تفسير الكتاب المقدّس،
الأب ابراهيم سعد،
“رسالة بولس الرّسول إلى أهل رومية – الإصحاح الثالث”
النّص الإنجيليّ:
“اذًا ما هو فضل اليهوديّ أو ما هو نفع الختان، كثير على كلّ وجه أمّا أوّلًا فلأنّهم إستؤمنوا على أقوال الله فماذا إن كان قوم لم يكونوا أمناء، أفلعلّ عدم أمانتهم يبطل أمانة الله، حاشا بل ليكن الله صادقًا و كلّ إنسان كاذبًا كما هو مكتوب لكي تتبرّر في كلامك وتغلب متى حوكمت، ولكن إن كان إثمنا يبيّن برّ الله فماذا نقول ألعلّ الله الذي يجلب الغضب ظالم أتكلّم بحسب الإنسان، حاشا فكيف يدين الله العالم إذ ذاك فإنه إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده فلماذا أُدان أنا بعد كخاطئ ،أما كما يفترى علينا و كما يزعم قوم أننا نقول لنفعل السيئات لكي تأتي الخيرات الّذين دينونتهم عادلة، فماذا إذًا أنحن أفضل كلا البتّة لأنّنا قد شكونا أنّ اليهود و اليونانييّن أجمعين تحت الخطيّة، كما هو مكتوب إنّه ليس بار ولا واحد، ليس من يفهم ليس من يطلب الله، الجميع زاغوا وفسدوا معًا ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد، حنجرتهم قبر مفتوح بألسنتهم قد مكروا سمّ الأصلال تحت شفاههم وفمهم مملوء لعنة ومرارة، أرجلهم سريعة الى سفك الدّم في طرقهم اغتصاب وسحق وطريق السلام لم يعرفوه، ليس خوف الله قدّام عيونهم، و نحن نعلم ان كل ما يقوله النّاموس فهو يكلّم به الّذين في النّاموس لكي يستدّ كل فم ويصير كل العالم تحت قصاص من الله، لأنّه بأعمال النّاموس كلّ ذي جسدٍ لا يتبرّر أمامه لأنّ بالنّاموس معرفة الخطيّة، وأمّا الآن فقد ظهر برّ الله بدون النّاموس مشهودّا له من النّاموس والأنبياء برّ الله بالإيمان بيسوع المسيح الى كلّ وعلى كلّ الّذين يؤمنون لأنّه لا فرق، إذ الجميع أخطاؤا وأعوزهم مجد الله متبرّرين مجانًا بنعمته بالفداء الّذي بيسوع المسيح الذي قدّمه الله كفّارة بالإيمان بدمه لإظهار برّه من أجل الصّفح عن الخطايا السّالفة بإمهال الله لإظهار برّه في الزّمان الحاضر ليكون بارًّا ويبرّر من هو من الايمان بيسوع، فأين الافتخار قد انتفى بأيّ ناموس؟ أب ناموس الأعمال؟ كلا بل بناموس الايمان، إذا نحسب أنّ الإنسان يتبرّر بالإيمان بدون أعمال النّاموس، أم الله لليهود فقط؟ أليس للأمم أيضًا؟ بلى للأمم أيضًا، لأنّ الله واحد هو الذي سيبرّر الختان بالإيمان. والغرلة بالإيمان،. أفنبطل النّاموس بالإيمان؟ حاشا بل نثبت الناموس”.
شرح النّص الإنجيليّ:
يطرح بولس هذه الجدليّة ليعلّمنا الفكر اليهوديّ المسيحيّ الّذي يشير إلى أنّ الوثنيّين غير المدركين لله، ولكي يؤمنوا بيسوع المسيح، عليهم المرور باليهوديّة أوّلًا، ليقبلوا ناموس موسى، ومن ثمّ يعتنقون الدّين المسيحيّ. طرحت الكنيسة الأولى وبولس فكرة الخلاص الّتي تتمّ بالإيمان بيسوع.فكان صراع الأمم في دخولهم اليهوديّة ومن ثمّ المسيحيّة أو دخولهم الدّين المسيحيّ مباشرةً.
جاء يهوديّ إلى بولس وألغى قيمة النّاموس، لكنّ بولس رفض هذا الموضوع وأوضح له أنّ النّاموس مهمٌّ في البدء له، لأنّه قَبِلَهُ والتجأ إليه، فبالتّالي لا يمكنك أن تنكر النّاموس. إذا كنت ابن النّاموس، فأنت ملزم به، أمّا إذا لم تدرك معناه فأنت لست مُلزمًا به. أكّدت الحقيقة أنّ النّاموس لم يخلّصك، لأنّ لا أحد طبّق أقوال هذا النّاموس. فكلّ إنسان تمرّد على هذا النّاموس، لكنّ الله بحبّه المجّاني قرّر تغيير النّمط وأرسل ابنه فصار كلّ من يؤمن به، ينل الحياة الأبديّة.
يقصد الله أمورًا مختلفة في مواقف عدّة، وهذا هو الجدل الّذي وضّح كتابة الإنجيل. فلِمَن الخلاص؟ للكلّ؟ يسوع يعطي هذه الحياة مجّانًا للجميع، إذًا الشّرط الوحيد هو قبول النّاس ليسوع المسيح كلمة الله، وما من شرط آخر؟ فلا تكترث ما إذا كنت تقوم بتطبيق النّاموس أم لا، لأنّ الإيمان بيسوع المسيح أضحى الأهمّ.
نلاحظ وجود جدل بين كلّ شخصين مسيحيّين حول ما إذا كان الله هو الباب أم أنّ أفعالنا هي الأهمّ؟ فهناك مجموعة ذات ذهنيّة تخضع لمفهوم الأولويّة والغيرة والحسد والتّحزّب والخصومة، ما زالت يهوديّة، والمعموديّة لم تدخل عقولها بل ما زالت جسديّة. وإذا المعموديّة قد غسلت جسدك، دون عقلك، فأنت لم تتحسّن نحو الأفضل، المعموديّة تدخل العقل والتّفكير على منطق البشريّة الّتي يتحوّل إلى منطق يسوع.
ما هي المعموديّة؟ هي بالحقيقة عينَا المسيح الّلتان ترى من خلالها العالم. ولأنّ المسيح ضرب الفكر الخاطئ والمنزويّ، بذلك أنت لا تستطيع أن تقيم حزبًا خاصًّا بك أو طائفة لك، نحن يهوديّون شئنا أم أبَيْنا، ولأنّنا ما زلنا من اليهود، فمن الضّروريّ أن تبقى أمامنا كلمة الله. لذلك نحن نقرأ الإنجيل دومًا حتّى في القدّاس، فعند دخولك إلى القدّاس، تواجه كلمة الله يسوع المسيح وتقبلها، عندها يصبح من بجانبك أخًا لك، أي عائلة واحدة، فالمناولة هي للجميع وبالطّريقة ذاتها. لكن ماذا يحدث عندما تخرج من الكنيسة؟ عندها تصبح يهوديًّا، تصنّف وتميّز، فاليهوديّة تسكننا. فميول الإنسان دائمًا تصبّ نحو النّخبويّة، أي النّخبة. الشّخص الّذي يفهم أكثر من غيره لا يعني أنّ فضله أصبح أفضل من غيره، فلا أحد لديه امتياز خاصّ عند الله.
فكّروا في الصّلاة أن تطلبوا من الله أن يعطيكم الحكمة والقوّة لئلاّ تميّزوا أنفسكم من غيركم. فما من أحد يتذكّر هذا الطّلب لأنّ الغيرة والحسد يسيطران دائمًا وبذلك تنشأ الأذيّة أي قطع الوصال ورفض الأخوّة، فتقطع البنوّة أيضًا.
لا تبالوا بتفصيل خطاياكم بل اكترثوا لنمط تفكيركم ومنطقكم، فالخطايا لا تتغيّر بل تبقى كما هي، ففعل التّوبة هو فعل الرّجوع إلى الله، وذلك بأمرٍ من العقل أي تغيير المنطق بتغيير الذّهن. لا تستطيع أن تتوب إلاّ عند العودة إلى الله، وبعدم النّظر إلى ما هو حولك ومقارنة النّاس بك.
ركّز بولس اليوم على عدم وجود فرق بين اليهوديّ والختان، فكلّهم مخطئون في النّاموس. وقوّة الشّريعة والقانون هو أن يكون “فضّاحًا” لخطيئتكم. النّاموس يدلّ على الخاطىء، فيقول بولس واقعيًّا أنّ “الكلّ أخطؤوا وأعوزهم مجد الله”. إذًا في هذه الحالة إمّا يكون القانون سيّئًا أو نكون نحن خطأة. ولكن إذا كان هذا القانون من الله فلا يمكنه أن يكون خاطئًا، إذًا نحن هم الخطأة. فيسأل بولس: “على من يكون فضل الجميع؟” وجوابه أنّ البشر متساوون وكان لا بدّ من الله أن يتصرّف تصرّفًا حازمًا وجذريًّا، لهذا أرسل ابنه الوحيد ليتغيّر أساس المشروع، ولكي تنالوا الخلاص بالإيمان بيسوع المسيح.
النّاموس إذًا هو فتوىً كما عند الأديان الموجودة في أيّامنا هذه، أمّا ناموس يسوع فلا يجبرك على فعل أمر محدّد بل على قبول الواقع أو رفضه. الله يعطيك الهدايا أي العطايا، وما عليك سوى أن تقبلها. ومن يقبل هذه العطيّة ويتصرّف على أنّه لم يقبلها، يكن مصابًا بانفصام روحيّ. فهناك من يتباهى بإنجيله ويحسب لنفسه أهميّة ويبدأ بالشّعور بالأفضليّة، ولكنّه بالفعل متساوٍ مع الآخرين. هذا هو إذًا الفكر اليهوديّ.
لم يرد المسيح أن يتمتّع بشهرة وفخامة، بل أن يكسب أبناءً له، فالابن سرّ أبيه، حتّى ولو توفّي الأب، فبمجرّد رؤيتك لابنه تتذكّره، كما قال المثل: “من خلّف لم يمت”. أنت ترى في الابن صورة الأب، فعليك أن تكون ابن المسيح، سائرًا في طريقه بسلوكك، وليس بهويّتك. فلماذا نميّز أنفسنا من سائر الأمم؟
تكمن المشكلة في كيفيّة قراءة “كلمة الله”، لأنّنا نفهمها أحيانًا بحسب حاجاتنا، لاستغلال رحمة الله، وللوقوع في الخطيئة المستمرّة الّتي تحوّل الكلمات إلى قبرٍ مفتوح بسبب لساننا الحادّ القاتل. فقتل النّاس بالكلمة، أصعب من قتلهم بالرّصاص. قتلهم بالرّصاص يتمّ مرّة واحدة أمّا قتلهم بالكلمة فيتمّ يوميًّا. والدّهاء الأكبر الّذي لم يصل إليه الشّيطان هو دهاء الإنسان، لأنّ الشّيطان يخاف من صليب المسيح ويستسلم، أمّا الإنسان فعلى العكس، يزيد تقوى وإيمانًا. يضع الإنسان بذكائه كلّ أخطائه على الشّيطان ليبرئ نفسه. فصفة الشّيطان هي الكذب، كما قال عنه يوحنّا ” كذّاب، أبو الكذّاب”. فالكذب هو الوهم. وهو حقيقة فارغة من معناها تصل إلى الوهم. إذًا أنتم تؤمنون وتصدّقون أنّ الشّيطان موجود، ويسوع المسيح قال عنه إنّه وهم، فبذلك أنتم تجعلون من الوهم حقيقةً وتضعون كلّ المسؤوليّة عليه.
نحن نعلم أنّ ما يقوله النّاموس يكلّم به الّذين في النّاموس، إذًا أُعطيَ النّاموس لمتابعيه ليدلّهم على خطيئتهم بحقّ هذا النّاموس. فبأعمال النّاموس لا يتضرّر أحد، لأنّ فيه معرفة الخطيئة، أمّا الآن فقد ظهر برّ الله بدون ناموس، لكنّ الأنبياء والنّاموس كانوا شاهدين له، أي كلمة الله هي شاهدة لنفسها وليست بحاجةٍ إلى شاهدٍ لتكون صادقة. أتى برّ الله بيسوع المسيح إلى الجميع، وعندما تفهمون هذا يتغيّر سلوككم. ويصبح الإنجيل مفهومًا عندما تفهمون أنّ المسيح أتى من أجل كلّ النّاس. قالوا لله: “من يستطيع أن يخلص؟” فردّ عليهم بوضوح أن ما هو غير مستطاع عند الإنسان، يكون مستطاعًا عند الله. إذًا كيف نتعامل مع من لم يؤمن بعد؟ هذا هو مشروع الإيمان والكنيسة، بالتّبشبر والتّعليم والكرازة، فالكنيسة هي عبارة عن علبة ذات إتّجاهين، مَن دخَلَها دخلَ الكنيسة، ومن خرج منها تخلّى عنها. إذًا لماذا التّمييز؟ من يتصرّف كعبدٍ، يدمّر العلاقة الصّحيحة لأنّه يغشّ عينيّ الله، إذًا أنت تخطئ، وتبقى ابن الله، وتكون مسؤولاً عن خطيئتك أمام أبيك، والدّليل موجود في إنجيل الابن الضّال عندما عاد إلى والده وطلب منه أن يجعله كأحد من أجرائه، فأمر الأب بتزيين الابن بأغلى الملابس وجعله وريثًا له، أي أعطاه المسؤوليّة من جديد.
تهرب من الله عند تواطئك المزيّف أمامه لاستدرار عطفه، ويكون هذا تهرّبًا من المسؤوليّة. فالعبد ليس سيّد نفسه، إذًا هو غير مسؤول، فالحرّ يكون مسؤولاً، ومن يقف أمام الله كعبدٍ فهو يقرّ بأنّه غير أهلٍ للمسؤوليّة. لذلك تجد عبدًا ثانيًا، وهو الشّيطان لتلومه على كلّ شيء وتكون أنت البريء. أنت ابن الله، حتّى ولو كنت خاطئًا، فالله يحبّك في خطاياك، لكن لا تجعل خطيئتك يومًا مبرّرة. ينظر الأب إليك كابن خادم لبنوّتك، ويتصرّف معك ببساطة، وكأنّ شيئًا لم يكن. أنتم تشعرون بالخجل إذًا بسبب حبّ الله الكبير لكم، وهو يعاقب المؤمنين بمحبّته وليس بغضبه، لكنّكم تحسبون محبّته الكبيرة غضبًا بسبب شعوركم بالخجل بهذا الضّياع الّذي عشتم فيه. قال بطرس: “إن أنت هو أجبرني أن آتي إليك”، فأجاب الرّبّ وقال له: “تعال”، فتبعه بطرس. وغرق عندما نظر إلى المياه، أي إلى الأسفل، لأنّه بدأ يلتفت إلى ما يحيط به، هذا هو الضّياع. مَن لا يخجل من حبّ الله، يكن رافضًا لحبّه له، ولأنّه يحبّك لا يجبرك على قبول بنوّته، فتنال إذًا ما أنت خطّطت له. إمتلئوا إذًا من رحمة الله ومجده وكونوا مدركين لأهميّتهما قبل أن يصبح الأمر مستحيلاً.
فكرة الأعمال في الكنيسة هي ثمرة الإيمان، وليست ثمرة المساعدة فقط، ولسرّ الإعتراف منطق حقوقيّ، فهو غسل للدّماغ ومعموديّة جديدة بكلمة الله، لذلك سرّ المعموديّة، سرّ التّوبة وسرّ الإعتراف متشابهان. فالمعموديّة هي نكران الشّيطان والاعتراف بالمسيح، ثمّ غسل الأعضاء بالماء، أمّا سرّ التّوبة فهو نكران الإله المعبود من قَبْل، أي عبادة الأوثان، وإقرار بخطاياك ثمّ إعلان عن إيمانك بالمسيح، فسرّ التّوبة هو معموديّة أخرى بدون معموديّة المياه. أمّا ما قبل المعموديّة فيكون الشّخص في مرحلة الموعوظين، لذلك يتمّ الإرشاد والتّوجيه والمرافقة في سرّ الإعتراف أي إعادة التّحضير لمعموديّتك. يتبرّر الإنسان إذًا بالإيمان بدون أعمال النّاموس، ولكن أفعال الرّحمة والخدمة تختلف عن أعمال النّاموس. أمّا الله فليس فقط لليهود بل هو للأمم أيضًا لأنّ الله واحد هو الّذي سيبرّر الختان بالإيمان، وغير المختونين بالإيمان. يطرح لنا هذا النّاموس لاحقًا كيف خلّص الله اليهود والأمم بمحبّته اللامتناهية.
ملاحظة: دوّن الشرح بأمانةٍ من قبلنا.