“وأخَذ خُبزاً، وشَكَر وكَسَره وناوَلهم” (لو 19:22)

بقلم الخوري جوزف سلوم،

وكيف عَرفاه عند كَسْر الخبز”(لو 35:24): لقد اختبَر تلميذا عمّاوس حقيقةَ وحضور يسوع الحيّ في سِرّ الشركة والإفخارستيّا، ووَجدا فيه مَصدر الفرح وخبِرة الخلاص وركيزة الإيمان.

لقد أعدّ بطرس ويوحنّا العشاء الأخير في غرفةٍ كبيرةٍ، هناك وَهب يسوع ذاته في سِرّ دَهشة الحبّ اللامحدود، وأعطانا دمه ثمناً عن خطايانا، ودشّنَ العهد الجديد، وأصبح المسيح فِصحنا، ووَعدَنا أنّه سيكون حاضراً في سِرّ القربان المقدّس، حيث نُعاين ذبيحة المسيح الكاملة، وحيث يَتحقّق وَعد الله بالحياة الجديدة في ملكوته.

إنّ ما وَرد في إنجيل لوقا (19:22): “أخذ خبزاً وشَكَر وكَسَره وناولهم” هو خلاصة كلّ أعمال يسوع وحياته، ففي ذلك فائض الحبّ الكامل والمجانيّ.

  • أخَذ خبزاً: في ذاك العشاء أخَذ يسوع خبزاً وخمراً، وهما المادتان اللّتان حوّلهما إلى جسده ودمه. فالخبز والخمر مِن منتوجات الأرض التي أعطَت ثمرتها. إنّها أشياء بسيطةٌ عاديةٌ معروفةٌ، ولَيْست غالية الثمن، وبإمكان كلّ الناس أنْ يحصلوا عليها، فقراء وأغنياء، وهم يضعونها على موائدهم، لأنّها أساسيّة ومهمّة في حياتهم اليوميّة. واختيار يسوع للخبز والخمر يشبه اختيار الربّ لشعبه في العهد القديم، حيث قاد موسى هذه البقية الباقية الفقيرة، أسيرة العبوديات، فحرّرها ورفعها لِتَصل إلى أرض الميعاد. وهكذا يأخذني الربّ من بين النّاس رغم محدودِيّتي وضُعفي وصِغري ويحوّلني ويصنع بي عظائم. فيَا ربّ، حِصّتي أقدّمها لكَ مع الخبزات الخمس والسّمكتَين، ومع ماء قانا وأجرانها الستّة، فمِمّا لكَ نقدّمه إليكَ، فحَوِّلْه وبارِكْه.
  •  
  • وشَكَرَ: تُشير كلمة شَكَرَ إلى النِّعمة، إلى البَركة، وهي عَطيّة خلاقة ومحيية ومجانيّة من الله، هي هِبات الإنعام الإلهيّ، فالآب هو مَصدر كلّ بَركةٍ. كما أنّها اعترافٌ علنيّ بالقدرة الفعالة للربّ، الذي يَمنح المِلء والرّاحة والشرِكة ووَحدة القلوب والسّلام والفرح. وفِعل الشّكر الذي نؤدّيه هو تلك اليَقظة لإشارات الله، وهو يحتضِن التاريخ المقدّس ويَسير به إلى الرّجاء، فالشّكر المسيحيّ هو إفخارستيّا.
  • وكسَرَه: بارك الربَ شعبه وجَعلهم أحباءَه، وها هو يَكسر لهم الخبز بعد البَركة. لقد أعطاهم حاجاتهم لكنّه في الواقع أعطاهم خلاصاً، فمَن يأكل من هذا الخُبز يرِث الحياة الأبديّة. مِن أجلهم ماتَ وأصبح كحبّة الحِنطة التي لم تبقَ مفردةً بل ماتَت لتُعطيَ الثمار، وهذا هو سِرّ الصّليب والموت مِن أجل حضور جديد.

– وناوَلهم: لقد أعطى يسوع خبزاً وخمراً تحوّلا إلى ذاته. أعطى الاثنَي عشر، أعطى الكنيسة وهم أعطوا العالم، فإنّ حدَث موت يسوع على الصّليب يمثّل إتمام وعود الله: “لقد تمّ”. اليوم يسوع يقدّم ذاته على الصّليب، يُناولنا جسده، وهو يقول: “أنا معكم كلّ الأيام حتى انقضاء الدهر”(مت 20:28).

لنْ يؤكَل خُبز الربّ إلّا إذا عَبَر في الصّليب، هنا تمّ كلّ شيءٍ، هنا علّمَنا كلّ شيءٍ.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp