محاضرة للأب ابراهيم سعد،
الاجتماع السنويّ لمسؤولي الجماعة في الرّعايا وأعضاء اللجان،
كلّنا رسل،
في هذا الموضوع “كلّنا رسل”… نستخدم كلمة رسل أو رسول، عندما نتكلم عن الرسالة. وحتى تسمّى رسالة يجب أن يكون هناك مَن كتبها بمفرده، تمعّن في كتابتها ثم انتقلت إلى مكان آخر، ولم تبقَ عند كاتبها، وضروري أن يكون هناك مَن تلقاها، بمعنى أن هناك شخص سوف يوصل الرسالة.. إن لم يكن الرسول موجوداً أو إذا لم يقُم بمهمته فالرسالة لن تصل، وبالتالي الشخص الذي لم تصله يعتبرها غير موجودة وكلّ ما كتبه الكاتب سيذهب سدًى، أي بمعنى أن الرسول يُميتها أو يخلقها من جديد.
عملياً من كتب الرسالة هو من خلقها، ولكن من أوصلها خلقها أيضًا، ولكنه خلقها في قلب وعقل متلقي الرسالة ، وكأن الرسول عندما أوصلها والشخص تلقاها وقبلها، لم يعد وجود الكاتب ضروريًا، فهناك حامل الرسالة ومتلقيها، ولم يعد كاتب الرسالة موجودًا، ولم يعد هناك حاجة لوجوده، فهو فعلياً موجود ضمن رسالته.
للرسول إذاً دور مهمّ في ايصال الرسالة بمسؤولية، فهو قادر أن يُميت أو أن يحييّ صاحب الرسالة في أعماق المتلقي، وهذه مسؤولية كبيرة.
إذا كان الكتاب المقدّس هو الرسالة والبشرى…فالله عندما كتبها بيسوع المسيح ووصلت بواسطة بولس أو بطرس، أصبحت الرسالة وكأنها مكتوبة من قبلهم، وأصبح هناك تمازج بين موصل الرسالة وكاتب الرسالة.
إذا أردنا أن نقيم سلالة للرسل لكان يسوع الناصري هو الرسول الأول والوحيد بالنسبة للتلاميذ لأنهم تلقوا الرسالة، ولكن بالنسبة لبولس عند أهل كورنتوس الذين نشروا الرسالة في أثنيا أصبح هو الرسول الأوّل، ويسوع هو من أرسله.
أهل كورنتوس اذاً قبلوا هذه الرسالة: وذهبوا وتكلموا بها، ونشروا الإنجيل في أثينا فأصبحوا هم الرسل… وهكذا تنتقل الرسالة من شخص إلى شخص لتصل إليكم ، وهنا تبدأ قصتكم أنتم لتوصلوا الرسالة، وإن لم تفعلوا ذلك قتلتموها وقتلتم صاحبها. وإن نشرتموها، أحييتموها وخلقتموها وهذا هو دوركم. فهذه الرسالة يجب أن تصل إلى كلّ جسد على هذه الأرض الآن وكلّ آن .
إذًا من هنا السؤال كيف ستصل الرسالة الآن وهنا، وليس لبعد خمسمائة عام؟
ومن هنا السؤال الذي طُرح اليوم “كلّنا رسل” بأيّ معنى؟
أي بمعنى أن الرسالة لا تقف هنا اليوم بهذا النشاط أو مع جماعة “اذكرني في ملكوتك”…بل تبدأ القصة مع هذه الجماعة.
إذا لم تكن عندكم القناعة والإيمان لدرجة الإيمان اللاهوتي، وعلى مستوى يسوع المسيح، فاذهبوا إلى بيوتكم… إذا لم يكن عندكم الإحساس الواعي أن الرسالة إن لم نوصلها ماتت، يعنى أن الله يموت…. فالله يموت عندما لا نوصل الرسالة.
وليست صدفة أن ابن الله تجسّد على الأرض، وليست صدفة أن ابن الله أصبح إنساناً.. فيجب أن تؤمنوا أن المسيح تجسّد وصار إنساناً لتكونوا هنا اليوم، ويجب أن تملكوا هذا الايمان، وليست صدفة أننا قرّرنا أن نصبح جماعةً وليس جمعية.. جماعة حاملة رسالة، فالرسالة تزول، تضيع وتتشوه إذا نحن دخلنا بأمور الدنيا والبشر مثل اللهو، الحسد، والغيرة…. نحن إذاً أمام مسؤولية كبيرة ووجه أساسي من وجوه الله.
فالله يكشف أسرار قلوبنا ويعرف ما في داخلنا، حيث وجد أنه إذا قال “صلّوا”، صلّيتم، وإذا قال صوموا، صمتم. فهكذا وضع لنا إنسانًا أمامنا، فبكيفية تصرفك مع أخيك الإنسان تكشف خباياك ونواياك.
الإنسان الذي هو مثلي، الذي يواجهني، والذي لا أستطيع أن أتعامل معه على أنه مفعول به وإنما فاعل، فأنا لا أقبل أن أكون مفعولًا به بل فاعلًا، فبسببه، وبسبب وجوده، ينكشف معيار الحبّ والكره…إذا كنت وحدك في جزيرة وقلتَ أنا إنسان محبّ، فلا يوجد برهان إلاّ بوجود شخص يكشف كمائن قلبك .
إذًا نشكر الله على تجسّد المسيح لأننا رأينا أن هناك شخصًا آخر نتعامل معه.
أمّا الأهمّ، هو أنّك تعرف أنك تستطيع أن تعيش ملحداً بدون الله ولكنك لا تستطيع أن تعيش وحدك بلا إنسان، ولهذا تجسّد الله ليصبح إنساناً، وعلينا أن نوصل الرسالة لهذا الإنسان.
فإذا كان ايصال الرسالة مرتبطًا برأينا بهذا الإنسان؟ ضاعت الرسالة.
فإذا كان ايصال الرسالة مرتبطًا بحبّنا لهذا الإنسان؟ ضاعت الرسالة.
فإذا كان ايصال الرسالة مرتبطًا بمزاجيتنا؟ ضاعت الرسالة.
فإذا كان ايصال الرسالة إذًا مرتبطًأ بتصرّف الإنسان الآخر تجاهي؟ ضاعت الرسالة.
المهمّ أن تصل الرسالة كما كتبها الكاتب بدون زيادة أو نقصان، ومن دون تشويهها بتشوّهاتنا. لذلك هناك حرص شديد وانتباه ويقظة روحية. وعندما تدير ظهرك بعد انتهاء في القداس الإلهي إلى الكنيسة وإلى الله الذي واجهته في القدّاس وأتى إليك، فيصبح الآتي خلفك كل إنسان تراه، فالقدّاس لا ينتهي، وإنما يكون خبزًا وخمرًا، ويصبح جسدًا ودمًا.
بالقدّاس الإلهي هناك مَن يكسر الخبز لكي تأكله أنت، أما عندما ينتهي القدّاس فأنت تكسر الخبز ليأكله غيرك، وهذا هو الاهتمام بالآخر… وإلاّ لن تصل الرسالة كما يجب.
وأخيراً، سأقدّم لكم توجيهات ختامية لبولس:
ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبّرونكم في الربّ وينذرونكم وأن تعتبروهم كثيراً جداً في المحبة من أجل أعمالهم. سالموا بعضكم بعضًا، وانذروا الذين بلا ترتيب، شجعوا صغار النفوس، أسدوا الضعفاء، تأنّوا على الجميع، انظروا أن لا يدين أحدٌ أحداً عن شرّ بشرٍ، بل كلّ حين ادفعوا الخير بعضكم ببعض، وللكلّ افرحوا كلّ حين، صلّوا بلا انقطاع، واشكروا الله في كلّ شيء، لأن هذه هي مشيئة الربّ، فلا تطفئوا الروح، ولا تحتقروا النبواءت، امتحنوا كلّ شيء، تمسّكوا بالحسن، انتبهوا من كلّ شبه شر، وإله السلام يقدّسكم ولتُحفظ روحكم وجسدكم بلا لوم عند مجيء ربّنا يسوع المسيح. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت المحاضرة بأمانةٍ مِنْ قِبَلِنا.