“العَنصرة ومَعانيها”
بقلم الأرشمندريت د. ايلي بو شعيا، خادم مقام سيّدة زحلة والبقاع، وأمين سرّ مجلس أساقفة زحلة والبقاع،
عيد العَنصرة، قَبْل صعود يسوع المسيح، كان يُسمّى عيد الحَصاد، حَصاد القمح أو عيد الغلال التي كانت تُقدَّم قرابِين لهيكل الله، أو عيد الأسابيع، يتذكّرون فيه شريعة موسى أي وصايا الله.
وكانت الشعوب تحتفل بالعَنصرة لكي تشكر الله على ما أَنعَم عليها من خيراتٍ للأرض ومن مواهبَ لكلّ إنسانٍ ومن عطاءاتٍ متنوعةٍ. …
أمّا مع المسيح، فعيد العَنصرة اتَّخذ معاني كثيرةً، سأركّز على معنيَيْن اثنين أي على حدثَيْن مهمَّيْن حدَثا يوم العَنصرة: حلول الرّوح القدس ووِلادة الكنيسة
– حلول الرّوح القدس:
عندما حلّ الرّوح القدس على التلاميذ غيَّر حياتهم، فانطلقوا إلى العمل يتكلّمون بِلُغاتٍ متعدّدةٍ، فكيف عرفوا أنّهم اِمتلأوا من الرّوح القدس؟
لأنّ المجتمعِين في هذا العيد كانوا من ٦٩ بلدًا يتكلّمون حوالي ٣٠ لغةً، وعندما تكلّم القدّيس بطرس بِلُغته، فَهِم الحاضرون جميعهم كلٌ بِلُغته، لُغة واحدة هي لُغة السّماء، لُغة الحبّ السّماوي، تصل فورًا إلى ٣٠ لُغة، وهذا ما أدهَش الناس وحيّرَهم ، وبعد الدهشة والحيرة، دَخَل الإيمان إلى قلوب الكثيرِين، وفورًا تعمّد حوالي ٣٠٠٠ شخص وكانوا هم أساس بدء الكنيسة… وحملوا بشارة الإنجيل وانطلقوا في المسكونة كلّها… وهكذا تأسَّست الكنيسة في عيد العَنصرة.
– ولادة الكنيسة:
وُلِدت الكنيسة يوم العَنصرة، لأنّ يسوع لم يُعطِ المهام والمسؤوليّة إلى الرّسل أيّام حضوره بالجسد على الأرض لأنّه هو كان يقوم بأعمال الرسالة والبشارة.
أعطى يسوع الرّسل مَهام الرسالة يوم صعوده إلى السّماء وحلّ عليهم الرّوح القدس يوم العَنصرة وانطلقَت الكنيسة …
نحن جميعًا كمسيحيِّين حلّ علينا الرّوح القدس بالأسرار، حلّ الرّوح القدس على كلّ معمّدٍ وقت المعموديّة، وفي الذبيحة الإلهيّة يحلّ الرّوح القدس ويحوِّل الخبز والخمر إلى جسد ودم يسوع المسيح، فالرّوح القدس عمله تقدّيسِي ملتصِقٌ بالأسرار .
فإذاً، الرّوح القدس يعيش مَعنا على الأرض ويبقى معنا ويرافقنا في الحياة الأبديّة، فالروحّ القدس يعمل على عبور الإنسان من حياة التراب إلى حياة الروّح، أي إلى مِلء الحياة إلى الحياة مع الله .
كلّ مؤمِنٍ مُرسَل في الكنيسة، ابتداءً من أعلى سلطةٍ، أي البابا إلى البطريرك إلى المطران إلى الكهنة… وصولاً إلى كلّ علمانيٍّ أي إلى كلّ إنسانٍ… كلّنا مُرسَلون للتبشير بمَن قال “أنا الطريق والحقّ والحياة” (يو 25:11).
في هذه الأيام أتَّخِذ شِعار القدِّيس يوحنّا بولس الثاني: “لا تخافوا افتَحوا الأبواب ليَسوع” هذا القدّيس الذي انطلقَ في حياته يَفتح أبواب القارات الخمس ويُقَبِّل تراب كلّ بلدٍ، إلى أن وَصل إلى لبنان حيث لم تَسمح له صحّته أن يَنحني إلى الأرض، فقُدِّم إليه صندوقٌ من خشب الأرز يحتوي على ترابٍ جُمِعَت حفناته من المحافظات اللبنانيّة “فانحنى قداسته وقبَّل تراب لبنان”.
لا تخافوا افتَحوا أبواب قلوبكم لله الآب والابن والرّوح القدس، فتبقى الكنيسة قويّةً وتُحقِّق هدفها الذي هو خلاص النّاس كلّهم.