“البُعد الرّسوليّ”
الأب المرشد ابراهيم سعد،
“ألستُ أنا حرًّا؟ أوَلَستُ رسولاً؟ أما رأيت يسوع ربّنا؟ ألستم أنتم عملُ يديّ في الرّبّ؟” هذا هو عنوان جماعة “أذكرني في ملكوتك” ببُعدِها الرّسوليّ.
حسب قرائتي الخاصّة، إنّ الجماعة لا يمكن أن تكون وليدة المزاج، إنّما هي ناتجة عن فعل إرادة تسبقها رغبة وتنتج عنها قدرة. وبالتّالي، على أعضاء جماعة “أذكرني في ملكوتك”، أن يتمتّعوا بهذه القدرة والإرادة والرغبة، وأنا أوصي كلّ فردٍ منها قائلاً لهم: إيّاكم وخسارة الرغبة، اثبتوا في الإرادة واسعوا إلى القدرة، لأنّه بتلك الطريقة فقط يتحقّق البعد الرسوليّ لجماعتكم، فأنتم جماعة، أعلمتم ذلك أم لا، تقتحم عتاقة الحياة لتزرع جِدَّة الحياة، فالويل لكم إن لم تشعروا بأهميّة جماعتكم، وبتلك المسؤولية الملقاة على عاتقكم. ولهذا، يقول بولس الرّسول في إحدى كتاباته إنّه لا فخر له إن بشَّر، فهذا واجبٌ عليه، والويل له إن لم يبشِّر. فالرسول مؤتمن على الرسالة، وعليه نقلها للآخرين عبر البشارة بها مرغمًا كان، أم طوعًا. يا أيّها الإخوة، إنّ الرّسوليّة بذرةٌ زُرعت في لحظة معموديّتنا وصارت من طبيعتنا، ولكنّ الإنسان قد يقوم بإهمالها كما هو فاعلٌ في أمورٍ أخرى أساسيّة في حياته. إنّ الإنسان الّذي يخرج من جرن المعموديّة، يُعطى مسؤولية نقل الكلمة، ومهمّة التبشير بها، وبالتّالي عليه أن يقلِّدها آخرين، أي أن يسلّمها لآخرين، ومن هنا مسؤولية نقل التقليد الكنسيّ من جيل إلى جيل.
إنّ قول بولس هذا:”أوَلَستُ حرًّا؟” يطرح لنا إشكاليّة كبرى في البعد الإرساليّ، وهي مسألة الحريّة. إنّ الحريّة تقال مرّة واحدة، وبعد قول هذه الكلمة، يبدأ الإنسان يشعر بمفعول كلمة “عبوديّة” إلى يوم مماته، أي أنّ الإنسان يبقى حرًّا إلى أن يختار ويلتزم بأمرٍ معيّن، لأنّه بعد ذلك يصبح عبدًا للكلمة الّتي التزم بها. إنّ كلّ حبٍّ يجمع العبوديّة والحريّة في آن، ولكن عبوديّة الحبّ هي عبوديّة طوعيّة، إذ يختارها الإنسان بإرادته من دون أن يكون مجبرًا عليها.
وهنا أريد أن أختصر رسالة هذه الجماعة بثلاث كلمات أساسيّة وهي: أوّلاً، إنّها جماعة رسوليّة ملتصقة بالكلمة المحمولة بالرّوح، والحاملة الرّوح، وثانيًا، هي جماعة إرساليّة إذ عليها القيام بمسيرة، وأخيرًا ، هي جماعة “رساليّة”، أي إنّها تحمل رسالة، فأعضاء هذه الجماعة ما عادوا حاملي رسالة، إنّما أصبحوا هم ذواتهم رسالة للآخرين من خلال طريقة عيشهم. فإن لم يتحلَّ أعضاء هذه الجماعة بهذا الحلم أي بهذه الرغبة والإرادة والقدرة، يصبح هذا الاحتفال بذكرى السنوات العشر على تأسيسها بمثابة جنازٍ أربعينيِّ لها.
إنّ التّحديّات الّتي تواجهها الجماعة والمخاوف الّتي تتعرّض لها كثيرة، نذكر منها أوّلاً: ضغط الزّمن، إذ إنّ مسيرة تلك الجماعة في عشر سنوات ما كانت بالأمر السّهل، وضغط الزّمن يكمن في أنّ النتيجة قد تكون قليلة نسبةً للجهد المبذول في هذه الفترة الزمنيّة الطويلة نوعًا ما.
ثانيًا، ضغط الاعتراضات والمجابهات الّتي تتعرّض لها الجماعة وبخاصّة من أشخاص لم تكن الجماعة تتوّقع منهم هذه المجابهة. ثالثًا، ضغط الأحلام الكبيرة الّتي تتمنّى الجماعة تحقيقها، غير أنّ أسبابًا عديدة تساهم في التباطؤ في تحقيقها. رابعًا، ضغط الغرور والعُجب بالنّفس الّذي قد يعاني منه الإنسان ويدفعه إلى التّعالي. خامسًا، ضغط ضعفنا وخطايانا والّتي تدفعنا في الكثير من الأحيان إلى الشعور بالضجر والملل والرغبة بالانسحاب والهروب،.كلّ ذلك يشكِّل ضغطًا تتعرّض له الجماعة في مسيرتها.
أخيرًا، أطلب منكم إخوتي، ألاّ تجعلوا من وجودكم على الأرض، وليد صدفة من نتاج بشريّ بحت، بل اجعلوا من وجودكم فرصة في مخطط إلهيّ. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت الكلمة بأمانةٍ من قبلنا.