“إحياء ابْن أرملة نائين” (لو 7: 11-16)

بقلم الأب جاورجيوس شبّوع  ق.ب، خادم رعيّة القدّيسة بربارة – زحلة،

لم تكن هذه المعجزة الوحيدة لإقامة ميْت، ولكنّها المعجزة الأُولى، ثم تلتها مُعجزة إقامة ابْنة يائيروس التي وَردت في (لو 8: 40- 56)، وإقامة صديقه لعازر من الموت بعد أربعة أيامٍ (يو: 17- 44).

إنّ ما يُميّز هذه المعجزة عن المعجزتَينِ الأُخرَيين أنّها تمّت بمبادرةٍ من الربّ يسوع نفسه لا بِطلبٍ من أحد. يقول المقطع الإنجيليّ إنّه بعد أنْ شفى يسوع عبدًا لقائدِ مئةٍ كان مريضًا ومُشرفًا على الموت في كفرناحوم، انطلَق في اليوم التالي مع تلاميذه وجمعٍ كثيرٍ إلى مدينة تُدعى نائين، وفي تلك المدينة كانت هناك أرملة فَقَدَت وحيدها الذي كان قد مات في ظروف غير معروفة.

 لقد كانت هذه الأرملة في وضعٍ إنسانيّ واجتماعيّ صعبٍ: وهي قد فقَدَتْ زوجَها، وخسِرَت ابنَها الوحيد، وها هي الآن خارجةٌ لِتَدفنَ وحيدَها، وكان معها جمعٌ كثير من المدينة. لقد كانت مُحاطةٌ بالأقارب والأصدقاء وأهل البلدة. إلّا أنّ كلّ هذه التعزية البشريّة  لم تُعوِّضها عن ابنها، ولم تمنحها لا السّلام ولا التّعزية في خسارة وحيدها.

لقد انطلَّق موكب الجنازة (الموت) هذا والنّعش في وَسطه، ومن الجهة الأخرى اقترب مَوكب التلاميذ والربّ 
يسوع (الحياة) في وَسطه. التقى الموكبان على باب المدينة، موَكبُ الموت ومَ وكبُ الحياة، فكانت الغَلبَة لموكب الحياة: “أين شوكتكَ يا موت؟  أين غلبتكِ يا جحيم؟”، يقول الرسول بولس في (1 كور 15: 55).

لقد حرَّك منظرُ هذه الأرملة قلبَ الربّ يسوع “فتَحنّن عليها”. لقد شَعر بألمها وحُزنها وهو الربّ الرؤوف والمُتحنِّن، الطويل الأناة والكثير الرحمة. “أبو الرأفات وإلهُ كُلِّ تعزية” (2 كور1: 3). لم ينتظر منها أنْ تطلب إليه أنْ يُساعدها، وهي ربّما لم تلحظ وجوده كَونها كانت تبكي ومُحاطةٌ بالجموع. هو بادَرَ من تلقاء ذاته واقترب منها أوّلاً، وقال لها مُعزّيًا :”لا تبكي”، ثم دنا ولمس النّعش فوق الحاملِين. لم يكتف بتعزيتها بالكلام فحَسب، بل بالفعل أيضاً فأوقف النّعش وقال للشابّ الميْت: “لكَ أقول قُم”، فاستوى الميْت وبدأ يتكلّم فسلّمه إلى أمّه.

لو أنّ أيَّ إنسانٍ آخَر قد فَعل هذا العمل وتكلّم مع الميْت بما قاله الربّ يسوع لكان قد صار عُرضةً للهزء والسخريّة من قِبل الجموع، ولكنّ كلمة الربّ يسوع كما يقول بولس الرسول: “كلمة الله حيّةٌ وفعّالةٌ وأمضى من كُلِّ سَيفٍ ذي حدَّين”.

لم يَظهر الربّ يسوع أمام هذه الحادثة بمظهر المتفرّج اللامبالي وغير المُكترث بالألم والحُزن البشريّ، لقد تدخّل في حياة هذه الأرملة وأقرن القول بالفعل، لقد عزّاها أوّلاً قائلاً: “لا تبكي”، ثم “أقام وحيدها من الموت”، ثمّ “دفعه إلى أُمّه”.. لا يوجد أصعب من حُزن الموت، لأنّ كلَّ موتٍ فيه فُقدانٌ وخسارةٌ، بِغَضِّ النظرِ عن الظروف والمكان والزمان. لا يستطيع الإنسان المسيحيُّ أنْ يقف موقف اللامبالي أمام حُزن وألم أخيه الإنسان، بل ينبغي له أن يُسرِع ويُقدِّم التعزية البشريّة بالقول وبالفعل، أي بالمساعدة حسبما تتطلّب الحالة والظروف.

ولكنْ، تبقى كُلُّ تعزيةٍ بشريّةٍ ناقصةً وعاجزةً عن تعزية القلبِ وبَلْسَمَةِ الجُرحِ ومَنحِ التعزيةِ الحقيقيّةِ والسّلامِ الداخليّ، إنْ لم يكن مصدرُ هذه التّعزية إلهيّاً،  يحصل عليه الإنسان المحزون والمتألّم من خلال الصّلاة، الصّبر، الرّجاء ومطالعة الكلمة الإلهيّة، كلمة الله المُحيية.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp