القدّاس الاحتفاليّ من أجل الرّاقدين على رجاء القيامة،
الذكرى الرابعة لافتتاح المركز الرّوحيّ لجماعة “أذكرني في ملكوتك” – زوق مكايل.
أبرز ما جاء في عظة القدّاس الإلهيّ للأب ابراهيم سعد:
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين
جاء في إنجيل اليوم: وَأَيْضاً أَقُولُ: إِنَّهُ لَأَسْهَلُ أَنْ يَدْخُلَ الْجَمَلُ فِي ثَقْبِ إِبْرَةٍ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ الْغَنِيُّ مَلَكُوتَ اللهِ”. 25 فَدُهِشَ التَّلاَمِيذُ جِدّاً لَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ، وَسَأَلُوا: “إِذَنْ، مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَخْلُصَ؟” 26 فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: “هَذَا مُسْتَحِيلٌ عِنْدَ النَّاسِ. أَمَّا عِنْدَ اللهِ، فَكُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ”
فالإنجيلُ هنا يتحدَّثُ عن الغِنى، وفيه إشارةٌ إلى كلِّ غنيٍّ اعتقد أنَّ ماله مُلكَهُ، وهو في الحقيقةِ مجرَّدُ وكيلٍ عليه. وإن تصرَّفَ كمالكٍ للمالِ، لن يتمكَّنَ من الانسلاخ عنه، وبالتَّالي لن يستطيعَ دخول الملكوت. والفقر هو الصُّورة الواضحة عن الحاجة، ولا يوجدُ من هم بحاجةٍ إلا الفقراء الذين يُعبِّرون عن حاجتهم بالفعل. فالفقرُ هو الحاجة القصوى، أمَّا باقي الناس فكلٌّ منهم له حاجته، ربما أحدهم يحتاج المحبة، في حين يحتاج آخر العلم.
إلا أنني اليوم، وبالتَّغاضي عن موضوعِ الفقر الماديِّ على أهميَّته، أودُّ الحديث عن فقرٍ من نوع آخر، وهو الفقر بالحبِّ والفقر بالفهم، اللَّذَيْن أصابا جميع المسيحيِّين، لذا باتوا يجعلون من مسيحيَّتِهم دِيناً ككلِّ الأديان، في حين أنَّها لم تكن يوماً ديناً، بل نهج حياةٍ يقودُنا إلى استبدالِ عيونِنا بعينَيّ الله، فنرى الآخر معبَراً لحياتنا، وليس خَصماً، وعندها ندخلُ ملكوت السماوات، بل ويكون الملكوت في داخلنا أصلاً لأنَّنا سمحْنا لله أن يتملَّكَ على حياتِنا. ولكن إن ظَلَلْنا نعتقدُ أنَّنا نحنُ كل شيء، وأنَّ غيرنا يقرعون أبوابَنا لنَحُنَّ عليهم، فلن تستقيمَ الأمور.
ومَن اجتمعْنا اليوم لأجلِهم، أي من سَبقُونا إلى السَّماء، ليسوا مُقَسَّمين فوق، إذ دَخَلوا إلى مكانٍ تخلَّوا عن بشرِيَّتِهم قبل أن يَطؤوه. إذ لا شيء يُقسِّم النَّاس إلا بشريَّتهم، والأنا التي في داخِلِهم. نحن نعتقدُ أنَّنا نُصلِّي لأجل الراقدين، لكنْ في الحقيقة نحن نُصلِّي لأجل أنفسِنا، فهم قد دَخَلُوا في حالةِ الرَّحمة الدائمة وفَهِمُوها، أمَّا نحنُ فبالرغم من أنَّنا في حالةِ الرحمة إلا أنَّنا لم نفهمْها بعد، لأنَّنا لو فهِمناها لرَحمنا بعضَنا، ولو فَهمنا غِنى الحبّ، لعَرفنا كيف نُحبّ.
فالأمر إذاً يحتاجُ الوعيَ واليقظة، لنُدركَ حُبَّ الله لنا، لا حبَّنا نحنُ لله. فحبُّنا له موسمي، في حين أنَّ حبَه لنا دائمٌ، والإنسان الواعي هو من يتعلَّقُ بما هو دائمٌ وليس وقتي. وعلى هذا الرجاء نجتمعُ اليوم، وعلى هذا الرَّجاء سنُكمل، لتكونَ كلمةُ الله هي من تَقودنا إليه عبر طريقٍ واحدةٍ؛ الإنسان من كان ومهما كان. علينا أن نحبَّ الإنسان، بالأخص من لا يُرِيحنا، ومن يختلف عنَّا بكلِّ شيء حتى بِدِيننا، وإلا يُدِيننا الله. على هذا الرَّجاء سَنَسِير، هكذا اتَّفقنا وهكذا سنُكمِلُ، آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ من قِبَلِنا.