“أَعطوهم أنتم أنْ يَأكلوا…”(مت 14: 16-18)

بقلم الخوري نايف الزيناتي،

فقال لهم يسوع: أَعْطوهم أنتم أنْ يأكُلوا…طَلَب الربّ يسوع من تلاميذه أنْ يَعطوا الشعبَ الجائع الذي كان يَتبعه طعامًا. هذا الشعب الذي ما انفكّ يَتبع يسوع حتى وَصل إلى مكانٍ قفرٍ في وقتٍ متأخّرٍ من الليل. إنّ هذا الشعب في مأزقٍ رغم محاولته السَّير وراء يسوع. التلاميذ لاحظوا حاجة الشعب ولكنّهم طَلبوا من الربّ أنْ يَصرفهم ليَشتروا طعاماً. لم يروا أنفسهم مسؤولِين عن الشعب في حين أنّ الربّ طَلَب منهم أن “يَعطوهم أن يأكلوا”. 

فقالوا: لَيْس عندنا هَهُنا…                                                                 

يسوع يَطلب من تلاميذه بإصرارٍ أن يهتمّوا بهذا الشعب وكَكلّ مرّة يأتي جوابهم عقيماً لا حياة فيه. إنّ التلاميذ الذين أُوْكِلوا أمر الشعب السائر مع يسوع يجدون أنفسهم مقصِّرين كَكلّ مرّة، غيرَ مسؤولِين عن إطعام شعب الرّب لأنّهم “فارغون” لا يملكون شيئاً. إنّ دعوتهم هي كدعوة الوكيل الأمين الذي يقدّم الطعام في حينه (لو12)، ولكنّهم لم يستطيعوا رؤية حاجة الآخرينَ بل انصرفوا إلى أنانيّتهم وحاجاتهم.

فقال: عَليَّ بها… 

أمام  فراغ التلاميذ كان “مِلءُ” أي كَرَم الربّ يسوع يملاُ قلوب التلاميذ من ناحيةٍ ويُلبيّ جوع الشعب من ناحيةٍ أخرى. منذ انطلاقة رسالته الأرضيّة أخذ يسوع بنفسه المبادرة لكي يملأ الأجاجين الفارغة في عرس قانا الجليل بالخمرة الجيّدة التي تُفرِح قلب المدعويّن، هو مَن يُعطي ماء الحياة للإنسان العطشان بِسبب قساوة قلب الإنسان أمام السامريّة والمرأة الزانيّة، هو نفسه الذي يُكثر من الخبز والسّمك للإنسان الجائع المتعطِّش لِلخبز اليوميّ ولِكلمة الحياة.

أمام هذه الآيات من الإنجيل لا بدّ من الوقوف وقفة ضميرٍ نحن الذين اختارنا الربّ ودعانا لنكون تلاميذه. إن كان الربّ أَوْكَلَ لنا مهمّة أن نُعطي إخوتنا الذين يَتبعونه شيئاً يؤكَل، فنَحن ماذا نفعل؟ وما دورنا في ظلّ هذه الظّروف الصّعبة وفي مكانٍ قفرٍ لا ماء فيه ولا حياة وقد حانَ المساء ومالَ النّهار؟

جواب الكثيرين منّا لا يتغيّر، “ليس عندنا هَهُنا”، جوابٌ مُبكٍ ومحزنٍ، فإنْ كنّا لا نملك شيئاً أو “فارغين”، فهذه مشكلةٌ، وإنْ كان لدينا ما نُعطيه ونُبخل بالعطاء، فهذه كارثةٌ أكبر. فهل نحن “فارغون” من الانسانيّة وقساةُ القلب والضمير؟ أو نحن نخاف العطاء؟ أو نحن غير مبالِين؟

شكراً لكَ يا ربّي يسوع لأنّك تذكّرني دوماً بالعطاء، بالعطاء من “أللّا شيء” الذي أدّعي بأنيّ أملكه في وقت الضِيق. 

شكراً لكَ ربيّ يسوع لأنّك تذكّرني دوماً بأنه ليس عندي شيءٌ لأعطيه، إنما عندي كلّ شيء لأقدّمه للآخرين مجاناً لأنّه أُعطيَ لي مجاناً.                                                              

شكراً لكَ ربيّ يسوع لأنّكَ تَملأُ كلّ فراغٍ في حياتي لِيَتحوّل إلى نبع فرحٍ وعطاءٍ لتكون لي الحياة، الحياة بملئها. آمين.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp