا الأدوار بين الأرض والسّماء، فأخذ جسده الأرضيّ من جسدها الترابيّ، وحوّل جسدها الترابيّ إلى جسد سماويّ.
فالسّماء حاضرةٌ هنا، في مسيرتنا الأرضيّة، حيث كلّنا مدعوون إلى أن نعيش حضور الربّ الساكن أعماق قلب كلّ إنسانٍ، والحاضر على الدوام في سرّ القربان. هنا نعيش إيماننا بالقائم من بين الأموات، حيث نحبّه ونتمثّل به في كلّ شيءٍ وخصوصًا بحبِّه لأمّه مريم، فنكرّمها ونحبّها كما هو أحبّها.