يتفرَّد الإنجيليّ يوحنّا ويَذكر البرقليط لِمرَّاتٍ خَمس ومِن بينها يقول: “لكنّ البرقليط الرّوح القدس، الّذي سيُرسِله الآب بِاسمي هو يُعلِّمكم كلَّ شيءٍ، ويُذكّركم بكلِّ ما قلته لكم”. (يو 14: 26).

في سِياق خطاب يسوع الوَداعيّ، وإعطاء وصاياه الأخيرة لِتلاميذه قبل عودتِه إلى الآب، شدَّد إيمانَ تلاميذه وأخبرَهم بما سيَحدُث لهم مِن ضِيقاتٍ ومَتاعبَ واضطراباتٍ واضطهاداتٍ لأجل اسمه، ووَعدَهم أنّ الآب سيُرسِل باسِمه معزِّيًا آخر، ولنْ يتَركهم يتامى، وسيَسكب في قلوبِهم الروح القدس، روح الحقّ، روح الحبّ وروح القداسة.

هذا الرّوح الّذي يُعلِّمنا ويُذكِّرنا ويُرشِدنا ويُعزِّينا، سمّاه يسوع البرقليط الآخَر، فالبرقليط الأوّل هو يسوع، الشَّفيع لنا عند الآب كفَّارة عن خطايانا، أمّا البرقليط الثاني والآخَر، فهو الرُّوح القدس الّذي يُسهِم في إدراك المعرفة الإلهيّة، وهو آتٍ لِيَعمل ما دُوِّن في الكتاب المقدَّس وما قاله وعَمِلَه يسوع، وهو آتٍ ليُساعِد ويُدافِع عنّا، وهو الماكِث معنا وهو فينا، هو روح القوّة والمحبّة والنُّصح.

في اللّغة اليونانيّة تعني كلمة البرقليط “المدعوّ لِيكونَ إلى جانب”، وفي اللّاتينيّة  هو “المدافِع والمحامي”، ونراه في الكتاب المقدَّس “الـمُعزِّي والمؤيِّد ومُطلِق الكمال”، والّذي يُعطينا ثمار الحُبّ والفرح والصّبر والطّيبة والإيمان والسّلام واللُّطف والتّواضع والعفاف.

أمّا الحقيقة الرّائعة لوظيفة الرُّوح القدس فتتجلّى في:

1. البرقليط الحاضر: يأتي البرقليط لِيواصل الرّسالة مع الكنيسة، لا يراه ولا يَقبَله إلّا المؤمنون، وهُو يَمكُث فيهم ويَعمل معهم.
2. البرقليط الـمُعلِّم: لا يَحمل إنجيلاً جديدًا، بل ينقل الحقيقة السّماويّة؛ دوره الأساسيّ التَّعليم، وهو لا يُعيد إلى الذّاكرة ما نَسيناه وحَسب بل يُعطينا القدرة على فَهم الحدَث ويُساعدنا على التّمييز ويُعيد خطانا إلى الرّسالة.
3. البرقليط الشّاهد: يلتزم معنا مشروع خدمة الحقّ ويَعضدنا وسط الضّيق والاضطهاد والبُغض، ويُثبّتنا في حقيقة يسوع النّاهض من بين الأموات، في فَهمٍ متواصِلٍ لحقائق الإيمان ويكون إلى جانبِنا في شهادتِنا أمام العالَم من دون خوفٍ ولا تَردُّدٍ، كما يُعطينا الشَّجاعة والقوّة لإعلان إنجيل يسوع المسيح.