“انْظُروا إلى نهاية سِيرتهم، فتَمَثّلوا بإيمانهم“(عب 13: 7)

الخوري جوزف سلوم،

لقد دعانا الربّ واختار كلّ فردٍ منّا قبل إنشاء العالم، “لنكون في نظره قدّيسِين، بلا عيبٍ في المحبة” (أفس 1: 4).

يَمثُلُني ذاك الشاب الغنيّ الّذي أسرَع إلى اللِّقاء مع المسيح، فسأله:”ماذا أعمل لأرِث الحياة الأبديّة؟” (لو 18:18). مِلءُ الحياة تَطلبها كلُّ الأمم، ويظنّ الإنسان أنَّه يَحْصَل عليها بجهده وقوّته وعمله، ومن خلال حِفظ الوصايا، ويأتي يسوع لِيوضح أنَّ ميراث الحياة هو بِشموليّة ومجانيّة الحبّ: “فنَظر إليه يسوع وأحبَّه” (مر 21:10).

فمِن تحدِّيات عالمنا المعاصر لعبة التنافس وشريعة الأقوى وعولمة اللامبالاة، وثقافة الرفاهة، وصنميّة المال، والفردانيّة والتماهي في العالم الافتراضي، والسرعة العشوائيّة، والسطحيّة المنتفخة، وفقدان النماذج، والحزن الداخليّ، والاقتصاد الإقصائي وأبعاد الكره والعنف والتطرّف وضياع القِيَم، وسيطرة المظهر الإداري على البُعد التبشيري والرعوي، والتصحّر الروحيّ، وتغلغل روح العالم في العمل الروحيّ، كأنَّ مجتمعنا أصبح مجتمع الشهوة والعزلة.

ولَربما التحدّي الأعظم لِدعوتي هو أنْ أفهَم كلام الربّ لإبراهيم: “سِرْ أمامي وكن كاملاً” (تك 1:17)، وأُدرِك مفهوم دعوتي إلى القداسة وبطولة الفضائل الإلهيّة. فالقدِّيسون ليسوا كائناتٍ غريبةً آتيةً من كوكبٍ آخر، إنّهم بَشَر مثلنا، عاشوا في زمن له تحدِّياته الخاصة ولكن شغفهم كان واحداً، ألا هو: عُشْق الله.

فهؤلاء يحسِنون قراءة علامات الأزمنة ولا يساومون لِروح العالم والخطيئة، بل يحيَون حالة المطابقة للإنجيل ويحسِنون الاتِّباع الجذري للمسيح بِثباتِ الإيمان وسخاء المحبَّة وفرح الرّجاء. إنَّهم ملح الأرض ونور العالم، وهم العامِلون كي تبقى مصابيحهم مشتعلةً.

فالقداسة ليْسَت حظًا بل دعوةً مجانيّةً، القداسة ليْسَت امتيازاً لبعض النّاس وللمكرّسين بل دعوةً لكلِّ المعمَّدين، فالقدِّيسون قريبون منَّا يعكسون حضور الله، نراهم في وجوه الأمهات والآباء والمرضى والمكرّسين، لأنّ القداسة هي في صميم الحياة اليوميّة تمرّ بالبيت، بالشارع، بالعمل والكنيسة.

والقداسة ليْسَت غياب الخطيئة بل اختبار رحمة الله وقبول ضعفنا ومحدودّيتنا.

القداسة هي عَيْش الحاضر ومَلؤه بالحبّ الّذي لا يعرف الحدود.

والقداسة ليْسَت تحصيلاً لمعارف لاهوتيّة وحقائق روحيّة وتحويل تعليم يسوع إلى منطقٍ بارد وقاسٍ يسعى للسيطرة على  كلِّ شيء، وإيجاد أجوبة لكلِّ الأسئلة، وليست القداسة جهداً شخصيّاً وإرادة بشريّة ومحافظة على قوانين وثِقة مفرطة بالنَّفس وممارسات تِقَوية في أنماط وعادات متجاهلِين إنَّنا ليس بأعمالنا أو بجهودنا نتبرَّر، إنَّما بِنعمة الله المبادِرة، لأنَّ القداسة هي هِبَة الله القدّوس الّذي يقودنا بقوّة روحه القدّوس إلى دروب الحبّ والأنجلة لِعَيْش شرعة الملكوت في التطويبات.

فانْظُروا أيّها الإخوة إلى الصّخر الذي منه نُحِتُّم، انْظُروا إلى المسيح وكلمته، فهو يُرينا منهجيّة ودروب القداسة، انْظُروا إلى مريم وإلى أرث قدِّيسينا وقدِّيساتنا، فهو زاخرٌ بعطر السّماء، فَهُم مثالٌ وشفعاء وقدوةٌ لنا، وامنَحنا يا ربّ أنْ نكون بِدَورِنا قدوةً لإخوتنا وأهّلْنا اليوم وكلَّ يومٍ أنْ لا نخاف أنْ نكون قدِّيسِين.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp