المسيح ولد فمجدوه. أليلويا!:
بقلم الأب انطوان الندَّاف ق.ب، خادم رعيّة النبيّ الياس- الخنشارة،
بتَجسُّد الكلمة ابنِ الله أَدرَكَ الإنسان أبعادًا كانَتْ مُبهَمة بالنّسبة إليه: قَبْل التجسُّد كان الإنسان أعمى عن الحقيقة والحياة، بَعد التَّجسُّد صار خليقةً جديدةً وأُعيدَ لِعينَيه نورُهما ولِنَفسِه المعرفةُ والحريّةُ وصارتْ له الأبديّة كما صار لحياته معنًى وصار قادرًا أيضًا أنْ يموت ليَحيا. أَصبحَ بإمكانِه أنْ يصيرَ إلهًا منذُ قَبِلَ الإلهُ أن يتنازلَ ليَصيرَ إنسانًا ويُقاسِمَ الإنسان حياتَه منذُ الولادة حتّى الموت ما خلا الخطيئة مُعتِقًا إيَّاه مِن عبوديّة الموت ومانحًا إيّاه الرَّجاء بحياةٍ لا نهايةَ لها. هذا ما يُفسِّر فَرحة المؤمِنِين بالميلاد، تلك الفَرحة الّتي لا تُضاهيها إلّا فرحَتهم بِعيد الأعياد وموسم المواسِم عَنَيتُ الفِصح العظيم المقدَّس.
فالميلاد، عيد التجسُّد، عيد صَيرورة الله إنسانًا ليَصير الإنسانُ إلهًا، وارتباط الفِصح بالميلاد وثيقٌ لأنَّ هذا الإله المتجسِّد هو نفسه سيَموت وسيَقهَرُ الموتَ مانحًا إيّانا الخلاص. لقد وُلِدَ في العالم لنُخلَقَ نحن للأبديّة، دَخَلَ الموت لِنَعبُرَ إلى الحياة. إتَّخذَ جوهر الإنسان، لبِسَه بِكُليَّتِه ونقَّاه، فصار بإمكان الإنسان أنْ يكسَبَ بواسطة الرُّوح القدس اللهَ في داخِله وأنْ يَسترشِد بتعاليمِه ويَهتدي إلى الحياة مِن ذاك الّذي هو بهاءُ مَجدِ الله ورَسمُ جَوهره وحاملُ كلِّ الأشياء، بِكَلمة قُدرَتِه بعد أن طهَّرنا من خطايانا وجلسَ عن يمين القدرة في الأعالي.
بِتَجسُّد الكلمة أُعِيدَ الإنسان إلى حالةِ ما قَبْلَ الخطيئة والسُّقوط، ولِكي لا يَضِلَّ مجدَّدًا أُعطِيَ له الرُّوح ليَعمَل فيه ويوجِّه حياته نحو نور الحياة وواهِبِها، لكنَّه ما زال متمتِّعًا بحريَّته وله أن يختارَ طريقَه إمّا إلى الاتِّحاد بالله، وإمّا إلى الابتعاد عنه والموت. تصميمُ الله لم يَكن لاستبعاد الإنسان بل لإنقاذه من عبوديّة الموت، مِن هنا أهميّةُ اختيارِنا، وإنْ كان الرُّوح القدس يوجِّهنا ويُحرِّك داخلنا فهو لا يقف حائلاً دون إتمام مشيئتِنا. أيّةُ مشيئة كانت مشيئة الإنسان بعد التجسُّد؟ كيف عاشَ بعد أن تأنَّسَ الإله؟ وكيفَ يعيش اليوم؟ مع الأسَف الشَّديد، لقد نَسيَ أنّه ابنُ الله وصورةٌ له، نسيَ أنّه مُفتَدًى بِدَمٍ طاهرٍ وعليه أن يكونَ أهلاً له. لقد شوَّه صورةَ الله بِتَشويهِ أخيه ودمَّر علاقتَه بالخالِق عندما ساءَت علاقتُه بأخيه وهو أيضًا لم يُدرِك أنّه يُهلِك نفسَه إذ ينقادُ إلى ضلالاتِ الجسد.
نرجو أنْ يكون الميلاد مناسبةً للرّجوع إلى أنفسِنا نُنقِّيها، إلى ضمائرنا نُحيِيها ونُعيد إليها حلاوتها الرادعة، وللقلب المحبّة والتَّسامحَ والصَّفاء ليَصيرَ كمنارةِ بيتَ لحم الّتي، رُغم حقارتِها، استطاعَتْ أنْ تستقبل الطِّفلَ الإلهيّ وتُشعَّ نورًا على العالم أجمع. آمين.