“كُنتَ أمينًا في القلِيل، فأقيمُكَ على الكثير…” (مت 25: 23)
بقلم الأب دومينيك نصر المريميّ.
مَهما كُنّا أُمناءَ على الوَزناتِ القَليلةِ الـمُعطاة لَنا بِمجّانيّةٍ فالرّبّ يُكافِئُنا بِالكثير.
في هذا الزّمن الـمُبارَك، زمنِ الصّليب الّذي هو آخرُ الأزمنةِ في السَّنةِ اللِّيتورجيّةِ وهو أيضًا زَمنُ الانتظار، أي السَّهر والجِهاد في السَّير حتّى الوصولِ إلى الاتّحادِ بالرّبّ في الملكوت، نَتأمّلُ في إنجيلِ الوَكيلِ الأمينِ والعذارى الحكيمات والوَزنات وإعلانِ يسوع الـمَلك.
في البِداية، يُعلِّمنا نَصُّ الوَكيلِ الأمين أنَّ كلَّ إنسانٍ مَدعوٌّ إلى أنْ يُساهِمَ في تَحقيقِ عَمَل الخلاص مِن خلالِ أعمالِ خِدمةٍ ورسالةٍ يَقوم بها، روحيّةً كانَتْ أمْ معنويّةً، ليُتَمِّمَ الرِّسالة بِأمانةٍ موافِقةٍ لِلمَشيئةِ الّتي لِأجلِها تَجسَّدَ المسيحُ وأَوصى بِها تلاميذَه وهي المحبّة.
وفي نَصّ العذارى الحكيمات، يَدعونا الرّبُّ إلى مَعرفةِ مَشيئتِه مِن خلال الاستعدادِ إلى السَّهرِ والصّلاةِ واستعمالِ الحَواسِّ الخَمْس لإتمامِ مَشيئتِه وتمجيدِه.
هل نُميِّزُ صوتَ الله رُغمَ الضَّجيجِ السّائدِ في داخلِنا؟
هل نَنظرُ إلى الآخَر مِن خلال نَظّاراتِ الرّبِّ يسوع؟
هل نَمُدُّ يَد العَون إلى كلِّ محتاجٍ؟
هل نُحافظُ على طَهارة لِسانِنا فيَبقى أهلًا لتَناولِ القُربان المقدّس؟
هل نَنشرُ عِطرَ الرّبِّ أينما وُجِدنا؟
أمّا في مَثَل الوَزناتِ، فيَروي لَنا الرّبُّ مَشهدَ الدَّينونةِ الأخيرةِ ومَسؤوليّةِ الإنسانِ أمام اللهِ في كَيفِيّة استِثمارِ المواهِب والوَزنات الّتي وَهبَها لِكلٍّ مِنّا لِتَحقيقِ مَلَكوتِه. كما يَدعونا لنَكونَ وكلاءَ أمَناءَ على المواهِبِ الّتي وُضِعتَ بين أيدِينا لاستِثمارِها بِقَدر استِطاعتِنا بِكُلّ تَجرُّدٍ ومَحبّة.
وفي الأحدِ الأخيرِ مِن زَمنِ الصّليبِ، تَضَعُ الكَنِيسةُ المارونيّةُ نَصَّ المسيح الدَّيّانِ، الّذي فيه يَدِين الجميعَ، كلٌّ بِحَسَبِ عَمَله تُجاهَ أَخيه الإنسان.
الرّبُّ يَقبَلُ عَمَلَ المحَبّةِ الّذي يَقومُ به أَهلُ اليَمِين بِالرّغم مِن نَقصِهم وبِقَدر استِطاعتِهم، أمّا أَهلُ الشَّمالِ فيَرفضون النِّعَم الـمُعطاةِ لهم مجّانًا بِسَببِ عدمِ استِثمارِها.
يا ربّ، أنتَ الواهِبُ لِكُلّ فردٍ مِنّا النِّعَم الضّروريّةَ لِلسّيرِ مع أخينا الإنسانِ، لِعَيشِ الوكالةِ بِأمانةٍ صادقةٍ، وتَعبِئةِ مَصابيحِنا لِحِين لقائِنا بكَ، والجَهد المستمِرّ في العمَلِ بِالوَزنات الـمُعطاةِ لنا بِمجّانيّةٍ، أعطِنا أنْ نلتقي بِوَجهكَ القدّوس في كلِّ إنسانٍ تَضَعهُ في حياتِنا.
هَبْنا يا ربّ أنْ نُرضِيَ مَشيئتَكَ ونُضيئَ بِمَصابيحِنا أمامَ مَنبرِكَ الدَّيان بِمِلءِ المحبّة والصَّلاحِ ونَسمَعَ صَوتَكَ يقول: “هذا هو ابْني الحَبيب الّذي عَنه رضِيت…” (مت 5:17) “…اُدْخُل فَرَح سَيّدِك”.