“ثمّ ابتدأ مِن موسى ومِن جميعِ الأنبياء يُفسِّر لهما…” (لو 24 : 27)
بقلم الأب فادي اسكندر،
تكلّم الله مع الإنسان الأوّل، آدم، وأحبَّه، وكرَّمه، وميَّزه عن كلّ المخلوقات بأنّه على صورته ومثاله، ولم يَسكت الله بعد خطيئة الإنسان، بل استمرّ بالحديث والتواصل مع الإنسان واختار كثيرِين لِيوصلوا كلامه في وصاياه ومحبّته ونِعمته ورحمته لِلعالم، ولكنْ هل كان كلام الله يُفهم ويُعمَل به؟
منذ البداية أوضَح الله أنّه يريد لِلإنسان الكرامة والحياة والسعادة والفرح، وأمّا الكرامة فلأنّه على صورة الله ومثاله، وأمّا الحياة فلأنّه أتى إليها بِنعمة الله، وأما الفرح والسعادة فواضحةٌ إرادة الله فيهما للإنسان إذْ لَم يَرغب أنْ يبقى آدم وحيداً فَذلك غَير جيدٍ بِنظر الله. فقصْد الله كان واضحًا للإنسان منذ البَدء، وكانت دعوة الله للإنسان أنْ يَصون الحبّ. وعندما أخطأ الإنسان ظلَّ الله أمينًا على حبِّه له وأراد رجوعه إليه، وتنوّعَت إجابات الإنسان. وظلَّ الله يعلِّم الإنسان ويؤدِّبه، إنْ لزِم الأمر، فهُو الأب السّماويّ.
منذ البَدء وَضع الله مُخطّطًا لِخلاص الإنسان ورجوعه إليه، وأراد أنْ يَعِي الإنسان أنّه سيكون هناك خلاصٌ ومخلِّصٌ، وتدرّجَت خِبرة فهْم الإنسان لِمعنى الخلاص حتى وصلَت الإنسانيّة إلى أنْ تقف مذهولةً من حجم حبِّ الله على الصّليب وخلاصِه لنا وانتصاره وقيامة المخلِّص الربّ من القبر في اليوم الثالث. قد لا أبالغ إنْ قلتُ إنّنا إلى اليوم نَقف مذهولِين أمام عُمق حبِّ الله المتجلّي بِصَلب ابنِه لأجل خلاصنا! فمقاييسنا للحبِّ تختلف وفِعل المحبّة فينا محدودٌ إنْ نظرنا للصّليب.
لم تفِ الكلمات الإلهيّة، على عظمتِها، عُمق حبِّ الله لأنّ الإنسان المحدود غَير قادرٍ على استيعابِها بِعمقٍ في كثيرٍ من الأحيان أو قد يَنسى معناها بعد زمن السّماع، فيصبح فِعل الصّليب حتميًّا وفيه قد تكلّم الله أيضًا لا بِفمه بل بِدم ابنِه!
بعد الصّليب تغيّر فهمُنا لِكلام الله، فانفتحَت أعينُنا الرّوحيّة لِحبِّه الباذِل ولإرادته لِرجوعنا إليه، فخَجلنا كما فَعل أبوانا عندما سقطا في الخطيّة، وبَكينا كما بكى بطرس عندما نَكر معلِّمه وربّه، ودخل حبُّ الصّليب فينا لِيَربطنا من جديد بالذي أحبَّنا منذ البَدء، ففَهمنا كلماته بالرّوح الحيّ الذي أفهمَنا وجدّدنا وفتح قلبنا وعقلنا لِخلاص الله.
هذا ما حَصل مع التلميذَين على طريق عماوس، فإنّ يسوع المسيح الربّ القائم شرَح لَهما وفسّر الكلام الإلهيّ الذي اختبَره وسمعَه الإنسان ممثلًا بموسى والأنبياء من الله، وأوضَح الربّ المسيح أنّ غاية الكلام كانت فِعل الخلاص الذي تمّ بالصّليب والقيامة.
فهَل نَعِي نحن اليوم أيضًا كلمات الصّليب الناطقة بالدم والحبّ؟ الله يُريد خلاص الجميع ويحبّ الجميع، فهَلمّوا وخُذوا وكلوا جسده واشربوا دمَه عربونًا لِلحياة لكلّ مَن آمن بِكلام الصّليب.