الرياضة السنويّة 2016 بعنوان: “اذهَب واعمل أنتَ أيضًا، هكذا” (لو 37:10)

دار سيّدة الجبل – فتقا، كسروان.

الموضوع الأوّل: “اذهَب واعمل أنتَ أيضًا، هكذا” (لو 37:10)

الخوري جوزف سلوم،

الله معكم،
أنا سعيدٌ جدًّا بلقائنا اليوم لنتابع مسيرتنا في هذه الرياضة الرّوحيّة، لنأخذ منها زوّادة روحيّة تُفيدنا في حياتنا اليوميّة. من حيث الإطار العامّ، هذه الرياضة يُصادف وقوعها في زمن الصّوم المبارك، وضمن إطار يوبيل الرّحمة الذّي تحتفل به الكنيسة التّي تتأمّل فيه بوجه يسوع الرّحوم. هذه المسيرة التّي نقوم بها مع الكنيسة، في سنة اليوبيل هذه، سوف تجعلنا قادرين أن نعكس وجه يسوع الرّحوم.

إنّي أسمع الكثيرين من النّاس يتأفّفون إذ يعتقدون أنّهم قد أعطوا الكثير من الوقت للرّبّ يسوع من خلال مشاركتهم في رياضةٍ روحيّةٍ، أو في حضورهم القدّاس الإلهيّ، وينتظرون من الرّبّ يسوع أن يكافئهم على هذا الوقت القصير الذّي قدّموه له، متحجّجين أنّهم، بالرّغم من انشغالاتهم الكثيرة، تمكنّوا من إعطاء وقتًا للرّبّ. إنّ هذا الفكرة خاطئة: فلست أنتَ من تكرّس وقتًا للرّبّ إنّما الحقيقة هي على عكس ذلك تمامًا. إنّ الرّبّ يعطيك هذا الوقت، وهو هديّة منه كي تستفيد من الوقت، كي تأخذ منه إفادة لحياتك. إنّ الوقت نعمة ٌكبيرةٌ من الله، وعليك أن تسأله ما الذّي يريده منك في هذا الوقت. إنّ كلمةً واحدة ًكافية، متى وقعت في أرض نفسِكَ، أن تُغيّر الكثير في حياتك. إنّ أردتَ أن تكون أرضًا خصبة، وإذا أردتَ أن تبحثَ عن ثمار، فإنّ هذا الوقت هو عطيّةٌ من الله لك، وفرصةٌ لك كي تتجدّد، وكي تنمو.
أعلن البابا هذه السنّة، يوبيل الرّحمة. الملاحظة الاولى التّي أوّد أن ألفتَ انتباهكم إليها هي إنّنا لا نقول سنة الرّحمة. نحن نستطيع أن نقول إنّ هذه السنة هي سنة المكرّسين، أو سنة الإيمان، أمّا اليوبيل، فهو ليس سنة عاديّة إنّما سنة استثنائية لذلك نقول يوبيل الرّحمة. ونحن حتّى اليوم، نسمع، بعض الكهنة وحتّى أساقفة، يتكلّمون عن سنة الرّحمة: إنّهم مخطئون، فهذه ليست سنة الرحمة إنّما يوبيل الرّحمة. أعلن البابا فرنسيس هذه السنة سنة يوبيليّة مع علمه أنّ الكنيسة تعيش سنة يوبيل كلّ خمسة وعشرين سنة. ففي سنة الألفين عشنا في الكنيسة سنة يوبيلية وبالتّالي كان علينا الانتظار حتى حلول سنة 2025 لنعيش سنة يوبيليّة. ففي الواقع، أصبح البابا ذا قيمة كبيرة في الكنيسة إذ أحدث ثورة في داخلها، بل أعظم من ذلك، إذ قرّر أن يطبع حبريّته بحدثٍ مميّزٍ وهو الحبّ والرّحمة. لقد عُرِف البابا يوحنّا بولس الثاني بـ”بابا الرجاء”، والبابا بنديكتوس السادس عشر بـ”بابا الإيمان” وأمّا البابا فرنسيس فهو “بابا الرّحمة والمحبّة”، وبذلك يكون قد طبع حبريّته المميّزة. لقد أعلن البابا فرنسيس بداية هذه السنة اليوبيليّة، يوبيل الرّحمة، في الثّامن من كانون الأوّل، في عيد العذراء مريم. إنّ هذا التّاريخ مهمّ عند اللّبنانيّن إذ أنّه ذكرى إعلان قداسة مار شربل، غير أنّ البابا قد اختاره لأنّه ذكرى اختتام أعمال المجمع الفاتيكانيّ الثاني الذّي عُقِد منذ خمسين سنة، وذلك نظرًا لأهميّة هذا المجمع وأعماله التّي لم تُعَشْ حقًّا حتّى يومنا هذا. إضافة إلى ذلك، لقد اختار البابا هذا التاريخ لأن العذراء مريم هي باب السّماء وهي أيضاً أمّ المراحم، وبالتّالي هي تساعدنا للدّخول واكتشاف رحمة الله لنا. وقد أعلن البابا اختتام اليوبيل في عيد يسوع الملك، بحسب الطقس اللاتيني، في العشرين من تشرين الثاني سنة 2016
ثمّ يتطرق البابا في رسالته عن مفهوم ومعنى سنة اليوبيل. سوف أتذّكر معكم يسوع، الذّي بعد انتهائه من بشارته، عاد إلى قريته النّاصرة حيث عاش طفولته. دخل كعادته إلى المجمع، يوم السبت، مع اليهود ليصلّي. ولأنّه كان مثقفًا، دُفع إليه الكتاب ليقرأ حيث دُوِّنت هذه الكتابة:”روح الرّبّ عليّ مسحني وأرسلني لأبَشِّر المساكين، وأُعلن سنة رحمة”. لقد أعلن يسوع سنة مميّزة، سنة رحمة. خلق هذا البابا ثورة في داخل الكنيسة، إذ إنّه يملك غزارة في التأليف وفيضًا من المواقف والمبادرات والمفاجأت. لقد أشعل الكنيسة! إنّ هذا البابا جاء ليصنع التغييّر في الكنيسة. إنّ هذا البابا هو محبوب من غالبيّة النّاس، حتّى من غير المسيحيّين غير أنّه مرفوض من قِبَل بعض الإكليروس والرّهبان والرّاهبات.

ما الذّي كان يحدث في السنّة اليوبيليّة؟ كيف كانت تُعاش في السّابق؟ كان النّاس يعملون ستّ سنوات متتاليّة عادةً وفي السنة السّابعة يستريحون، وهذه كانت تُعرف بالسنة السبتيّة.كان اليوبيل يعتبر زمن تجدّد، زمن نعمة بامتياز. كان الانسان يستريح ويُريح الأرض بعد ستّ سنوات من المواسم فإنّ الأرض هي أيضًا بحاجة للرّاحة. إنّ الرّاحة مهمّة، إذ إنّ الله في اليوم السابع استراح، لذلك أخذوا السنة السابعة للرّاحة. قديمًا،كان النّاس يزرعون الأشجار وليس فقط بحسب المواسم. إنّ الشجرة هي علامة للثبات، وبالتّالي عندما أزرع شجرة، هذا يعني أنّني أفكّر في الأجيال اللاحقة، في أولادي وأحفادي. إن الزراعة بحسب المواسم تعني أنّني أفكر في ذاتي فقط. فكلّ مَن يمرّ على الطريق، يقطف من ثمار الاشجار ويأكل. إنّ الثمار في هذه السنة اليوبيليّة تكون للجميع، ولا أسوار حول الأراضي.

في هذه السنة اليوبيليّة كان يتمّ تحرير العبيد والأسرى، كما كان يتّم الإعفاء من الدّيون. لقد كانت هذه السنّة مميّزة إذ كان يتمّ فيها مبادرات مصالحة، فيسعى الانسان إلى مصالحة كلّ إنسان يكون على خصام معه، كائن من كان، ومهما كانت الصعوبة أو الإشكاليّة من دون انتظار الآخر ليقوم بالمبادرة. وإنّ كان الحقّ مع فريق معيّن فهذا لا يعفيه من القيام بمبادرات مصالحة في هذه السنّة للتّقرّب من الآخر.

كذلك كان النّاس، قديمًا، يقومون برحلات حجٍ مقدّس إلى أماكن معينّة على خطوات معيّنة وباتجاه معيّن. إنّ هذه المسيرة هي دليل على اتّباع يسوع. لذلك أعلنَ قداسة البابا عن أماكن مقدّسة. إنّ السنة اليوبيليّة هي زمن توبة وارتداد. في هذه السنّة، يجب أن أتخذ قرارًا بالتغيّير والتجدّد أي أن أغيّر قلبي، وأن أسعى كي أكون إنسانًا جديدًا فأتخلَّص من خطاياي. هذا هو مفهوم السنّة اليوبيليّة بشكلٍ عام. إضافةً إلى ذلك، فقد أعلن قداسة البابا فتح الابواب المقدّسة. إنّ البابا لا يملك شركة سياحيّة يريد تمويلها، لذلك لم يحصر الباب المقدّس ورحلات الحجّ في روما. في الفاتيكان هناك باب مقدّس لا يفتح إلّا مرّة واحدة كلّ خمس وعشرين سنة. إنّ فتح ذاك الباب لَهُوَ أمرٌ رمزيّ. إنّ قداسة البابا أعلن فتح الابواب المقدّسة وليس ذلك بهدف سيّاحيّ وليس خوفًا من التّدافع إنّما ليتمكنّ الجميع من الحجّ حتّى وإن كان لا يملك المال. قام قداسة البابا بفتح الباب المقدّس في 8 كانون الأوّل في كاتدرائيّة مار بطرس، ثمّ في الأيّام التّاليّة قام بفتح أبواب كاتدرائيات أخرى في الفاتيكان: سان جان دو لاتران، سانتا ماريا ماجوري، سان بول أورليمور. إذًا هناك أربعة أبواب مقدّسة في الفاتيكان. ولقد طلب قداسة البابا من كلّ أسقف أن يحدّد في أبرشيته، بابًا مقدّسًا يدخل منه المؤمنون، ويكون باب رحمة. فعندما يدخل المؤمن من هذا الباب الرمزي يستطيع إدراك أنّ الرّبّ يعانقه، ينتظره، ويسامحه. في أبرشيتنا، الباب المقدّس هو باب الكاتدرائيّة في أدما، في أبرشيّة صربا الباب المقدّس هو باب كنيسة مار جرجس. في أبرشية جبيل هناك بابان مقدّسان، باب كنيسة مار يوحنّا مرقس وباب كنيسة مار مارون عنايا، في القبيات الباب المقدّس هو باب كنيسة سيّدة الغسالة. في أبرشيّة أنطلياس، الباب المقدّس هو باب كنيسة القيامة المطيلب. وقد أعلنوا في كلّ أبرشيّة بابًا مقدّسًا تجاوبًا مع نداء قداسة البابا الذّي أراد بذلك أن يقول إنّنا كلّنا في شراكة وإنّه لايريد أيّة حصريّة في الأمور. إنّ هذا البابا يحبّ الانفتاح والشموليّة. إنّ مهمّة كلّ شخص منّا وبخاصّة المكرّسين ليس فقط الجلوس وراء المكاتب أو خلف المذابح، إنّما علينا الخروج صوب جروحات النّاس، على أمل ألاّ يكون هذا الخروج وهذه الولادة ولادة قيصريّة. دعوتنا إذاً الخروج صوب النّاس. فيوبيل الرّحمة هو سنة مقدّسة، سنة استثنائية، نتأمّل فيها بوجه يسوع الرّحوم، ورحمته العظيمة لنا، ونتأمّل في بُعد الرّحمة الذّي أعطانا إيّاه.

أتذّكر معكم إخوتي في إطار يوبيل الرّحمة، ذكرى خمسين سنة على افتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني، إنّه أكبر مجمع في الكنيسة، لا مثيل له في سائر المجامع الكنسيّة، ويُقال عنه إنّه العنصرة الجديدة للكنيسة. لقد كانت الكنيسة قبل هذا المجمع منغلقة على ذاتها، وقد أَنتَنَتْ نتيجة إغلاقها هذا. لكن البابا يوحنّا الثالث والعشرين الذّي تمّ إنتخابه، وقد اعتقد البعض أنّه لن يتمكنّ من القيام بتغيير داخل الكنيسة، كان أعظم بابا وخَلَقَ التّغيير في خط البروتوكول ونادى بمجمع فاتيكاني ثانٍ. لقد قال هذا البابا عن المجمع إنّه عنصرة جديدة للكنيسة كما قال إنّ الكنيسة عروسة المسيح أي الكنيسة تُفَضِّل أن تستعمل الآن دواء الرّحمة بدلاً من أن تحمل أسلحة القساوة والتّزمت. علينا إستخدام هذا الدّواء، دواء الرّحمة، على الرّغم من وجود أسلحة القساوة في كنيستنا وحيث التّزمت موجود فيها على صعيد القوانين والشرائع. إن استخدام دواء الرّحمة في قلب الكنيسة، لا يعني أبدًا تشجيع الانفلات في الكنيسة بل على العكس من ذلك، إنّه يشجِّع التنظيم داخل الكنيسة. إنّ البابا يوحنّا الثالث والعشرين مات خلال فترة المجمع وقد استلم عنه هذا العمل خَلَفَهُ أي البابا بولس السادس. ويقول البابا بولس السادس إنّه شعر بروح السامريّ الصالح، روح المحبة في هذا المجمع، روح الانفتاح على الجميع، وتجدر الاشارة إلى مشاركة إخوتنا الارثوذوكس والبروتستانت في هذا المجمع، كما كان للمسلمين حضور ملفت.

عندما نقول العهد القديم، يُخيّل إلينا أن الله ليس رحومًا، وأنّ الله يَبطُش بالنّاس، وأن من لا يسمع كلمة الله، القصاص والعقاب بانتظاره. إنّ هذا ليس منطق الله. إنّ منطق الله هو منطق رحمة: “إنّ إلى الأبد رحمته”. ونرى في العهد القديم تَكرار لكلمتين: “إنّ الله صبور ورحوم”.
أمّا في العهد الجديد، نرى أنّ الجموع كانت تلاحق يسوع لمدّة ثلاث أيام على الجبل، علّمهم، شفاهم وأطعَمَهم، وعندما أراد أن يرتاح ويذهب إلى الجبل تبعوه وكانوا نحو خمسة ألاف رجل ما عدا النّساء والأطفال، وعندما وصل إلى هناك، رآهم كخرافٍ لا راعٍ لها، تحنّن يسوع على الجموع وأشفق عليهم. إنّ يسوع قد رأى هذه الجموع آتية وهي من دون راعٍ. إنّ يسوع عندما كان يرى حاجةً أو وجعًا، كان قلبه يتحنّن ويتحرّك. هذا هو إلهنا، يتحنّن على أوجاع البشر ولا ينظر إليها كمتفرِّج. لذلك علينا أن نتعلّم في هذه السنة اليوبيليّة الخاصّة بالرّحمة أمرين: الأوّل هو أن نصرخ بصوتٍ مرتفع. هناك نوعان من الصّراخ: صرخةٌ بصوتٍ مرتفعٍ كما صرخ الأعمى الذّي كان موجودًا على قارعة طريق أريحا. كان يسوع صاعدًا من أريحا إلى أورشليم، وكانت الجموع تنتظر دخول يسوع إلى أورشليم، وكذلك كان الأطفال بانتظاره حاملين أغصان النّخيل استعدادًا للقائه في أورشليم ولمناداته بأصوات مرتفعة ملكًا حقيقيّاً، فناداه الأعمى صارخًا: “ارحمني يا ابن داوود”. إن يوم الشعانين لم يبدأ في أورشليم بل في أريحا: في أورشليم، كانت الجموع تنادي وتقول صارخةً:” هوشعنا لابن داود”. وفي أريحا، نادى الأعمى يسوع قائلاً: “ارحمني يا ابن داود”. إذًا الشعانين بدأ بالصّراخ عاليًا في أريحا، حيث عبّر الأعمى عن حاجته وهي المقدرة على الرؤية، عبّر عن مشكلته التّي رافقته منذ سنين، فهو يتسوّل جالسًا على قارعة الطريق، وبحاجة لمن يشفيه. لقد أَسكَتَهُ الجمع، لكنَّ يسوع سمع صرخة الأعمى وطلب من الجمع أن ينادوه وعندما جاء إلى يسوع، لمسه وشفاه وأعاد إليه النّور والبصيرة وعين الإيمان، فسار الأعمى وراء يسوع صوب أورشليم. وهناك نوعٌ آخر من الصّراخ، هناك أشخاص قد اختفت أصواتهم من شدّة صراخهم. هناك أشخاص موجوعون وفي عيونهم دموع ألمٍ، يصرخون بصوتٍ خافت، لكن يسوع بالرّغم من ذلك يسمع صراخهم. هناك أشخاص ألتقي بهم أحيانًا، يقولون لي أن لا أحد يعرف ألمهم ووجعهم ومشاكلهم وصعوباتهم سوى وسادتهم، وقد تبللَّ فراشهم بالدّموع. 

إنّ هذا غير صحيح، إنّما الرّبّ هو الذي يسمعهم، هو راحتهم. لذلك، سوف أعطي مثلاً عن الصرّخة الصامتة التّي لا يسمعها الجمع، صرخة أرملة نائين، التّي فقدت وحيدها وهي تسير في موكبه الجنائزي باكيةً عليه، ومعها كلّ أهل قريتها. التقى هذا الموكب بيسوع، ولو لم تلتقِ هذه المرأة به، لأكملت طريقها في مسيرة الحزن إلى المدفن، واستمرت في حزنها وبقيت كلّ علامات الموت عليها. لكن لحسن حظ هذه المرأة أنّ موكبها التقى بموكب يسوع، التقت دموعها بيسوع، الذّي سمع صوت دموعها. عند رؤية يسوع هذه الدموع، مع أنّ المرأة لم تطلب منه شيئاً لكنّه استجابةً لدموع أمّ الميت، طلب أن يتوّقف النّعش، فلمسه وقال للشاب:” لك أقول، قم”، ثمّ أعاد الشاب إلى أمّه، وطلب يسوع من المرأة أن تمسح دموعها، وكأنّه يقول لها يكفي ما ذرفتِه من دموع وحزن، امسحي دموعك! فالبكاء يمنعنا من رؤية حقيقة القيامة، ولو أنّه أمر طبيعيّ وقت الحزن، لكنّ الرّبّ يسوع يسمع دومًا صوت دموعنا، الربّ يسوع يسمع صراخنا الصامت.

سوف أتابع في العهد الجديد وسوف أتطرّق إلى ثلاثة أمثلة هي: الابن الشاطِر، الخروف الضّائع، والدرهم الضائع. في مَثل الدرهم الضائع، يدور الحديث عن امرأة فلسطينيّة، إحدى نساء تلك المنطقة. في القديم، كانت المرأة عند زواجها تحصل على عشرة دراهم من أبيها تكون بمثابة هديّة لها. أضاعت تلك المرأة درهمًا منها، فأخذت تبحث عنه وقد أنارت البيت لكي تجده، إنّها تبحث في كلّ التفاصيل، كلّ زوايا المنزل، لتجد هذا الدرهم وقد وجدته. القاسم المشترك في نصوص الأمثلة الثلاثة هو: “هكذا يكون الفرح بخاطئ واحدٍ يتوب”. يُمنع على الإنسان الذّي يلتمس رحمة يسوع، أن يبقى حزينًا، هناك فرح رغم كلّ الآمنا ودموعنا، فإنّ يسوع يتدّخل في حياتنا ليزرع الفرح.

أتطرّق الآن إلى فكر الكنيسة. على الكنيسة أن تعيش الرّحمة أوّلاً على مستوى الخِطاب، نشكر الله على بطاركتنا، أساقفتنا وكهنتنا، إذ أنّهم يشتهرون بخطاباتهم وبوعظاتهم وبالنّصوص التّي يكتبونها. خطاب الرّحمة هو جيّد جدّاً لكن المشكلة هي في الأفعال “قولنا والعمل”. على الخطابات أن تقترن بالأعمال، فالقول وحده لا ينفع. على أحدهم أن يبدأ بالقيام بأعمال رحمة لكي يبدأ التغيير في الواقع. أنظروا إلى قداسة البابا الذّي ترك القصر الذّي أعطَوه إياه، وأخذ غرفتين في سانتا مارتا، غرفة للنّوم، وغرفة للإستقبال. وغرفة الإستقبال تتضّمن أربعة أمور فقط: المصلوب، تمثال أمّنا مريم العذراء وتمثال مار يوسف وآخر لمار فرنسيس. 

إنّه يستوحي كلماته وعظاته منها، بكلّ بساطة. إنّه يحتفل بالقدّاس يوميًّا ويسمح للمؤمنين بمشاركته القدّاس، ويتلو عليهم العظة بكلّ عفويّة وبساطة.كم هو رائع هذا البابا في التغيير الذّي خلقه في الكنيسة، لقد جعلها تتنفّس من جديد بنفسٍ جديد! أوّل ما قام به البابا عندما تكلّم عن أعمال الرّحمة هو أنّه قام بتجميع المشردين ذوي الشعر الطويل وقد دعا حلّاقين كلّ نهار اثنين للإهتمام بهؤلاء وتصفيف شعرهم، وقد قام بإنشاء حمامات لهم وسيفتتحون مركزًا لهم في حاضرة الفاتيكان. من فترة صغيرة، تمَّ نقل أَلفَي شخص من المتسوّلين بسيارات الكرادلة. لقد قام هذا البابا بثورة في الكنيسة، بخضّة كبيرة. عندما كان قداسة البابا رئيس أساقفة في الأرجنتين، لم يسكن في بناء الأبرشيّة بل قام بإستئجار شقة صغيرة له للقيام بالمهمّات الإداريّة، وكان يتنقل في وسائل النقل العموميّة. إنّ هذا البابا يتمتّع ببساطة في التّصرف مع محافظته على امتيازاته كبابا. في أحد الايّام، التقى البابا بأحد الحرّاس السويسرين الموكول إليهم حراسة الفاتيكان، فوجده مريضًا. فقام البابا بالاهتمام بهذا الحارس المريض، فأتى له ما يأكله وجلب له كرسيًّا ليرتاح. إنّ مثل تلك الشهادات في البساطة والتجرّد والتواضع والقرب من النّاس مهمّة جدًّا في الكنيسة وهذه هي حاجتها اليوم. هكذا كان يعيش يسوع. هذه الثورة التّي لسنا قادرين على قبولها، يجب أن تبدأ فينا من الدّاخل، أن تَعصِف فينا وتُغيّرنا.

هناك أيضًا مثل السامريّ الصالح، إنّه مثل تلّفظ به يسوع عندما سأله أحد اليهود من هو قريبي فتلا عليه هذا المثل. مرّ شخص يهوديّ على الطريق، فتعرّض له لصوص وضربوه. ثمّ مرّ لاويّ وكاهن رأياه مرميًّا على الطريق ولم يهتّما به،كي لا يتنجسّا إذ أنّه كان ينزف والدّم هو علامة النّجاسة. أمّا السامريّ، وهو عدّو اليهوديّ، لم يتكلّم بل قام بأفعال “رآه، تحننّ عليه، إنحنى، ضَمَّد جراحه، سكب زيتًا، حمَلَه على دابتّه”. هذا هو الحبّ و هذه هي الرّحمة، إنّهما يرتكزان على الأعمال. علينا استعمال كلّ الوسائل التّي لدينا لنساعد الآخرين. أريد أن أخبركم أمرًا، في التّاسع من شهر شباط المنصرم، كان لديّ لقاء مع عدّة رهبانيات، في رياضة روحيّة. قمت وإيّاهم بقراءة لواقع الرهبانيّات، فقلت لهم إنّ الرهبانيّات أصبحت اليوم تقوم بفتح مؤسسات: دور عجزة وأيتام وما إلى هنالك، وتأتي بأشخاص من جنسيّات غريبة لخدمة هؤلاء، والمكرّسون في هذه المؤسسات يقومون بتنظيم الأمور إداريًّا فقط. قلت لهم أنظروا إلى راهبات القديسة الأم تريزيا دي كالكوتا، فهنَّ لا يملكن غسّالة للثياب فيقمن بغسل الثياب بأيديهنَّ. فالرّحمة لا تقتصر فقط على التنظيم إنّما تتطلّب القيام بأعمال رحمة أيضًا. علينا العودة إلى جذور وجوهر إنجيلنا.

إنّ شعار يوبيل سنّة الرّحمة “رحماء كالآب”، رسمه أبٌ يسوعيّ إلمانيّ. وفي هذا الشعار نرى يسوع المصلوب، وتبدو على يديه أثار الصّلب، نراه مرتديًا ثيابًا بيضاء ويضع على وسطه زنّارًا باللّون الأحمر تعبيرًا عن الشّهادة والذّي يرمز إلى حبّ يسوع لنا الذّي قاده إلى بذل ذاته عنّا. نرى يسوع حاملاً شخصًا على ظهره، إنّه يرمز إلى كلّ شخص ضائع أو مريض، أو بحاجة لمساعدتنا. ولكننّا نرى ثلاث أعين في هذا الشعار، هناك عين مشتركة بين يسوع والشخص المحمول على ظهره، وبذلك يريد راسم الشعار أن يقول لنا إنّه علينا أن ننظر للآخرين بعين يسوع، بنظرته إليهم.
كلمة الرّحمة باللغة الأجنبيّة تترجم”miséricorde” إنّها تتألف من كلمتين: misère وتعني البؤس، وcordia وتعني القلب، وبالتّالي إنّ الرّحمة تدعونا للتخلّي عن قلبنا القاسي لنتحلّى بقلب محبّ ورحوم. وهذه هي فكرة البابا من هذا اليوبيل أنّه عند رؤيتنا لبؤس، وشقاء النّاس والآمهم، علينا التحلّي بقلب محبّ، حنون، رحوم، ومحبّ للبشر.

هناك نوعان من أعمال الرّحمة: أعمال الرّحمة الرّوحيّة وأعمال الرّحمة الجسديّة. سأبدأ بأعمال الرّحمة الجسديّة وإنجيل متّى يتكلّم عنها في الفصل 25، نحن قد حفظناه غيبًا: كنت جائعًا، كنت عطشانًا،كلّ أعمال الرّحمة موجودة. لكنّي سأتوقف عند الآية الأخيرة، عند كلمة “ندفن الميت”.إنّ مشكلة المشاكل تكمن هنا، هناك العديد من النّاس يموتون في هذه الأيّام وليس هناك من يدفنهم، لذلك أضاف البابا هذه الكلمة على أعمال الرّحمة المطلوبة. هناك حروب، وقد أصبح الموت مكلِفًا وباهظًا جدًّا إذ أصبح هناك سمسرة في ما يختّص الموت. فلذلك عند موت أحدهم، نرى تجار الموت، يأتون ظاهريًّا بوجه خدماتيّ لكنّهم ليسوا كذلك، إذ يعرضون خدمات الآخرين فيما يختّص بمستلزمات الدفن من أكل، سيارة دفن الموتى، ورقة النّعوة، وإلى ما هنالك. إنّ قداسة البابا يدعونا إلى القيام بأعمال رحمة تجاه إخوتنا. إنّ البابا يدعونا في رسالتة عن الرّحمة كي “نتحمّل الشخص المزعج بصبر”. فلنحاول عيش هذه الرّحمة لمدّة سنة فقط، ولننظر إلى الأشخاص المزعجين في حياتنا ولنحاول تحمّلهم أقلّه هذه السنة.

ليوبيل الرّحمة بحسب رسالة البابا ثلاثة أبعاد: البعد الأوّل مغفرة الخطايا، البعد الثاني المصالحة والبعد الثالث كيفية مساعدة الفقراء. البعد الأوّل يطرح مشكلة الاعتراف، فمهما كانت خطيئتك عظيمة، تعال إلى الرّبّ ولا تخف من أن تفصح عن جميع خطاياك، دون خوف وخجل وبصراحة تامّة، وتذّكر أن لا حدود لمغفرة الرّبّ ولرحمته لك. فليس عليك تبرير ارتكابك الخطايا، يكفي أن تأتي إلى الرّبّ وتعترف بخطاياك. هناك العديد من النّاس قد ابتعدت عن الكنيسة وعلينا أن نسعى إلى إعادة جمع القطيع من جديد، هذا ما يطلبه قداسة البابا منّا اليوم. وفي هذه السنة، أطلق قداسته 1071كاهنًا وأسقفًا إلى كلّ العالم ليُفسح المجال للجميع بأن يتوب ويعترف بخطاياه، مهما كانت خطاياهم عظيمة، هذه هي دعوتنا في هذه السنّة اليوبيليّة.

إنّ قداسة البابا لا يحبّ التجمعّات الكبيرة إذ أنّه يهتّم لكلّ فردٍ بمفرده. إنّ البابا ينظر إلى كلّ شخص بمفرده بعينيه فيهتّم لأمر كلّ شخص، وهو لا يحبّ الأمور العامّة، تلك هي روحانيّته: الإهتمام بكلّ شخص بمفرده. لقد اختار الآباء اليسوعيّون، راهبًا من بينهم هو الأب أنطونيو لإجراء مقابلة مع البابا، وطرح عليه أسئلة عدّة، أوّلها: من هو خورخيو ماريو برغوليو، وهو اسم البابا الحقيقيّ. فجواب البابا كان أنا رجلٌ خاطئ، لكنّ الرّبّ ألقى نظره عليّ. إنّنا كثيرًا ما نبتعد عن الرّبّ، ونهتّم بالتنظيمات والثقافة، لكنّ البابا يدعونا إلى العودة إلى مرجعيتين: المسيح والكنيسة. وهنا سوف استشهد بهوشع: هوشع طلب الله منه أن يتزّوج إمرأة خاطئة زانية. وقد أنجبت طفلة أطلق عليها هوشع النبيّ اسم “لا رحمة”، ثمّ أنجبت امرأته صبيًّا وقد أطلق عليه اسم “ليس بشعبي”. هاتان الولادتان كانتا نتيجة علاقة خارج الزّواج. وعندما شكا هوشع أمره للرّبّ، طلب منه أن يغوي جومر إمرأته من جديد ويجذبها، لذلك قال هوشع: “آخذها إلى البريّة وهناك أتكلّم إلى قلبها”. أخذها إلى البريّة وتكلّم إلى قلبها، ثمّ قال إنّه سيخطبها ويريد إقامة عهدٍ جديدٍ معها، و قد استجاب الرّب لهما وأعطاهما صبيًّا ، هو ابن البركة واسمه يزراعيل أي الله يزرع، الله يبارك. لقد قال هوشع ما ردّده يسوع لاحقًا في الانجيل: “أريد رحمة لا ذبيحة”. فهناك ثلاث خطايا هي ضدّ الرّحمة يجب الاعتراف بها عند ارتكابها: الأولى هي خطيئة الإكتفاء بالذّات، وعدم حاجتي للآخر، وعدم الشعور بحاجة للرّحمة وأنّي قديس وممتلئ نعمة. أمّا الخطيئة الثانية هي الحكم على الآخرين ودينونتهم، وأمّا الأخيرة فهي خطيئة التّجاهل واللامبالاة، رؤية وجع الآخر دون محاولة المساعدة.

والآن، سوف أتطرّق إلى مبادرات المصالحة. في أيّامنا هذه، النّزاعات كثيرة جدًّا في رعايانا، في جماعاتنا، وفي وظائفنا. علينا التحلّي بالشجاعة للقيام بمبادرات مصالحة كما فعل قداسة البابا يوحنّا بولس الثاني الذّي التقى بالإنسان الذّي أطلق عليه النّار “علي أقجة”، فغفر له. إنّ الأكبر والأقوى، والممتلئ من الرّبّ، هو الذّي يغفر.

والآن، سوف نتناول مسألة مساعدة الآخرين الذّين يعيشون في حالةٍ من البؤس. أمام بؤس النّاس، وآلامهم ومعاناتهم والظلّم الموجود في عالمنا، لا يخجل البابا من التكلّم عن تجّار الأسلحة وأصحاب المافيا وتجّار المخدّرات، إذ لا يجب أن يكون هناك ظلّم، وعلى الدّول الغنيّة التّي تمتلك الثروات الكبيرة المساعدة في تخفيف البؤس وألمه. لقد أعلن البنك الدوّليّ إنّ نسبة سكان الأرض الذّين يعانون من الجوع والفقر هي 34 بالمئة، وهذا رقم كبير، أي ثلث البشريّة تعيش في حالة فقر وجوع. لذا لا بجب أن ننظر إلى البؤس المحيط بنا دون محاولة المساعدة. إنّ القديسة الأمّ تريزيا دي كالكوتا، عندما رأت شخصًا مرميّاً قرب محطّة القطار ويصرخ أنّه عطشان، شكَّل لها ذلك دعوة لتترك رهبانيتها وتسمع صوت يسوع الذّي يناديها من على الصليب “أنا عطشان”، بصوت هذا الانسان، ثم أن تؤسس رهبانيّة جديدة إذ لا تستطيع أن تغلق بابها عن حاجات الآخرين وأن تكون قاسية القلب أمام بؤسهم ووجعهم.

الآن سنتكلّم عن الرّحمة كما تكلّم عنها الآباء. إنّ القديس باسيليوس قال إنّ كلّ ثوب تمتلكه وأنت لست بحاجة إليه، كلّ حذاء تمتلكه ولست بحاجة إليه، كلّ هذا هو ملك للفقراء والعراة وليس ملكك. وكذلك بالنسبة للطعام، إنّه مُلك الجياع. ويضيف قائلاً إنّه لَمِن غير المقبول أن تُلبِس الجياد ذهبًا وتُطلي منزلك بالذهب عندما يكون هناك أناس يموتون جوعًا. والقديس يوحنّا الذهبيّ الفم يقول إنّه كما يحتفل الكاهن على المذبح ويقدّم قربانه، كذلك عليّ أن أقف أمام الفقير وأحتفل احتفالاً أسراريًّا بالسرّ الأخويّ وكأنني أمام المذبح. إذاً هناك دعوة للخروج صوب الآخر ودعوة لنكون رحماء فنحوِّل إلى الأحسن واقع الآخرين والآمهم.

هل الرّحمة تنفي وجود العدالة والنّظام؟ إنّ هذا الأمر ليس صحيحًا أبداً إذ إنّ العدالة تُكمل الرّحمة. إنّ الرّحمة هي ملء العدالة شرط ألاّ نعيشها بروح الفريسيّ أي أن نتمسّك بحرفيّة الشريعة. إنّ المسلمين واليهود يفكّرون بالرّحمة. عند اليهود، إنّ العهد القديم مليء بالرّحمة، والمسلمون يطلقون على الله اسم “الرَّحمن الرّحيم”، وإنّه يتكرّر بشكل مستمِّر على شفاه المسلمين. إخوتي إنّ الفقير لا هويّة له. وكما يقول الأب يعقوب الكبوشيّ إنّ النبع لايسأل الذّي يشرب منه ما هي هويّته، لذلك علينا أن نكون رحماء مع جميع الفقراء. إنّ الكنيسة في ذهابها وتواجدها في السّجون، حيث الغالبيّة هم من المسلمين، تقوم بعمل رحمة مع هؤلاء. إنّ الشيوخ غالبًا لا يهتّمون بالسّجناء كونهم ينالون عقابًا على أفعالهم. لذلك نجد أنّه من واجبنا الإهتمام بهم، غير أنّنا نرى امتعاضًا من البعض على هذا الأمر. في بعض الأحيان هناك مسلمون في رعايانا وعلينا ألاّ نترَدَّد في مساعدتهم، إذ إنّ ذلك هو من أساس الحبّ الذّي علّمنا إياه الرّبّ، أن نكون منفتحين على الجميع. إنّ قداسة البابا، من خلال حواره مع المسلمين يريد أن يتعاون المسيحيّون مع المسلمين من أجل نزع العنف من العالم، وأن يتمّ التعامل بالرّحمة مع بعضنا البعض. نقول إنّ مريم هي أمّ المراحِم. لقد ظهرت كذلك عند أقدام الصليب، عندما كانت تتأمّل وجه يسوع الرّحوم، الذّي غفر للجميع، هو المعَلَّق على خشبة، على حجنّا أن يكون موّجهًا صوب جرح الإنسان. علينا أن ننظر بأعيننا الاثنتين، الأولى موّجهة صوب قلب يسوع المطعون بالحربة، والأخرى موّجهة صوب الفقير.

كيف يجب أن نعيش الرّحمة اليوم، في بيوتنا، في عائلاتنا في مؤسساتنا، في مجتمعاتنا وفي وطننا؟ علينا أن ننزع قلب الحجر منّا، ونضع مكانه قلبًا محبًّا ورحومًا، لكي نعكس بمبادراتنا وجه يسوع الرّحوم. المطلوب منّا إذًا ثلاثة أمور: عين مفتوحة قادرة على رؤية حاجات النّاس، ثمّ قلب مفتوح يتحنّن، ويد مفتوحة وصرّة أموال مفتوحة أيضًا حاضرة للعطاء. فإذا عدنا إلى مثل السامري الصالح، لا يكفي أن نشتري دابّة لمساعدة الآخرين إنّما علينا إخراج الدينارَين من صُرّة أموالنا وإعطاءهما لمن هم بحاجةٍ إليهما. فالصّلاة فقط لا تكفي، علينا بالمساعدة الماديّة أيضًا، أي أن أعطي رغيف خبز للجائع، وأن أصلّي له أيضًا.

أعمال الرّحمة اليوم، أصبحت حسب حاجتنا وإليكم مثالاً هو تصرّفات المرشحيّن إلى الانتخابات، فهم يغرّون الآخرين بمساعدتهم ماليًّا كي ينتخبونهم، إنّهم يساعدونهم من أجل مصالح خاصّة. فهل هذه المساعدات هي أعمال رحمة؟ هناك قديسة تدعى إميلي دو رودا، هذه قديسة من راهبات العائلة المقدسّة الفرنسيّة، عمر رهبنتها حوالي المئتَي سنة. لقد كانت هذه القديسة رائدة في أعمال الرّحمة أيّام الثورة الفرنسيّة،كانت تهتّم بالفقراء، تساعد الفتيات اللواتي يعشن في الشوارع، كانت تدخل إلى السّجون للمساعدة. وهناك أيضًا الأب يعقوب الكبوشيّ، هذا الشخص الذّي كان مميّزاً بعلاقته مع يسوع. ومن أجل التبشير بيسوع، مشى لبنان بأكمله سائرًا على الأقدام. رفع صليب يسوع على كلّ تلة، وقد قام بافتتاح مؤسسات ورهبانيّات تهتّم بالفقراء وبالبؤساء، الذّين لا يهتم أحدٌ بهم، إنّه وجهٌ نَيِّرٌ في الكنيسة.
إنّني أدعوكم في ختام حديثي معكم اليوم، إلى “اذهب وافعل أنت أيضًا هكذا”، فإذا اقتنعنا، علينا القيام بأعمال رحمة وعدم البقاء على مستوى النّظريّات الجميلة حول ما يجب فعله، علينا الانطلاق صوب العمل. علينا عدم الغرق في النّظريات الأخلاقيّة والوعظ. علينا التّعامل بصدقٍ، والتعاطي المباشر كما تفعل الأمّ تريزيا وراهباتها. علينا الاتكّال على رحمة الله كما يفعلن هنّ، فهنّ لا يخبِئنَّ شيئًا لهنّ. إنّ الرّحمة هي فعل، عمل:”اذهب وافعل أنت أيضًا”. إذًا إخوتي، هناك ضرورة بالإعتراف، وتشجيع الآخرين على ذلك، وضرورة مصالحة الآخرين وعدم انتظار الاخرين بل علينا التشجّع والقيام بمبادرات مصالحة. وحيث هناك جرح، علينا إحضار دابة، ودرهمين فنقوم بما نستطيع في هذا العالم، لنستطيع تغيير العالم من حولنا. آمين.

ملاحظة: دُوِّنَ المحاضرة بأمانةٍ من قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp