محاضرة للأب ابراهيم سعد،
من المرشدين الروحيّين لجماعتنا الرسوليّة،
الكهنوت،
في الآونة الأخيرة، تناقلت وسائل الإعلام أخبارًا سيئة عن الكهنة، وقد أدّى ذلك إلى إثارة نقمة الشعب على الكنيسة، وبخاصّة في نظرتهم إلى رِجالها. لذا، عَمَدْنا إلى توضيح مفهوم سرّ الكهنوت ودور الكاهن، للشعب، علَّ ذلك يُخفِّف مِن تعظيمهم لتلك الأخبار، وَيُساهِم في وجود حلول لكلّ أزمة طارئة بين رجال الكنيسة والشعب.
يتكلّم كاتب الرسالة إلى العبرانيين، في الإصحاح السابع منها، عن سرّ الكهنوت، ويختم كلامه بالقول إنّ يسوع هو الكاهن الأوحد. في التقليد اليهوديّ القديم، كان يرتكز دور الكاهن على تقديم الذبائح لله نيابةً عن الشعب، أمّا في العهد الجديد، فَقَد قدَّم يسوع المسيح نفسَه ذبيحةً عن البشر، وبالتّالي أصبح هو الكاهن والذبيحة في آنٍ، وهذا ما لم يتمكّن أيّ كاهن في العهد القديم مِن القيام به، وبهذا تكمن فرادة المسيح. إنّ الكاهن في العهد القديم، كان يُقدِّم الذبائح تكفيرًا عن خطايا الشعب بشكلٍ خاص، كما كان يُقدِّم الذبائح لأسباب أخرى واردة في الشريعة، أمّا المسيح فإنّه لم يُقدِّم نفسه ذبيحةَ تكفيرٍ عن خطايا الشعب، إنّما قدَّم نفسه مِن أجلهم ذبيحةً على الصليب، وبهذا أيضًا تكمن فرادته. إنّ الفرقَ كبيرٌ جدًّا بين تقديم الإنسان ذبائح تكفيرًا عن الخطايا، وبين تقديم ذاته ذبيحة مِن أجل الآخر: فحين يُقدِّم الإنسان نفسه ذبيحة عن الآخر، فإنّه بذلك يُعبِّر عن مدى سمّو حبّه لِمَن يُقدِّم مِن أجلهم نفسه. إنّ الإنسان يَحظى بأهميّة كبرى في عينيّ الربّ، لِذا قدَّم الله ابنه ذبيحة مِن أجل الإنسان.
إنّ الله يعرف قيمة الإنسان الحقيقيّة، لذا يريد مَنحَه الخلاص، أمّا الإنسان الّذي لا يُدرِك قيمة ذاته، فإنّه سيرفض خلاص الربّ له، على عكس الإنسان الّذي أدرَك قيمته، فإنّه سيقف عاجزًا أمام عظمة حبّ الله له. إنّ الله قد قدَّم ابنه الوحيد ذبيحة مِن أجل البشر وذلك تعبيرًا عن حبّه اللامتناهي لهم. إنّ كهنوت المسيح قد أُعلِن على الصليب، حين قدَّم يسوع نفسه ذبيحة مِن أجلنا. إذًا، إنّ المسيح قد صُلِب من أجلنا لا من أجلِ خطايانا، وبالتّالي فإنّ قيمتَنا عند الله أعظم وأهمّ مِن خطايانا. عند أقدام الصليب، لم يتمكّن الجنود مِن شَقِّ ثياب يسوع واقتسامها فيما بينهم، لأنّها كانت مصنوعة من قطعة قماشٍ واحدة، كما كانت حالة ثياب رئيس الكهنة في ذاك الزمان، لذا اقترعوا عليها، وبهذا الأمر تحقّق ما ورد في الكتاب: “اقتسموا ثيابي، وعلى لباسي اقترعوا”، وبذلك أظهر يسوع نفسه أنّه رئيس الكهنة الحقيقيّ والأوحد.
إنّ لوقا الإنجيليّ يعرِض لنا دورًا مُهمًّا لرئيس الكهنة لم يتمكّن زكريّا مِنَ القيام به، وهو مباركة الشعب، أمّا يسوع، فقد أظهر نفسه أنّه رئيس الكهنة الحقيقيّ حين تمكّن من القيام بهذا الدور الـمُعطى للكاهن، فبَاركَ تلاميذه في لقائه الأخير بهم قَبلَ صعوده إلى السّماء، على حسب ما أورَد أيضًا لوقا الإنجيليّ. إنّ الإنجيليّين الأربعة قد أدركوا أنّ المسيح هو حقًّا الحمل المذبوح الّذي تكلّم عنه العهد القديم، وقد أظهروا ذلك كلٌّ بطريقته، وهذا أيضًا ما بشَّر به الرّسل، فَبُولس الرسول قد قال إنّه يبشِّر بالمسيح كما تعرّف إليه، أي المسيح المصلوب على الصليب.
في الكنيسة الأولى، كان الرّسل يُبشِّرون بالكلمة، ويحتفلون بالافخارستيّا أي بالذبيحة الإلهيّة. ولكن، مَعْ تَطوُّرِ البشارة ونموِّها، بَرزت الحاجةُ إلى فرز أشخاص من أجل خدمة موائد الافخارستيّا، وهذا ما يُعرف اليوم بالكاهن. أمّا في ذاك الزمان، فَقَدْ تَمَّ استخدام عبارتين هما: “خادم الأسرار”، و”خادم الكلمة”، في إشارة إلى تحديد دور كلّ منهما، ولم تكن تحتوي أيّ مِن تلك العبارتين على المفهوم الحالي للكاهن. إنّ الكاهن يُولَد مِن كأس الإفخارستيّا، وبالتّالي فإنّ كهنوته مرتبطٌ بخدمته للأسرار لا بشخصه. إنّ المسيح هو الكاهن، والذبيحة أيضًا في الاحتفال الإفخارستيّ، إذ لا كاهن سِوى المسيح، فهو الكاهن الأوحد، ولا ذبيحة أخرى تُقَدَّم سِواه. إذًا، إنّ كهنوت الإنسان مرتبطٌ بخدمته للكاهن الأوحد: فالكاهن في الإفخارستيّا، يُعلن عن كهنوت المسيح مِن دون أن يجعل الكهنوت مُلكًا خاصًّا به.
في الكنيسة الأولى،لم يكن هناك كهنة، بل أساقفة وشماسة. إنّ كلمة “أسقف” في اللّغة اليونانيّة تعني episcopos أي الـمُراقِب مِن فَوق، وكانت وظيفته تقوم على إدارة شؤون أبناء رعيّته والاهتمام بهم، إضافةً إلى مراقبة التّعليم الّذي يُعطى لهم، ومراقبة سلوك إخوته وَتَطابُقِهِ مع التّعليم. إنّ الأسقف هو مسؤول أمام الله عن الاستعداد الّذي أعلَنَه من أجل خدمة إخوته المؤمنين. وقد كان في الكنيسة الأولى أيضًا شيوخ، أي presbyteros، وكانت وظيفتهم تقوم على تقدُّمِ إخوتهم المؤمنين في الصّلاة، فالشيخ هو “إِمام الجماعة”، أي أنّه أحد أفراد الجماعة ولا شيء يُميِّزه عن سائر الأعضاء. إنّ هذا التقليد الّذي كان سائدًا في الكنيسة الأولى، ما زال سائدًا إلى اليوم في الكنيسة الّتي تتّبع التقليد الشرقي (الكنيسة الأرثوذكسيّة)، إذ لا يقف الكاهن خلف مائدة الافخارستيّا بل أمامها شأنه شأن إخوتِه المؤمنين، للدلالة على أنَّه لا يفوقهم مرتبةً إلّا في كونه مترئسًا للصّلاة، فهو مجرّد خادمٍ لهم.
إنّ الكاهن هو “خادم الكلمة” و”خادم الأسرار” في آنٍ، فإنّ مهمّة الكاهن تقوم على إعطاء سرّ العِماد لكلِّ من يرغب في ذلك، علامةً على قبوله للكلمة الإلهيّة بعد سماعه إيّاها. إنّ أسرار الكنيسة قد تطوّرَت، عبر العصور، تماشيًا مع حاجات المؤمنين وفَهمِهم لحقيقة السّر، إلى أن وصَلت إلى شكلها المتعارف عليه اليوم. لقد نشأ سرّ التوبة نتيجة حاجة المؤمن للعودة إلى حالة القداسة الّتي حصل عليها بالعماد، بعد أن يكون قد ضَلَّ الطريق الصحيح. وكذلك الأمر بالنسبة إلى سرّ الزواج، فهو قد تحوّل مع الوقت إلى سرٍّ، إذ كان في البدء عبارةً عن بركةٍ يطلبها العروسَان تعبيرًا عن إلتزامهما بالكنيسة، فالزواج في الإمبراطوريّة الرومانيّة كان مدنيًّا إذ كان يُعقَد في داخل الإمبراطوريّة.
إنّ كلّ إنسان يصبح مؤمنًا بالمسيح، إنْ حصل على سرّ المعموديّة وسرّ الإفخارستّيا فَهُما أساسُ كلّ الأسرار. إنّ الإنجيليّ يوحنا يَنقُلُ إلينا البشارة مستندًا على هذين السِّرَين، ممّا يُبَرِّرُ وَفرةَ استعماله للماء والخبز في نصوصه، فَمَثلاً يذكر الماء في نصوص عديدة، على سبيل المثال نصّ نيقوديموس، ومخلّع بيت حِسدا في إشارة لسرّ المعموديّة، أمّا الخبز فيَذكُرُه في الإصحاح السادس منه، حين نَقَلَ إلينا قول المسيح عن ذاته إنّه الخبز الحيّ النازل من السّماء، في إشارة لسرّ الإفخارستيّا. إنّ الكاهن لا يُشكِّل مرجعيّة دينيّة إذ إنّ وظيفته تقتصر على كونه خادمًا للكلمة وللأسرار فقط، لذا هو يترأس الصّلاة. إنّ الكنيسة مُجتمعةً تُشكِّل مرجعيّة دينيّة للمؤمن في ما تتّخذه من قرارات، أي أثناء الإفخارستيّا. إذًا، فالكاهن وحده، لا يُشكِّل مرجعيّة لاهوتيّة للمؤمن في تصرّفاته.
في الافخارستيّا، يُجدِّد المؤمن عهده مع الله ويُعبِّر عن قبوله لعطايا الله عبر قبوله جسد الربّ مِن يد الكاهن، الّذي هو موظّف عند الله. إنّ الكهنوت الخاصّ هو كهنوتٌ وظائفيّ، لِذا فإنْ لم يتمكّن الكاهن مِن القيام بوظيفته بشكلٍ صحيح، تُنزَع مِنه تلك الوظيفة وتُمنَح لآخرَ قادرٍ على استلام تلك المسؤوليّة، إذْ ليس الكهنوت والأُسقفيّة ألقابًا شرفيّةً. إنّ السرّ الوحيد الذي لا يمكن انتزاعُه مِنَ المؤمن هو سرّ المعموديّة، أمّا الكهنوت فيُمكن انتزاعه إن لم يقم الكاهن بوظيفته.
إنّ الموهبة هي طريقة للخدمة في الكنيسة، وهي متنوِّعة ومتعدِّدة: فالبعضُ قد أُعطي موهبة الابتسامة، والبعضُ الآخر موهبة الوعظ، وآخر موهبة الترتيل، وآخر موهبة الاهتمام بِبَيت الله الحجريّ، وهناك مواهب أخرى أيضًا، وعلينا عدم الاستخفاف بها، لأنّ كلَّ واحدة منها هي في غاية الأهميّة إن وُضِعت في مكانها الصحيح. إنّ الكاهن لا يصبح مميَّزًا عن سائر إخوته المؤمنين حين ينالُ سرَّ الكهنوت، غير أنّ المؤمنين يُعطونه هالةً لا أساس إيمانيًّا لها، ويحوِّلونه إلى كائنٍ إلهيّ بسبب الوظيفة الـمُوكَلة إليه، ويُعطونَ أنفسهم حقًّا إلهيًّا، عن غير وجه حقّ، بإدانة الكاهن حين يُخطئ التصرّف، فيشوِّهون صِيتَه، عِوَض دَفعِه للاستقامة في سلوكه، والعودة عن ضلاله. إنّ مهمّة اختيار الكاهن تقع على عاتق الشعب إذ عليهم ملاحظته فيما بينهم، فيُقدِّمونه للأسقف كونهم قد وجدوه أهلاً لتلك المسؤوليّة، فيضَع الأسقف يدَه عليه ويُكرِّسه كاهنًا لخدمة الجماعة. هناك اعتقادٌ خاطئ يسود الجماعات المسيحيّة، أنَّ رُتبة وضعِ اليد على الكاهن تمنَحُه نعمةً إلهيّةً، فتَجعل منه كائنًا مختلفًا في النوعيّة عن سائر البشر. إنّ مهمّة الكاهن تقوم على إعلان كلمة الله للجماعة، إضافةً إلى إعطاء الأسرار الكنسيّة. إذًا، الكاهن هو مُؤمِن مِن بين الشعب، تَمَّ اختياره وانتدابه مِن قِبَل الشعب، وتقديمه إلى الأسقف، فيكرِّسه للخدمة، بعد أن يضع يده عليه.
إنّ الكهنوت، هو خدمة يسوع المسيح من خلال توزيع كلمته على المؤمنين ومِن خلال توزيع جسده ودمه المقدَّسين عليهم. أثناء الذبيحة الإلهيّة، يقوم الكاهن بتوزيع كلمة الله على المؤمنين بعد قراءته للإنجيل من خلال العظة، ثمَّ يقوم بتوزيعها في المناولة الإلهيّة مِن خلال إعطاء جسد الربّ ودمّه للمؤمنين. إنّ المسيح قد كثَّر الخبز والسّمك بعد أنْ باركها،كما نقرأ في الكتاب، وثُمَّ أعطى تلاميذه وطلب منهم توزيعه على الحاضرين: هذه هي مهمّة الكاهن توزيع كلمة الله من خلال الإنجيل وكسر الخبر والخمر. إنّ الكاهن لا يفوق المسيح أهميّة، بل إنّ المسيح هو الأعظم، وَما الكاهن إلّا مجرَّد موزِّع للكلمة. إنّ مسؤوليّة الكاهن كبيرةٌ جدًّا إذ عليه الحرص على عدم تشويه كلمة الله الّـتي يحملها إلى الآخرين بسبب تصرّفاته المشينة، إذ إنّه يحمل إليهم القُدُّوس، وبالتّالي فإنّ الكهنوت ليس امتيازًا يُعطى للمؤمن، إنّما مسؤوليّة ودينونة له.
في الرسامة الكهنوتيّة، بحسب التقليد الأرثوذكسيّ، يقوم الأسقف بِوَضعِ جسد الربّ ودمه بين يديّ طالب الكهنوت، طالبًا منه المحافظة على تلك الوديعة الّـتي تُمنَح له اليوم، إلى يوم مماته، لذا نجدُ أنّ الشماس طالب الكهنوت، يذهب إلى وراء المائدة الإفخارستّيا للتأمُّلِ بها، فيُدرِك مسؤوليّته تجاهها. على الكاهن أن يكون أمينًا لوظيفته، كي لا تُنتَزع منه، فيُحافِظَ على الكلمة الإلهيّة الّتي أُعطِيَت له يوم رسامته. فكما أنّ الإنسان الّذي يَطلب خدمة مُعيّنة مِن إحدى الشركات، لا يهتّم لشكل الموظّف الّذي يخدمه، ولا لمشاكله الخاصّة، إنّما يهتمّ لأدائه الوظيفة بشكلٍ جيّد، كذلك على المؤمن عدم التوقّف عند شكل الكاهن ومشاكله الخاصّة، فَحَسْبُه أن تصل إليه الكلمة الإلهيّة بواسطته بأفضل طريقة ممكنة.
إخوتي، “لا إله إلاّ الله”، أي أنّ جميع البشر مُعرَّضين لارتكاب الخطايا، والكاهن هو أحد هؤلاء البشر، مُعرَّض للوقوع في الخطايا مثلهم. إنّ الكاهن ليس كائنًا إلهيًّا بل هو كائنٌ بشريٌّ، مجبولٌ بالخطايا، فإنْ نَظَرَ المؤمنون إلى الكاهن على أنّه كائنٌ إلهيٌّ فإنّهم سيتعرَّضون للإحباط، وللتّخلي عن الله حين يَضعُفُ الكاهن ويرتكب الخطايا. إنّ اعتبار الكهنوت وظيفةً لا يعني أبدًا التقليل مِن أهميّة هذا السرّ. إنّ بولس الرسول يعتبر أنّ البشارة هي مهمّته ولا يجب التقاعس عنها مهما كانت حالته، فَرِحًا كان أم لا، فهو يعترف قائلاً :”ويلٌ لي إن لم أبشِّر”.
إنّ سرَّي المعموديّة والإفخارستيّا مرتبطان بالكهنوت، إذ إنّ كلمة الله الّـتي يبشِّر بها الكاهن قد تَجِد تجاوبًا في قلب المؤمن الّذي يسمعها، فيُقبِل هذا الأخير على العماد وبالتّالي يحقّ له تناول جسد الربّ ودمه. كان سرّ المعمودية مَقرونًا بسرّ الإفخارستيّا في الكنيسة الأولى، إذ كانت تُعطى المناولة للمؤمن بعد حصوله على سرّ العماد، ولكن فيما بعد تَمَّ الفصل بينهما لأسبابٍ تبشيريّة جغرافيّة إذ كان سرّ التثبيت محصورًا بالأسقف، وقد كان يتعذّر عليه المجيء في كلّ آنٍ بسبب بُعد المسافات.
إنّ الفصل بينَ هذين السِّرين لا علاقة له أبدًا بإدراكِ المعمَّدِ أهميّة الأسرار الّتي ينالها. فإنّ سرَّ المعموديّة وسرّ الإفخارستيّا هما مُتَسويان مِن حيث الأهميّة، فكما أنّ المعمَّد ينال المعموديّة وهو غير مدرِكٌ لعطيّة الله له في هذا السّر، كذلك يُمكِنُه الحصول على سرّ الافخارستّيا وإن كان لا يُدرِك النّعمة الإلهيّة الّتي يحصل عليها في المناولة. إنّ هذا الفصل ما بين السِّرين لا يرتكز على أساس لاهوتيّ، غير أنّه تحوّل إلى عادة، والعادة تحوَّلت مع مرور الزمن إلى عقيدة يَصعُب التخلّص منها بسهولة.
إنّ كلمة “رجل دين”، لا تعني بتاتًا أنّ هذا الرَّجُل هو المسؤول عن الدّين، أو العالمِ بكلّ تفاصيله. إنّ رجل الدّين هو رجلٌ للحياة، يحاول السير وِفق إلهامات الرّوح القدس، ساعيًا للحصول على رِضى الربّ، في خدمته للأسرار. إنّ المؤمنين قد تأثَّروا بالأنظمة الّتي كانت تَحكُمهم عليهم على مرّ العصور في بلادهم، فأدخلوا صورة هذه الأنظمة إلى النّظام الكنسيّ، فَحَوَّل المؤمنون في الشرق الأسقفَ إلى سُلطانٍ على مثال السلطان العثمانيّ، أمّا المؤمنون في الغرب فقد حوَّلوه إلى ملكٍ أو امبراطور على مثال ملوكهم أو أباطرتهم. إنّ الكتاب المقدّس العهد الجديد، قد أعطى الأسقف سلطانًا لا يشبه سلطان هؤلاء الملوك والأباطرة، بل مَنَحه سلطانًا مختلفًا عنهم، وهو سلطان المحبّة. إنّ بولس قد شبّه علاقة المسيح بكنيسته بالزواج الّـذي يجمع بين المرأة والرّجل. إنّ الكنيسة هي عروس المسيح، وهو رأسها، ولأنّه عريسها فهو قد بذل ذاته لأجلها. إذًا، الرئاسة تُعطى لِمَن يُحِبّ أكثر، ولكنَّ المفهوم الإنجيليّ للرئاسة قد تعرَّض للتشوُّه، فوَقعت الكارثة، إذ أُعطي حقُّ الرئاسة لا لِمَن يُحِبّ أكثر بل لِمَن يتمتّع بوظيفة أعلى درجةً من غيره.
في الكنيسة الأولى، كان اختيارُ المؤمنين الـمُخوَّلين الحصول على الرُتَب الكهنوتيّة، يرتكز على أهليّتهم لخدمة الكلمة والأسرار، إذ لم يكن باستطاعة المؤمن أن يصبح شماسًا إلّا بعد وصوله إلى مرحلة مِنَ اللّاهوى أي حين يُظهِر قدرةً على التخلّي عن كلّ أهوائه البشريّة، في سبيل خدمة الأسرار؛ ولم يكن يستطيع هذا الشماس بلوغ مرحلة الكهنوت، إلّا مَتى وصل إلى مرحلةٍ مِنَ الاستنارة الداخليّة؛ ولم يكن يستطيع الكاهن الوصول إلى مرحلة الأسقفيّة، إلاّ عند وصوله إلى مرحلة الرؤيا الإلهيّة. كانت هذه الشروط مفروضة على كلِّ مَن يرغب بالتَقدُّم مِن الدرجات الكهنوتيّة الثلاث، وذلك مِن أجل خدمة أفضل للكلمة وللأسرار. إنَّ مَن يرغب في خدمة الكلمة والأسرار، عليه أن يكون أمينًا للكلمة الإلهيّة وللأسرار، وأن يسعى للوصول إلى الاتّحاد الكامل بهما، ليتمكّن من إيصالهما إلى الآخرين معتمدًا على سلطان الحبّ، لا على سلطان هذا العالم. إنّ المؤمنين قد أَعطَوا الكاهن والأسقف هالةً إلهيّة لا يستطيعان التخلّي عنها حتّى وإن أرادا ذلك، لأنّ الهالة الـمُعطاة لهما من قِبَل المؤمنين، ستُرافِقُهما في كلّ حالاتهما الإنسانيّة، فالمؤمنون سينظرون دائمًا إلى الأسقف والكاهن على أنّه كذلك، حتّى وإن خلع ثياب الكهنوت.
إنّ الصِّفات الّتي نُطلقها على البابا فرنسيس اليوم، هي الصّفات الإنسانيّة الطبيعيّة الّتي على كلّ مؤمن التحلّي بها وبخاصّة خادم الكلمة والأسرار. إنّ المؤمنين لا يمنحون الكاهن تلك الهالة إلّا من أجل استخدامها كَعُذرٍ لهم ليتمكّنوا من إدانته والحكم عليه حين يرتكب السوء، فالمؤمنون في تلك الحالة يتحوَّلون إلى مُجرمين، إذ يقومون بقتل صِيتِ الكاهن عبر إطلاقهم إشاعات يستمرّ تناقلها عبر أجيال وأجيال، عِوضَ مساعدته على تصحيح مساره. فالكاهن إذًا، هو مؤمن ضعيف، كسائر البشر، لكنّه اعتبرَ كلمة الله حياته، فلاحظ الشعب فيه هذا الأمر فكَلَّفوه بواسطة الأسقف توزيع الكلمة عليهم. إنّ الأساقفة والكهنة لا يتمّ اختراعهم، بل مُلاحظتهم مِن قِبَل الشعب.
إنّ مسألة اختيار الكهنة والأساقفة ليست مسألة دعوة إلهيّة بل مسألة استعداد يُظهِرُه هؤلاء للخدمة، فيَتُمّ ملاحظتهم مِن قِبَل الجماعة المؤمنة، فيُكلِّفونَهم مسؤوليّة توزيع الكلمة عليهم، فيصبح المؤمن عندها إنسانًا مدعوًّا للخدمة. إذًا، لا يكون الإنسان مدعوًّا في بداية الأمر إنّما يصبح مدعوًّا حين يُصبح مكلَّفًا للخدمة. لا يمكننا الكلام عن دعوة خاصّة مِن قِبَل الله لبعض المؤمنين، لأنّ في ذلك تشويهًا لصورة الله العادل، الّذي لا يُميِّز بين أبنائه. إنّ الله لا يدعو أحدًا لخدمته بشكلٍ خاصّ، بل إنّه يُمهِّد الطريق أمام أبنائه المؤمنين، الّذي يُعبِّرون عن استعداداتهم للخدمة، عبر ملاحظة الشعب لهم، فيَفرِزونهم لخدمة الأسرار والكلمة. إنّ الهالة الّتي أعطاها الشعب للكهنة، أدّت إلى أذيّة الكنيسة وإلى خلق جرحٍ فيها: إنّ بعض المؤمنين، الضعيفي الإيمان ربطوا بين تصرّفات الكاهن البشريّ، وبين الله، فابتعدوا عن الكنيسة عند سماعهم عن ضعف الكاهن.
إنّ الإيمان بالمسيح يجب أن يتمّ عن وعي وإدراكٍ عند المؤمنين، فلا يهتزّ إيمانهم نتيجة ضعف بشريّ صادرٍ عن كاهن مُتَسِّمٌ بالضعف كسائر البشر، فالإيمان غير مرتبط بالكاهن. إنّ الكاهن هو وسيلة يستخدمها الله لإيصال البشارة إلى المؤمنين، غير أنّ مهمّته تقف عند هذا الحدّ، لتبدأ مهمّة المؤمن في العمل على نموّ إيمانه بالمسيح. إنّ مهمّة الكاهن هي إيصال المسيح إلى الآخرين، وإنّ دوره ليس أبديًّا بل ظَرفيًّا، مرتبطًا بهذه المسألة المحدّدة. إنّ دور مريم العذراء في عرس قانا، هو دور كلّ كاهن في الكنيسة: فكما أنّ مريم العذراء أعلَمَتْ يسوع بِنَفاذ الخمر ثمّ انسحبت وتركته يعمل مِن دون أن تتدّخل في أعماله طالبةً من الخَدَم أن يفعلوا كلّ ما يأمرهم به يسوع، كذلك على الكاهن أن يوصِل كلمة الله إلى المؤمنين، ثُمَّ ينسحب من حياته فاسحًا الطريق أمام كلمة الله كي تعمل في داخلهم.
إنّ الكهنة ليسوا وكلاء الله على الأرض إنّما أيقونات تعكس حضور الله على الأرض. وهنا يُطرَح السؤال: هل الكهنوت وظيفة، مسؤوليّة أو امتياز؟ إنّ رجال الدِّين هم أشخاص بشريّون عاديّون لا آلهة، وهم مُعرَّضون كسائر البشر لارتكاب الخطايا، إنّهم جماعة خطأة يَتَطهِّرون مِن أثامهم. إنّه حريّ بالمؤمنين عدم تضييع الوقت الـمُعطى لهم بتناقل خطايا الكهنة وإدانتهم، بل الحريّ بهم الاستفادة من الوقت في أمورٍ ذات منفعة روحيّة، كقراءة الكتاب المقدَّس ومناقشة مواضيع روحيّة. إنّ الشيطان هو الرابح الأكبر في مِثل تلك الأزمات الكنسيّة، لأنّ الكثيرَ من المؤمنين يقعون في تجاربه، إذ ينشغلون في تناقل أخبار خطايا بعضهم البعض، عِوضَ التفكير في الملكوت، والتحضير له وانتظاره، ويكون الشيطان قد بلغ إلى هدفه المنشود. إنّ همّ الشيطان هو دفع المسيحيّين إلى الاعتقاد أنّ الملكوت هو أمرٌ رمزيّ غير واقعيّ، لا وجود له إلّا في قلوبنا، بدليل عدم مجيئه بَعد على الرّغم مِن انتظارنا الطويل واستعدادنا له. إنّ هذه النّظرة الشعبيّة الخاطئة إلى الكهنوت لن تَصطَلِح في الأذهان إلاّ عن طريق التربية، وهذا الأمر يستغرق وقتًا طويلاً كي يأتي بالثمار المرجوَّة.
إنّ الاعتقاد السائد عن الكهنوت، هو اعتقادٌ خاطئ وقد أدّى إلى انشقاقات داخل الكنيسة، ونشأت على أثَرِه الكنيسة البروتستاتينيّة إضافةً إلى العديد مِنَ الشِيَعَ والبِدَع كشهود يهوه وغيرها من البِدَع المعاصرة. إنّ أسبوع الوحدة، هو أسبوع الـمُزايدات في الكنيسة، إذ تقوم كلّ كنيسة بالتباهي أمام الكنيسة الأخرى بامتلاكها للإيمان القويم دون سواها من الكنائس، واعتبار بقيّة الكنائس أنّها على ضلال وبالتّالي بضرورة التوبة والانضمام إلى الكنيسة الأخرى. في أسبوع الوحدة، يتحوّل المسيح إلى موضوع خلاف وانشقاق بين الكنائس، إذ تُعلِن كلّ كنيسة امتلاكها حقًّا حصريّا للدّفاع عن المسيح وكأنّه ملكيّتها الخاصّة.
إنّ مِثل تلك الانشقاقات في الكنيسة تُعبِّر عن نقصٍ في المحبّة بين الكنائس، وبالتّالي في غياب المحبّة الصّادقة يَصعُب الوصول إلى الوحدة الحقيقيّة بين المسيحييّن. إنّ مِثلَ تلك التصرّفات الكيديّة بين الكنائس تُعبِّر عن عدم فَهمٍ حقيقيّ للكلمة الإلهيّة وللسرّ الافخارستيّ. وإنّ مسؤوليّة عدم الفهم للكلمة الإلهيّة تقع على عاتق الكهنة بشكلٍ أساسيّ، ولكنّ المؤمنين يشترِكون في هذه المسؤوليّة إذ إنّهم المسؤولون عن اختيار الكهنة مِن بينِهم. في هذه الحالة، لا ينفع الانتقاد وإلقاء المسؤوليّة على الآخرين وإدانتهم، بل إنَّ ما ينفع هو العمل على تحسين اختيار الكهنة، وبخاصّة في تربية الأبناء على أن يكونوا أهلاً لخدمة الكلمة الإلهيّة والأسرار وتقديمهم إلى الأسقف من أجل تكريسهم للخدمة. لا يوجد في الكنيسة طبقتان: طبقة مُعلِّمة هي الكهنة، وطبقة متعلِّمة، مؤلّفة من الشعب، بل إنّ الكنيسة هي طبقة واحدة، ومعلِّمها هو الرّوح القدس. على المؤمن ألّا يُصغي إلّا إلى ذاك الّذي يجد في سلوكه انعكاسًا لكلمة الله، أكاهنًا كان أم لا. إنّ علمانيين كثُرًا يعيشون حالة مِن القداسة، تفوق بأضعاف حالة بعض الكهنة، غير أنّ مهمّة خدمة الأسرار والكلمة لم تُعطَ لهم مِن قِبَل الجماعة، لذا فَهُم لا يستطيعون الاحتفال بالإفخارستّيا، وتأديَة الدور الـمُوكَل إلى الكهنة.
إنّ هذا الأمر لا يُعطي المؤمن الحقّ في عدم احترام الكاهن أو في تخطّي صلاحيّاته، فالكاهن على الرّغم من كلّ أخطائه يبقى هو المسؤول الأساسيّ عن نقل البشارة وخدمة الكلمة الإلهيّة والأسرار. إنّ الخبز والخمر يتحوّلان إلى جسد المسيح ودمه، بِغَضّ النّظر عن قداسة الكاهن أو عدمها. إنّ الله هو الوحيد الّذي يستطيع إدانة الكاهن على أدائه للمسؤوليّة الّتي أُسنِدَت إليه. إنّ الكاهن هو الّذي يُقرّر من خلال تصرّفاته إن كان يريد أن يكون مضَلِّلاً للشعب في نقله لكلمة الله لهم، أم أمينًا لتلك الكلمة الإلهيّة. على المؤمن طاعة الكاهن إن كان يطلب منه تحقيق كلام الإنجيل حتّى وإن كان هو نفسه لا يُطبِّقه في حياته اليوميّة، فالمهمّ بالنسبة للمؤمن هو السّعي لتحقيق كلمة الله في حياته الخاصّة، ودفع الآخرين إلى عيش الإنجيل من خلال سلوكه. إنّ مسؤوليّة الكاهن تكمن في إقناع المؤمنين، من خلال طريقة عيشه أنّ كلام يسوع يُمكن أن يُعاش، وهو كلام واقعيّ. إنّ مسؤوليّة الشعب المؤمِن تَكمُن في كونه “حافظًا للإيمان”، عبر العصور. إنّ كلّ الهراطقة في الكنيسة كانوا من الكهنة، غير أنّ الكنيسة ما زالت مستمرّة بفضل الشعب الّذي حافظ على الإيمان الصحيح.
إنّ المؤمنين هم رعيّة المسيح، وبالتّالي فإنّ راعيهم هو المسيح يسوع، الكاهن الأوحد، دون سواه. إنّ سلوك الكاهن الـمَشبوه، يجب أن يترافق مع تدابير كنسيّة داخليّة، وذلك بهدف الحفاظ على خدمة الأسرار والكلمة الإلهيّة. على كلّ كاهن أو أسقف، يعاني من أمراض تَمنعُه مِنَ القيام بواجباته على أفضل وجه أن يستقيل أو أن تتمّ إقالته، كما أنّ على الكنيسة أن تُعفي من الكهنوت كلّ كاهنٍ أو أسقف، لا يعكس في تصرّفاته وسلوكه ما يبشِّر به. إنّ الشيطان قد جرّب يسوع في البريّة وطلب منه تحويل الحجارة إلى خبزٍ كي لا يجوع، وبالتّالي فإنّ الإنجيليّ من خلال كتابته لهذا النّص كان يريد أن يُنبِّه المؤمنين إلى أنّ من يسلك وِفق كلام الله فَسيجوع ويُعاني من الضيقات، أمّا مَن يسِر وِفق منطق هذا العالم، فإنّه سيشعر بالقوّة والسيطرة في هذا العالم. إخوتي، إنّ المؤمنين الحقيقيّين بالمسيح يُدرِكون تمامًا أنّ هذه الدّنيا هي فانية، وأنّ الحياة الأبديّة هي رجاؤهم.
لذا مَن أراد أن يسير وِفق كلام المسيح فسيُعاني من الاضطهادات في هذا العالم: سيتعرّض للجوع، ولتشويه السُمعَة، إذ ما من خادمٍ أفضل مِن مُعلِّمه، فكما فعلوا بالمسيح، سيفعلون بأتباعه. إنّ المسيح قد حُكِمَ عليه بالموت، نتيجة شهادات زورٍ قِيلَت في حقِّه، وشوَّهوا سمعته، وقد أسقى أبناء هذا العالم، ربّ الكون خلّاً عِوضَ الماء. على كلّ مؤمنٍ أن يختار إمّا أن يكون مِن أتْبَاع الربّ يسوع، وإمّا أن يكون مِن أتباع برأباس، ذلك الّذي استعمل أدوات الشّر معتقدًا أنّه بتلك الطريقة يصل إلى الحقّ والسّلام. إنّ رجل الدِّين غير مُنَزَّه عن الأخطاء، ولِذا فإنّه يحقّ لكلّ مؤمن، حِرصًا على الكلمة الإلهيّة أن يَلفتَ نظر الكاهن إلى ضرورة تحسين مسلكه، بطريقة تملؤها المحبّة، وتوجيه تلك الملاحظات لا يكون بهدف الهدم، إنّما مِن أجل البِناء. لا يحقّ للمؤمنين تسويق خطايا بعضهم البعض، إنّما عليهم عيش الحقّ، لأنّه هو الكفيل باصطلاح المعوَجّ.
تعاني الكنيسة اليوم، من أزمة كبيرة، إذ انقسمت إلى كنيستين: كنيسة المسيح، وكنيسة رجال الدّين ومَن يَتبَعهم مِنَ الشعب. إنّ بعض المؤمنين يخلِطون ما بين هاتين الكنيستين، إذ ينسبون أعمال رجال الدّين إلى الله، وأعمال الله إلى رجال الدِّين. على كلّ مؤمن أن يُدرِك إلى أيّة كنيسة ينتسِب، فإن كان ينتمي إلى كنيسة المسيح، فهذا يفترِض منه أن يساعد إخوته على النّهوض من خطاياهم بكلّ محبّة ومن أجل بنائهم، وإنْ لم يصطلحوا فَعليه بإقالتهم بكلّ محبّة، وأن يُكلِّف آخرين يكونون أهلاً لمسؤوليّة الخدمة. إنّ المؤمن الّذي يريد أن يقوم بثورة على الأخطاء الّتي يراها في الكنيسة، عليه أن يفعل ذلك بكلّ محبّة، وعليه أن يكون مستَعدًّا لتحمّل الضربات الموجِعة.
إخوتي، إنّ العالم لم يخلُ مِنَ الصالحين والمؤمنين الحقيقيّين، وقد قال لي أحدهم حكمةً هي أنّ الكُرَة الأرضيّة ما زالت مستمرّة في الدَوران بفضل الإيمان الموجود في قلوب المؤمنين. إخوتي، إنّ الكنيسة تستمرّ بفضل مؤمنين صالحين. لذا فلنتخلَّ عن دينونة الآخرين، ولنسعَ لنحافظ على دورنا كمؤمنين صالحين وحافظين للإيمان. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت المحاضرة بأمانةٍ مِنْ قِبَلِنا.