تفسير الكتاب المقدّس،
الأب ابراهيم سعد،
“سِفر رؤيا القدّيس يوحنّا – الإصحاح الثاني والعشرون”
النّص الإنجيليّ:
“وَأراني نَهرًا صافيًا مِن ماءِ حياةٍ لامِعًا كَبَلُّورٍ، خارجًا مِن عَرش الله والخروف. في وَسَطِ سوقِها وعلى النَّهر مِن هنا ومِن هناك، شَجَرةُ حياةٍ تَصنَع اثنَتَي عَشرَة ثَمرةً، وتُعطي كُلَّ شَهرٍ ثَمرَها، ووَرَقُ الشَّجرةِ لِشِفاء الأُمَم. ولا تكون لَعنةٌ ما في ما بَعد. وعَرشُ الله والخروفِ يكون فيها، وعَبيدُه يَخدِمونه. وَهُم سَيَنظرون وَجهَه، واسْمُه على جِباهِهم. ولا يكون لَيلٌ هناك، ولا يحتاجون إلى سِراجٍ أو نورِ شَمسٍ، لأنَّ الرّبَّ الإلهَ يُنيرُ عليهم، وَهُم سَيَملكون إلى أبد الآبدين. ثُمّ قال لي: «هذه الأقوالُ أمينةٌ وصادقةٌ. والرّبُّ إلهُ الأنبياءِ القِدّيسِين أرسَلَ مَلاكهُ لِيُريَ عَبيدَهُ ما يَنبغي أن يكون سَريعًا». «ها أنا آتي سَريعًا. طوبى لِمَن يَحفظُ أقوالَ نُبُوَّةِ هذا الكِتاب». وأنا يوحنّا الَّذي كان يَنظُر ويَسمَعُ هذا. وَحِين سَمِعتُ ونَظَرتُ، خَرَرتُ لأسجُدَ أمام رِجلَي الملاك الَّذي كان يُريني هذا. فَقال لي: «انظُر لا تَفعَل! لأنّي عَبدٌ معكَ ومع إخوَتِكَ الأنبياء، والَّذِين يَحفَظون أقوالَ هذا الكِتاب. اسجُدْ لله!». وقال لي: «لا تَختِمْ على أقوال نُبُوَّةِ هذا الكِتاب، لأنَّ الوقتَ قَريبٌ. مَن يَظلِم فَليَظلِم بَعد. ومَن هوَ نَجِسٌ فَليَتَنجَّسْ بَعد. ومَن هُو بارٌّ فَليَتَبرَّرْ بَعد. ومَن هُوَ مُقدَّسٌ فَليَتقدَّسْ بَعد». «وها أنا آتي سَريعًا وأُجرَتي مَعي لأُجازيَ كُلَّ واحدٍ كما يكون عَمَلُه. أنا الألِفُ والياءُ، البِدايةُ والنِّهايةُ، الأوَّلُ والآخِرُ». طوبى لِلَّذِين يَصنَعون وَصاياهُ لِكَي يكون سُلطانُهم على شَجَرة الحَياةِ، ويَدخُلوا مِن الأبواب إلى المَدينة، لأنَّ خارجًا الكِلابَ والسَّحَرةَ والزُّناةَ والقَتَلةَ وعَبَدَةَ الأوثان، وكُلَّ مَن يُحِبُّ ويَصنَع كَذِبًا. «أنا يسوعُ، أَرسَلتُ ملاكي لأشهَدَ لَكُم بِهذه الأُمور عن الكنائِس. أنا أصلُ وذُرِّيَّةُ داود. كَوكَبُ الصُّبحِ المُنير». والرّوح والعَروس يقولان: «تَعال!». ومَن يَسمَع فَليَقُل: «تَعال!». ومَن يَعطَشْ فَليَأتِ. ومَن يُرِدْ فَليَأخُذْ ماءَ حياةٍ مجَّانًا. لأنّي أشهَدُ لِكُلِّ مَن يَسمَعُ أقوالَ نُبُوَّةِ هذا الكِتاب: إنْ كان أحدٌ يَزيدُ على هذا، يَزيدُ اللهُ عَلَيه الضَّرباتِ المَكتوبةَ في هذا الكِتاب. وإن كان أحدٌ يَحذِفُ مِن أقوالِ كِتابِ هذه النُّبُوَّةِ، يَحذِفُ اللهُ نَصيبَهُ مِن سِفرِ الحياةِ، ومِنَ المَدينةِ المُقدَّسةِ، ومِنَ المَكتوبِ في هذا الكِتاب. يقولُ الشّاهِدُ بِهذا: «نَعَم! أنا آتي سَريعًا». آمين. تَعالَ أيُّها الرّبُّ يسوعُ. نِعمَةُ رَبِّنا يسوع المسيحِ مع جميعكم. آمين.”
شرح النّص الإنجيليّ:
نحن الآن أمام المشهد الأخير من الأيقونة الّتي رسمَها يوحنّا، كاتب سِفر الرّؤيا. في هذا الإصحاح، نلاحظ أنّ يوحنّا، قد ذَكَر اسمَه، في حين أنّه لم يَذكره لا في الإنجيل الّذي كتَبَه ولا في الرّسائل الّتي دوَّنَها، ذلك لأنّ الهدف من كتابَتِه للإنجيل وللرَّسائل، كان الإضاءة على الربّ، فيُؤمِنَ السّامعون بالربّ نتيجةَ قبولهم بشارة يوحنّا الرّسول.
في الإنجيل الخاصّ به، عرَّف يوحنّا الرَّسول عن ذاته بالقَول: “التِّلميذ الّذي كان يسوع يُحبّه” (يو 21: 7)، وأيضًا مِن خلال عبارة “الّذي عاين شَهِدَ، وشهادتَه حَقٌّ، وهو يَعلَم أنّه يقول الحقَّ لِتُؤمِنوا أنتُم” (يو 19: 35)، مِن دون أن يَذكر اسمَه؛ وفي الرَّسائل، قال “الّذي كان مِن البَدء، الّذي سمعناه، الّذي رأيناه بعيوننا، الّذي شَاهَدناه، ولَمَسَته أيدينا، مِن جهة كلمةِ الحياة” (1 يو1: 1)، مِن دون أن يذكر اسمَه.
أمّا في هذا الإصحاح، فنلاحظ أنّ يوحنّا الرَّسول قد أصرَّ على ذِكر اسمِه، وقد ذَكَرَه عدَّة مَرَّاتٍ، لأنّه في هذا الإصحاح قد كَشَف كلَّ شيءٍ، وبالتّالي مِن خلال ذِكرِه لِاسمِه، أراد الرَّسول أن يؤكِّد على شهادتِه الحقيقيّة للربّ، والتأكيد على أنّه أوَّلُ مَن نَقَل هذه الصُّورة للمؤمِنِين.
“وَأراني نَهرًا صافيًا مِن ماءِ حياةٍ لامِعًا كَبَلُّورٍ، خارجًا مِن عَرش الله والخروف”: إنّ هذا النّهرَ ليس نهرُ ماءٍ طبيعيّ، بل هو نهرُ ماءِ حياةٍ أبديّة، يَرمُز إلى العطاء النِّهائيّ والكامِل للحياة الأبديّة.
إنّ هذا النَّهرَ، بِحَسب قَول الرَّسول، هو نهرٌ لامعٌ كالبِّلور أي أنّه صافٍ جدًّا. إنّ النَّهرَ الموجود في الطّبيعة، عادةً يكون نهرًا جاريًا، وبالتّالي لا تكون مياهُه صافيةً كالبِّلور، كما يُخبرنا الرَّسول في هذا الإصحاح، وبالتّالي، هذا النَّهرُ هو نَهرٌ مُختلِفٌ عن الأنَهار الّتي نَعرِفها في عالَمِنا. ثُمَّ يُخبرنا الرَّسول أنّ هذا النَّهر لا يَخرجُ مِن نَبعٍ، بل مِن عرشِ الله والخروف. إنّ العَرش البشريّ لا يجلس عليه إلّا الـمَلِك فقط، وابنُ الـمَلِك يبقى أميرًا إلى يوم وفاة أبيه، وبالتّالي لا يمكنه الجلوس على العرش قَبْل ذلك الحِين. في البروتوكول الـمَلكيّ، تُعلَن وفاةُ الـمَلِك الحالي تَزامُنًا مع الإعلان عن اسمِ الـمَلك الجديد.
إذًا، العرشُ الـمَلكيّ لا يكون أبدًا فارغًا، ولا يستطيع الجلوس عليه إلّا مَلِكٌ واحدٌ فقط. في هذا النَّص مِن سِفر الرّؤيا، يخبرنا يوحنّا الرَّسول عن عرشٍ واحدٍ يجلس عليه الـمَلك أي الله الآب، والخروف أي المسيح، في آنٍ معًا؛ وذلك إشارةٌ إلى وحدانيّة الله، والمساواة في الألوهة بين الله الآب والله الابن.
“في وَسَطِ سوقِها وعلى النَّهر مِن هنا ومِن هناك، شَجَرةُ حياةٍ تَصنَع اثنَتَي عَشرَة ثَمرةً، وتُعطي كُلَّ شَهرٍ ثَمرَها، ووَرَقُ الشَّجرةِ لِشِفاء الأُمَم”: هنا نتذكَّر سِفر التَّكوين الّذي أخبَرَنا عن وجود ملاكَين يقومان بحراسة شجرةِ الحياة، كي لا يأكل مِنها آدم. إنّ الله لم يمنع آدمَ عن تناولِ ثَمرِ هذه الشَّجرة كقِصاصٍ له لأنّه أكَلَ مِن شجرة معرفة الخير والشَّر، بل مَنعَه الله عن تناول ثَمر شجرة الحياة، رَحمةً به، إذ سَقَط في الخطيئة: فالله مَنع آدم عن تَناول ثَمر شجرة الحياة كي لا يبقى هذا الأخير حيًّا إلى الأبد، في خطيئته، إذ إنّ الله أراد أن يتوب آدم عن خطيئته ويعود إلى الله، قَبْل أن يأكل مِن ثَمَر شجرةِ الحياة فيَحيا إلى الأبد مع الله.
في هذا الإصحاح، يدعونا يوحنّا الرَّسول، كاتب هذا السِّفر، إلى الأكل من ثِمار هذه الشَّجرة، لأنّه في اليوم الأخير ستُبطَل الخطيئة، ولن يعود للشَّيطان وجودٌ. كلُّ شيءٍ سيُبطَل في اليَوم الأخير، إلّا عطاء الربّ ونورُه والحياة الأبديّة. إنّ شجرةَ الحياة هذه، بِحَسبِ قَول الرَّسول، تُعطي اثنَتَي عشَرةَ ثمرة. إنّ الرَّقم “اثنَي عشر” يرمز إلى الشّموليّة، إلى الكُلِّية، وبالتّالي أراد كاتبُ هذا السِّفر أن يُخبِرنا من خلال ذِكرِه هذا الرَّقم، أنّ هذه الشَّجرة تُعطي ثمرًا مِن كلّ الأنواع، ممّا يجعل الإنسانَ غيرَ محتاجٍ لأيِّ شيءٍ في الملكوت. لقد رأى بعض الـمُفسِّرين، أنّ الرَّقم “اثنَي عشر” في هذا النَّصّ، يرمز إلى الرُّسل الاثنَي عشر الّذين نَقلوا بُشرى الإنجيل إلى أقاصي المسكونة، فآمَن بِفضلِ بشارتهم الكثيرون وأخلَصوا للإنجيل؛
وبالتّالي، فإنّ المقصود بعبارة “اثنَتَي عشرة ثمرة”، بِحَسب تفسير هؤلاء، هو الثَّمرة الّتي نالها المؤمِنون نتيجة إيمانهم بالربّ حين قَبِلوا بشارة الإنجيل مِن الرُّسل الاثنَي عشر. ثمَّ يتابع الرَّسول كلامَه، فيُخبرنا أنّ هذه الشَّجرة تُعطي ثمرةً كلَّ شهرٍ. إنّ السَّنة تتألَّف من اثنَي عشَر شهرًا، وبالتَّالي، أراد الكاتب أن يُخبرنا أنّ هذه الشَّجرة تُعطي ثِمارًا على مدار السَّنة مِن دون تَوقُّف، وبالتّالي فإنَّ ثَمرها لا يَنضُب ولا يَنقُص، وبالتّالي هذه الشَّجرة هي في عطاءٍ مستمرٍّ لا ينقطع. ثُمّ يُخبرنا الرَّسول أنّ ورقَ هذه الشَّجرة هو لِشفاء الأُمَم.
وهنا نتذكَّر سِفر التَّكوين الّذي يُخبرنا أنّ آدم قد لَجأ إلى ورقِ الشَّجر ليَستُرَ عَورتَه بعد الخطيئة. أمّا في هذا الإصحاح، فإنّ يوحنّا الرَّسول يُخبرنا أنّ أوراق هذه الشَّجرة هي أوراقٌ لِشفاء الأُمَم، أي أنّها أوراقٌ خلاصيّة، وبالتَّالي لَم تُعد أوراقُ هذه الشَّجرة رَمزًا للخطيئة إنّما للخلاص. في هذا الإصحاح، نلاحظ أنَّ كلَّ ما أخبرنا به الرَّسول في الإصحاحات الماضية قد تَبدّل وتَغيَّر.
“ولا تكون لَعنةٌ ما في ما بَعد. وعَرشُ الله والخروفِ يكون فيها، وعَبيدُه يَخدِمونه. وَهُم سَيَنظرون وَجهَه، واسْمُه على جِباهِهم”: في القديم، كانت اللَّعنات والويلات تُقال على الّذِين لا يطيعون كلمة الله، أي على الّذِين لا يحفظونها، بارتكابهم الخطيئة. في اليوم الأخير، ستَزول الخطيئة، وبالتّالي ستَزول معها اللَّعنات، ولن يعود هناك مِن وجود إلّا للبَرَكات فقط. يقول لنا يوحنّا الرَّسول إنّه مِن عرش الله والخروف يَنبع نَهرُ ماءٍ حيٍّ. وهنا نتذكَّر الآية الّتي وردَتْ في الإصحاح السّابق من سِفر الرُّؤيا: “ثُمَّ قال لي: «قد تَمَّ! أنا هو الألِفُ وَالياءُ، البِدايةُ والنِّهايةُ. أنا أُعطي العَطشان مِن يَنبوع ماءِ الحياةِ مجَّانًا. مَن يَغلِبْ يَرثُ كُلَّ شيءٍ، وأكونُ له إلهًا وهو يكونُ لي ابْنًا”(21: 6).
أن نكون أبناءً لله، هذا يعني أنّنا وَارِثون له. فالابن يَرث أباه، والابن لا يعود لا عبدًا ولا أجيرًا. للأسف، نحن لا نزال نتصرَّف مع الله على أنّنا عبيدٌ له، وهذه العبوديّة تَخلق في داخلِنا خوفًا مِن غَضب السَّيد أي مِن غضبِ الله، لذا، نلاحظ أنّ طاعتَنا له، في هذه المرحلة، مَبنيّةٌ على الخوف، إذ إنّنا نَنتَظر غياب السَّيِّد، حتّى نُعلِنَ تمرُّدَنا عليه. إنّ هَدَف الأجير هو إرضاءُ سيِّده لأنّ السِّيِّد يُعطيه أَجره، وبالتّالي مَصلحةُ الأجير تكمن في طاعة سيِّده خوفًا مِن خسارة عملِه، لذلك يقوم الأجيرُ بما يُمليه عليه السَّيِّد ليس حبًّا به، إنّما خوفًا مِن فقدان الأَجِر.
إنّ العلاقة الوحيدة السَّليمة الّتي تقود إلى العلاقة الكاملة بين الأب وابنِه هي علاقة الـحُبّ: فالابن يقوم بما يُرضي أبيه لأنّه يسعى إلى المحافظة على علاقة الـمَحبّة، لا خوفًا من الأب ولا بسبب وجود مَصلحةٍ معيّنةٍ تَجمَعُهما. لذلك، عندما نقرأ في العهد القديم: “بَدءُ الحِكمة مخافةُ الربّ” (أمثال 9: 10)، فهذا لا يعني الخوفُ من الله، بل تعني أنّ أعلى مستوى الحِكمة هو حين يُصبح الإنسان خائفًا مِن خَراب علاقته مع الله.
إذًا، على المؤمِن أن يسعى إلى المحافظة على العلاقة السَّليمة الّتي تجمعه بالله: علاقة الأُبوَّة الّتي منحه إيّاها الله، وعلاقة البُنوَّة الّتي قِبلَها من الله؛ وفي هذه العلاقة لا وجود لِلَّعنات، إذ إنّ عرشَ الله والخروف يكون فيها. في العهد القديم، قال الله لموسى: “لا تَقدِرُ أنْ تَرى وَجهي، لأنّ الإنسانَ لا يَراني ويَعيش”(خر 33: 20). وهنا نتذكَّر أيضًا قَول بولس الرَّسول: “فإنّنا نَنظُرُ الآن في مِرآةٍ، في لُغزٍ، لكِنْ حِينَئذٍ وَجهًا لِوَجهٍ. الآن أعرِفُ بَعض الـمَعرِفَة، لكِن حِينَئذٍ سأعرِفُ كَما عُرِفتُ.”(1 كور 13: 12)، وهذا يعني أنّه في اليوم الأخير، سنَرى وَجهَ الله كامِلاً: هذه هي النِّعمة الّتي نَنتظرها، وهذا هو رجاؤنا الحقيقيّ.
إنّ اسمَ الله سيَكون على جِباه المؤمِنِين، أي أنّه في اليوم الأخير لن يعود هناك مِن وجود لِاسمِ الوَحش، ولا لِاسمِ التِّنين اللّذَين كلَّمَنا عنهما سابقًا يوحنّا الرَّسول. في اليوم الأخير، لن يعود هناك مِن وجود لِمَلِكٍ إلّا الـمَلِك الحقيقيّ، ولن يعود هناك مِن وجود لأبٍ سوى للأب الحقيقيّ ألا وهو الله، ولن يعود هناك مِن وجود لإله إلّا الإله الحقيقيّ، ولن يعود هناك مِن وجود لمخلِّصٍ إلّا المخلِّص الحقيقيّ، وبالتّالي لن يعود باستطاعة المؤمِن أن يَقرع أبوابَ آلهةٍ أخرى بحثًا عن مخلِّصٍ آخَر له.
وهنا، نَتذكَّر المرأة النَّازفة الدَّم، هذه المرأة الّتي لا تستطيع إنجاب الأطفال بسبب نَزفِها، أي أنّها لا تستطيع أن تُعطي الحياة، وقَدْ انفقَتْ أموالها على الأطبّاء مِن أجل الحصول على الشِّفاء، ولكن لم يتمكَّن أحدٌ مِنهم مِن شِفائها، فلجأت إلى الربّ يسوع طالبةً الشِّفاء، فنالَت مُرادَها حين لَمَسَت هُدبَ ثوبه، أي الطرف السُّفلي مِن ثَوبه. وبالتّالي، في اليوم الأخير لن يعود هناك مِن طبيبٍ قادرٍ على شفاء المؤمِنِين إلّا الربّ يسوع. إذًا، في هذا الإصحاح، يُخبرنا الرَّسول يوحنّا، عن الخلاص الحقيقيّ.
“ولا يكون لَيلٌ هناك، ولا يحتاجون إلى سِراجٍ أو نورِ شَمسٍ، لأنَّ الرّبَّ الإلهَ يُنيرُ عليهم، وَهُم سَيَملكون إلى أبد الآبدين”: في اليوم الأخير، لن يعود هناك مِن وجودٍ للَّيلٍ وبالتّالي لا وجودَ لِنهارٍ مَصدَرُه الشَّمس. وهذا ما أخبرَنا به الرَّسول في الإصحاح السّابق، إذ قال لنا إنّ الشَّمس والأرض ستَزولان. في اليوم الأخير، سيَكون هناك نهارٌ دائمٌ، مَصدرُه نورُ الربّ. وهنا نتساءل: كيف سيَملك المؤمِنون، ما دام الربُّ الـمَلِكُ حاضرًا، وبالتّالي العرشُ ليس فارغًا؟ إنّ المقصود بعبارة “سيَملِكون معه”، هو أنَّه في اليوم الأخير، سيَشتَرك المؤمنون مع الربّ في الـمُلوكيّة الأبديّة. وهذا ما نقصدُه بعبارة “الكهنوت الملوكيّ” الّذي يناله جميع المؤمِنين فَنَحنُ كمؤمِنِين نَشترك مع الربّ يسوع في التَّقدمة الحقيقيّة لله. في اليَوم الأخير، سيَجلس المؤمنون إلى مائدة العُرس، وسيَأكلون مِن ثمَرِها الكثير والدّائم، ولن يُقدِّموا شيئًا مِن بَعد، لأنّ المائدةَ ممدودةٌ إلى الأبد.
“ثُمّ قال لي: «هذه الأقوالُ أمينةٌ وصادقةٌ. والرّبُّ إلهُ الأنبياء القِدّيسِين أرسَلَ مَلاكَهُ لِيُريَ عَبيدَهُ ما يَنبغي أن يكون سَريعًا». «ها أنا آتي سَريعًا. طوبى لِمَن يَحفَظُ أقوالَ نُبُوَّةِ هذا الكِتاب»”. إنّ عِبارَة “أمينةٌ وصادقةٌ” تُذكِّرنا بالإصحاحات الماضية مِن سِفر الرُّؤيا، الّتي فيها ركَّز الكاتب على “الشَّاهد الأمين والصَّادق”. وبالتّالي، أراد كاتب سِفر الرُّؤيا أن يُخبرنا أنّ أقواله صادقةٌ إذ إنّها مختومةٌ بِخَتمٍ من الله والخروف. إنّ عبارة “سريعًا” تعني أنّه ما عاد باستطاعة المؤمِن القيام بأيّ شيءٍ سِوى انتظار مَجيء اليوم الأخير.
وهنا أتذكَّر قِصَّة راهبٍ، هو مُعَلِّم كبيرٌ في رَهبنَتِه، سُئل يومًا مِن قِبَل تلاميذه، عمّا سيَفعله إذ عَلِم أنّ اليوم الأخير سيأتي قريبًا جدًّا؛ فتفاجأ التّلاميذ بِجَوابه حين قال لهم إنّه يستمرُّ بالعمل الّذي يقوم به، إذ ما مِن شيءٍ آخَرَ يستطيع القيام به، لأنّه مستعدٌّ للِقاء الربّ. وهذا ما علينا نحن أيضًا القيام به: أن نكون في استعدادٍ دائمٍ للقاء الربّ.
إنّ عبارة “سَريعًا” قد تكرّرت عدَّةَ مَرّاتٍ في هذا الإصحاح، وفيها تكمن الصُّعوبة، إذ بَعد مرور ألفَي سنة تقربيًا على كتابة سِفر الرُّؤيا، لم يأتِ الربُّ بَعد، ممّا يدفعنا إلى التساؤل حول معنى كلمة “سريعًا”. إخوتي، هناك فَرقٌ بين عبارَتين: “يَتباطأ” و”يتأنّى”: إنّ الله لا يَتباطأ ولكنّه يتأنّى. أن يتأنَّى الله في قدومِه، فَهذا يعني أنّ هناك هَدفًا مِن تَباطُئِه في المجيء. إنّ كلمة “آتي سَريعًا” تَحمِل في طيّاتها الحبّ والشَّوق الكبيرَين. وإليكم مِثالاً توضيحيًا على ما أقول: عندما يتكلَّم الحبيب مع محبوبِه، يقول له: “أنا آتٍ إليكَ سريعًا”، فيَرُدُّ عليه المحبوب قائلاً: ها قد مَرَّت مدَّةٌ طويلةٌ مِن الزَّمن ولم تَصِل بعد.
وبالتّالي، فإنّ المقصود بكلمة “سريعًا” هنا ليس الوقت الزَّمني، إنّما كميّة الطّاقة أو كميّة الشَّوق في داخل الإنسان، اللّذَين يدفعانه إلى الوصول سريعًا إلى المحبوب. إذًا، ما هو مقصودٌ بكلمة “سريعًا” هو هذا العُشق، هذا التّوق للقدومِ سريعًا للقاء المحبوب؛ أمّا موضوع الوقت فهو مرتبطٌ بتأنِّي الله في الـمَجيء، إذ إنّه هو الّذي يُقرِّر متى يَحين الوقت. هنا نتذكَّر أيضًا قَول الرَّسول يوحنّا، في الإصحاح الأوّل مِن هذا السِّفر، “طوبى للّذي يقرأ وللَّذِين يسمعون أقوال النُبُوَّة، ويحفَظون ما هو مكتوبٌ فيها، لأنَّ الوقتَ قريبٌ”(رؤيا 1: 3)، وهذا الكلام يُشير إلى وجود قارئٍ لهذا السِّفر، وعلى وجود سامِعِين.
في هذا الإصحاح، يقول لنا يوحنّا الرَّسول “طوبى لِمَن يحفظ أقوالَ هذا الكتاب”، وبالتّالي ليس المطلوب فقط أن يسمع المؤمِنُ أقوالَ هذا الكِتاب، إنّما أيضًا أن يحفظها. إنّ عبارة “يَحفظ”، لا تَعني تسميع هذه الأقوالَ غَيبًا، إنّما تعني جَعل هذه الكلمة محفوظةً مِن دون تشويش، أي مِن دون فساد، أي مِن دون تغيير في مضمونِها، وبالتّالي إنّ عبارة “حِفظ كلمة الله” تَعني المحافظة عليها كما هي. إنّ كلمة الله قادرةٌ على حِفظِ الإنسان مِن دون عيبٍ إذا حَفِظَها هذا الأخير مِن دون تشويش أي مِن دون عيب. إذًا، هناك حِفظٌ متبادلٌ بين الإنسان وكلمة الله.
“وأنا يوحنّا الَّذي كان يَنظُر ويَسمَعُ هذا. وَحِين سَمِعتُ ونَظَرتُ، خَرَرتُ لأسجُدَ أمام رِجلَي الملاك الَّذي كان يُريني هذا. فَقال لي: «انظُر لا تَفعَل! لأنّي عَبدٌ (خادمٌ) مَعكَ ومع إخوتِكَ الأنبياء، والَّذِين يَحفَظون أقوال هذا الكِتاب. اسجُدْ للهِ!»”. هنا نلاحظ أنّ يوحنّا الرَّسول، نتيجة حماسَتِه، قد أخطأ بسجوده لملاك. هناك نَوعين من السّجود: السّجود التَّكريمي أو الإكراميّ، والسّجود العِباديّ. إنّ الرّكوع العِباديّ هو لله فقط. في هذا النَّص، قام يوحنّا الرَّسول بسجودٍ عباديّ في غير محلِّه، مِن خلال السّجود للملاك؛ لذلك سارَعه الملاك بالطَّلب إليه أن يتوقَّف عن ذلك لأنّه على مِثالِه مجرَّد خادمٍ للّه.
نحن المؤمنون خُدَّامٌ لله مِن خلال حِفظنا لِنُبُوءة هذا الكِتاب، وإيصال هذه البشرى السّارة إلى الآخَرين: هذه هي التَّعزية الّتي يُقدِّمها يوحنَّا الرَّسول للسّامِعين لأقوال هذا الكِتاب.“وقال لي: «لا تَختِمْ على أقوال نُبُوَّةِ هذا الكِتاب، لأنّ الوَقتَ قَريبٌ. مَن يَظلِم فَليَظلِم بَعدُ. ومَن هوَ نَجِسٌ فَليَتَنجَّسْ بَعد. ومَن هُو بارٌّ فَليَتَبرَّرْ بَعد. ومَن هُوَ مُقدَّسٌ فَليَتقَدَّسْ بَعد».
إذًا، إنّ النِّهاية قد أصبحَتْ قريبةً، ولكنّها لم تأتِ بعد، لذلك طلبَ الملاك إلى يوحنّا الرَّسول ألا يَختِم على أقوال هذا الكِتاب. أعطى الملاك يوحنَّا الرَّسول فِعلَين سَلبيَّين هما الظّلم والنَّجاسة، ثمّ قابَلَهما بفِعلَين إيجابيّيَن هما البرارة والقداسة. لنتمكَّن مِن فَهم ما قاله الملاك ليوحنّا الرَّسول، إليكم هذا الـمَثل التوضيحيّ:
إن كان لامرأةٍ ولدَان: الأوّل مجتهدٌ والآخَر كسولٌ؛ فإنّها عند رؤيتها للأوّل، ستُبادِره بالقول: “أحسَنتَ يا بُنَيّ، تابع درسَك!” والمقصود بذلك أنّه سينال مكافأة تعبه في أثناء الامتحان لأنّه سينجح فيه؛ أمّا عند رؤيتها للثّاني، ستُسارِعه بالقول:”تابِع اللَّعب!”، وهنا ليس المقصود تشجيعه على متابعة اللَّعب، إنّما المقصود هو أنّه سينال مكافأة لِعبه في أثناء الامتحان لأنّه سَيَرسب فيه.
إذًا، حين قال الملاك ليوحنّا: “مَن يَظلِم فَليَظلِم بَعدُ. ومَن هوَ نَجِسٌ فَليَتَنجَّسْ بَعد. ومَن هُو بارٌّ فَليَتَبرَّرْ بَعد. ومَن هُوَ مُقدَّسٌ فَليَتقَدَّسْ بَعد»، لم يكن المقصود بهذا الكلام أنّ الله يُشرِّع الظّلم والنَّجاسة، بل كان المقصود بِذَلك إرسال تَنبيهٍ وتحذيرٍ لكلِّ إنسانٍ ظالمٍ ونَجِسٍ، مفاده أنّه سينال في اليوم الأخير نتيجة عملِه الشِّرير.
وهنا، نتذكَّر قَول العهد القديم لنا: “ولكِنِّي أُقَسِّي قَلبَ فِرعَون”(خروج7: 3)، وهذا لا يعني أنّ الله قسَّى قلبه، بل يعني أنّ فِرعون كان صاحبَ قلبٍ قاسٍ، لِدرجةٍ أنّ الله تَرَكه لقساوة قلبه، فيكون ذلك سببًا لِسحقه من دون رحمة، لأنَّه سمَح للشَّيطان أن يُسيطِر على قلبه. قال الملاك ليوحنّا إنّ الوقتَ أصبحَ قريبًا جدًّا ليوم مَجيء الربّ، لذا فَليَبقَ الشِّرير على شرِّه والقدِّيس على برارته، إذ سينال كلٌّ منهما ثمرَ عملِه على هذه الأرض. إنّ الوقت قريبٌ يعني أنّ الوقت الآن لا يَسمَح للإنسان بتَغيير حالته الّتي هو فيها. وهذا أيضًا ما قاله بولس الرَّسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس بما معناه لِيَبقَ العازِب عازبًا، وليبقَ المتزِّوج متزوِّجًا لأنّ الوقتَ قريب.
«وها أنا آتي سَريعًا وأُجرَتي مَعي لأُجازيَ كُلَّ واحدٍ كما يكون عَمَلُه. أنا الألِفُ والياءُ، البِدايَةُ والنِّهايَةُ، الأوَّلُ والآخِرُ». إنّ الأُجرة هنا لا تعني أنّ الملاك سينالُ أُجرةً على ما يقوم به، بل تعني أنّه سيقوم بتوزيع المال الّذي ناله مِن الربّ على المؤمِنين كلٌّ بِحَسب عملِه على هذه الأرض. وكي نتمكَّن من فَهم هذا الكلام، إليكم هذا المثَل التَّوضيحي: إذا قام أحدُ أصحاب القُطعان الكبيرة بتوكيل رُعاةٍ للاهتمام برعاية قطيعه، فإنّنا ولا شكّ عند المساء، سَنَرى صاحب القطيع يُعطي الأَجر لكلّ راعٍ يَعمل لديه، كلُّ بِحَسبَ تعبِه.
إنّ رؤية القطيع لصاحبه يبعث في نفسه الطمأنينة لأنّه سيُدرِك أنّه سَيَكون بمنأى عن الوحوش الضارية، إذ سيَبيتُ في حظيرةِ صاحبه. إنّ عبارة “وها أنا آتي سَريعًا وأُجرَتي مَعي لأُجازيَ كُلَّ واحدٍ كما يكون عَمَلُه”، تعني أنّ الملاك الـمُرسَل مِن عند الله سيُعطي كلَّ إنسانٍ مكافأةً على عملِه في اليوم الأخير: فيَنال الظالمُ جزاءَ ظُلمِه والقدِّيسُ أَجرَ قداسته. إنّ هذه العبارات الثلاثة “أنا الألف والياء، البِداية والنِّهاية، الأوّل والآخِر”، تُشير إلى أمرٍ واحدٍ وهو الألوهيّة، الأزليّة، السَّرمديّة، الأبديّة.
“طوبى لِلَّذِينَ يَصنَعون وَصاياهُ لِكَي يكون سُلطانُهم على شَجَرةِ الحَياةِ، ويَدخُلوا مِن الأبوابِ إلى المَدينة، لأنَّ خارجًا الكِلابَ والسَّحَرةَ والزُّناةَ والقَتَلةَ وعَبَدَةَ الأوثان، وكُلَّ مَن يُحِبُّ ويَصنَع كَذِبًا.” إنّ كلمة “طوبى” تعني “هنيئًا”، وفي اليونانيّة تعني “المغبوط”. إنّ عبارة “يصنعون وصاياه”، تعني أنّه لا يكفي أن يكون المؤمِن حافظًا لوصايا الله إذ يجب عليه أيضًا أن يَعمل بها.
إنّ الله وَحده له سُلطانٌ على شجرة الحياة، فكيف يستطيع الإنسان أن يملِكَ هذا السُّلطان عليها أيضًا؟ بالطَّبع، للمؤمِن سُلطانٌ على شَجرةِ الحياة، لأنّه ابنٌ لله، وبالتّالي هو وَريثٌ لله، لذا يَحقُّ له في اليوم الأخير أن يتصرَّف بما وَرِثَه مِن الله. هنا نتذكَّر قَول الربّ يسوع لتلاميذه: «الحَقَّ أقولُ لَكُم: إنَّكُم أنتُم الَّذِينَ تَبِعتُموني، في التَّجديد، متى جلسَ ابنُ الإنسان على كُرسِيِّ مَجدِهِ، تَجلِسونَ أنتُم أيضًا على اثنَي عَشَرَ كُرسِيًّا تَدينونَ أسباطَ إسرائيلَ الاثنَي عَشَرَ”(مت 19: 28). إنّ هذه المدينة المقدَّسة الّتي يتكلَّم عليها يوحنّا الرَّسول في هذا الإصحاح، لديها عدَّة أبواب لا بابٌ واحد. في الإصحاحات الماضية، قال لنا يوحنّا الرَّسول إنّ لهذه المدينة المقدَّسة اثنَي عشر بابًا.
في إنجيل يوحنّا، نقرأ على لسان يسوع الكلام التَّالي: “أنا هُوَ البابُ. إنْ دَخلَ بي أحدٌ فَيَخلُصُ ويَدخُلُ ويَخرجُ ويَجِدُ مَرعًى.”(يو 10: 9). إذًا، لا يستطيع المؤمِن الدُّخول إلى الملكوت من أبوابٍ أخرى، غَير تلك الّتي تَدلّ على أنَّ يسوع هو الباب، وهذه الأبواب هي بشارةُ الرّسل الاثنَي عشَر. كانت عِبارة “الكِلاب” تُستَعمل في العهد القديم للإشارة إلى الوثنيِّين، أي الأُمَم الوثنيّة.
وهنا نتذكَّر قَول يسوع لتلاميذه: “لا تُعطُوا القُدْسَ لِلكِلاب، ولا تَطرَحوا دُرَرَكُم قُدَّام الخَنازيرِ، لِئلّا تَدوسَها بِأرجُلِها وتَلتَفِتَ فَتُمَزِّقَكُم.”(مت 7: 6). حين جاءت إلى يسوع، قالَتْ المرأة الكِنعانيّة للربّ: «نَعَم، يا سَيِّدُ! والكِلابُ أيضًا تأكُل مِن الفُتاتِ الَّذي يَسقطُ مِن مائدةِ أربابِها!». (متى 15: 27)، فأجابها الربّ قائلاً: «يا امرأةُ، عَظيمٌ إيمانُكِ! لِيَكُن لَكِ كما تُريدين» (متى 15: 28).
في نصِّ لعازر والغنيّ، يُخبرنا الإنجيليّ لوقا أنّ الكلاب كانت تلحس قروح لِعازر المطروح على باب الغنيّ. إنّ اسمَ “لِعازَر” يعني “الله مُؤازِري”، “الله عونٌ لي”، الله هو الوحيد الّذي أتعلَّق به. وفي هذا الـمَثل، يُخبرنا الإنجيليّ لوقا أيضًا أنّه كان لهذا الغنيّ خمسةُ إخوةٍ، والرَّقم خمسة يُشير إلى التَّوراة، ممّا يعني أنّ هذا الرَّجُل الغنيّ كان إنسانًا يهوديًا، وبالتّالي كان يعتبر نفسَه كسائر اليهود ابنًا لله. كان لعازر الفقير متَّكلاً على ربِّه ويريد أن يكون ابنًا للّه، ولكنّه لم يَجِد مَن يهتمّ به، فيُدرك أنّه حقًا ابنًا للّه؛ ولكنَّ النَّص يُخبرنا أنَّ الكِلاب، الّتي ترمز إلى الوثنيِّين، كانت تلحس قروحه، وذلك يعني أنّ الوثنيِّين كانوا يُحاولون جَذبه إليهم مِن جديد لإبعاده عن الله. إنّ السَّحرة هُم عَبدةُ الشَّيطان، أي أنّهم خُدَّامه؛ والزُّناة هُم الّذِين يتعاملون مع عَبَدة الشَّيطان ويتواجدون في محافلهم الوثنيّة.
إنّ “القَتلَة وعَبدةُ الأوثان” ما هُم إلّا عباراتٌ توضيحيّة لِما تَمَّ ذِكره سابقًا. إنّ عبارة “منَ يُحِبّ ويَصنَع كَذِبًا”، قد خضعَتْ لتفسيراتٍ كثيرة: فاعتقد البعض أنّ ما قصَده يوحنَّا الرَّسول بهذه العِبارة هو الإشارة إلى جميع الّذين يُحبُّون الكَذِب ويَصنعونه في حياتهم، في حين أنَّني شخصيًّا أعتقد أنّ ما قصَده يوحنّا الرَّسول بهذه العبارة هو الإشارة إلى كلّ مَن يدَّعي الـحُبّ، ولكنَّه في الحقيقة يَفعل عكس ما يدَّعي. إنّ عبارة “الكَذِب” الّتي استعمَلَها يوحنَّا في هذا الإصحاح تُذكِّرنا بما قالَه لنا الرَّسول نفسه في رسالته الأولى:
“إنْ قالَ أحدٌ: «إنِّي أُحِبُّ الله» وأَبغَضَ أخاهُ، فَهُوَ كاذِبٌ. لأنَّ مَن لا يُحِبُّ أخاهُ الَّذي أبصَرَهُ، كَيفَ يَقدِرُ أنْ يُحِبَّ الله الَّذي لَمْ يُبصِرهُ؟”(1 يو 4: 20). إنّ صِفة الكاذب قد أطلَقَها يسوع في إنجيل يوحنّا على الشَّيطان، قائلاً فيه إنّه “كَذَّابٌ وأبُو الكَذَّابِ”(يوحنا 8: 44). إنّ عبارة “الكَذِب”، لا تعني أمرًا خاطِئًا يقوم به الإنسان، بل تعني الوَهِم: فالأمرُ الخاطئ له مضمونٌ، أمّا الوَهم فَهوَ فارغٌ مِن أيِّ مضمون.
إنّ الشَّيطان لا يقول للمؤمِن أمرًا خاطئًا، بل يقول له أمرًا يُشبه الحقيقة، مِن حيث الشَّكل، ولكنّه فارغٌ مِن أيِّ مضمونٍ، فيَتعلَّق الإنسان بالفَراغ معتقدًا أنّ هذا الفَراغ هو الحقيقة. في بداية سِفر التَّكوين، قالَتْ الحيّة لِآدم وحوَّاء، مُستَخدِمةً المنطق: «أَحَقًّا قالَ الله لا تأكُلا مِن كُلِّ شَجَرِ الجَنَّةِ؟» (تك 3: 1)، ثمّ قامَتْ الحيّةُ بَعدَ سماعِها جواب حوَّاء بإعطائها تفسيرًا يبدو للوَهلة الأولى مُقنِعًا: «لَن تَموتا! بل الله عالِمٌ أنَّه يَومَ تأكلانِ مِنهُ تَنفَتِحُ أعيُنُكما وتَكونانِ كاللهِ عارفَينِ الخَيرَ والشَّرَّ» (تك 3: 4-5).
وبالتّالي، ما قامَت به الحيّة هو إقناعُ آدم وحوَّاء بأنّ الله قد مَنعهما عن أَكلِ ثمرِ هذه الشَّجرة كي لا يُصبِحا آلِهةٍ مِثلَه. إنّ الحيّة تمكَّنَتْ مِن إقناع آدم وحوَّاء بِتَفسيرها الخاطئ لكلام الله، في حين أنّ الله لم يقصد أبدًا ما قالَتْه الحيّة، بل ما قصدَه بكلامه هو تنبيهُ آدم وحوَّاء إلى عدم إقامة علاقة في الوقت نفسه بين الخير والشَّر، لأنّ ذلك سيؤدِّي بهما إلى الموت. فَكَلِمة “معرفة” في الكتاب المقدَّس، تعني إقامة علاقة. ونحن اليوم للأسف، نتبنّى تفسير الحيّة، في شَرحِنا لهذا النَّص مِن سِفر التَّكوين، بَدل أن نتبنَّى ما قَصَده الله مِن خلال قَوله هذا الكلام لآدم وحوَّاء.
عندما خالفَ آدم وحوَّاء كلام الله، كانت النتيجةُ أنّهما سَقطا في الخطيئة. عند سقوطِهما في الخطيئة، أراد الله حمايتَهما مِن العيش طيلة الحياة الأبديّة في الخطيئة، فمَنَعهما مِن تناول ثَمر شجرة الحياة. إذًا، منذ بداية الكِتاب المقدَّس، أظهَر الله رحمته لآدم وحوَّاء، فأظهرَ لنا مِن خلال تصرُّفه هذا، أنّه مِن غير الممكن على الّذي يُحِبّ ألّا يرحَم مَن يُحِبّ، والدَّليل على أنّ الله أَحَبَّ آدم هو أنّه أشرَكَه في الخَلق، وطلَب إليه تسميّة المخلوقات، ومَن يسمِّي شيئًا يكون له سُلطةٌ عليه. قَبْل الخطيئة، كان الله قد أعطى آدمَ سيادةً على الفِردوس، ولكنَّ آدَم خَسِر تلك السِّيادة على الفردوس بخطيئته، لذا قال له الله: “ملعونةٌ الأرض بسببِكَ”(تك 3: 17).
وفي هذا الإصحاح مِن سِفر الرُّؤيا، قال الملاك ليوحنّا الرَّسول إنّه لن تكون لعنةٌ فيما بعد، أي في اليوم الأخير. إذًا، كلُّ ما قام به آدم الأوّل، كان ذو نتيجةٍ مأساويّةٍ على البشريّة، أمّا “آدم الأخير”، لا “آدَم الثّاني”، أي يسوع، فقَدْ كانت نتيجة عملِه ملكوتيّةً على البشريّة، إذ صحَّح ما قام به آدم الأوّل. إنّ آدم الأوّل لم يُطِع الله، بل أطاع إبليس؛ أمّا يسوع، فلم يُطِع إبليس بل أطاع الله، فأدَّت به تلك الطاعة لله إلى الموت على الصَّليب. حين صَعِدَ إلى الجسمانيّة، قال الربّ لأبيه السَّماويّ: «يا أبَتاهُ، إنْ شِئتَ أن تُجيز عنِّي هذه الكأسَ. ولكِن لِتَكُن لا إرادتي بل إرادتُكَ» (لو 22: 42). إنّ هذا الكلام لا يُعبِّر عن خوف الربّ مِن الموت، بل يُعبِّر عن خوف الربّ مِن أن يُصبِح في نَظرِ أبيه خاطئًا، إذ إنّ أَجرَ الخطيئة هو الموت.
إذًا، لم يكن الربُّ يرغب في الوقوف أمام أبيه وَقفةَ المتَّهم، إذ إنّه بلا عيب، والدَّليل هو ما قاله الله الآب في ابنه يسوع يوم المعموديّة ويوم التَّجليّ على الجبل: “هذا هو ابني الحبيب الّذي به سُرِرت”(متى 3: 17). إنّ الربَّ يسوع قد حقَّق مَسرَّة الله، بمعنى أنّه كان إنسانًا بلا عيب، أي بلا خطيئة، ولم يَعترِض على أيّ شيء يريده الله، فكان طائعًا على الدَّوام لأبيه السَّماويّ. كان الربّ يَعلَم بوجود مؤامَرةٍ تُحاكُ ضدَّه، ولكنَّه على الرُّغم من ذلك صرخ إلى أبيه السَّماويّ مِن أعلى صليبه طالبًا الغفران لصالبيه، قائلاً: «يا أبَتاه، اغفِرْ لَهُم، لأنَّهُم لا يَعلَمونَ ماذا يَفعَلونَ»(لوقا 23: 34)، مع عِلمه أنّهم كانوا يَدرون ماذا يَفعلون.
إخوتي، إنّ الربَّ لم يتنازَل عن طاعته لأبيه السّماويّ، حتّى حين قادته تلك الطاعة إلى السَّير في طريق الصّليب، كما أنّه لم يتنازل عن حبِّه للبشريّة الّذي شكَّل وَحدةً بينه وبين الآب، والدَّليل هو أنّه لم يرضَ أن تُلصَق تُهمَة القتَلة بصالبيه حين يقف هؤلاء أمام عرشِ الله للدَّينونة. إخوتي، نحن ندري ماذا فَعَل القتَلة بيَسوع، ولكنَّنا لا نَدري ماذا فَعل يسوع بهم، إذ إنّنا لا نستطيع أن نُدرِك عظمة حُبّ الربّ للبشريّة. إنّ الربَّ طَلبَ إلينا أن نغفر لإخوتنا سَبعِين مرّة سَبعَ مرّات في اليوم الواحد، وهُنا نطرح السّؤال: هل مَن يستطيع تحقيق كلمة الله هذه؟ في هذا الإصحاح، ظَهرَت قُدرة الله على العطاء المجانيّ في الحُبّ، للّذِين يَقبلون به.
«أنا يسوع، أَرسَلتُ ملاكي لأَشهَدَ لَكُم بِهذه الأُمور عن الكنائِس. أنا أصلُ وذُرِّيَّةُ داود. كَوكَبُ الصُّبحِ المُنير». والرّوح والعَروس يقولان: «تَعال!». ومَن يَسمَع فَليَقُل: «تَعال!». ومَن يَعطَشْ فَليأتِ. ومَن يُرِدْ فَليَأخُذْ ماءَ حياةٍ مجَّانًا. إنّ عبارة “الكنائس” تعني الكنيسة، أي جماعة المؤمِنِين بالربّ، غير أنّ يوحنّا الرَّسول أراد مِن خِلال هذه العبارة التّذكير بالكنائس السَّبع الّتي طَلب إليه الربّ إرسال رسائل إليها في بداية هذا السِّفر. إنّ الرَّقم “سبعة” يرمز إلى الكمال، وبالتّالي قَصد الرَّسول يوحنّا مِن خلال هذه الكنائس السَّبع، الإشارة إلى الكنيسة بأسرِها. إنّ الأصل هو الـمَصدر، أي الكائن قَبْل كُلِّ ذُريّة؛ والذُريّة تَعني النَّسل.
وهُنا يُطرَح السُّؤال: كيف يستطيع الربُّ يسوع أن يكون هو أَصلُ داود وفي الوقت نفسه مِن نسل داود؟ إنّ هذه العبارة “أنا أصلُ وذُرِّيَّةُ داود”، تشير إلى أُلوهيّة يسوع وإنسانيّته في آنٍ معًا: فَهو كإلهٍ كائنٌ قَبْل داود، وكإنسانٍ هو مِن نسل داود. حين كان اليهود يُجادلونه، قال الربّ لهم: “كَيفَ يَقولونَ إنَّ المسيح ابنُ داود؟ وداود نَفسُه يَقول في كِتاب الـمَزامير: قال الرّبُّ لِرَبِّي: اجلِسْ عن يَمِينِي” (لوقا 20: 41-42). إنّ كلام يسوع هذا في إنجيل لوقا يفسِّر لنا قَول الربِّ في هذا الإصحاح حين قال عن نفسِه:” أنا الألف والياء، البِداية والنِّهاية، الأوّل والآخِر”، وهذا يعني بكلامٍ آخَر، أنّ الربّ يسوع هو الـمُمسِك بتاريخ البشريّة بأسرِها.
في اليوم الأخير، لن تكون الشَّمسُ الكوكبَ المنير، كما أنّ القمر والنُّجوم ستَفقُدُ كلَّ ضوئها، لأنّ الربَّ يسوع سيُصبح في الملكوت هو “الكوكب المنيرُ” وحده على الجماعة المؤمِنة به، لأنّه هو النُّور غير المخلوق. إنّ عبارة “الرُّوح” تَعني الرّوح القدُس، وعبارة “العروس” تعني الكنيسة الّتي اختارها يسوع، فَهي ستكون بانتظار مجيئه الثاني وستصرخ إليه قائلةً له: “تعال!”. عندما نتلو صلاة الأبانا، غالبًا ما نُصلِّيها طالبِين إلى الله البقاء في سمائه تاركًا أمرَ إدارة شؤون الأرض لنا. عندما نُصلِّي صلاة الأبانا بهذه الطريقة، فإنّنا نُشابِه الشَّيطان الّذي طلب إلى الربّ في الصَّحراء، أن يسجد له كي يُعطيه جميع ممالِك الأرض، فرَفض الربُّ ذلك.
إنّ خوفي كبيرٌ مِن أن تُصبِح الكنيسة مُشابهةً لأورشليم القديمة الّتي تحوَّلت إلى عدوَّةٍ لله، في حين أنّ المطلوب منها هو أن تكون أورشليم الجديدة. وهنا نتذكَّر قَول الربّ لإرميا، حين طَلب إليه الانطلاق للبشارة: «لا تَقُل إنِّي وَلَدٌ، لأنَّك إلى كُلِّ مَن أُرسِلُكَ إلَيه تَذهبُ وتَتكلَّمُ بِكُلِّ ما آمُركَ بِه. لا تَخَفْ مِن وُجوهِهم، لأنِّي أنا معكَ لأُنقِذَكَ، يَقول الرّبُّ» (إرميا 1: 7-8)، وأضاف الربُّ قائلاً له: “اُنظُر! قد وَكَّلتُكَ هذا اليَوم على الشُّعوب وعلى الـمَمالِك، لِتَقلعَ وتَهدِم وتُهلِكَ وتَنقُضَ وتَبني وتَغرِسَ» (إرميا 1: 10). ثمّ يُضيف الربُّ قائلاً له: “هأنذا قد جَعلتُكَ اليَوم مَدينَةً حَصينَةً وعَمودَ حَديدٍ وأسوارَ نُحاسٍ على كُلِّ الأرضِ، لِمُلوكِ يَهُوذا ولِرُؤسائها ولِكَهنَتِها ولِشَعب الأرضِ. فَيُحارِبونكَ ولا يَقدِرون علَيكَ، لأنِّي أنا مَعكَ، يَقول الرّبُّ، لأُنقِذَكَ» (إرميا 1: 18-19).
إنّ إرميا قد حَمَل كلمة الله في مدينة أورشليم، لذلك أصبح “مَدينة الله”؛ ومَن حولَه، أي شعبَ أورشليم قد تحوَّلوا إلى أعداءٍ لله إذ يُحاصِرون “مدينة الله” أي إرميا، نَبيّ الله. إخوتي، أخافُ أن تُصبح كنيسةَ الله أشبَه بشَعب أورشليم، تُحاصِر الّذين يَنقلون إليها كلمةَ الله، وهُم قلائلُ في أيّامِنا. وهنا نتذكَّر قَول الربِّ لتلاميذه: “إنّ الحِصاد كثيرٌ، ولكنَّ الفَعَلة قليلون”(لوقا 10:2). حين نقرأ هذا الإصحاح مِن سِفر الرُّؤيا، نَشعُر بالفرح حين نُدرِك ما الّذي سننالُه في اليَوم الأخير، ولكن انتبهوا إخوتي، إذ إنّ هذه المكافآت لن ينالها إلّا المؤمنون الحقيقيّون بالربّ، لا الّذين وُلِدوا مسيحيّين.
نحن اليَوم، نَعيش حياتَنا المسيحيّة على رجاء أن تَتحقَّق الكنيسة الّتي يُريدها الربّ يسوع مِن خِلال أعمالنا مع الآخَرين. وبالتّالي، حين نُشارك في ذبيحة الإفخارستَّية، نعيش حالةَ الملكوت الحقيقيّ مِن خلال تناولِنا جسدَ الربِّ ودَمِه، كما نعيش حالةَ الانتظار والرَّجاء بأن يتحقَّق ملكوت الله كامِلاً، حين نكون مُخلِصين لكلمة الربّ الّتي نسمعها في القدَّاس الإلهيّ. إنّ الّذي يسمع كلمة الله ويحفظها، هو مِن عِداد الكنيسة الّتي تصرخ إلى الربّ قائلةً له: “تعال!”. إنّ الربّ هو الّذي يُعطينا الماءَ الحيّ.
“لأنّي أشهَدُ لِكُلِّ مَن يَسمَعُ أقوال نُبُوَّةِ هذا الكِتاب: إنْ كان أحدٌ يَزيد على هذا، يَزيدُ الله علَيه الضَّرباتِ المَكتوبة في هذا الكِتاب. وإنْ كان أحدٌ يَحذِفُ مِن أقوال كِتاب هذه النُّبُوَّة، يَحذِفُ الله نَصيبَه مِن سِفر الحياةِ، ومِن المَدينة المُقدَّسة، ومِنَ المَكتوب في هذا الكِتاب. يَقول الشّاهِدُ بِهذا: «نَعَم! أنا آتي سَريعًا». آمين. تَعال أيُّها الرّبُّ يسوع. نِعمَةُ رَبِّنا يسوع المسيحِ مع جميعكُم. آمين.”
إنّ شهادة يوحنّا الرَّسول هذه هي شهادة صادقةٌ، لذا على الّذي يسمع هذه الشَّهادة ألّا يزيد عليها شيئًا أو يُنقِص منها شيئًا، بل أن يَحفَظها. إنّ المقصود هنا بعبارة “الكِتاب” هو كتابُ سِفر الحياة. إنّ المقصود بعبارة “الشّاهد” هو الشَاهد الأمين والصَّادق أي الربّ يسوع، إذ إنّه هو الّذي يُخبر كنيسته الـمُخلِصة له، أنّه آتٍ سريعًا، فتكتمل فَرحتها بِلِقائه في الملكوت.
في الختام، أنصحكم إخوتي بالبَدء بقراءة سِفر الرّؤيا ابتداءً من الإصحاحَين 21 و22، قَبْل البدء بقراءته من الإصحاح الأوَّل، فتُدرِكوا من بداية من هذا السِّفر، مكافأة الّذي يَتبَع الربّ بإخلاص في اليوم الأخير، فتَصبرون على شدائدكم، وتجاهدون في هذه الحياة، وتُحسِنون التصرَّف في أوقات الـمِحن، وتُحسِنون كيفيّة الإصغاء لكلمة الله، فَتحفظون نفوسكم مِن كلّ إغراءات الشّرير وإرهابه، آمين.
ملاحظة: دُوِّن الشرح بأمانةٍ مِن قَبِلِنا.