“التجلّي”
بقلم الأب جوزيف عبد الساتر،
عيد التجلّي، هو ذروة حبِّ الله للإنسان بأبهى حُلَلِه: إنّه السّماء المفتوحة على الأرض، إنّه حدثٌ سابقٌ لِقيامة الربّ يسوع المسيح من بين الأموات. مِن هذا الحدث المِحْوَريّ الذي ذَكرَه كلٌّ مِن متى ومرقس ولوقا في أناجيلِهم نظرًا لأهميّته اللاهوتيّة نُدرِك ونتعلّم الكثير؛ فماذا يعلِّمنا حدث التجلّي؟
- الرّجاء، الذي وَعَدَنا به الربّ، فهو لا يرفض أحدًا، بل يَقبلني أنا الخاطئ ولا يَحرمني من حضور التجلّي كما حَدث مع بطرس الذي أخطأ قبل التجلّي، وقد انتهرَه الربّ، ورغم ذلك أصْعَده معه إلى الجبل لِيُعاين التجلّي. ومن جهة أخرى نرى يعقوب ويوحنّا يخطئان حتى بعد حضورهما التجلّي. فعلى مثال الرّسل الضّعفاء يَقبلنا الربّ بِخَطايانا وضعفنا.
- الإيمان، بأنّ الأبديّة حقيقةٌ، وأنّ السّماء لَيْست حكرًا على المعصومِين عن الخطأ، ووجود موسى وإيليا والتلاميذ لَهُو أعظم دليلٍ على ذلك، لأنّهم أخطأوا. وسيأتي المسيح، وسنراه بالمنظر ذاته الذي رآه فيه التلاميذ في مجدِه ومجد أبيه.
- السّجود بالرّوح، في كلّ مرّةٍ نصلّي ونختلي بالمسيح، ندخل في السّحاب ونمتلئ بالرّوح، ونخاف خوفًا مقدسًا، ونسجد بخوفٍ ورعدةٍ، ونتذوّق طعم السّماء.
- الشركة مع القدّيسِين، كلّ صلاةٍ في الكنيسة تَهدف إلى التجلّي: فنحن لا نصلّي من باب الواجب فحسب، بل من باب الإيمان. فعندما نقوم بالتّسبحة يكون الغرض منها الصّعود من الأرض إلى السّماء. كذلك في القدّاس، نصعد من الأرض إلى السّماء ونمضي ساعةً على الجبل، وهكذا هي كلّ الليتورجيات. وفي بعض الأحيان، قد تكون حالتنا مِثل حال التلاميذ في بدء القصّة، حيث كانوا مُثقلِين بالنّعاس، وبالرغم مِن ذلك، قد نستغرب رحمة ربّنا؛ فالمسيح إلهنا لم يطالب بطرس بأنْ يستفيق بل تركه يفتح عَيْنَيه على راحتِه، لأنّه بِرَحمتِه الواسعة يَعذر. يكفي أنْ نفتح أعيُنَنا للحظةٍ ونَنفض النوم، لِنَقوم ونسبِّح ربّ القوات؛ فكلّ تسبحةٍ في الكنيسة هي محاولة تجلٍّ، إذ نرى إلى جنب المسيح العذراء والملائكة والقدّيسِين. نحن نعيش مرحلةً ما قبل المجد الأبديّ.
يقول القدّيس يوحنّا الحبيب: “الآن نحن أولاد الله، ولم يُظهَرْ بَعْدُ ماذا سنكون، ولكنّنا نَعلَمُ أنّه إذا أُظهِرَ نكون مثلَه، لأنّنا سنَراه كما هو، وكلّ مَن عندَه هذا الرّجاء بِه، يُطهِّرُ نفسَه كما هو طاهرٌ” (1يو3: 2-3). نحن كلّنا أولاد ربّنا، ولا يزال المجد أمامنا. بِانتقالِنا، هناك سَتتشابك عيونُنا بِعينيه ونراه ونأخذ من مجدِه. آمين.