“وكان لِـجُمهور الّذين آمَنوا قلبٌ واحدٌ ونفسٌ واحدةٌ” (أعمال 4: 32)

بقلم المونسنيور أنطوان مخايل، رئيس إكليريكية مار أنطون البادواني – كرم سدة،

تَنقل لَنا هذه الآية من سِفر أعمال الرُّسل، صورةً بهيّةً عنِ الجماعة المسيحيّة الأولى، الكنيسة الأولى، التي كانت تَعيش، بِهَدي المسيح القائم، وبِقوّة روحه، شركةً وَوَحدة إيمانٍ ومحبّةٍ عميقة. في شهر تشرين الثاني، تدعونا الكنيسة إلى أنْ نَعيش هذه الشراكة، بِشكلٍ خاص، مع أمواتنا الّذين تجمعُنا بهم، كما يُعلِّمنا إيماننا المسيحيّ، “شركة قدّيسِين”، فماذا تَعني هذه العبارة؟

   شركة القدِّيسِين هِي أولاً شركة المؤمنِين المعمَّدِين في الكنيسة، الّذين يَعيشون شركة الإيمان الأخوّي. فبِالعِماد نُصبِح كلّنا أبناءَ الله القدِّيسِين بِنعمة الرّوح القدس، إذْ قد قبِلنا مَسحةَ الرّوح التي تقدِّسنا وتَفتح لنا طريق القداسة، طريق الكمال الخلقيّ والرّوحيّ، في حياة الفضائل الإلهيّة: الإيمان والرّجاء والمحبة.

شركة القدِّيسِين هي، مِن ثمّ، شركة في المائدة الإفخارستيّة. إنّها شركة في القدسيّات التي تُعطى لنا، جلوس إلى مائدة الملكوت. هنالك تَرابط جوهريّ بين الشركة في القربان والشركة الكنسيّة. يقول بولس: “إنَّنا نحن الكثيرِين جسدٌ واحدٌ لأننا نَشترك في الخبز الواحد” (قورنتس الأولى 10: 17). إذًا فالاشتراك بالإفخارستيّا هو اشتراكٌ في الكنيسة. إنّه التّعبير الملموس عن الكنيسة كَشراكة خيورٍ خلاصيّة، تَبلغ ذروتها في جسد المسيح ودمه.

   شركة القدِّيسِين هي، أخيرًا،  شركة بين الأحياء والأموات. إنها شركة صلاةٍ بَيننا وبين مَن نحبّ، فنُصلّي نحن على نيَّتهم، ونَطلب ـ في المقابل صلاتهم. بما أنّنا لا نَعرف بالضبط مصير الرّاقدِين من إخوتنا في الإيمان، نصلّي إلى الربّ ليُعامِلهم بالرّحمة. تتعلّق درجة هذه الصّلاة ومَضمونها بالموقف الرّوحيّ لكلّ واحدٍ منّا، وبِالعلاقة التي تربُطنا بالأموات، بِدءًا مِن أقربائنا وأصدقائنا وصولاً إلى كلّ إنسان. ربما كان لدَينا الكثير لِنَقوله لمن نحبّ، ولم نَستطع قبل أنْ يَرحلوا. في هذه الشركة نَعرف أنّه بإمكاننا أنْ نخاطبَهم بِلغة الإيمان والمحبّة الدّائمة، لا بِلغة الجسد والرّموز الزائلة.

   هكذا، تَظهر شركة القدِّيسِين الكنيسة في جَوهرها. إنّها ثمرة موت المسيح وقيامته، وحالة المجد التي تنتظرنا ما هي إلا اكتمالٌ لِحالة النّعمة التي نعيشها الآن، وهي لا توقِف الرّوابط الطبيعيّة المقدَّسة، بل تَسمو بها وتحوّلها.  لَيس هناك مِن انقطاعٍ في الكنيسة، بَل هناك حياةٌ واحدةٌ وشركةٌ واحدةٌ، تَنبع من المسيح وتَسقي جسده السرّي أي الكنيسة. هذه قناعةٌ إيمانيّةٌ مغروزةٌ في سِرّ الله وفي كَياننا، وهي سبب سرورٍ ورجاءٍ دائمِين لَنا وللبشريّة جمعاء. 

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp