لقاء الأطفال السنويّ 2016
بمشاركة أطفال “أذكرني في ملكوتك” – أصدقاء غاييل (المروج).
دير سيّدة بزمار – حريصا، كسروان.
عظة بعنوان: “مَن هو قريبي”
للخوري جوزف سلوم، خادم رعيّة مار فوقا – غادير،
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
بدايةً، أودّ أن أعبّر عن مدى سروري بلقائكم أحبائي الأطفال، في هذا النّهار الّذي نظمّته جماعة “اُذكرني في ملكوتك”، فلها منّا كلّ الشكر.
“اُذكرني في ملكوتك”، عبارة نَطَقَ بها لصّ اليمين، المصلوب قرب يسوع المسيح. كان لصّ الشمال يستهزئ بالرّب ويسخر منه، مطالبًا إيّاه بتخليصهما وتخليص نفسه، عبر النزول عن الصليب، فتظهر قوّته للجميع، فيؤمنون به. أمّا اللّص اليمين فقد دعا رفيقه إلى التوقّف عن السخرية والاستهزاء بالرّب، لأنّ يسوع هو إنسان بريء لم يرتكب سوءًا على عكسهما تمامًا، فهما قد نالا بالصلب جزاء أعمالهما السيئة. لذا طلب لص اليمين من يسوع أن يذكره حين يأتي في ملكوته، إذ رأى فيه إنسانًا بارًّا وصِدِّيقًا، أي قريبًا من الله. وعندما مات يسوع وكذلك اللّصين، كان اللّص اليمين أوّل الدّاخلين إلى الملكوت مع الرّب.
أمّا الآن، فأودّ الانتقال إلى مثل السامريّ الصالح، الّذي أعطاه يسوع للجموع، جوابًا على السوال الذّي طُرِح عليه، “من هو قريبي؟”. لقد طرح هذا السؤال على يسوع رجلٌ كان يرغب في إظهار ذكائه أمامه، إذ كان يتنمي إلى جماعة النّاس الّتي كانت تعتبر أنّها أكثر ثقافة وعلمًا من الآخرين، وأنّها تفوقهم معرفة في المسائل الدينيّة.
إخوتي، إنّ قريبي ليس فقط من ينتمي إلى العائلة نفسها الّتي أنتمي إليها ويملك بطاقة هويّة تدّل على انتمائه إلى عائلتي، في مفهوم يسوع. إنّ قريبي، بحسب قول يسوع، أصدقائي، هو كلّ من احتاج إلى مساعدتي ومحبّتي. فعندما أساعد الآخر وأحبّه يصبح صديقًا لي، وفردًا من أفراد عائلتي، أي قريبًا لي. وبالتّالي، فإن أقربائي هم جميع النّاس.
إنّ المثل يتكلّم عن رجلٍ يهوديّ كان نازلاً من أورشليم باتجاه أريحا، وقد تعرّض وهو في الطريق إلى السرّقة، والضرب من قبل لصوص. إنّ أورشليم هي تلك المدينة الّتي دخلها يسوع على جحش ابن أتان، وقد رحبّ به النّاس ملكًا، وفرشوا له الثياب وحملوا بأيديهم سُعُفَ النخيل لاستقباله. هذا الاستقبال ليسوع من قِبَل هؤلاء، ما هو إلّا تعبير منهم على أنّ يسوع هو ملكهم ومخلّصهم الوحيد، وهذا ما تعنيه الصرخة الّتي هتفوها:”هوشعنا”.
إذًا، هذا الرّجل كان نازلاً من أورشليم، حين تعرّض لِـهجوم من لصوص أخذوا ماله، وضربوه وتركوه مرميًّا على الطريق ينزف، ويستخدم الكتاب عبارة “تركوه بين حيٍّ وميّت”، ليعبّر عن حالة هذا الرّجل الّذي كان على وشك مفارقة الحياة. ويتابع النّص فيقول إنّ كاهنًا مرّ بالقرب من هذا الإنسان المطروح على الطريق، لكنّه مال عنه ومضى. قد يعود سبب ذلك لإشئمزازه من هيئته، ولكن هناك سبب آخر، وهو أنّه في العهد القديم كان الدّم يُعتَبر أمرًا نجسًا ولذلك كان يُمنَع على المؤمن لمس أيّ أمر يُعتبر نجسًا وبخاصّة الدّم قبل الصّلاة، وإلّا احتاج إلى التّطهير، أي ما يشبه الاعتراف، في أيّامنا هذه. وبالتّالي، فإنّ عدم اقتراب هذا الكاهن من الإنسان المجروح، لا يشير بتاتًا إلى أنّه إنسان غير صالح، إنّما يدلّ إلى أنّه شخصٌ شديد التعلّق بديانته إذ لا يريد مخالفة قوانيها. ثمّ يقول النّص إنّ هناك لاويًّا قد مرّ من هناك أيضًا، وهذا أيضًا لم يساعده للسبب نفسه. فاللاويّ هو شخص ينتمي إلى قبيلة يتمّ اختيار الكهنة من بين أعضائها الّذين يحترمون الشريعة ولا يخالفونها.
وأخيرًا، يقول النّص إنّ سامريًّا كان مارًّا من هناك على دابته، فتوقّف ليساعد هذا اليهوديّ المطروح في الطريق. وفي تلك الأيّام كان هناك عداوة بين السامريّين واليهود، وكانت العلاقات فيما بينهم مقطوعة كلّيًا. وعلى الرّغم من تلك العداوة، فقد توّقف هذا السامريّ، وضمّد جروح الرّجل اليهوديّ واضعًا عليها زيتًا، وأصعده على دابته وأخذه إلى الفندق وأعطى صاحبه دينارين لأجل متابعة علاج هذا اليهوديّ. وهنا أودّ أن أتوقّف عند الأفعال الّتي قام بها هذا السّامريّ تجاه هذا اليهوديّ: يبدأ فيقول إنّ هذا السامريّ “رآه”، وذلك ليشير إلى أهميّة رؤية حاجة الآخر للمساعدة من دون التغاضي عنها.
ثمّ أضاف قائلاً “نزل”، أي أنّ السامريّ لم يكتفِ بالنّظر إلى الشخص المحتاج من الأعلى، أي من على دابته، أي أنّه لم يبقَ متفرِّجًا. وأخيرًا يستخدم الكتاب فعل”انحنى عليه”، أي أنّ السامريّ اقترب من هذا الإنسان المجروح على الرغم من التقاليد الّتي كانت تَحُول دون ذلك، لا بل أكثر من ذلك، ركع قربه محاولاً مساعدته، من دون أن يتهرّب من مسؤوليتّه تجاه الآخر متحججًا بأنّه سيُرسِل إليه المساعدة. لقد ضمّد السامريّ جراح اليهوديّ واضعًا عليها زيتًا وخمرًا: إنّ الزيت هو مادة كفيلة بإنشاء طبقة عازلة بين الجرح والجراثيم الموجودة في الهواء، وهو أيضًا يخّفف من آلام الموجوع، فبدون الزيت، سيتعرّض الحرج إلى التهابات كثيرة وستتدهور حالة المريض. لقد قام هذا السامريّ، أخيرًا بنقل اليهوديّ إلى الفندق، والطلب من صاحب الفندق الإعتناء به معطيًا إيّاه دينارين.
إذًا إخوتي الصّغار، لا تقتصر مساعدة الآخر المحتاج بالصّلاة لأجله، بل يجب أن تتعدّاها إلى تقديم المال، أي المساعدة الماديّة له، كما فعل هذا السامريّ. لذا، علينا حرمان نفوسنا من بعض الأمور الّتي نحبّها لنحوّل المال الـمُدَّخر لمساعدة المحتاجين.
وعندما سأل يسوع سامعيه في نهاية المثل عن قريب ذلك الرّجل اليهوديّ، أتاه الجواب المنتظر وهو أنّ ذلك السامريّ هو قريب هذا الرّجل، على الرّغم من العداوة الموجودة بينهما. إخوتي، القريب ليس من ينتمي إلى عائلتي فقط، وتربطني به علاقة دمويّة، بل من يساعدني عندما أكون محتاجًا. وبالتّالي إن ساعد الإنسان كلّ من يحتاج إليه، أصبح قريبًا منه، وبالتّالي بحسب يسوع، أقربائي هم جميع البشر. إذًا لنكون من عائلة يسوع علينا مساعدة الجميع حتّى وإن كنّا قد تعرّضنا للأذيّة من قِبَلِهم.
إخوتي، لا يجوز لنا أن نتشاجر مع أحد، وإن تشاجرنا مع أحد، علينا أن نسعى للمصالحة، من دون مماطلة في ذلك. وهذا المثل الّذي أعطاه يسوع، يعلّمنا أنّه علينا أن نمتلك دينارين وحمارًا، أي أن نَهُبَّ لمساعدة الآخر المحتاج لنا، وأن نكون على استعداد دائم لتقديم المعونة للآخرين، في وقت الضّيق. وتعليم يسوع هذا، يُلَخَّص في الوصيّة الوحيدة الّتي أعطانا إيّاها وهي: “أحبّوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم”.
في هذا القدّاس، أحبائي الصّغار، سنقدِّم أفكارنا ليسوع، كما أنّنا سنذكر فيه كلّ أمواتنا الأحبّاء، ونقدّم الصّلوات من أجلهم. إنّ يسوع يدعونا إلى الفرح والسعادة وذلك لأنّ أسماءنا مكتوبة في السّماء. ولذا سنقوم بتدوين أسماء أمواتنا الأحبّاء، من أجداد وآباء وأصدقاء، في سجِّل “اُذكرني في ملكوتك”، علامةً على رغبتنا في أن تكون أسماؤهم قد كُتِبَت في السّماء، لأنّ ذلك سيشكّل لنا فرحًا عظيمًا.
.ملاحظة: دوِّنت العظة بأمانةٍ من قِبَلنا