“سلامٌ على الأرضِ كما في السّماء…”
بقلم الأب نقولا الحدّاد البولسي،
“لقد جئتُ لتكونَ لهم الحياة بوَفرة” (يوحنا 10:10)، وعلى هذه الأرض ما يستحقُّ الحياة، وحياتُنا هي المسيح، نحن الذين اعتمدنا بالمسيح، فتحقّقَ ميلادُنا الروحيّ بالرّوحِ القدس، وأصبحنا أبناءً لله، نصرخُ “أبَّا أيّها الآب” (غلاطية 6:4). لقد وُلدَ لنا مخلّصٌ وهو المسيحُ الربّ، النورُ الحقيقيُّ الآتي إلى العالم، وميلادُه سلامٌ لأرضٍ خُلقت لأجلِ السّلام والمسرّة، ودعوتُنا الإيمانيّة جهادٌ مستمرٌ لتحقيق هذا السّلام. والسلام ثمرةُ مصالحةِ الأرضِ مع السماء، وأميرُ السّلام ربُّنا وإلهُنا يسوعُ المسيح، بذَل حياته ليمنحَنا الحياةَ الأبديّة بقيامته. فسِرّ التجسّد (ميلاد الرب يسوع) غيرُ منفصلٍ عن سرّ الفداء (موت الربّ وقيامته). ونحن أهلُ بيتِ الله، نرفعُ القلوبَ مع إشراقةِ كلّ صباح، متضرّعين أن تكونَ مشيئةُ الآبِ، كما في السماء كذلك على الأرض. لذا علينا أن نجتهدَ في نثرِ بذارِ الوَحدة عوضاً من الخِصام والتفرقة، لكي نجمعَ مع الربّ ولا نفرّق. وإيمانُنا العاملُ بالمحبّة والصلاح، يحثُّنا على أن يحِلّ العدلُ عوضاً من الظلم، وأن تَبعثَ الحرّيةُ بأشعّتها حيثُ الاستبدادُ والقهر.
وبهذا نتمّمُ قولَ المعلّم بالفعل: “طوبى لصانعي السلام، فإنّهم أبناءَ الله يُدعون” (متى 9:5). وذلك انطلاقاً من شهادتِنا وحضورِنا الفاعل في تعزيزِ روحِ الحوارِ والجوار، والتقاربِ في ما بين الناس، وبناءِ مساراتِ التلاقي ومدّ الجسور لتوطيدِ السلامِ المجتمعِي بين البشر. فالمسيحيُّ حارسٌ لأخيه في الإنسانيّة، يُدركُ أنّ حياتَه وفرحَه يقومان على مِقدار حِفظه لحياة قريبِه وفرحِه. لذلك نَنشُدُ الخيرَ العام ، ونَبذلُ حياتَنا ونوقدُها كمناراتٍ إيمانيّةٍ، تُضيء للجالِسين في الظلمة وظلال الموت.
وما صلاتُنا لإخوةٍ لنا رقدوا على رجاءِ القيامة، إلّا علامةُ اتحادٍ و ثقةٍ، ورجاءٍ أنّهم يحيَون معنا بأرواحهم وأجسادهم الممجّدة. همُ الذين آمنوا بالمسيح ورقدوا بالمسيح وقاموا معَ المسيح. ميلادُهم ميلادٌ أبديّ، وذِكرهم ذكرٌ أبديّ، وسلامُ السماء الذي يتنعّمون فيه برِفقة القدّيسِين، نريدُه لقلوبِنا سلاماً وطُمأنينةً على الأرض. نريدُ سلامَهم كتعزيةٍ ومسرّةٍ لقلوبنا، “كي لا نحزَنَ كباقي الناسِ الذين لا رجاءَ لهم” (1تسالونيكي 13:4). نريدُ سلامَهم لنَشعرَ بالأمان، نريدُ سلامَهم لنثبُتَ على الإيمان، ونجاهدَ الجهادَ الحَسَن، بدونِ تردّدٍ وريبة، ونُثمرَ بصبرِ ثماراً تليق بأبناء الملكوت، لكي نُؤهّلَ و نُذكر معهم في ملكوت السماوات، ونُمجِّدَ الله على الدوام، بشفاعة والدة الإله سيّدة السلام، آمين.