محاضرة للأب ايلي خنيصر،
خادم رعيّة مار الياس الحيّ – الخنشارة، المتن.
“وسَيمسَح الله كلَّ دمعةٍ مِن عيونهم” (رؤيا 21: 4-8)
بِاسم الآب والابن والرُّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
نُصلِّي يا ربّ، في هذه الأمسية المملوءة بالرَّجاء النَّابعِ مِن سِفر إشعيا ومِن سِفر الرُّويا اللَّذين يجتمعان في هذا النَّص، مِن أجل أن تَترسَّخ الأفكار الّتي سنتأمَّل فيها في عقولنا، فَيَكون لدينا الرَّجاء بأنَّ السَّماء الّتي تَنتَظِرُنا هي سماءٌ جميلةٌ وفائقةُ الوَصف، وأنَّ الموت ليس هو النِّهاية، إنَّما هو انفتاحٌ على عالمٍ، وصَفَه الرّسول بطرس بأنّه “المدينة الآتية”. ساعِدْنا يا ربّ، كي نُدرِكَ خصائصَ هذه “المدينة الآتية”، ونُدرِكَ قَصدَكَ في قولِكَ: “وسيَمسحُ (اللهُ)كلَّ دَمعةٍ مِن عيونِهم”.
النصّ الإنجيليّ:
“وسيَمسَحُ كُلَّ دَمعَةٍ مِن عُيونِهم. ولِلمَوت لن يَبْقى وُجودٌ بَعدَ الآن، ولا لِلحُزنِ ولا لِلصُّراخِ ولا لِلأَلَمِ لن يَبْقى وُجودٌ بَعدَ الآن، لأَنَّ العالَمَ القَديمَ قد زال. وقالَ الجالِسُ على العَرْش: “هاءَنَذا أَجعَلُ كُلَّ شَيءٍ جَديدًا”. وقال: “أُكتُبْ: هٰذا الكَلامُ صِدقٌ وحَقّ”. وقالَ لي: “قُضِيَ الأَمْر. أَنا الأَلِفُ والياء، البِدايَةُ والنِّهايَة. إِنِّي سأُعْطي العَطْشانَ مِن يَنبوعِ ماءِ الحَياةِ مَجَّانًا. إِنَّ الغالِبَ سيَرِثُ ذٰلِكَ النَّصيب، وسأَكونُ لَه إِلٰهًا، وهو سيَكونُ لِيَ ٱبنًا. أَمَّا الجُبَناءُ وغَيرُ المُؤمِنينَ والأَوغادُ والقَتَلَة والزُّناةُ والسَّحَرَةُ وعَبَدَةُ الأَوثانِ وجَميعُ الكَذَّابين، فنَصيبُهم في الـمُستَنقَعِ الـمُتَّقِدِ بِالنَّارِ والكِبْريت: إِنَّه المَوتُ الثَّاني”.”(رؤيا 21: 4-8).
التأمّل في النّص الإنجيليّ:
إنّ هذا النَّص جميلٌ جدًّا، وسَنبدأ معًا بِفَكّ الرُّموز والمعاني الموجودة فيه، وسنَربطُها بِسِفر إشعيا الفصل 65.
بدايةً، إخوتي، أتتذكَّرون إنجيل الغنيّ ولعازر؟! في هذا النَّص، يُخبرنا الإنجيليّ لوقا أنّ الغنيّ، بَعد موتِهِ، نَزَلَ إلى الجحيم حيثُ العذاب والنَّار. ولكنَّ الربَّ سمح له بأن يرى لعازر، ذلك الفقير الّذي كان يشتهي أن يأكل مِن الفُتات المتساقط عن مائدته، ويشرب من الماء الموجود عليها، موجودًا في أحضانِ إبراهيم، الّذي هو رمزٌ للفَرَح الأبديّ. فَطَلَبَ الغنيُّ، عندئذٍ، مِن ابراهيمَ أن يُرسِل إليه لعازر قائلاً له: “يا أَبتِ إِبراهيمُ ٱرحَمْني فأَرسِلْ لَعازَر لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصبَعِه في الماءِ ويُبَرِّدَ لِساني، فإِنِّي مُعَذَّبٌ في هٰذا اللَّهيب” (لو 16: 24).
هنا، أريد أن أطرحَ عَليكُم السُّؤال التَّالي: مِن أين أتى هذا الماء الموجود بالقرب مِن ابراهيم ولعازر؟ في نَصِّ سِفر الرُّؤيا الّذي نتأمَّل به اليوم، قرأنا الآية القائلة: “أنا الأَلِفُ والياء، البِدايَةُ والنِّهايَة. إِنِّي سأُعْطي العَطْشانَ مِن يَنبوعِ ماءِ الحَياةِ مَجَّانًا”(رؤيا 21: 6). في السَّماء، نَهرٌ يَخرُج مِن تحت عرش الله ويَنشَقُّ إلى أربعةِ فروعٍ، وهو يرمز إلى الإنجيل، كلمةِ الله الّتي كُتِبَت من قِبَل الإنجيليّين الأربعة، متَّى ومرقس ولوقا ويوحنَّا، وسيَشرَبُ منه جَميعُ المؤمِنِين بالربّ.
إنّ هذا النَّهر هو نهر الحياة الأبديّة. إخوتي، في إنجيل الغنيّ ولعازر، نُدرِك أنّ الغنيّ قد رأى ابراهيم ولعازر جالِسَين على ضِفاف هذا النَّهر، لذلك قال لابراهيم إنّه يريد نُقطةَ ماءٍ مِن نَهرِ الحياة الّذي يَتمتَّع فيه لعازر، لِيُبَرِّدَ بها لسانه. عندئذٍ، أجابه ابراهيم قائلاً: “يا بُنَيَّ، تَذَكَّرْ أَنَّكَ نِلتَ خَيراتِكَ في حَياتِكَ ونالَ لَعازَرُ البَلايا. أَمَّا اليَومَ فهو هٰهُنا يُعزَّى وأَنتَ تُعَذَّب”(لو 16: 25). ها هي الآية تنعكس بَعد موتِهما الأرضيّ: الغنيّ يتعذَّب في اللَّهيب، ولعازر يتنعَّمُ بالخَيرات. في حديثنا السّابق، كُنَّا نتأمَّل في نصٍّ آخر من سِفر الرُّؤيا (رؤ14: 13- 18)، وتوَقَّفنا، آنذاك، عند عبارة “وأعمالُهم تَتبَعُهم” (رؤ 14: 14).
وانطلاقًا من هذه العبارة، سنبدأ حدثينا اليوم عن هذا النَّصّ الإنجيليّ الّذي يُخبرنا أنّ كلَّ شخصٍ صاحبَ أعمالٍ حَسَنةٍ في هذه الحياة، سيَنال ماءَ الحياةِ الأبديّة بعد موته الأرضيّ، ذلك الماء الّذي اشتهى الغنيّ أن يَشرب منه، في نصّ لعازر والغنيّ. أمّا إنْ لَم نَكُن مِن أصحاب الأعمال الحسنة، فإنّ الإنجيليّ يوحنَّا يُخبرنا أنَّنا لن نرث الملكوت، قائلاً لنا من خلال هذا النَّص: “أَمَّا الجُبَناءُ وغَيرُ المُؤمِنينَ والأَوغادُ والقَتَلَة والزُّناةُ والسَّحَرَةُ وعَبَدَةُ الأَوثانِ وجَميعُ الكَذَّابين، فنَصيبُهم في الـمـُستَنقَعِ الـمُتَّقِدِ بِالنَّارِ والكِبْريت: إِنَّه المَوتُ الثَّاني”.
لم يَكُن بولس الرَّسول الوحيد الّذي أخبَرَنا عن السَّماء الّتي تَنتَظرنا، حين كلَّمنا على السَّماء الثّالثة (2 كور 12: 2-4)، فبُطرس الرَّسول قد أخبَرَنا عن “المدينة الآتية”، قائلاً لنا إنّنا سنَكون حِجارَتَها الحيّة؛ وها هو الآن، يوحنَّا الرَّسول يَنقُل إلينا ما رآه عن السَّماء في هذا السِّفر. لقد بدأ يوحنَّا الرَّسول هذا الإصحاح، الإصحاح 21 من سِفر الرُّؤيا، بالقول: “ورَأَيتُ سَماءً جَديدةً وأَرضًا جَديدة، لأَنَّ السَّماءَ الأُولى والأَرضَ الأُولى قد زالَتا، ولِلبَحرِ لم يَبقَ وُجود”.
يتوجَّه الرَّسول يوحنّا بهذا الكلام الجميل المليء بالتَّعزية إلى الكنائس، أي إلى المؤمِنِين الّذين عانوا من الاضطهاد والألم والوجع والقَتل والموت. فَبَعد أن أخَبَرنا يوحنَّا الرَّسول في الإصحاحات الماضية، عن المعركة الشَّرِسة الّتي دارتْ بين الحَمَل المذبوح، وهو يسوع الفادي، والتِّنِّين الّذي حرَّك السُّلطة السِّياسيّة في روما مِن خلال امبراطورها، ودَفَعَها إلى اضطهاد المسيحيِّين، ها هو الآن يُخبرنا في هذا الإصحاح عن استجابة الحَمَل المذبوح للمؤمِنِين الّذين سُفِكَتْ دماؤهم، والّذين صَرَخوا إليه قائلِين: “انتَقِم لِدِمائنا” (رؤ6: 10). في هذا الإصحاح، نلاحظ أنّ غَضَبَ الحَمَل قد أثمَرَ وأعطى نتيجةً، إذ أسقَطَ اللهُ على “بابل” الّتي ترمز إلى روما، ما يُشابِه الضَّربات العَشر الّتي نزلَتْ على فِرعون ومِصر، عندما كان الشَّعب اليهوديّ في مصر تحت العبوديّة.
أمام عظمة الحَمَل، سقَطَتْ بابل العظيمة. في هذا الإصحاح، يُخبرنا يوحنّا الرَّسول أنّ الملوك والتُّجار وأصحاب بَيع المشروب، أي الّذين كانوا يستفيدون اقتصاديًّا من روما، قد بَكوا عليها عندما رأوا ماذا حلَّ بها. إنّ سقوط بابل قد أدَّى إلى نهوض الكنيسة: مع سقوط بابل، سَقَطَ عالَمُ الشَّرِّ وعالَمُ الشَّيطان، وفي المقابل، نهضَتْ الكَنيسة، كنيسة يسوع المسيح. وتابع الرَّسول يوحنّا كلامه على السَّماء، قائلاً: “وجاءَ أَحَدُ المَلائِكَةِ السَّبعَة، أَصْحابِ الأَكْوابِ السَّبعَةِ الـمُمتَلِئَةِ بِالنَّكَباتِ السَّبعِ الأَخيرة، فخاطَبَني قال: “تَعالَ أُرِكَ العَروسَ ٱمرَأَةَ الحَمَل” (رؤيا 21: 9).
مَن هي العروسُ، امرأةُ الحَمَل؟ إنّها الكنيسة الممجَّدة، إنّها الكنيسة الّتي انتصرَتْ على الشَّر بقوَّة يسوع. “فحَمَلَني بِالرُّوحِ إِلى جَبَلٍ عَظيمٍ عالٍ وأَرانِيَ المَدينَةَ المُقَدَّسَةَ أُورَشَليم نازِلَةً مِنَ السَّماءِ مِن عِندِ الله، وعلَيها مَجدُ الله” (رؤيا 21: 10): حين يقول لنا الرَّسول يوحنَّا إنّ أورشليم الجديدة عليها مجدُ الله، فهذا يعني أنَّها تُشِعُّ نورًا. إذًا، لقد أصبحَتْ أورشليمُ الجديدة، مدينةَ الله، مدينةً ذات طاقةٍ نورانيّة، لأنَّ الله هو السّاكنُ فيها، وهو مَصدرُ النُّور. حين نُصبحُ في السَّماء مع يسوع المسيح، سنتحوَّلُ إلى طاقةٍ نورانيّة. هذه هي خصائصُ أهلِ المدينة السَّماويّة، أورشليمَ الجديدة.
ثمّ يتابع الرَّسول يوحنَّا حديثه بإخبارنا عن صِفات النَّاس الّذين يَسكُنون في هذه المدينة. بعد أن عاشوا الألم والبكاء والاضطهاد في هذه الأرض، انتقلَ المؤمِنون بالربّ من خلال موتهم الأرضيّ إلى السّماء، وأصبَحوا في حضرة الله في الملكوت، وهذا يعني أنّ القيامة الأخيرة لهؤلاء قد تمَّت، إذ اتَّحدَتْ أجسادُهم بأرواحهم، وأصبحوا بالتَّالي أشخاصًا ممجَّدين، وتَحقَّق فيهم قَول يسوع المسيح: “يُضيئون مِثل الشَّمس في ملكوت أبيهم” (متى 13: 43).
هناك سبع نِقاط أساسيّة تُميِّز أولاد الملكوت:
- “هُوَذا مَسكِنُ اللهِ مع النَّاس، فسَيَسكُنُ معهم وهم سيَكونونَ شُعوبَه وهو سيَكونُ “اللهُ معَهم”.” (رؤيا 21: 3). في السَّماء، لن يعود أولاد الملكوت بحاجة إلى التَّواصل مع الله من خلال الأسرار، والاحتفال معه من خلال الأعياد الكنسيّة الّتي كانت تُساعِدُهم على رؤيته بِعَين الإيمان والفِكر والقلب، إذ أصبحوا قادرين على رؤيته وجهًا لوَجه، كما يقول لنا بولس الرَّسول.
- “مَا لَمْ تَرَه عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ به أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ.”(1 كور 2: 9): إنَّ الله سَوف يَغمُر أهل السَّماء بالتَّعزية الإلهيّة، وسَيملأُ قلوبَهم بالفرح النَّابع مِن عرش يسوع المسيح، عرشِ الحَمَل. وبالـتّالي، فإنَّ كلَّ ما عاشه أهل السَّماء على هذه الأرض مِن آلام وأمراض واضطهادات وحروب وفُقدان أحبَّة سوف ينتهي في السَّماء، لأنَّ الله سيَمسَح كلَّ دَمعةٍ من عيونِهم، مِمَّا سيَجعلهم يَنسون كلَّ حياتهم السَّابقة على الأرض. ستَغيبُ في السَّماء الآلام والأوجاع والأحزان الّتي تُسبِّب البكاء والألم للإنسان، وسنَلتقي فيها بِكُلِّ الأحبّة، وسَنُشكِّل عائلةً كبيرة وعظيمةً جدًّا، إذ ستَربط في ما بيننا علاقةٌ روحيّة مَصدَرُها يسوع المسيح، علاقةٌ لا تُشبه العلاقات الّتي عِشناها على هذه الأرض. في السَّماء، سَيَكون الجميع معروفًا مِن قِبَل الجميع.
- “فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا” (رو 8: 18). مهما كانت آلامُنا وعذاباتُنا على هذه الأرض كبيرةً، فإنّها لا تُقارَن بالمجد الّذي يَنتظِرنا في السَّماء، لأنَّ الربَّ يسوع سيَمسحُ كلَّ دَمعةٍ من عيوننا، وبالتَّالي لن يكون هناك بُكاء بعد الآن، إذ سنَكون في فَرحٍ مُطلَق. لماذا نَبكي على هذه الأرض؟ نَبكي بسبب الجوع والعطش، أو معاملةٍ سيئةٍ من الآخَرين، أو بِسَبَبِ اضطهادٍ تَعَرَّضْنا له؛ بمعنى آخر، نحن نبكي بسبب الشَّر الموجود في هذا العالَم. ولكن ما إن نُصبح في السَّماء، أي في مدينة الله، سوف نتحوَّل إلى أجسامٍ نورانيّة، وبالتَّالي لن نملك بعدئذٍ أجسادًا مِن لَحمٍ ودَم. هذا ما عبَّر عنه يسوع المسيح بعد القيامة، حين ظهر لتلاميذه، قائلاً لهم: “اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ! جُسُّونِي وَانْظُرُوا، فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْن لي”(لو 24: 39). وبالتَّالي، إنْ لم يكُنْ في جسدنا النُّوراني لَحم ودَمٌ، أي سوائل، فمِن أين ستأتي الدُّموع؟
- إذًا، سَتَزول الدُّموع من عيون المؤمِنِين بالربّ في السَّماء. عندما يقول لنا الربُّ يسوع إنّ أجسادنا في السَّماء ستَكون أجسامًا نورانيّة وممجَّدة، فهذا يعني أنّنا سنَكون من أبناء النُّور، وبالتّالي لن يعود هناك من وجود لا للدُّموع ولا للأوجاع ولا للتَّنهدات. إنّ الربَّ يسوع قد ركَّز على الجسد النُّورانيّ، حين أخبرَنا أنّ الأشرار سوف يُلقَون في الظّلمة البرّانيّة في اليوم الأخير، وهناك سَيَكون البُكاء وصريف الأسنان، وأمَّا الصِّديقون فسيُضيئون مثل الشَّمس في ملكوت أبيهم. (متى 13: 43).
- إنّ الأجساد الممجَّدة لا تنعس ولا تنام. إنّ بعض النَّاس يقولون من باب الـمُزاح: ماذا سيَفعل المؤمِنون إذًا في السَّماء؟ هل سيَقضون وقتَهم كُلَّه في الصَّلاة؟ ويُتابِع هؤلاء قائلين إنّهم يُفضِّلون في هذه الحالة عَيشَ الفِسق في هذه الحياة، وبالتَّالي النُّزول إلى جهنَّم لقضاء الوقت في اللَّهو مع النّسِاء هناك. إخوتي، إنّ هذا الكلام سَخيفٌ جدًا، وهنا أقول لكم: إنّ النَّاس الّذين لا يتعمَّقون بِكَلمةِ الله، سَيَكونُ مَصيرُهم جُهنَّم ونتمنَّى ألّا يَنزل أحدٌ إليها، إذ لا يوجد فيها راحة ولا تسلية، إنّما فقط بكاءٌ وعويل وأشكالٌ مخيفةٌ ومُرعِبَة. وفي هذا الإطار، يَصِف لنا يوحنّا الرَّسول جهنَّم بالقول إنّها “الموت الثّاني”، فجهنَّم هي مستنقعٌ من النَّار مُعَدٌّ لإبليس وملائكته. إخوتي، حين يرى الإنسان كابوسًا أثناء نومه، يستيقظ مذعورًا ويُسارِع إلى طلب النَّجدة من الله، فكيف إذا أمضى حياته الثّانية في النَّار والعذاب الأبديّ ورؤية أشكالٍ مرعبة؟!
- إذًا، الأجساد الممجَّدة لا تجوع ولا تعطش. ولكن أهل السَّماء يتناولون طعامًا واحدًا، ويشربون شرابًا واحدًا روحيًّا، وهو وليمة الحَمل، أي سرّ الافخارستِّيا، الّتي أعلن عنها الربُّ لتلاميذه في عشائه الأخير مَعَهم، حين قال لهم: “إِنِّي مِنَ الآنَ لا أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي” (متّى 26: 29). إذًا، بعد حصولنا على المجد المنتظَر في السَّماء وبعد حضور أورشليم السَّماويّة بهيئة عروسٍ، يكون الوقت قد حان ليَحتفلَ جميع مَن في الملكوت، بِعُرس الحَمل الّذي انتَصَر على الموت، فرماه في مستنقع النَّار، وبالتَّالي ألغاه من الوجود. إنّ عبارة “الْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ” (رؤيا 21: 1)، تُشير إلى أنّ عالم الشَّر قد زال؛ فالبَحر يرمز إلى الموت، إلى الشَّرّ، إلى عالَم إبليس. لن يعود هناك من وجودٍ للبَحر في الملكوت، إذ في الملكوت نهرٌ واحدٌ هو نَهرُ الحياة الأبديّة الّذي منه سَيَشرَبُ أهلُ السَّماء، ومِنه سينالون الرُّوح القدس. وبالتّالي، ما قَصَده بولس الرَّسول في قوله: “مَا لَمْ تَرَه عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ به أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ.”(1 كور 2: 9)، هو أنّنا سنرى الله في الملكوت وَجهًا لوَجه، وسنسمَع صوت الله بآذانِنا الجديدة. أمّا ما لم يَخطر على بال بَشَر، فهو الأجساد النُّورانيّة الممجَّدة الّتي أعدَّها الله للّذين يُحبّونه.
- في اليوم الأخير، سيَقوم الجسد البشريّ الّذي أنتَن في القبور ويتَّحد مع النَّفس والرُّوح، وعندها ستَتَحقَّقُ كلمةُ الربِّ الّتي قالها لنا في إنجيل متَّى: “وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ” (متى 25: 32-33)، وعندها سيَصدُر الله الحُكمَ المبنيّ على أعمال كلّ إنسان والّتي تُرافقه إلى الملكوت.
- في السّماء سوف تسود المحبّة. في السَّماء لا يوجد خِداع أو طَمَع، أو شرَّ، ولا حَسَد ولا غَيرة. في السَّماء، سيأخذ كلُّ واحدٍ منّا مَجدَه الخاصّ ولن ينظرَ إلى مَجد الآخر، فالـمَجد الّذي يناله الإنسان في السَّماء مرتَبِطٌ بالقداسة الّتي عاشها على هذه الأرض الفانية. وهنا، نَطرح السُّؤال: ما هو مَصدر هذه المعلومات؟ إنّ بولس الرَّسول قد كلَّمنا على ذلك في رسالته الأولى إلى أهل كورنتوس، حين قال:”مَجْدُ الشَّمْسِ شَيْءٌ، وَمَجْدُ الْقَمَرِ آخَرُ، وَمَجْدُ النُّجُومِ آخَرُ. لأَنَّ نَجْمًا يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ. هكَذَا أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُ فِي ضَعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُوَّةٍ” (1 كور 15: 41-43). ماذا يعني ذلك؟ إنْ كان للشَّمس بهاءٌ ومجدٌ وعَظَمةٌ، فالقمر له مجدٌ مختَلِف عن الشَّمس. إنّ القمر مُكتَفٍ بذاته، وكذلك الشَّمس.
- هل رأيتم يومًا القمر يَعتَرض على الشَّمس قائلاً لها: لماذا أنتِ كبيرة، ولماذا أنا أصغر منكِ حجمًا، ولماذا نورُكِ يَفوق نوري؟! هكذا نحن سَنَكون في السّماء: إذ سَيَأخذ كلّ واحدٍ منّا المكافأة على أعماله الأرضيّة، وسَيَكون لكلِّ واحدٍ مَجده. فمثلاً، مجدُ مار شربل في السَّماء لن يكون مِثلَ مجدِ إنسانٍ عاشَ طيلة حياته في الخطيئة ثمّ تاب قائلاً له: “أُذكرني يا ربّ في ملكوتِكَ” فسامحَه الله، وأعطاه السّماء. فذلك الإنسان قد عاش في الخطيئة ثمّ تاب إلى الله ونال السَّماء، لأنّ الله غفورٌ ورحومٌ، ولكن كيف ستَكون مكافأة هذا الأخير؟ كما أنَّ مجد الكواكب يختلف عن بعضها البعض، بحسب قول مار بولس، كذلك في السَّماء سوف يختلف مجد الواحد منّا عن الآخر، ولكنَّ الجميع سَيَكون سعيدًا في السَّماء. ولكن، في السَّماء، سعادة كلُّ واحدٍ منّا تختلف عن سعادة الآخر، وهذا ما نحن نراه من خلال التَّوق الأبديّ الصّاعد من أجسادِنا النورانيّة الممجَّدة.
- في السّماء، أمُّنا الجديدة، ستَكونُ أورشليم، عروسَ الحَمَلِ المنتصرة، أي الكنيسة الممجَّدة. وستَكونُ مَلِكةُ الكنيسة، مريمَ العذراء، أمَّ الشَّعوب الممجَّدة؛ ومَلِكُها الحَمَل المذبوح، الّذي فداها بِدَمِه. إنَّ الكنيسة المنتصرة تضمُّ كلّ أبناء النُّور، وهم سيَحملون سُعَف النَّخل وسيَهتفون ويرنِّمون للجالس على العرش: “هوشعنا في الأعالي، مبارك الآتي باسم الربّ، هوشعنا في الأعالي”. إنّ أبناء الملكوت سيَحتفلون بعُرس الحَمَل، ويتناولون وليمةَ الحَمَل الّتي سيُعطينا إيّاها يسوع، أي سرّ الافخارستيّا. وهناك، سيَقوم الـمَلِكُ عن عرشه ويَخدِمُ الكُلّ، وذلك لأنّ كلّ مُحبِّي يسوع أصبحوا من أبناء النّور.
في هذا النَّص، قال لنا يوحنّا الرَّسول إنَّ هناك سماءً جديدةً وأرضًا جديدة. إنّ السّماء الأولى والأرض الأولى قد زالتا من الوجود، وحلّت مكانَهما سماءٌ جديدة وأرضٌ جديدة، ولم يبقَ للبحر من وجود، فالموتُ ذَهَبَ واندثر، وعالمُ الشَّرّ أيضًا انتهى. في السّماوات الجديدة والأرض الجديدة، لن يتذكَّر أحدٌ من أبناء النُّور حياتَه الأُولى الّتي عاشها على الأرض. في إشعيا النبيّ، نقرأ ما يلي: “يَبْلَعُ الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ، وَيَمْسَحُ السَّيِّدُ الرَّبُّ الدُّمُوعَ عَنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَيَنْزِعُ عَارَ شَعْبِهِ عَنْ كُلِّ الأَرْضِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ.
وَيُقَالُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: “هُوَذَا هذَا إِلهُنَا. انْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا. هذَا هُوَ الرَّبُّ انْتَظَرْنَاهُ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِه”. (إش 25: 8-9). لماذا إذًا، ربط يوحنّا الرَّسول نصّ إشعيا، بالرّؤى الّتي رآها؟ لأنَّ الشَّعب عندما أخطأ، تمَّ سَبيُه إلى بابل مِن قِبَل جيش نبوكَد نصَّر الّذي دمَّر أورشليم وجُزءًا من هيكلها، فعاش الذُّلّ والقهر والعذاب، وبدأ يتذكَّر حياته مع الله عندما كان في أورشليم، ويتذكَّر بهاء أورشليم وعظمتَها، وصار يتحسَّر على حياته في أورشليم، قائلاً: “خطِئنا إلى الربّ”. بعد مرور أربعين سنة في بابل، بدأ الشَعب يُعلِن توبته إلى الله، فبدأ النبيّ إشعيا يُعلِن له أنَّ أورشليم الجديدة سوف تَعود إليهم، قائلاً لهم إنّ الله سيَسكُن في أورشليم، وسَيكون هو إلههم وهُم سيكونون شعبه، وسيَمسح الله من جديد كُلَّ دمعةٍ من عيونهم في بابل.
لقد أطلق إشعيا هذه الصَّيحات وختَمَها قائلاً: “إفرَحي وتهلَّلي يا صِهيون. مَجدُ الربّ أشرق عليكِ. إستنيري، استنيري يا أورشليم الجديدة”. وهذه الكلمات نُرتِّلها في الزَّمن الفِصحيّ، في القيامة. إنّ هذه الأمور موجودة في سِفر إشعيا، وقد استَلهَمَها الرَّسول يوحنّا في سِفر الرُّؤيا وتَذَكَّر ما قيل في لسان الأنبياء، فالّذي تكلَّم بِلِسان الأنبياء هو الربّ يسوع بحدِّ ذاته، وهو الّذي خاطَب إشعيا، وهو الّذي خاطب موسى، وهو الّذي نقصده في قانون الإيمان، حين نقول: “النّاطق بالأنبياء والرُّسل”. هنا، يُعطينا يوحنّا الرَّسول صِفاتٍ جميلةً جدًّا عن أورشليم الجديدة، حين يقول إنّها عروس، وقد أعطانا صِفات هذه العروس. إنّ المدينة الجديدة الّتي تَنتظرُنا في السَّماء رآها يوحنّا، متلألئةً بالمجد الإلهيّ الّذي يُشبه المجد الّذي تجلَّى فيه الله لموسى على جبل سيناء، عندما نَصَب عرشَه وتكلَّم مع موسى ليُبرِم معه العهد الأوَّل بينه وبين الشَّعب.
وهنا، أسألُكم: ما هو العهد القديم؟ هنا قد يقول لي البعض: العهد القديم هو أسفار العهد القديم. إخوتي، إنّ أسفار موسى تُسمَّى التَّوراة أو كُتُب الشَّريعة، وليس العهد القديم. عندما أقول العهد القديم، فهذا يعني أنَّ هناك عهدًا جديدًا. فما هو العهد الجديد؟ العهد الجديد هو العهد الّذي أبرَمه يسوع على جبل صِهيون، مع إثنَي عشر رسولًا، بواسطة الخمر الّذي أصبح دَمَه الافخارستيّ. وعندما أقول العهد القديم، فهذا يعني أنَّ هذا العهد قد حدث قديمًا بين الله والشَّعب اليهوديّ، وكان يحتوي على دَم وفيه عدد الاثني عشر. وبالتَّالي، فإنّ العهد القديم قد حدث على جبل سيناء، حين تجلّى الله في مَجده وتكلَّم مع موسى وطَلَب منه أن يَذبح الحَمَل ويَرُشَّ دَمَه على أعتاب البيوت، وكرِّس مِن خلالِه سَبعِين شيخًا مِن القبائل الاثنَي عشر، وقد رُشَّ بهذا الدَّم أولاد القبائل الاثني عشر، فارتَبَط الله بِهِم من خلال هذا الدَّم، دَم الحَمَل. إنّ الدَّم هو رَمزٌ للحياة في سفر اللّاويين، وبالتّالي يكون الله قد ارتبط بِشَعبه في العهد القديم من خلال طَاقة الحياة وقوَّة الحياة، وها هو يسوع، اليوم، يرتبط بنا من خلال طاقة الحياة نفسِها، الّتي هي طاقة الحياة الـمُطلَقة، على جبل صِهيون. لذلك، ارتبَطَتْ الكنيسة بِدَم يسوع الحَمَل على جبل صِهيون، فأصبحَتْ أُورشليمَ الجديدة وعلى رأسِها الحَمَلُ المنتصر. نحن أبناء هذه الكنيسة، نحن أبناء النُّور. في أورشليم الجديدة، لا حزنٌ ولا وَجعٌ ولا تنهدٌّ، ولا بكاء، ولا جوعٌ، بل فَرحٌ مُطلَق، وعَظمةٌ وجلال.
ماذا يوجد في السَّماء؟ بِحَسب يوحنّا الرَّسول: عندما نَدخُل إلى السَّماء سوف ننال المجد من الله. إنّ السَّماء هي أورشليم الجديدة، وهذه المدينة مبنيّةٌ على اثنَي عشرَ حجرًا كريمًا، تُشكِّلُ ألوانُها المجدَ السَّماويّ، إذ لا مَثيلَ لها على الأرض، من حيث الطّاقة النُّورانيّة. ويَصِفُ القدِّيس يوحنّا أساساتِ هذه المدينة كالتَّالي: “الأَسَاسُ الأَوَّلُ يَشْبٌ. الثَّانِي يَاقُوتٌ أَزْرَقُ. الثَّالِثُ عَقِيقٌ أَبْيَضُ. الرَّابِعُ زُمُرُّدٌ ذُبَابِيٌّ.الْخَامِسُ جَزَعٌ عَقِيقِيٌّ. السَّادِسُ عَقِيقٌ أَحْمَرُ. السَّابِعُ زَبَرْجَدٌ. الثَّامِنُ زُمُرُّدٌ سِلْقِيٌّ. التَّاسِعُ يَاقُوتٌ أَصْفَرُ. الْعَاشِرُ عَقِيقٌ أَخْضَرُ. الْحَادِي عَشَرَ أَسْمَانْجُونِيٌّ. الثَّانِي عَشَرَ جَمَشْتٌ. (رؤيا 21: 19- 20). هذه الحجارة الاثنَي عشرَ تُوهِّج الأنوار في هذه المدينة المقدَّسة. ثُمّ، يُضيف يوحنّا الرَّسول فيَقول لنا إنَّ أبواب هذه المدينة مصنوعةٌ من اللُّؤلؤ، أمّا الأرضُ فيها وساحاتهُا فهي مصنوعةٌ من الذَّهب الخالص والشَّفّاف. أُنظُروا إلى هذه العظمة! عندما تكلَّمَ الله مع موسى، وتجلَّى له على جبل سيناء، يقول لنا الكتاب المقدَّس، “وَرَأَوْا إِلهَ إِسْرَائِيلَ، وَتَحْتَ رِجْلَيْهِ شِبْهُ صَنْعَةٍ مِنَ الْعَقِيقِ الأَزْرَقِ الشَّفَّافِ، وَكَذَاتِ السَّمَاءِ فِي النَّقَاوَةِ.”(خر 24: 10).
إذًا، هذه الحجارة الكريمة تَدلّ على مجد الله وعرشه. بعدما انتهَيْنا من رمز السَّمكة الّتي كانت ترمز إلى يسوع، لأنّ الحروف الأولى مِن اسمها تشير إلى عبارة “يسوع المسيح ابن الله المخلِّص”؛ وبَعدما انتهيْنا من المرساة الّتي تتضمَّن علامة الصّليب، صار المسيحيّون الأوائل يرسمون الصُّلبان ويرصِّعونها بالأحجار الكريمة. هذه الأحجار الكريمة تجدونها في كلّ كنائسنا، في الجدرانيّات جميعها، وغالبًا ما يكون رَسمُ الصَّليب مُزَّينًا بالحجر الكريم: الأحمر، الأصفر والفيروزيّ والياقوت والزبرجد…، وذلك لأنَّه إذا كانَتْ أساساتُ ملكوت السَّماوات مبنيّةً على الأحجار الكريمة، كما يقول لنا يوحنّا الرَّسول في سِفر الرُّؤيا، فيتوَهَّج عرشُ الله بالأنوار، فكذلك أصبح صليبُ يسوع عرشَه، ولذلك هو أيضًا يُرصَّع بالأحجار الكريمة. فالصَّليبُ هو علامةُ انتصارِ المجد والحياة على الموت. لقد رَسَم المسيحيّون الصُّلبان وزَّينوها بالحجارة الكريمة، الّتي عددُها اثنَا عشر، لِيَقولوا لِمَن حَولَهم إنّ الصَّليب هو مكانُ مجدِ الله، وقد أصبحَ عرشَ الربِّ عندما عُلِّق عليه.
وفي الختام، يَنقل إلينا الرَّسول يوحنَّا قَول يسوع عن نفسِه: “أنا الألف والياء”. فكما كشف الله لموسى عن نفسه، قائلاً له: “أنا هو الكائن”(خر 3: 14)، أي أنا البداية والنّهاية، أنا هو الألف والياء، كذلك يسوع هنا يكشف لنا عن ذاته أنا هو البداية والنِّهاية، أي أنّه كُلّ شيء، هو البداية وهو النِّهاية. مع يسوع، ابتدأتْ الحياةُ على الأرض، وبِه سوف تنتهي، لتحُلَّ مكانَها سماواتٌ جديدةٌ وأرضٌ جديدةٌ، أورشليم الجديدة المحاطة بهالة مجد الله، وأبناؤها هُم أبناء النُّور، وفيها لن يكونَ هناك بكاءٌ ولا وجَعٌ ولاحزنٌ ولا جوعٌ ولا غَضَبٌ ولا شيءٌ مِن الّذي يجعلُ النَّاسَ تَحِسدُ بَعضَها البَعض، وتتقاتَلُ في ما بينها، فكلُّ واحدٍ في السَّماء سيَكون مُكتَفيًا بِفَرحِه وسعادتِه، إذ هما مكافأتُه على أعماله حين كانَ على الأرض.
ملاحظة: دُوِّنَتْ المحاضرة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.