نورٌ يُضيء القَلب،

بقلم الأب مارون اسطفان،

  • في كنيستنا المارونيّة، يَبْدَأ شهر شباط كُلَّ سَنَةٍ بِعِيد دُخُول الـمسيح إِلَـى الهيكَل (عيد الـمكرَّسين أيضًا) وَيَنْتَهِي هَذَا العام بِأُسْبُوع تَذْكَار الـموتى الـمؤمِنِين الَّذِي نُصَلِّي فِيه، قبل بداية زمن الصّوم الـمبارك، لِراحة نفوس الّذين سبَقونا وانتقلوا مِن بَيننا على رجاء القيامة. يسوع نفسه الّذي حيَّاه سمعان الشيخ في الهيكل طفلاً ورأى فيه نُورًا يَنْجَلِي للأُمَم هُوَ يُضيء قُلُوبَ الَّذين فَقَدُوا أَحِبَّاء لَـهُم ويبُثُّ فيهم الرّجاء الّذي “يَمْسَحُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِن عُيُونِهِم” (رؤ 4:21).

    الـمسيح “نور العالـم” (يو 12:8)، “جَاءَ نُورًا، حتَّى كُلّ مَن يُؤْمِن بِهِ لَا يَمْكُثُ فِـي الظلْمَة” (يو 46:12). هُو مصباحٌ يُضِيء بشكلٍ مُدهِش حَيَاةَ أَشْخَاصٍ اختارهم ودَعاهم إلى اعتِناق المشورات الإنجيليَّة لِيَكُونُوا بدورهم نورًا للعالـم يعكِسُ نورَه الإلهيّ، كما نتذكَّر في التّاسع من شهر شباط عيد مار  مارون النّاسك. وهُوَ مثالٌ للمكرَّس الّذي دعاه الله ليتَّحِدَ بِهِ فاختار أنْ يُنَاجيه في العَراء باحثًا عن الضروريّ الأوحَد والحبّ الـمُطلق. والـمُكَرَّس لله يَسمع في مخدعِه الداخليّ كلمات الربّ العذبة “أَحبَبتُكِ حُبّاً أَبَدِيّاً فلِذَلِكَ اجْتَذَبتُكِ بِرَحمَة” (إر 31:3)، “لا تَخَفْ فإِنِّي قَدِ افتَدَيتُكَ ودَعَوتُكَ بِاسمِكَ، إِنَّكَ لـي” (أش 1:43)، فيَغدو شاهدًا أمينًا لمحبَّة الله الغفورة.

    المكرَّس يرى في الربّ “حِصن حياة” (مز 1:27) له، فَعَمَل النّعمةِ يتخطَّى محدوديَّته و”على صَخرةٍ يرفعُهُ” (مز 5:27) لذا “يتشجَّع قلبه ويرجو الربّ” (مز 14:27) فيترجَّى، على مثال مريم وبشفاعتها، أنْ يحيا مدى الدهر في الابن مُتمِّمًا مشيئة الآب (راجع يو 34:4).

    مع مار مارون نتذكَّر أنَّ الحياة الـمُكرَّسة، والّتي هِيَ مثال للحياة الـمسيحيَّة، مبنيَّة على الصّلاة والتمييز. الصّلاة المفعَمة بالتمييز هِيَ لقاء بالربّ يُبدِّلُ القلب، يُنيرُ العقل، يُطهِّرُ الأفكار، يُغيِّرُ المنطق، يُعطي رؤيةً جديدةً للحياة والواقع، يزرع رجاءً يَتَحَدَّى اليأس والإحباط، يجعلُ الإنسان يَكتسِب نظرة الربّ له وللآخرِين وللعالَـم.

    نطلُب منكَ أيُّها الربّ يسوع، بِشفاعة العذراء مريم أمِّك، أنْ ننتظِرَ خلاصَك على مِثال سمعان الشيخ بثقةٍ وإيمانٍ وتسليمٍ، أنْ نعطيكَ الأَوْلَوِيَّةَ الـمُطْلَقَة فـي حَيَاتِنَا بالصّلاة والتمييز على مِثال مار مارون النّاسك، فنُضحي حجّاج رجاءٍ يحملون فرح المسيح للعالم، لَهُ المجد إلى الأبد. آمين

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp