“تعزيَة الحزانى”
بقلم الخوري جورج نخول، كاهن رعيّة مار أفرام – كفردبيان،
عندما تُعلَّق ورقةُ وفاة أحدِهم على إحدى الجدرِان، نُبادِر إلى قراءتها وبعدها بالتوجّه إلى صالون الكنيسة لتقديم واجب العزاء لأهل الفقيد ومُحبّيه. غير أنّ “تعزية الحزانى” تَحمِل في طيّاتها أبعادًا أشمل وأعمق من فِعل تقديم الواجب لهم.
لِــ”تعزية الحزانى” ثلاثة أبعادٍ مهمَّة:
أوّلاً: إنّها شعورٌ إنسانيّ حسيّ ووجوديّ، وفيها نُعبِّر عن تضامُنِنا مع إخوتِنا المحزونِين، إذ نشعر بالألم لما أصابهم جرّاء فُراق أحد أحبّائهم بالموت. في تقديمنا واجب العزاء، نُعبّر كذلك، عن رغبتنا بِمساندتهم، بالوقوف معهم جنبًا إلى جنب، في هذا الظرف الصّعب الّذي تعرَّضوا له، إذ إنّهم إخوةٌ لنا بالمسيح.
ثانيًا: عند تعزيتنا للمحزونِين، نبثّ فيهم روحَ الإيمان المسيحيّ، فنذكِّرهم بأنّنا نشترك وإيّاهم في الإيمان بالربّ يسوع المسيح، الفادي والمخلِّص، والّذي أعاد إلينا الحياة الأبديّة بقيامته، بعد أن خسِرناها بالخطيئة، فنصلّي معهم لأنَّ الصّلاة تشكِّل بحدِّ ذاتها تعزيةً لهم، وتمنحهم راحةً وسلامًا، وتقوِّي إيمانهم وتعزّز فيهم رجاءهم المسيحيّ بقيامة أمواتهم.
ثالثًا: إنّ “تعزية الحزانى” لا تقتصر على دقائقَ معدودة يُقدَّم فيها واجب العزاء، بل تتطلّب من المؤمِنِين زيارة هؤلاء الحزانى بعد انتهاء أيّام العزاء في الكنيسة، لمساندتهم في حاجاتهم وصعوباتهم الحياتيّة، كي لا تعود العائلة المحزونة إلى بيتِها، وتصارع وَحدتها في غياب فقيدِها وَحدها، وتشتدّ عليها الأفكار السوداء والتجارب. إذًا، “تعزية الحزانى” تتطلّب مرافقة المؤمِنِين للمحزونِين، والاشتراك معهم في الصّلاة وقراءة كلمة الله والتأمّل بها، فيشهدون معًا لإيمانهم بالربّ يسوع على الرُّغم مِن مُصابهم الأليم.
إنّ الموت يبقى اختبارًا إنسانيًّا صعبًا، على الرّغم من إيماننا بالقيامة، إذ إنّ الّذي نفقده بالموت هو إنسان تَشارَكنا معه مشاعر وأحاسيس وخبرات حياتيّة، وقد أصبحنا عاجزين عن رؤيته بعيون الجسد، كثيرون هم الأشخاص الذين يسبّب لهم الموت صدمةً كبيرةً جدًا، وبخاصّة إذا كان الفقيد في عمر الشباب، فإنّ أهاليهم لا يستطيعون تقبّل فقدان فِلذات أكبادِهم بسهولة، ويبقى أثر فقدانهم لهم كبيرًا. وهنا تظهر أهميّة دَورِنا لِبَثّ هذه الأبعاد الأساسيّة.
فالربّ يسوع الذي يعطي التّعزية الحقيقيّة، لا يعمل فقط من خلال الكاهن، أو من خلال الشمّاس، بل يعمل أيضًا من خلال عمَل الجماعات في الرعيّة، وفي كلّ أخٍ وأختٍ، في سبيل صُنع السّلام الرّوحي وإعطائه لكلِّ محزون. وبالتّالي، “تعزية الحزانى” لا يجب أن تقتصر على تقديم الواجب لأهل الفقيد فحَسب، بل على مُسَاندتهم من خلال وجودِنا وقُربنا منهم، والصّلاة معهم، الّتي من شأنها أن تزرعَ الرجاء في قلوبهم وتقوّي نفوسَهم اليائسة إثر هذا الفراق.