الفصل الرّابع: المُرافَقَة لإعلان قيامتي: “شهادة فرحٍ وإيمانٍ”
الخوري لويس سعد،
تأمّل:
بِاسم الآب والابن والرُّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
سوف نبدأ لقاءنا اليوم، بِمَزمور فَرَحٍ لِداود (86)، فيه يقول النبيُّ للربّ: “أمِلْ يا ربّ أُذنَكَ، استَجِب لي، لأنِّي مَسكينٌ وبائسٌ أنا. إحفَظ نفسي، لأنِّي تَقِيٌّ يا إلهي. خلِّص أنتَ عبدَك الـمُتَكِّل عليكَ. ارحَمني يا ربّ، لأنِّي إليكَ أصرُخ اليوم كُلَّه. فرِّح نَفسَ عبدِكَ، لأنّي إليكَ يا ربّ أرفعُ نفسي. لأنَّك أنتَ يا ربُّ، صالحٌ وغفورٌ وكثيرُ الرَّحمة، لِكُلِّ الدَّاعينَ إليكَ. أصِغ يا ربّ إلى صلاتي، وأنصِتْ إلى صوتِ تضرُّعاتي. في يومِ ضيقي أدعوكَ، لأنَّك تستَجيبُ لي. لا مِثلَ لكَ يا ربّ، لا مِثلَ لكَ. كُلُّ الأُمَمِ الّذين صَنَعتَهم، يأتونَ ويسجدونَ أمامكَ يا ربّ ويُمجِّدونَ اسمَك. لأنَّك عظيمٌ، وأنتَ صانع العجائب، أنتَ الله وحدَك.”
بهذا الرَّجاء، وبهذه الثِّقة، يستطيع الإنسان المتألِّـم أن يتلو هذا المزمور، لأنَّه أصبَحَ ممتلئًا مِن خِبرة حُبِّ الله له، ومِن تحدِّي الحياة وقساوتها. أمام هذا المزمور، يتحوَّل ألم الإنسان، الّذي يَطلبُ إلى الربّ أن يَلمُسَ حُزنَه، إلى مجدٍ وفَرَحٍ وشَهادةٍ.
شرح الفصل الرّابع:
اليوم، في هذا اللِّقاء الرّابع، سنُلاحِظ أنّ المتألِّـم الّذي يحاول اجتياز هذا النَّفق الـمُظلِم في بدايته والـمُشرِق في نهايته، أصبح على مَقرُبةٍ من نِهايته إذ إنّ رُقعة النُّور قد بدأتْ تَتسِّع شيئًا فَشيئًا. إنّ الـمُرافِق للمتألِّـم يبدأ بِتَلَّمُس اتِّساع النُّور من المرحلة الثّالثة، إذ يلاحظ عودة المتألِّـم إلى حياته الرُّوحيّة من جديد، من خلال عودته إلى الصّلاة ولو بِشَكلٍ متقطِّع؛ كما نلاحظ عودته إلى حياته الإجتماعيّة، من خلال زيارته لمحزونِين آخَرين وتقديم العزاء لهم، لأنَّه أصبح مُدرِكًا لخسارة إنسانٍ عزيزٍ على قلبه. إنّ المتألِّـم في هذه المرحلة، أصبح قادرًا على المشاركة في القدَّاس، من خلال قراءة النَّوايا أو تقديم القرابين، والانضمام إلى جماعةٍ روحيّة على مِثال “أذكرني في ملكوتِكَ”.
إنّ قراءة المتألِّـم للنوايا خلال القدَّاس، تكون مليئة بالحُبّ، لأنّها نابعة من حزنه، ومن حاجته إلى الصَّلاة خصوصًا للَّذي فقَدَه. عندما نلاحظ وجود كلِّ تِلك العلامات، نستطيع أن نقول إنّ هذا الإنسان المتألِّـم قد أصبَح قريبًا من إعلان قيامته. إلى الآن، قُمنا بِعَرض المراحل الثَّلاثة الّتي يَمرُّ بها الـمُتألّـِم، ممّا يُسهِّل على الحاضرين معنا اليوم، الَّذين تَعسَّر عليهم متابعة لقاءاتنا السّابقة، من متابعة لقائنا اليوم، والصُّورة ستتَّضح أكثر لهم، متى تمكنوا من سماع اللِّقاءات السّابقة الّتي يتمّ نَشرُها عَبر مواقع التَّواصل الاجتماعيّ.
في لقائنا الرَّابع اليوم، الّذي هو بِعنوان: “إعلان قيامتي”، لا إعلان القيامة؛ لأنّ المسيح قد قام، ونحن شهود على ذلك منذ ألفَين وثلاث وعشرين سنة. إخوتي، إنّ أشخاصًا كُثُرًا قد فقَدَوا أحبّاءَ لهم، قد تمكنَّوا من الوصول إلى قيامتهم الخاصّة. اليوم، علينا أن نسمع إعلان شهادة هذا المتألِّـم الّذي رافقناه في هذا المشوار، ولذلك نقول “قيامتي”، أي قيامة الشَّخص المتألِّـم الشَّخصيّة.
كي يتمكَّن الشَّخص المتألِّـم من إعلان قيامته، يجب أن يكون هناك اختبار، تمامًا كما حَصل مع مريم المجدليّة، وأيضًا مع تِلميذَي عمّاوس، وكذلك مع الرُّسل الـمُختَبِئِين في العليّة يتلقَّفون أخبار قيامة الربّ، وعن تَدَحرُج الحجر الموضوع على قبرِه. في هذه المرحلة، نلاحظ أنّ الشَّخص المتألِّـم، يريد الوصول إلى قِيامته، لكنّه يشعر بعدم استحقاقه لها، وهو يريدها ولكنّه غَيرُ مصدِّقٍ لها، هذا هو بِاختصار، الجوّ العام الّذي يعيش فيه المتألِّـم في هذه المرحلة.
للتأكُّد من أنَّ هذه الأجواء قد تمكَّنَ الشَّخص المتألِّـم من الوصول إليها، علينا العودة إلى إعادة طَرح الأسئلة على المتألِّـم حول مُحيطه: فإذا وَجدْنا تجاوبًا واضحًا من المـتألِّـم، حين كلَّمَنا عن عودته إلى حياته العمليّة أو العِلميّة، وعن قيامه بواجباته العائليّة ومتابعة إلتِزاماتِه ونشاطاته، عندها نتأكَّد أنّ هذا المتألِّـم قد عاد إلى حياته الطبيعيّة، وبالتّالي أصبح باستطاعتنا الغوص معه في العمق.
عندما نقوم بطرَح الأسئلة على المتألِّـم عن الجوَّ العام أو عن الجوّ الخاصّ، علينا مراقبة أمورٍ ثلاثة، هي:
- نبرة صوته:
- علينا الانتباه لِنَبرة صوت المتألِّـم، فنلاحِظ إذا كانت ضعيفة أو قويّة جدًّا أي أنّها تُعبِّر عن احتدادٍ في الصّوت، أم أنّها عاديّة طبيعيّة.
- كما علينا الانتباه لِكَيفيّة خروج الكلمات من المـتألِّـم، فنلاحِظ إنْ كانت تَخرُج منه كَمَن يُتأتِئ أو كمَن لا يرغَب في متابعة الحديث معنا، أم أنَّ كلماته هي ذات نَمَطيّة معيّنة، تُعبِّر عن توازنٍ معيَّنٍ في كلامه.
- علينا الانتباه للوقت الّذي يستغرقه المتألِّـم للإجابة عن أسئلتنا: هل يستغرق وقتا طويلاً، لسماع جواب المتألِّـم عن سؤالٍ قد طَرَحناه عليه؛ أم أنّ جوابه عن أسئلتنا هو جوابٌ فعَّال. فإذا كان المتألِّـم يتفاعل معنا، علينا أن نشعر بالرَّاحة، لأنّه لا يسعى إلى إخفاء ألَمِه بل يُعبِّر عنه بِحُريّة، من دون اللِّجوء إلى مسايرتنا، وكأنّه لم يكن مَعنيًا بالألم الّذي أصابَه.
- حرَكة اليَدين: هل يقوم بِفَركِهما أو يعمل على تغطية فَمِه بِهِما؟
- العيون: هنا، علينا أن نلاحظ ما إذا كان المتألِّـم يسعى إلى النَّظر إلينا وَجهًا لوجه؛ أم أنَّه يسعى إلى التهرُّب من النَّظر إلينا لأنّه يخاف مواجهة الآخَرين.
إنّ كلّ هذه العلامات تسمح لنا برؤية مدى استعداد الشَّخص المتألِّـم لإعلان اختباره لِفَرح القيامة. فَمِن خلال حديثه معنا، وتوجيه نظره إلينا، ومِن خلال نبرة صوته، وطريقة جلوسه، وكيفيّة استقباله لنا، نستطيع أن نُكوِّن فكرةٍ واضحة عن وَضعِ المتألِّـم وما إذا كان فِعلاً مُستعِدًّا لإعلان شهادته أم لا. في هذه المرحلة، علينا أن نَطرح السُّؤال على المتألِّـم، حول نظرته إلى المسيرة الّتي قام بها منذ يوم الحَدث الأليم. ليس الهدف من سؤالِنا إعادة الصُّوَر الأليمة إلى ذاكرة المتألِّـم، إنّما إدراك مدى قدرته على إعطائنا حديثًا متسلسِلاً ومتناغمًا حول اختباره، من يوم الحدث الأليم الّذي تمَّ بالموت، أي بالخسارة والفقدان، إلى اللَّحظة الحاضرة الّتي فيها نتشارك وإيّاه الحديث. هنا، علينا البَدء بالحديث مع المتألِّـم مِن اللَّحظة الحاضرة، عائدين إلى الوراء إلى لحظة الحدث الأليم، كما قُلنا في اللِّقاء السّابق.
إنّ حديثنا مع المتألِّـم يبدأ من طَرحِنا السُّؤال عليه: ما الّذي مرَّ عليك خلال هذه المسيرة؟ ولا نَسأله: ما الّذي حدَثَ معك؟ أي أنّه علينا أن نسأله: كيف تَنظُر إلى الأمور الّتي تعرَّضتَ لها؟ ما الّذي اختبرتَه خلال هذه الفترة الصَّعبة؟ إخوتي، إنّ الرُّوح القدس هو الّذي يقوم بإعطاء التَّعزيات للشَّخص المتألِّـم بطريقةٍ خَفيّة، وهو الّذي يُعطي المتألِّـم الكلمات ويساعده على رَبط الأمور الّتي عاشها من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثالثة، ببعضها البعض. إنّ الرُّوح القدس هو السَّند الأوَّل والأساسيّ للإنسان المتألِّـم. عندما نسمح للمتألِّـم بإخبارنا عن المسيرة الّتي قام بها مِن لحظة الحدث إلى اليوم، مِن خلال كَلِماته الخاصّة، سَيَقوم بإعلان قيامته بطريقة عفويّة من دون عِلمٍ منه. عندما نَطلب إليه إخبارنا عن مسيرته خلال هذه الفترة الصَّعبة، يُخبرنا المتألِّـم عن الإنجازات الصَّغيرة الّتي قام بها، من إمساكِه بأُخته على سبيل المِثال، ما حال دون وقوعها أرضًا، وعن وقوف الكثيرين إلى جانب العائلة لمساندتها، وعن اتِّصال البعض مِن المحبِّين بأفراد العائلة بِشَكلٍ متواصلٍ للاطمئنان عنهم.
في هذه المرحلة، سيُخبِرنا المتألِّـم عن المشهد كاملاً، من يوم وفاة الفقيد والدَّفن، مع كلّ ما فيه من تفاصيل خارجيّة، إلى اللَّحظة الحاضِرة. إنّ هذا الأمر يَدلّ على أنّ هذا الشَّخص المتألِّـم، بدأ يشعر بالامتنان للآخَرين ولله، إذ أصبح قادِرًا على رؤية الحدث بأكمله بِشَكلٍ واضحٍ، كما أنّ هذا الأمر دليل على تجاوزِه المرحلة الثالثة مِن الحزن، وأنَّه أصبَح قريبًا من إعلان قيامته. خلال حديثه معنا، سيكتشف المتألِّـم عظائم الله في حياته، خلال هذه الفترة. فكما أنَّ الإنسان حين يقع في ضيقةٍ يلجأ إلى إخبار صديقه بالوَضع طالبًا إليه النَّصيحة، ثمّ يتفاجأ حين يُخبِر صديقه بما يحصل معه أنّه وَجد الحلَّ لمشكلته. هكذا أيضًا، يكتشف الإنسان الأجوبة عن تساؤلاته حين يُخبِر مَن يُرافِقه عمّا اختبره، إذ مِن خلال التَّفكير بصوتٍ مرتفع، يضَع الربَّ في طريق الإنسان الأدوات والإمكانيّات الّتي تُساعده على ذلك. فيقول لنا الشَّخص المتألِّـم، على سبيل المِثال: أشكر الله على أنّه أعطاني القوّة كي أَقف على رِجليّ من جديد، وأُسانِد ابنتي المنهارة، وأُشَدِّدها. في هذه المرحلة، يبدأ الإنسان المتألِّـم بالكلام عن الأدوار الإيجابيّة الّتي لَعِبها في قلب هذا الحدث الأليم.
وهنا نسأل كمُرافِقين: ما هو دَورنا الآن؟ إنّ دَورَنا هنا، يقتصر على السّماح للمتألِّـم بالكلام عن كلّ ما حدث معه. وعندما يَذكر أمامنا أمرًا إيجابيّاً يُعبِّر عن بطولةٍ وعن شجاعةٍ، نسعى إلى التَّركيز عليه والتَّشديد عليه، قائلين: هل أستطيع أن أَفهم منك أكثر ما الّذي فَعلته لابنتِكَ والّذي حال دون انهيارها؟ عندها، سيَدخُل الشَّخص المتألِّـم في تفاصيل ما قام به. هنا، علينا أن نُثني على ما فَعَله المتألّـِم، قائلين له إنّه تَصرَّف بطريقةٍ مُلفتَةٍ، إذ تمكَّن على الرُّغم من حزنه، مِن إعطاء التَّعزية والثَّقة لابنته أو تشجيع أحد أفراد العائلة. إذًا، علينا التَّركيز على كلِّ عملِ بطولةٍ قام به المتألّـِم ويُخبِرنا عنه، مهما كان صغيرًا. عندها، سيتمكَّن المتـألِّم، في الوقت الّذي يُشاركنا فيه اختباره، مِن رؤية الأمور الإيجابيّة الّتي قام بها، في كلّ مسيرته الّتي يُخبِرنا عنها، فتَتَعزَّز ثقته بِنَفسِه، كما قد تَتعزَّز ثقتَه أيضًا في الـمُرافِق.
إنّ المتألِّـم حين يكتشف الأمور الإيجابيّة الّتي حدَثَتْ معه، سيَعترف أنَّه لولا ربُّنا لما كان استطاع أن يبقى متماسِكًا، ولولا ربّنا لما كان قد وَصلَ إلى هذه المرحلة الرابعة، وأنّه كان لا يَزال غارقًا في حزنه مكتئبًا، وكان لا يزال مُلحدًا يُعاتِب الربّ على ما حدث معه، ويَلوم كلّ مَن حوله حتّى الشَّخص الّذي فقدَه، ويُحمِّل مسؤوليّة موت هذا الإنسان العزيز للجميع. حين يبدأ المتألّـِم بالانتباه لِكُلّ ما حصل معه، سيتمكَّن من رؤية الأمور بوضوح، وسيُدرِك كيف تمكَّن من اجتياز حزنه وصولاً إلى هذه المرحلة، الّتي يشعر فيها بالامتنان لله ولِجَميع الّذين أحاطوا به.
هنا، علينا كمُرافِقين البَدء، بالنُّطق بـ”كلمات التحبُّب الرُّوحيّة”، قائلِين: نَشكُر الله عليكَ أخي المتألِّـم، إذ اكتشَفْنا معكَ استمرار عمَلِ الربّ مع البشر، وكيف أنّه يَحمِلهم في الضِّيقة، حين لا يشعرون بوجوده. هنا، يمكننا إعطاءِ المتألّـِم، أمثِلةً عن أشخاصٍ نَقلوا إلينا اختبارهم، قائلين له: إنَّ أحد الأشخاص الّذين مرّوا بِتَجربةٍ صعبةٍ، تمكَّن من رؤية دعسات الربِّ في حياته، ولكن عندما اشتَّدت الصُّعوبات عجِز عن رؤية دعساته، فَظنَّ أنّ الربَّ قد ترَكَه، لأنَّه شَعَرَ أنَّ صليبَه أصبح ثقيلاً يَفوق قدرته على حَمِله، فناجى الربَّ قائلاً: أين أنتَ يا ربّ؟ لماذا تركتَني في ظلّ هذه الأزمة الّتي أمرُّ بها، وأنا في أمسّ الحاجة إليك؟ عندها سَمِعَ الربّ يقول له إنَّ الدَّعسات الّتي كان يراها كانت دعساته هو، وأنّه هو الّذي كان يَحمل الإنسان المتألِّـم على كَتِفَيه. إنّ كثيرًا من المـتألِّمين، لا زالوا منغلِقِين على ذواتهم، أمَّا أنتَ، أخي المـتألِّـم، فإنّي أشكُر الله عليكَ، لأنّكَ تمكَّنتَ من القيام بهذا العبور الرَّائع.
هنا نسأله ما الّذي يريد أن يقوله للربّ بعدما أنهى عبوره لمرحلة الحزن. هنا يبدأ المتألِّـم بالتَّسبيح والشَّكران للربّ، ويبدأ بالانتباه لأدَّق التفاصيل. هنا تَبدأ مرحلة إعلان قيامته. بعد أن نكون قد جَلسنا مع المتألّـِم فترةً من الوقت، تمكَّن من خلالها من اكتشاف قيامته، مِن خلال إعلانه عن رؤية نِعَم الربِّ في حياته وعنايته به، من خلال النَّاس الّذين كانوا بالقُرب منه كالعذارى الحكيمات، وكالسَّامريّ الصّالح. في هذه المرحلة، فقط، يمكننا أن نقول أنّ هذا الشَّخص المتألِّـم قد أصبح جاهزًا لإعلان شهادة قيامته. بعد الانتهاء من هذا اللِّقاء الّذي قد يمتَّد إلى أكثر من لقاءٍ، نستطيع أن نُدرِك مدى قُدرة هذا الشَّخص المتألِّـم على الانفتاح على الرُّوح القدس الّذي سيَملأ حياته قوّةً وتعزيةً، فينطلق من جديد. بعد هذا اللِّقاء، نَعرُض عليه مشاركتنا في إحدى اللِّقاءات الرُّوحيّة، الّتي يكون فيها شهادة حياة أحد الأشخاص المتألِّمين، وفيها نَطلب إليه إعطاءنا شهادته في لِقاءٍ يكون مِن اختيارِه.
هنا قد نسمع منه كلمات الرَّفض، قائلاً لنا إنّه لا يستطيع ذلك، أو أنّه على الأقلّ الآن هو غير مستعدٍّ لِذَلك، وعندها علينا الانتظار من جديد، حتّى يُصبح مستعدًّا لِذَلِك. كما قد يقول لنا المتألِّـم أنّه مستعدٌّ لذلك، لكن ليس الآن، وهنا، علينا أن نُشَّجعه على ذلك، بأنّه لا مشكلة في ذلك، لكنَّ المهمّ أن يكون هناك وقتٌ لإعلان شهادته. وسيأتي ذلك اليوم الّذي فيه يقف هذا المتألّـِم أمام الجميع ويُخبِر الآخرين عن قيامته. تمامًا، كما فَعَلت السّيِّدة من كندا الّتي أخبرَتْنا عن قيامتها، بعد فقدانها لِوَلَدِها من 27 سنة. وقد تحوَّلَتْ هذه السَّيِّدة إلى أفضل تَعزيةٍ لِسيِّدةٍ أُخرى اختبَرَتْ حديثًا الألم بموت أحد أحبّائها. عندها، نستطيع أن نرى فرح الرُّوح القدس الممزوج بالحزن، الّذي يُسمَّى “الحُزن الطوباويّ”، وهو ليس حزنًا يائسًا هدَّامًا، مَيِّتًا، بل هو حزنٌ مليءٌ بالرَّجاء، والفرح، وممتلئٌ بالأسارير المفتوحة، في حين أنّ الكلام الّذي يقوله نابعٌ من القلب أي أنّه ممتلئٌ بالمشاعر الحزينة. عندها، يمكننا أن نعتبر أنّ هذا الشَّخص قام بإعلان شهادة الفرح، وعزّز إيمانه وأعطى رجاءً لكلّ الأشخاص مِن حوله، الّذين يتلو أمامهم شهادة حياته أو يُرافقُهم في حياتهم.
وهكذا نكون قد قُمنا بالانتهاء من مرافقةِ شخصٍ متألِّمٍ، مِن يوم الحدث إلى وقت إعلان الشَّهادة، ونَطمَئّن إلى أنّ هذا الشَّخص قد أصبَح شاهدًا للحُبّ الإلهيّ، الّذي وَحده يستطيع أن يَمسح الدُّموع مِن عيوننا، ويَسير معنا إلى النَّهاية ويملأنا بالفرح. فالربّ يسوع يقول لنا إنّه يُلبِسنا الحُلَل البيضاء، إذ تُصبح حياتُنا نقيّةً، وحياته مملوءة بالحبّ على الرُّغم من كلّ التحدِّيات وكلّ الحزن وكلّ الوجع الّذي مرّ بها. هنا نُصبِح قادرين على القول: “هللويا! المسيح قام! حقًّا قام!”.
ملاحظة: دُوِّن الشرح بأمانةٍ مِن قِبَلنا.