“عيد رُقاد والدة الإله”
بقلم الأب ايلي خنيصر،
يُعتبَر شهر آب الشّهر المريميّ الذي نكرّم فيه والدة الإله الفائقة القداسة في الطّقس البيزنطيّ للكنيسة الشّرقيّة، وهو ختام السّنة الليتورجيّة. فبَعد الاحتفال بِكلّ أعياد المسيح الإله والعذراء، تُختَم المسيرة مع رُقاد مريم، وانتقالها بالنّفس والجسد إلى السّماء.
يُخبِرنا آباء الكنيسة والتّقليد الرسوليّ، أنّ الملاك جبرائيل الذي رافق السيّدة العذراء في البشارة، رافَقها كذلك في رُقادها، لذا، وقبل ثلاثة أيّامٍ من رُقادها، جاءها بمجدٍ سماويٍّ وطَلب مِنها أن تستعدّ للانتقال إلى مملكة ابنِها، فأخبرَت يوحنّا الحبيب بهذا الأمر، فأبدى حزناً عميقاً لأنّ مريم ستُفارقه. وقد صلَّت مريم الى ابنِها في اليوم الثّالث لكي تودّع التّلاميذ، فخَطفهم يسوع على السُّحب، من الأماكن التي كانوا يكرِزون فيها، وحضروا أمام سريرِها الطّاهر، وأوصَتهم بالأمانة في تَوصيل رسالة الرّبّ، وإيصال الإنجيل والبشارة إلى كلّ العالم.
واللّافت للنّظر أنّه، بعد أن انتقلَت مريم بجسدها إلى السّماء، تراءت لتوما المنشغل في بشارتِه في بلاد الهند، والذي لم يحضر معهم (بعناية من الله)، وأعطته الزّنّار ليكون برهانًا قاطعًا على انتقالها. فتوما إذًا، لم يحضُر معهم بل جاء بعد وَضع مريم في القبر، ووَجد إخوته في حزنٍ عميقٍ، فسألهم عن السّبب، فقالوا له: مريم رَقدت ووَضعنا جسدها في القبر. ولكن ولكي يؤكِّد لهم الانتقال، تظاهر بأنّه لم يصدِّق فقال: افتَحوا القبر، إنْ لم أرَ جسدَها، فلَن أؤمِن بأنّها رَقدَت. فَدار شجارٌ بينه وبين الرّسل الذين قالوا له: هذه عادة توما، لا يؤمِن إلاّ بِوضع إصبعه. فذهبوا إلى القبر وفتحوه، ولم يجدوا جسد مريم في الدّاخل، فتحيّروا ممّا حصل. (يوحنّا الذّهبي الفم).
الرّسول توما أراد بطلبه هذا أن يبشّرهم بِانتقال مريم العذراء كما بشّره الرّسل بقيامة المسيح. وعند عودتهم إلى بيت يوحنّا الحبيب في الجسمانيّة، قال لهم توما: في أثناء قدومي، وبعد رقاد مريم، تراءت لي وبِيدها زنّارها الذي تضعه على خَصرها، وأعطتني إيّاه قائلة: اِذْهَب إلى إخوتي، وقل لهم إنّ القبر لَيْس مكاني، وإنّي غلبتُ الموت بِقوّة ابني، وانتقلتُ لأكون حيث هُو، وأعطِهم الدّليل القاطع على ذلك. ثمّ سحب الزّنار من جَيبه وأراهم إيّاه.
باختصارٍ، هذا العيد، هو عيد أعياد والدة الإله الفائقة القداسة التي تغلّبَت على الموت، وانتقلَت إلى الحياة بما أنّها أمّ الحياة، وإيماننا ثابتٌ بأنّ الموت ليس إلّا انتقالًا إلى مملكة المسيح حيث سنَتمتّع بِرؤيته، وبما أعدّه الله لكلّ محبّيه، وسنَعلم أنّ الحياة الأبديّة هي أنْ نَعرف الله، ونَعرف يسوع الذي أرسَله الآب لخلاص البشر مردِّدين مع بولس الرّسول: “الموت ربحٌ لي حين أكون مع المسيح” (في 21:1).