“هل الموت يقتل الحُبّ أو الحب يقتل الموت؟”

بقلم الخوري نايف الزيناتي،

إذا أمعَنّا النّظر في الموتِ مُنذُ كانتِ الخليقة، وَجَدْنا أنّه نهايَةُ الحياةِ الأرضيّة وغيابُ الإنسان، جسداً… ويقول أساطين الطبِّ إنّ الموتَ هو توقّفُ الخلايا الجسديّة عن أداءِ مَهامها لاستمرار الحياة وفي مُقَدّمها الدِّماغ والقلب… فهلِ الموتُ، وفاقاً لما سبق، يُغيّب الجَسَدَ بكليّته قلباً وعاطفةً وحبّاً؟

لا شكَّ في أنَّ البشريّة تكاد تؤدي شهادةً على مرِّ الأيام والأزمنةِ تُثَبّتُ أنَّ الموت رحيلٌ آنيٌّ مؤقّتٌ لا يُلغي الرّابطَ الأبديَّ الجامِع بين الراحِلين والباقِين… نحن، بني الإنسان، نبقى على صلةٍ وثيقةٍ بمن رحلوا؛ وهم دائمو التّواجُدِ يوميّاً بيننا في حِلِّنا وترحالِنا، يسعَون لِمَنْحِنا القدرة على متابعةِ النضال في الحياةِ وفاقاً لتشريعات نؤمِن بها ونسير على هداها ساعِين لِتحقيق مشيئة السيّد المسيح الذي مات مفتدياً الخَلق، كلَّ الخلق، انطلاقاً من حبٍّ أثبَتَتْ الأزمنةُ أنَّهُ حبُّ خالقٍ لمخلوقاته، كي يبقوا ويستمرّوا عابرِين الموتَ إلى دنيا البقاء السّرمدي كما شاء لهم مخَلّصُهم، سيّدُنا المسيح.

الحبُّ إذاً، نِعمةٌ أبديّةٌ فوقيّةٌ تلازمُ بني آدم في مسيرتهم الأرضيّة الوجوديّة وفي عِناقِهِم التحرُّرَ الماديَّ الأزليَّ اللامتناهي… قد يكونُ الحبُّ مائدةَ الحياةِ الـمُثلى كما يزعَمُ الفلاسفة الوجوديّون، ولكنَّهُ يبقى مائدةَ الخلودِ مُمثَّلاً في تجاوز المادَّةِ إلى استمرارٍ ينفي الموتَ، ويجعلُهُ حقبةً آنيّةً من حقباتِ الحياةِ الإنسانيّةِ الدائمةِ الأزليّة…

فالحبُّ هو الحياة، والحياة بدون حبٍّ حقيقيٍّ على مثال الربّ يسوع تكون موتاً حتميّاً، وجحيماً أزليّاً للإنسان وللمجتمع. إنَّ الموتَ يغيّب الجسدَ ولكنه لا يغيّبُ الحبَّ، لا يغيّبُ الإنسانَ الذي يحبّ.

فالحبّ الحقيقيّ يتخطّى حدود الحياة إلى ما بعد، بعد الحياة، ليُصبح الشوقَ الدائم والوحيد، أي رجاء الإنسان بملاقاة الآخر من خلال الربّ يسوع؛ وإن كان حبّ الإنسان لا يحدّه مكان وزمان، فالرجاء أيضاً لا محدود لأنّه من ثمار الحبّ وجوهره. مَن أحبّ رجا وَوَثِق بأنّ حبّه لا ينتهي، ولن يُفصَل عن محبّيبه حتى بعد الموت.

فهَل نرقى بأفكارنا وذواتنا وإيماننا إلى ما يجعلنا نثبِّت أنّ الموت من الحياةِ، والحياة من الموت؟ ذا ايمانُنا وبه نعيش ونموتُ ونبقى… فهل نَعي أن الحبَّ خلاصُ البشريّة وانتصارُها على الموتِ في هذا الوجود؟

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp