الرياضة السنويّة 2023 بعنوان: “وسِّعي أرجاءَ خَيمتِكِ” (أش 2:54)
المركز الرّوحيّ – زوق مكايل، كسروان.
الموضوع الأوّل: “وسِّعي أرجاءَ خَيمتِكِ” (أش 2:54)
الخوري جوزف سلوم،
إنّ موضوعِنا اليوم هو بِعنوان: “وسِّعي أرجاء خيمتِك”، وهذا العنوان هو عبارةٌ مأخوذةٌ من سفر النبيّ إشعيا الإصحاح 1. في أيّام إشعيا النبيّ، كان شعبُ الله، أي شعبُ العهد القديم، يعيش في المنفى، في الغُربة. وهذا الأمر ساهم في ابتعاد الشّعبِ عن الله. لذا، طلب إشعيا النبيّ إلى الشَّعب أن يَنصُبوا هذه الخيمة وأن يوسِّعوا أرجاءَها.
ما هي هذه الخيمة؟ ولماذا علينا توسيع أرجاءَها؟
في العهد القديم، تَرمز الخيمة إلى مكانِ سُكنى الله. وفي سِرِّ التجسُّد، نَصَبَ الله خيمتَه فيما بيننا، نحن البشر، وصار إنسانًا مِثلَنا. إذًا، الخيمة هي دلالة على الحَضْرَة الإلهيّة. في العهد القديم، كان الشَّعبُ يعيش في تِرحالٍ مستمرٍّ، ممّا يَفرِض عليهم نَصب الخِيَم.
إنّ هذا الموضوع الّذي نتكلَّم فيه اليوم، هو الموضوع الّتي تمّ الاستناد إليه للتَّحضير للسِّينودس في مرحلته الثانية، أي المرحلة القاريّة. لقد انتَهَتْ الكنيسة من المرحلة الأولى التحضيريّة للسِّينودس، وها هي قد بدأت التَّحضير للمرحلة الثانية من السِّينودس. وفي هذا الإطار، عُقِد منذ أسبوعَين، اجتماعٌ في بَيت عَنيا، ضمَّ مئة وعشرين شخصًا مِن سبعة بُلدانٍ عربيّة، مِن كافّة الكنائس، للتَّفكير في كيفيّة العمل معًا على متابعة مسيرة الكنيسة في الشَّرق، وقد أخذنا هذا العنوان أساسًا لاجتماعنا.
إنَّ نَصبَ الخَيمة يحتاج إلى أمورٍ ثلاثة: القُماش، والحِبال، وأخيرًا الأوتاد.
أوّلاً: القُماش: إنّ المشكلة تكمن في اعتبار كلّ ِكنيسةٍ من الكنائس أنّها تُمَثِّل وحدها الكنيسة دون سواها مِن الكنائس؛ بمعنى آخر، المشكلة تكمن في انغلاق كلّ كَنيسةٍ على ذاتها. وفي هذا الإطار، كان الاجتماع الّذي عُقد في بَيتِ عَنيا، نوع من اختبار لتلاقي الجماعات المتَّنوعة في الكنيسة، وأعطى “صورةً واضحة” لتوسيع الخيمة، إذ ضَمّ جماعاتٍ من الكنيسة الأرثوذكسيّة وكذلك من الكنيسة الكاثوليكيّة. إخوتي، لا يمكن لأحدٍ امتلاك حصريّة الكنيسة. وهنا، نطرح السّؤال: لماذا ما زِلنا نتشاجر فيما بيننا؟ وما هو سَببُ الشِّجار؟ لماذا الشِّجار والكراهيّة فيما بيننا؟ إخوتي، نحن مدعوون اليوم إلى توسيع أرجاء خيمَتِنا، كي نكون معًا. هذه هي هويّة الكنيسة. لا، بل أكثر من ذلك، نحن مدعوون إلى توسيع خيمتِنا لِتَشمُلَ لا المسيحيِّين من الكنائس المختلفة وحسب، إنّما أيضًا المسلِمين الّذين نعيش وإيّاهم، والّذين أيضًا ينتمون إلى الدِّيانات الأُخرى. إخوتي، وسِّعوا خيمتَكم، إذ إنّ على أبواب هذه الخيمة أن تبقى مفتوحةً، فيَدخُلَ إليها ويَخرجَ منها كلّ مَن يريد. نحن مدعوون إلى أن نعرِف كيف نَستقبل الدَّاخلين إلى هذه الخيمة، وذلك من خلال العمل على توسيع قلوبنا وعقولنا وأفكارنا. إنّ الربّ يسوع لم يأتِ فقط من أجلنا، نحن المسيحيّين، بل أتى أيضًا من أجل المسلِمين وأيضًا من أجل كلّ الشُّعوب. فلماذا ما زِلنا إلى اليوم، نعمل على تصغيير الخيمة وتضييقها بدلاً من تكبيرها وتوسيعها؟ إخوتي، إنّ الربَّ يدعونا اليوم إلى توسيع خيمتِنا.
ثانيًا: الِحِبال: إخوتي، إنّ الحِبال ترمز إلى التَّواصل. إنّ الخيمة تقع إذا تمّ شدَّ حِبالها في اتِّجاه واحدٍ، فالخيمةُ تحتاج إلى شدَّ حِبالها في كافّة الاتِّجاهات. كذلك التَّواصل، لا يمكنه أن ينجح متى تمَّ بين فريقٍ واحدٍ، فهو يحتاج إلى عدّة أفرقاء. إنّ الخيمة تقع متى فقَدَتْ توازنَها، كذلك التّواصل يفشَل إن لم يجمع بين مختلف الأطراف. إنّ الخيمة، متى نُصِبَت بِشَكلٍ جيِّدٍ، تَكون قادرة على حماية جميع مَن فيها من العواصف ومِن الصُّعوبات، ومِن كلّ الأزمات الّتي تواجه أهلَها، أكانَت أزماتٍ إقتصاديّة أَم طبيعيّة كالزلازل. قد يعتقد البعض أنّ وجودهم داخل هذه الخيمة سيَحميهم مِن جميع الشُّرور، ولكن هذا أمرٌ غير صحيح على الإطلاق، إذ قد يتعرَّض أهل هذه الخيمة للعواصف والصُّعوبات. إخوتي، لا شكَّ في أنّ الربَّ معنا على الدَّوام، ولكن علينا أن نقرأ كلَّ حدثٍ يواجهنا. لأنَّ كلّ واحدٍ منّا قد يتعرَّض لحادثٍ أو صعوبةٍ معيّنة، ولكن السُّؤال الّذي يُطرَح هو لماذا الخوف منذ الآن ممّا قد يحدث في المستقبل؟ إنّ ما أتوقَّع حدوثه قد يتحقّق بعد سنواتٍ عديدة، كما أنّه قد لا يتحقَّق، فَلِمَ العَيش في حالةٍ من الخوف والرُّعب والقلق قَبلَ حدوثِ ما أتوَّقع؟ إخوتي، علينا أن نُدرِك أنَّ الله معنا، وبالتّالي علينا الاتِّكال عليه كلّ يومٍ بيَومِه. وإذا كان العِلم يساعِدنا بشيءٍ ما، فإنّه علينا العَمل به.
ثالثًا: الأوتاد: إنّ الأوتاد ترمز إلى التَّثبيت. إخوتي، علينا أن نكونَ ثابِتِين في إيماننا. إخوتي، على الكنيسة ألا تَبقى جالسةً من دون حِراك، بل عليها أن تكون في حالةِ انطلاقٍ دائمٍ. وبالتّالي، لا يستطيع بعد الآن البطريرك ولا حتى الأُسقف في أبرشيّته ولا حتّى الكاهن في رعيّته، العمل بِطَريقةٍ هَرَميّة، واعتبار أنفسهم مَصدَر القرار. إنّ كلّ الإكليروس في الكنيسة مدعوٌّ إلى أن يتشارك مع المؤمنِين في التَّفكير حول كيفيّة الاستمرار في الرِّسالة. هكذا انطلقَتْ الكنيسة مع الرُّسل! لقد مرَّ زمنٌ طويلٍ منذ تلك الانطلاقة الأولى، وعلينا اليوم مِن جديد معاودة الانطلاق في البشارة. علينا العودة إلى هويّة الكنيسة الّتي هي تشاركيّة، أي أنّها لا تعيش إلّا مِن خلال الـمَعيّة أي “العمل معًا”. هذا هو هَدَف الـمَجمَع. إذًا، ما هو مطلوبٌ منّا هو العمل معًا مِن أجل الانطلاق إلى العالَم. أبدًا، ليس المطلوب منّا إنشاء خيمة للعيش في ظلِّها، فالخيمة قد تتعرَّض لصعوباتٍ تَستوجب نقلَها إلى مكانٍ آخَر. وعلينا البقاء على استعداد لِذَلِك.
قد ينزعج البعض ممّا سأقوله الآن، ولكن لا مشكلة لديّ في التّفكير بصوتٍ مرتَفِعٍ. لنفتَرِض أنّ المستشفيات والمدارس التابعة للكنائس قد زالت لِسَببٍ مُعيّنٍ، فهل هذا يعني أنّ البشارة قد انتَهَتْ؟ وهنا نَطرَح السُّؤال: هل أصبحَتْ البشارة بالمسيح محصورةً في المدارس والمستشفيات والمؤسَّسات الّتي تمتلكها الكنيسة؟ وهنا تَجدر بنا الإشارة إلى أنّ هذه المؤسَّسات لا تَنقل البشارة بِشَكلٍ صحيحٍ في الكثير من الأحيان. إنّني أقوم بقراءةٍ لما يَدور مِن حولنا، مِن دون أيّ دينونة لأحد. ما نعيشه اليوم مُشابهٌ لِما كان يعيشه الشَّعبُ في أيّام النبيّ إشعيا. وهذا الوضع هو الّذي دَفع النبيّ إلى قَول ما قالَه في سِفره في الإصحاح الأوّل منه. في أيّام إشعيا النبيّ، كان الأغنياءُ مِن الشَّعب، يقومون بتقديم الذبائح لله في الهيكل، مُتَفاخرين على الموجودين بما يقومون به، لأنّهم من أصحاب الأموال الوفيرة. إنّ المشكلة في أيّام إشعيا النبيّ تكمن في كَون هؤلاء الأغنياء قد تغافلوا عن أَمرَين مُهمَّين جدًّا، وهُما:
أوّلاً: الظُلم الموجود بين النَّاس لأنّ لا عدالة بين النَّاس.
ثانيًا: سكوت المسؤولِين عن الشَّعب عن هذا الظُّلم، وأوَّلهم الـمَلِك، يَليه كهنة الهيكل. كان هؤلاء الأغنياء يُقدِّمون الذبائح لله في الهيكل، وهذا الأمر كان يستَحسنه الـمَلِك أوَّلاً ومِن ثُمَّ الكهنة في ذلك الحِين.
أمام هذا الوضع، نَقل إشعيا كلام الربِّ إلى هؤلاء، وكان كلامُه لهم مُدوِّيًا، حين قال لهم إنّ الربَّ قد سَئِمَ صلواتهم وهو يرفضها، كما أنّه سَئِم روائح ذبائحهم فهي قبيحة لديه، وهو لا يريدها منهم بعد الآن. إنَّ الربَّ قد رَفض صلوات هؤلاء الأغنياء وذبائحهم لأنَّهم قد نَسوا الاهتمام بِاليَتيم والأرملة. ولذلك، طلب إليهم إشعيا النبيّ أن يطلبوا العَدل ويُقيموا الإحسان. أُطلبوا العدل حيث الظُّلم موجود، فالـمَلِك وكذلك الكهنة يسكتون عن الظُّلم الذّي يطال الشّعب. إنّها لَمُشكلةٌ كبيرةٌ أن يَدخُلَ المؤمن إلى الهيكل أو الكنيسة وهو لا يشعر بهموم النَّاس ومشاكلهم وأوجاعهم.
على الكنيسة أن تكون في حالةِ انطلاقٍ دائم، وبالتّالي، على الكنيسة وجماعاتها كجماعة “أذكرني في ملكوتك” ألا تكون منغلقةً على ذاتِها بل ذات ديناميّة. علينا أن نعرف كيف ننطلق إلى العالَم، حاملِين إنجيل يسوع. لا تَحمِلوا شيئًا آخَر معكم، فالعالَم لا يحتاج إلّا إلى الإنجيل. يُخبرني البَعض عن هجرة الشَّباب، وبخاصّةٍ الشَّباب المسيحيّ، الّتي قارَبَتْ الثلاثين في المئة، في السَّنَتين الـمُنصَرِمَتَين، ممّا يعني أنّ عددَنا يتضاءل. ويتناسى هؤلاء أنّ الربَّ يسوع قال فينا إنّنا نور العالم! كما قال الربّ يسوع أيضًا فينا: أنتم الخميرة في هذا العالَم! أنتم المِلح، ولكن الأهمّ هو ألّا يُفسَد المِلح! إخوتي، هل نَسيتُم قصّةَ حبّةَ الخردَل؟! لا يمكننا أن ننطلق في هذا العالَم إن كُنّا نسجُن المسيح! فتَخيّلوا معي لو سَجنَ الرُّسل المسيحَ معهم ومنَعوه من الصُّعود إلى السّماء! إخوتي، إنّ الرُّسل لم يسجنوا المسيح، وكذلك نحن! علينا أن نَخرُج إلى العالَم لأنَّ هناك أشخاصٌ كُثُرٌ ينتظرون كلمة الربّ ويتشوَّقون إلى سماعها. إنّ كلّ واحدٍ منّا في الكنيسة لديه موهبةٌ أعطاه إيّاها الله: فالكهنة أُعطيَت لهم مواهِبَ الخِدَم، ولِكُلِّ مؤمِنٍ منّا أعطى الله مواهب مختلفة. إنّنا، كهنةً ومؤمِنِين، نُشكِّل “رِئَتَي الكنيسة”، وبالتَّالي نستطيع تغيير العالَم، شرط أن نعيش جوهرَ دعوتِنا.
عند ذهابكم للبشارة، لا تُركِّزوا على الدِّعاية، بل فكِّروا في الجاذبيّة والشَّهادة. عندما تكون شهادتُنا صالحةً، فإنّ العالَم بأسرِه سَيَتغيّر. عندما نعمل على الجاذبيّة للمسيح، فإنّ البشريّة بأسرِها ستتغيّر. فكِّروا من جديد في مبدأ المجانيّة، إذ ليس المال كلّ شيءٍ في هذه الحياة. فكِّروا في التَّواضع لا في حُبّ الظُّهور؛ فعالـمُنا لا يحتاج إلى وَضعِ كلِّ حركاتنا وتصرُّفاتنا على مواقع التّواصل الاجتماعيّ. ابتعدوا عن مبدأ تعقيد الحياة وعَيش روح الفريسيِّة، إسعوا إلى تسهيل الأمور للنَّاس. فكِّروا في مبدأ العَيش بالقُرب مِنَ الآخرَين، أي في مَبدأ الدُنوّ مِنَ النَّاس، إذ إنّ هناك هُوَّةً كبيرة بين الإكليروس والمؤمِنِين. أُردموا هذه الهُوَّة، لأنَّه كان في السّابق، مِن المستحيل علينا رؤية البطريرك أو الأُسقف. علينا أن نرى الجميع، بطريرك وأُسقف وكهنة ومؤمِنِين معًا، يُفكِّرون في هَمٍّ واحدٍ مُشترَكٍ في ما بينهم، يَعيشون مع بعضهم ويأكلون معًا. عندما تُصبح رِسالتنا أولويّاتها تَفضيل الفقير والمريض، عندئذٍ تنجحُ رسالتُنا.
السّلام عليكم، وَاسْعوا إلى توسيع خيمتِكم. وشكرًا.
ملاحظة: دُوِّنَت المحاضرة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.