لقاء الشبيبة السنويّ 2017، “عيش السما على الأرض”
دير الكرمل ومدرسة الكرمليت – القبيات، عكار،
تأمّل روحيّ: “ماذا يقول العالم؟ وماذا نقول نحن؟”
الأب ميشال عبود الكرمليّ،
في ثقافة الأرض، يُقاس الإنسان استنادًا إلى مقتنياته، فالبعض يُعرّف عن الآخرين أنّهم أصحاب نفوذٍ وممتلكات، فيُقال مثلاً: إنّهم أولئك الّذين يملكون السيّارات الفخمة، والقصور الضخمة. أمّا في ثقافة السّماء، أي استنادًا إلى أقوال الربّ يسوع وتعاليمه، فالإنسان يُقاس بمدى تَعلُّقه بالربّ وبفقره الروحيّ إليه. ففي الإنجيل، يقول يسوع: “طوبى للفقراء، فإنَّ لهم ملكوت السّماوات”.
تدعو ثقافة الأرض النّاس إلى أن يكونوا ذئابًا في هذه الأرض، لأنّه “إن لم يكن الإنسان ذئبًا أَكَلته الذئاب”. أمّا ثقافة السّماء، فتدعونا انطلاقًا من كلام يسوع إلى أن نكون كالحِملان في وسط هذا العالم المليء بالذئاب.
في ثقافة الأرض، يدفع العالم أبناء الأرض إلى اعتبار صديق العدوّ عدّوًا لهم. وبالتّالي، فإنْ تكلَّم صديقك مع عدّوٍ لك، تحوَّل هذا الصّديق في نظرك إلى عدوٍّ. أمّا في ثقافة السّماء، فيقول يسوع للمؤمنين به: “أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعِنيكم”.
إنّ ثقافة هذه الأرض تحثّ النّاس على تجميع الأموال والكنوز في هذه الأرض، كما تسعى إلى نشر الخلافات بين البشر على خلفيّة الملكيّات العقاريّة. منذ فترةٍ، التقَيتُ بأحد المتخاصمين مع أفراد عائلته على قطعة أرض، فطلبت منه أوّلاً أن يقيس طول أبيه، ومن ثمّ طول الأرض المتنازع عليها، فإذا بها غير كافية حتّى لإنشاء قبرٍ. في الإنجيل، يقول لنا يسوع من خلال مَثَل الغني الجاهل: “يا جاهل، في هذه اللّيلة تؤخذ نفسُكَ منك. فهذا الّذي أعْدَدْته، لِمَن يكون؟”.
إنّ ثقافة الأرض تزرع في النّفوس ذهنيّة: “مَن طلب العُلى، سَهِر اللّيالي”. إنّ ثقافة السّماء تلتقي مع هذه الذهنيّة، ولكنّ يسوع يحثّ المؤمنين أيضًا إلى أكثر من ذلك إذ يقول لهم: “اسهروا وصلُّوا لئلّا تقعوا في التجربة”.
في ثقافة الأرض، لكلِّ إنسان ثمنٌ، أي أنّ الإنسان يُشترى بالمال. أمّا في ثقافة السّماء، فإنّ جميع البشر قد اشْتُروا بدمٍ ثمينٍ، هو دم يسوع المسيح، الّذي فدانا بموته على الصّليب.
في ثقافة الأرض، يبحث النّاس عن المناصب والكراسي الّتي تُخوّلهم الحكم ورئاسة الشُّعوب. أمّا الربّ فيقول لنا في إنجيله: “في بيت أبي منازل كثيرة”.
في ثقافة الأرض، يسعى الإنسان إلى إشباع نفسه من ملذّات الدُّنيا وشهواتها، مُنطلقًا من أنّه سيموت غدًا. أمّا ثقافة السّماء، فتستند على كلام الربّ الّذي يُشجّع المؤمنين به على الدّخول من “الباب الضَّيق”.
في ثقافة الأرض، يردّد النّاس، وبخاصّة الشباب منهم، الأغنية القائلة: “بطَّلِتْ صُوم وصَلِّي، أنا بَدِّي إِعبَدْ سَماكِ”. أمّا في ثقافة السّماء، فيُوصِينا الربّ قائلاً: “للربّ وحده تسجد، وإيّاه وحده تعبُد”.
في ثقافة الأرض، إن أَخطأ إليكَ أخوكَ فلا تُسامحه، بل امحه من “قاموسَك”. أمّا في ثقافة السّماء، فالربّ يدعونا إلى الغفران قائلاً لنا: “إن أخطأ إليكَ أخوك، فاغفر له لا سبعين مرّة بل سبع مرّات سبعين مَرَّة”.
في ثقافة الأرض، عندما يُعطي الإنسان، يطلب من الّذين أحسن إليهم أن يضعوا على تقديماته، لوائح نحاسيّة ليَعرف الجميع اسمه، فيشكروه على عطاءاته. أمّا في ثقافة السّماء، فإنّ الربّ يدعونا إلى الفرح عندما نُعطي لأنّ “أسماؤنا مكتوبةٌ في السّماء”.
في ثقافة الأرض:”الشَّاطر بِشَطارته”، أي أنّه يحقّ للإنسان كي يصل إلى أهدافه، أن يفعل كلّ ما يستطيع حتّى وإن كان ذلك على حساب الآخرين. أمّا الربّ في ثقافة السّماء، فيُخبرنا أنّه هو “الطريق والحقّ والحياة”، فإن أردنا الوصول إلى السّماء، فإنّنا لن نصل إلّا من خلاله.
في ثقافة الأرض، يلجأ النّاس إلى المراوغة والكذِب، ولذا فهم يقولون: “إنّ اليد الّتي لا تستطيع أن تَكُفَّها عنك، قَبِّلها وادْعُ لها بالكسر”. أمّا في ثقافة السّماء، فيدعونا المسيح إلى أن يكون كلامنا “نعم، نعم، أو لا، لا”.
في ثقافة الأرض، إنّ ممتلكات الإنسان هي الّتي تُعطيه قيمته. أمّا في ثقافة السّماء، فيقول لنا المسيح إنّنا أثمن من عصافير السّماء، ولذا فإنَّ إيماننا بالربّ يسوع يمنحُنا الشِّفاء.
إنّ لائحة ما تعرضه علينا ثقافة الأرض تطول، وكذلك لائحة ما تعرضه علينا ثقافة السّماء. إنّ ثقافة الأرض تطلب منّا الكثير، وأمّا ثقافة السّماء فتطلب منّا أكثر، والقرار يعود إلى كلّ مؤمن بأن يختار الثقافة الّتي يشاؤها. فإن كنْتَ أيّها الإنسان، تسعى لعيش السّماء على الأرض، وللوصول إلى الملكوت، عليك أن تتبع ثقافة السّماء وما يطلبه الربّ منك. وأنتَ ما هو خيارك: أن تُصغي إلى ثقافة الأرض، أم إلى ثقافة السّماء؟
ملاحظة: دُوِّن التأمّل بأمانةٍ من قِبلنا.