ندوة روحيّة بعنوان: “الموت: معضلة، رؤية، ممارسة”
دير سيّدة اللويزة – زوق مصبح، كسروان، لبنان.
شهادة حياة للسيّد مارون عون:
“الألم الخلاصيّ”
بِشكرِكِ جماعة “اذكرني في ملكوتك” لأنك كنتِ آداة لسلام الربّ بقلوبنا وسمَحتيلنا نقدم هالشهادة، اللي من جهة هي تعزية إلنا من السما، ومن جهة تانية تنعرّف الناس عرسالة طوني وليال اللي بلشت بوجودن عالأرض، وما انتهت رسالتن بس تركوا هالأرض، لأنو النصر ابتلع الموت متل ما قال مار بولس وطلعوا عالسما!
صحيح الموت حقيقة مرعبة، بس الحقيقة اللي بنعرِفا هي الشي اللي بنعرفوا عن الحقيقة. حقيقة مرعبة إذا وقفنا عندا بنظرنا المحدود، أما إذا شفناه بإيمانَّا، ببصيرتنا فهو لحظة عبورنا (النفس البشرية)، من جسد مادي حي لحي بلا جسد مادي لملاقاة الآب الأزلي، لأن إلهنا ليس إله أموات بل إله احياء. وهو القيامة والحياة، به كونُ كل شيء وله يطمح كل حي. يعني بلحظة الموت، بتشلح النفس الإنسانية جسدا لتِنكِشِف أمام الخالق وأهل السما يعني بتولد فوق، ويبلش ساعتا العرس، عرس قانا السماوي حيث الزغاريد والفرح والخمرة السماوية التي لا تنضب. ونحنا هون عمنبكي! (متل وداع الأحبة على المطار).
بها الشهادة ما في بكي على أبريق انكسر وكبَّيناه، بل رجا للقلوب لأنو اللي بيمشي متل طوني وليال درب جلجلة مع يسوع بيشع صليبو رجاء ونِعَم. فوفاءً لطوني وليال، وأمانة لبراءة تخلّت عن مباهج العالم، وتحلت برجاء القيامة، وتجلِّت بالرب يسوع، وعربون شكر للرب عن حياة أبدية بدأت يوم عرفنا النور الأزلي ولن تنتهي بنهاية زمان ومكان، نشهد عن أبنائنا شهادة يسوع عن أبيه.
بهال CV الروحي تقدم طوني وليال للرب، ولأنن عاشوه مع الرب وطؤوا الموت بالموت.
ليال كانت تحلم تعمل حكيمة (تحكم الأولاد ببلاش)، وطوني كان بدو يعمل محامي (يدافع عن المظلومين) وخوري كمان تيعطينا الفرح ويسوع متل ما قال. لكن مشيئة ربنا إنو ليال وطوني يسبقونا ويحققوا مستقبلن اللي ما بيسرقو لص ولا بيفسدو السوس، وصاروا بنعمة الله، محامي وحكيمة للنفوس مش بس للأجساد، لأنن نالوا مرتبة عالية: السما.
يسوع بليلة آلامو عطانا أسرار للكنيسة اللي ما فهما تلاميذو بوقتا إلا بعد حلول الروح القدس بالعنصرة. وموت ليال وطوني حمل أسرار كبيرة إلنا ما فهمناها إلا بعد تدخل رباني لفهما.
طوني طلع من 10 سنين (2002) وكان عمرو 7 سنين، ليال طلعت من 5 سنين (2007) وكان عمرا 14 سنة.
طوني طلع ليلة عيد مار مارون 8 شباط (عيد اسمي أنا)، وليال يوم عيد ميلادي أنا ب 22 شباط. تنيناتن طلعوا يوم جمعة. تنيناتن طلعوا أول الصوم، طوني آخر يوم جمعة قبل عرس قانا وليال أول يوم جمعة بعد عرس قانا. وكأن الرب بيقول: لن تصومَ العروس بعد اليوم، فالعريس معها بعرسٍ دائمٍ أبدي حيث لا تنضب الخمرة السماوية على مائدة الحمل، كفاكِ صوماً عن مأكل ومشرب وحتى هواء هذا العالم.
تجادلت كتير يومتا – بس تركتنا ليال – أنا وربنا وشارَعتو كتير وصلَّيتلو كتير كمان، وتاني نهار نحنا وآخذين ليال عالضيعة وبعدا الشريعة والصلاة ماشية، وأسئلة كتيرة وكبيرة بسألا: ليش صار هيك؟ الموت قصاص؟ ليه أخدتن بأعيادي؟ شاطر تقلنا كل ما نسحب آية عَنيِّة ليال: هالمرض مش للموت! وإنو الصبية لم تمت! إنو السما والأرض بتزول وكلامي ما بيزول! وفجأة بسمع الله بيقلِّي بعقلي: إنتو مش من هالعالم! وحل السلام بلحظتا بقلبي محل الاضطراب، وإجت معا جمل كتيرة بفكري بتفسرها: أنا بدي قديسين! ولادكن ما بتحبوهن أكتر مني! أعيادكم أعياد سماوية مش أرضية.
كتير من الآيات تغيَّر معناها إلنا من بعد ما صاروا بقلب الله. لأنو كنا نفسِّر كلمة الله من منظور بشري مادي بعقل محدود، وعقلنا المحدود ما بيقدر يفسر العقل اللا محدود: الله.
نحنا بدنا صحتنا وجسدنا يعني بعدنا عمستوى الوصايا العشرة الجسدية. وربنا بدو خلاص نفوسنا نحنا أبناء الملكوت عبر الوصية الجديدة اللي حطّا بقلبنا: أحبوا بعضكم بعضاً. وقلنا: ما تخافوا من يللي بيقتُل الجسد، خافوا من يللي بيقتُل الجسد والروح.
أوقات كتيرة ربنا بيستخدم ألمنا ووجعنا لتطهير ذاتنا وصَقْلا لتصير طاهرة خرج السما وهيدي غاية الخلق كلو. ربنا زرعنا عالأرض نصبة برية، طعّمنا بالعماد بروحو القدوس، وسقانا بدمو عالصليب، وغذانا بجسدو وكلمتو، ومن وقت لتاني بيشحِّلنا بالألم، تَنُورو يضرب كل زوايا قلبنا ونثمر الثمر اللي بيستحليه، ويكون عنا ما يؤكل، حتى ما يلعنَّا الرب متل ما لعن التينة اللي ما فيا ثمر. وكمان ربنا بيستعمل ألمنا كرمال الناس التانيين، وهيدي ما كنت افهما كيف بتصير، لمرة كنا بنزور القديس نعمة الله ليلة عيدو، وكان في ناس كتير، انوجعِت ليال وصارت تبكي، وبعد ربع ساعة إجت ست وقالتلي بدي بوس البنت، صرلي 5 سنين ما كنت اقدر صلِّي المسبحة وهلق كرمال بنتَك رجعِت من برا وصليتا بفرح كمان.
إخوتي بألمنا بس نحملو مع يسوع، منفدي ذاتنا. فماذا يدفع الإنسان فداء ذاته؟ يسوع وتألم لفداء البشرية. والألم مَنُّو بالضرورة جسدي في يكون نفسي أو معنوي…احوا تنيناتن بسلام. آخر جملة قالا طوني: اعطيني يا ماما ماي مصلَّاية، متل آخر طلب ليسوع عالصليب: أنا عطشان. آخر ليلة بالبيت قالت ليال لإما (متل ما قال يسوع لتلاميذوا باآخر ليلة معن: اسهروا معي): اسهري معي يا ماما. هيدي آخر ليلة بسهر فيا معك، مع إنَّا رايحة تعمل عملية صغيرة (صارت عاملتها 7 مرات). وقالت لإما كأنا بدَّا تصرف عملتها المادية بالعملة الروحية بآخر جردة حساب عالأرض: بتعرفي يا ماما شو قيمة 13 سنة وجع ؟! ليلتا ما استرجت سَيِّدة تقلَّا :القداسة! والصبح ودعِت الكل وشلحِت أساورها ورحنا عالمستشفى. وآخر جملة قالتها ليال للحُكَما بالمستشفى: ما تعزبوني بقا، بعد ساعة بكون مع خيي!
– اللي بعزّينا، إنن كانوا يسوع المتألم قدامنا، وهلق صاروا يسوع القايم من الموت بقلبنا. ما رفضوا ألمن ولا لحظه. مرة زار الأب دومينيك طوني بالمستشفى وقلو: يا طوني، هلق جايي يسوع يشفيك، كان جواب طوني (عمرو 6 سنين): أنا بدي يسوع يشفي كل الأولاد اللي بالمستشفى قبلي، وبعدن إذا بدو، يشفيني! خبرنا الأبونا هالقصة عقدَّاس الأربعين لطوني وقال: شو حسّيت حالي صغير قدام هالطفل الكبير، جربت اعطيه أمل علّمني إيمان. وقداس ال 40 كان أَحَد الأعمى وكان تعزية كبيرة إلنا لأن كنا وَهَبنا عيونو، و40 ليال كان أربعاء أيوب.
– اللي بعزينا، إنن آمنوا واختبروا إنو الرب هو الطريق والحق والحياة، ومن هيك بس ماتوا عاشوا الحياة. مرة بِكيِت سيدة بس كان كاهن عم بيصلي لطوني، بس فلَّينا قلا طوني يا ماما ليه عم تبكي؟ مش عارفه إنو الخوري بيعطينا يسوع، بيعطينا الفرح؟!
– اللي بعزّينا، إنن بالسما. إنن بعمر صغير وصلوا مطرح ما كتار منا بيسعُوا يوصلوا، بس قلال يلِّي بيوصلوا. مش صدفة سموه الشباب لطوني: مختار، فكانوا يجوا حتى يسلّوه فيسلِّيُن طوني إلن. وكان طوني وليال مختارين من الله كمان، استحلاهم الله بعمر صغير بس بقلب وروحانية كبيرة، وَعدِت العذرا طوني اللي كان دايما يحكيا إنَّا بدَّا ترجَع تاخدو عالسما وتاخد ليال كمان، وقالتلو مرة: يسوع بيحبك، وما قلنا هالشي إلنا، بل لكاهن كان يرافقو، ونحنا ما عرفنا إلا بوعظة هالكاهن يوم مأتم ليال.
– اللي بعزّينا، إنن شكروا ربُّن عكل شي بحياتن، حتى ألمن، وكأنن مع أيوب عم بيقولو: بقبَل المليح من ربنا وما بقبل المــَنُّو مليح؟ سأَلِت طوني مرة بعد كريزة وجع: كيفك هلق بابا؟ جوابو كان: كتّر خير الله، شو بدي أحسن من هيك!
– اللي بعزينا، إنو مع ألمن، ما فارقتن لا البسمة، ولا الفرح، ولا محبة حتى يلِّي وَجعوون بشك الإبر بالمستشفى. “رح ضَلني حبكن ولو وجعتوني”، قالها طوني للممرضة بعد ما شكِّتو إبر كتيري. وطوني الصغير حتى يعطي معنويات لليال الأكبر ب سنتين، كان يشك حالو الإبر بالمستشفى قبل ليال. أو يقلِّي: نام بابا حد ليال، أنا ما بتفرق معي. وبس يجي ولاد لعنا يحتار بشو بدّو يلعبن مع إنو هوي مربط ب 3 شرايط.
– اللي بعزّينا، إنو الموت ما فرَّق عيلتنا بعدنا بنلتقا ولو ما بنشوف بعضنا ببَصَرنا، بل بإحساسنا بمناسبات كتيرة. (زخائر سانت تريز في الوردية وتراتيل شو حلوي السما ويا مريم يا أم الله…)
– اللي بعزينا، إنن بحياتن فهموا معنى تعالوا إليّ أيها التعبون وأنا أريحكم. فكانوا وقت الوجع يقولوا: مع آلامك يا يسوع، الله كبير. وبس يكونوا مرتاحين كانوا يتساءلوا شو عم يعمل يسوع هلق؟ أفضل ترتيلة إلن: شو حلوي السما. ويا مريم يا أم الله.
– اللي بعزّينا، إنو رحمة الله تحنَّنِت علينا ب”إيمانويل” قبل ما تركتنا ليال ب 3 أشهر. كنا مفكرين إنو “إيمانويل” الدَّوا لليال حتى تتحسَّن نفسيتا، لكن تدبير ربنا يكون “إيمانويل” الدوا إلنا (أنا وسيّدِة) تنتحمل فراق ليال وشوقنا إلن بفرح ورجا وإيمان. ع 40 ليال، قدَّمنا “إيمانويل” للمذبح مع القرابين، كتار حَوالينا خافوا وقالوا الله بيجرِّب، قدَّمتولو تنين وبزيادة! كان جوابنا: الله بيعطي تيقدِّس مش تيجرب! وحمدلله “إيمانويل” نعمة كبيرة من السما، وعن جد الله معنا، وأصلاً هو هدية من ربنا، هيك قلِّي الرب بحلم بس أخد طوني. بشكر الله اللي حط فيه وزنات كتيرة من إيمان وصحة وذكاء ونشاط قد 3 اولاد، بيمشي متل المغوار.
بشكر الله عإيمانويل اللي عم ينما بالقامة والنعمة والحكمة بنظر الله والعالم.كتِّر خير الله خيراتو ونعمو كتيرة. وزاد بشفاعة ليال وطوني عنعمة الله معنا (إيمانويل) بعد 6 سنين. سنة (2013)، نعمة مريم (غريس ماري). يوم اللي خِلقت “غريس ماري” سألني الرب بآية: وأنتم من تظنون أني هو؟ فكان جواب القلب حاضر: ملك المجد والرحمة…
– بشكر الله، عسيّدِة اللي حملت معي صلبان الجلجلة وكنا واحد، أنا أوقات بس إتعب قلِّل خَصِيِّة، سيِّدة مع كل تَعبَا ومرضَا ما قلَّلِت خَصِيِّة. مرة سألتا: كيف بتفضلي تكون حياتنا؟ متل هلَّق أو متل قبل ما تركونا ليال وطوني؟ تفاجَئِت وجاوبت بعدين: ياريت كنا بهالإيمان من زمان وما تركونا ليال وطوني!
– بشكر الله، عكل قيرواني حطُّو بطريقنا وكانوا كتار من أهل وأصحاب وجماعات صلاة.
– بنشكر الله، على ثقتو الكبيرة فينا: عطانا صليبين بدل صليب، يعني وزنتين بدل وزنة. ورجانا كبير بس يسترد رب البيت أمانتو انشالله نردُّن عشرات الوزنات، ورجانا يقلنا الرب: يا لكَ من عبدٍ أمين حكيم، كنت أميناً على القليل، رح قيمَك عالكتير.
– بشكر الله، ع حُضُورو الدايم معنا بسر القربان اللي بنلتقي فيه بكل قداس مع ليال وطوني الحاضرين بقلب الرب. كنا نحضر قداس متل الغربا كل يوم أحد . هلق صرنا بنحضِّر الوليمة مع ليال وطوني ليسوع.
– بشكر الله، لأنو عطانا 3 مصابيح (قلبنا، عقلنا، إرادتنا) وبنوعدوا تبقى مليانة (محبة، إيمان، ورجا) وبس يرجع العريس السماوي رح يقول: تعالوا يا مباركي أبي ورِثُوا الملكوت.
ومتل ما كنت قول ليسوع بس كنت نام حد طوني (بقي سنتين على الأوكسيجين): يا رب ساعدنا نحافظ عأمانة الروح، إذا ما قدرنا نحافظ عأمانة الجسد. بقول للرب هلق: روحنا أمانة مِنَّك بجسدنا، ساعدنا نكون شهودك، مقرَّك، مَطَلَّك، فِعلِة بكَرمَك، أداة لسلامك، واحد بخدمتك ثابتين بمحبتك. ولطوني وليال الحاضرين معنا بكل لحظه من حياتنا بقول: بابا اشتئنالكُن، ونحنا هون لأنّا فخورين فيكن، بماضيكن وحاضركن، اللي م في زمن يلغيه، فخورين بأرضكن وبسماكن. مجَّدتوا الله على الأرض بإيمانكن بذكاكن بجمالكن وبمرضكن، ورجانا أكيد إنو الرب رح يتمجَّد كمان بقداستكن عَمَذبَحو. وبنعاهدكن نلتقي فيكم دايماً بسر القربان مع الرب.
وللعدرا بوصيَّا متل ما وصّاها يسوع عالصليب بيلِّي بيحبُّن: هذا ابنك! اهتمي فيه
إمي العدرا الحنونة مطرحنا إمُّن كوني وكل ليلة إنتي ويسوع بوسي ليال وطوني
وبختم بهالوصية اللي تركتلنا ياها ليال بأجندة فاضية ومسكرة بقفل، كأنا الوصية: شيل الزعل من قلبك، ما تخاف ما تِتردَّد، صدقني وتأكد، إنو الله بحبك!
صلاة:
المجد للآب الخالق والابن الفادي والروح القدس المعزي إلى الأبد. آمين
أيها الآبُ الخالق الأكثر حباً وعطاءً، أيها الابن الفادي الأكثر رحمةً وحناناً، أيها الروح القدس المحيي الأكثر عزاءً وطهارة، يا الله اللا محدود الجود والصَّلاح، انظر إلينا برحمتك لا بعدلك وأعطنا بشفاعة ليال وطوني و بحقِّ آلامهما الموجعة نعمة……وأعطنا أن نحمل ألمنا بفرحٍ وإيمان ورجاءٍ، فِداءً عن خطايانا وخطايا العالم أجمع، مردِّدين مع الملائكة: المجد لله في العلى وعلى الأرض السَّلام والرجاء الصالح لبني البشر. ليجرِ يا رب دمك في عروقنا فيطهِّرنا ويقدسنا إلى الأبد .آمين.
المسيح قام!