“يا جاهِل، في هذه اللّيلة، تُطلَب مِنكَ نفسُكَ. وما أعدَدْتَه لِمَن يكون؟” (لو 12: 20)
بقلم الأب شربل أوبا الباسيلي الشويري، كاهن رعيّة مار ميخائيل، زحلة.
كَيْفَ نَقرأ إشاراتِ الزّمنِ في هذه اللّحَظات المأساويّة التي نمرُّ بها؟ كَيْفَ لنا، نحن كمَسيحيِّين، أنْ نستَجيبَ لهذه الأزمة؟ الجوابُ هو بِالتأكيد، بالإيمان وليس بالخوف! أنا أدعوكُم جميعًا، أيّها الإخوة والأخوات، إلى النّظر في قلب العاصفة والتّساؤل: يا ربّ، ماذا تُريدُني أنْ أتعلّمَ مِن هذا كلّه؟ وكَيْفَ تسعى إلى تغيِيري؟
تُعلّمُنا أزمةُ الكورونا التي تُعانيها البشريّة بِأكملِها حاليًّا كمْ أنَّ الإنسانَ ضعيفٌ. فهذا الفيروس يتخطّى الاختلافاتِ الإثنية، ويتخطّى الحدود، وقد ضربَ أكثرَ من نصفِ بلدانِ العالم، واللائحة تَطول، ما بين مُصابِين ومُتَوفِّين. أمام العالم، نحن جميعًا مختلِفون، ولكنْ أمام الفيروس، أمام الموتِ، نحن جميعًا مُتساوون! في أوقات العذاب، في أوقات الحداد والحزن، نحن جميعًا مُتسَاوون، وضُعَفاء وعاجِزون عن إيجاد أجوبةٍ.
النّاسُ مَعزولون في بيوتهم… وبعد زمنِ الانفتاحِ على العالم، ها إنّ فيروسًا صغيرًا يظهر لِيَقول لِكلّ واحدٍ منّا ولِلعالم كلِّه “خلّيك بالبيت”، لا تُقابِل أحدًا، لا تَتّصِل بأحدٍ جسديًّا، لا تَزُر أحدًا، ولا حتى أقرباءَك… مِن السهل أنْ نفقدَ كلَّ رؤيةٍ وسطَ غلَيَان حياتِنا. فأيّامُنا مليئةٌ بالنّاس والمشاريع، والأعمال ولوائح الرغبات، والبيوت، والعطلات، وتَدَخّلَ هذا الفيروس ليُعلِّمنا التمييزَ بين ما هو المهمّ والملحّ، أيْ ما هو مهمٌّ فعلاً، ويذكّرنا: “باطلُ الأباطِيل، يقول الجامعة، باطلُ الأباطيلِ، كلّ شيءٍ باطلٌ” (جا: 1-2).
ما هي إذًا ردّةُ فعلنا، كمَسيحيِّين، على هذه الأزمة؟ هل نحن مُصابون بِالذُعر مِثل أغلبيةِ الناس؟ هل نؤمِن بِذاك الذي قال: “أنا هو القيامة والحياة، مَن يؤمنْ بي، وإن مات فسيحيا. وكلُّ مَنْ يحيا ويؤمِن بي فلنْ يموتَ إلى الأبد. أتؤمِنِين بهذا؟” (يو 11: 25-26). هَلْ نؤمِن بهذا؟ تضَعُنا هذه الأزمة، أيّها الأصدقاء، أمام تحدّي القدرةِ على التصرّف بشكلٍ مختلفٍ، أي بإيمانٍ وليس بخوفٍ أو بِذُعرٍ. نحن أملُ العالم، نحن ملحُ الأرض ونورُ العالم. وتتمثّل مَهمّتُنا حاليًّا في أنْ نكون أطبّاء هذا العالم المريض بِالإيمان بِشخصٍ حيّ، الراعي الصالح الذي يَعرِف خرافَه جيّدًا ويناديِها بِأسمائها.
باِلطبع، يسوع هو الوَحيد الذي يَستطيع أنْ يُسَيْطر على هذا الوَضع، وهو بالتأكيد الوحيدُ الذي يستطيع أنْ يوجّهَنا عَبْر هذه العاصفة. هو يَدعُونا إلى الوثوق به والإيمانِ به، إلى التحَلّي بالإيمان وعدم الخوف. يَطلب منّا اليومَ أن نُغيّر أولويّاتنا وأن نُصَوّب بُوصلة حياتنا في الاتجاه الصّحيح. فَلنَتأمّل معًا في المثل الذي أعطاه يسوع إلى العالم، مَثل الرجلِ الغنيّ الذي أعطَتْه أرضُه الكثيرَ وقال لِنَفسه: “يا نَفْسِي، لكِ خيراتٌ كثيرة مدّخَرة لِسِنينَ كثيرة؛ فَاستريحِي وكُلِي واشربي وتَنعّمِي! فقال له الله: “يا جاهِل، في هذه اللّيلة، تُطلَب مِنكَ نفسُكَ. وما أعدَدْتَه لِمَن يكون؟” (لو 12: 19-20).