تفسير الكتاب المقدّس،
الأب ابراهيم سعد،
“رسالة بولس الرّسول إلى أهل رومية – الإصحاح الخامس، آية: 12-21”
النصّ الإنجيليّ:
“من أجل ذلك كأنّما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت الى جميع النّاس إذ أخطأ الجميع، فإنّه حتّى النّاموس كانت الخطيّة في العالم على أنّ الخطيّة لا تحسب إن لم يكن ناموس، لكن قد ملك الموت من آدم الى موسى وذلك على الّذين لم يخطئوا على شبه تعدّي آدم الّذي هو مثال الآتي، ولكن ليس كالخطيّة هكذا أيضًا الهبة لأنّه إن كان بخطية الواحد مات الكثيرون فبالأولى كثيرًا نعمة الله والعطية بالنّعمة الّتي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين، وليس كما بواحد قد أخطا هكذا العطيّة لأنّ الحكم من واحد للدينونة وأمّا الهبة فمن جرى خطايا كثيرة للتبرير، لأنّه إن كان بخطيّة الواحد قد ملك الموت بالواحد فبالأولى كثيرًا الّذين ينالون فيض النّعمة وعطيّة البرّ سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح، فإذا كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع النّاس للدّينونة هكذا ببرّ واحد صارت الهبة الى جميع الناس لتبرير الحياة، لأنّه كما بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطأة هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبرارًا، وأمّا النّاموس فدخل لكي تكثر الخطية و لكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًّا، حتّى كما ملكت الخطية في الموت هكذا تملك النّعمة بالبرّ للحياة الأبديّة بيسوع المسيح ربنا”.
شرح النّص الإنجيليّ:
نكمل اليوم شرح القسم الثّاني من الإصحاح الخامس لرسالة القدّيس بولس إلى أهل رومية من الفصل الثّاني عشر. إنّه ولا شكٍّ مقطع صعب، ولكنّ الأساس فيه هو المقارنة بين طرف (أي آدم) وهو الإنسان الأوّل، وطرفٍ آخر (أي يسوع) وهو الإنسان، لأنّه عندما خلق الله آدم، خلقه على صورته ومثاله، أي على صورة الإنسان الّذي سوف يظهر في أحد الأيّام، وهو الربّ يسوع المسيح.
إذًا خلق الله آدم على صورة المسيح، كما يقول القدّيس مكسيموس المعترف: “غاية الخلق هي التّجسّد”، أي هدف خلق الله للإنسان هي إيصاله إلى التّجسّد، وهو ليس حالةً طارئة بسبب خطيئة الإنسان. لو لم يخطئ آدم لما كان المسيح تجسّد، لأنّ كمال الخلق هو أن يصبح الإنسان كاملًا، ونحن لا نملك صورة لإنسان كاملٍ سوى يسوع المسيح، لذلك غاية الخلق هي التّجسّد.
شَوَّهَ آدم صورة خلق الله، عندها دخل طارئ على الحياة وهو الموت، فخطيئته أدّت به إلى الموت، وهو نتيجة عمل الإنسان، وهو رحمة للكثير من الآباء القدّيسين. موت آدم هو إيقاف استمراريّة حياته في الخطيئة.
ما هي خطيئة آدم؟ تربط علاقة محبّةٍ ووحدةٍ بين الله وآدم، وعندما تدخّل العنصر الثالث أي إبليس في هذه العلاقة، غيّر مسار تفكير آدم، فتبنّى هذا الأخير نظريّة إبليس، وأصبح خاطئًا بحقّ الحبّ.
كان من المفترض أن يتوجّه آدم إلى الله ويسأله حول هذه النّظريّة، لأنّ الثّقة الموجودة لا تسمح بالشّكّ في حبّ الله له كما دخل إبليس بين الله وآدم كذلك وفي حياتنا اليوم، كلّ عنصر ثالث هو إبليس أو ما يسمّى “بالشّرك” أي تعدّد الآلهة.
تعني المعرفة في الكتاب المقدّس “العلاقة”، إذاً ما من معرفة ذهنيّة فقط. الله حذّرهم من اللّجوء إلى الخير والشّرّ، وحرف الواو بالعبريّة يعني “مع”، فلا يمكنكم إقامة علاقةٍ مع الخير والشّرّ في الوقت نفسه، لأنّ هذا يؤدّي بكم إلى الهلاك. لقد نبّهنا الله من العلاقة بين الخير والشّرّ.
أمّا آدم فقد قام بعلاقةٍ مع الخير الّذي هو الله، ومع الشّرّ أي مع إبليس. فأصل المشكلة والخطيئة الأساسيّة هي عدم يقين آدم بمحبّة الله له لذلك تدهور كلّ من أتى بعد آدم، والدّليل أنّه:” هكذا أحبّ الله العالم، حتّى أنّه أرسل ابنه الوحيد”، ومات من أجل هذا العالم.
عندما تظنّ أنّ من يحبّك لا يقدّر حبّكَ له، فسوف تخونه وتغدر به، هكذا هي الحال في العلاقة البشريّة، فكيف بالأحرى العلاقة مع الله؟ فمن يحسّ بالنّقص في الحبّ، يمتلكه الخوف.
كلّ خوف فيك هو عدوانيّة لأنّ المحبّة تطرد الخوف خارجًا، والخوف يطرد الحبّ خارجًا، ويتحوّل إلى كراهية. تحرّروا من الله الخالق والدّيّان، فإلهنا هو إله الحبّ، هو أب وعريسٌ للعروس الّتي هي كنيسته.
دخلت الخطيئة إلى العالم بإنسانٍ واحدٍ، أخطأ ولم يصب الهدف، ومن خلال الخطيئة حصلنا على الموت، ومن خلاله دخلنا في الخطيئة، لأنّ كلّ خاطئ هو خائفٌ من الموت، على حدِّ قول بولس الرّسول في رسالته إلى العبرانيّين في الإصحاح الثّاني، ومخافةً من الموت ندخل في العبوديّة.
لا أحد يتحمّل خطيئة الآخرين، لكنّنا نتحمّل نتيجة خطيئتهم، فلا نُعاقب عليها. الموت هو الحقيقة المجهولة، وكلّ ما تجهله تخافه. فيسوع هو الوحيد الّذي لم يُقِم علاقةً مع الشّرّ بتاتًا، بل هو على علاقة مع الخير، وعندما حاول الشّيطان أن يجرّبه ثلاث مرّاتٍ: في الخبز الّذي ينتج الجوع أي الموت، والسّلطة التّي متى انعدمت تلغيك من الوجود فتصبح إنسانًا ميتًا، وثالثًا الرّمي بنفسه وذلِكَ رمز للموت
أيضًا، فالتّجارب الثّلاث كانت تعني “الموت”. عندما طلب الشّيطان من يسوع السّجود له، عنى بذلك الخضوع لإله آخر، رفض عندها يسوع أيّة علاقة أخرى خارج الله. وأجوبة المسيح كلّها كانت من سفر الاشتراع أي من العهد القديم.
أظهر يسوع أنّه لا يخاف الموت، لذلك لم يخطئ كإنسان، ولم ينحرف إلى فخّ إبليس حتّى في مجابهته الموت بل كان يدافع عن إخلاصه للآب السّماويّ. لقد شاركنا يسوع باللّحم والدّم والعظام، أي بإنسانيّتنا، مستثنيًا الخطيئة لذلك فارتباطنا بهذا الإنسان الوحيد هو الّذي يؤدّي بنا إلى الحياة والنّعمة والعطيّة، ويحرّرنا من كلّ فِخاخ الموت والخوف منه، لأنّه بيسوع المسيح، وخصوصًا على الصّليب انكشف لنا حبّ الله بشكلٍ مطلقٍ ونهائيّ كما ظهر حبّ الله ليسوع المصلوب. فكلّما كبر حبّكم ازداد عطاؤكم، وعندما يصل حبّكم إلى الكمال تبلغون عندها العطاء الكامل، أي بذل الّذات لمن تحبّونه.
لم يتذمّر الربّ يسوع على الصّليب ولم يتفوّه إلّا بكلمة واحدة: “اغفر لهم يا أبتاه لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون”، فأصبحتم عندها من سلالته، بالإيمان به، لذلك يوضّح لنا بولس الرّسول في رسالته إلى أهل رومية السّلالتين وهما: سلالة آدم القديم وسلالة آدم الوحيد والجديد.
“إنّ الله بعدما كلّم الآباء قديمًا في الأنبياء وبطرقٍ شتّى، كلّمنا في آخر الأزمنة بابنه الّذي جعله وارثًا لكلّ شيء”. الله تبنّانا بيسوع المسيح وأصبحنا بذلك ورثة له. إذًا أدّى عمل يسوع إلى تغيير شكل الله من امتلاكه لولدٍ وحيد إلى امتلاكه البشريّة كلّها. فإرث الله هو الملكوت.
ملاحظة: دوّنَت المحاضرة من قبلنا بتصرّف.