انطلاقة “أذكرني في ملكوتك”،
كنيسة القديسين قسطنطين وهيلانة – جونية، كسروان.
عِظة القدّاس الإلهيّ للأب نايف سمعان، خادم الرعيّة:
تساءل الأب سمعان في عظته عن سبب وقوع الإنسان في حالة من اليأس الشّديد الذي يذهب به إلى درجة الانتحار. لكنّه استطرد وذكر أنّ اليأس ملازم للطّبيعة البشريّة بل ومتأصّل فيها، ويمكنه أن يصيب كلّ كائن بشري. حتّى يسوع المسيح، خلال فترة بشريّته، وأَنْسَنَتِه، أُصيب باليأس مراراً، إلاّ أنّه سيطر عليه، وأوْجَدَ لنا الوسائل والطّرق العديدة للسّيطرة عليه.
وإنجيل اليوم، فرّح قلب يسوع من جهة، في بدايته، إذ أتاه من سأله: “ماذا أفعل لأرث الحياة الأبديّة؟”؛ وهذا السّؤال أو الفكرة فيها منتهى سرور المسيح، لأنّ الإنسان فيها يتخلّى عن الأسئلة الماديّة الأرضيّة: ” كيف أحافظ على صحتي؟ وكيف أغتني؟ وكيف أطوّر معلوماتي؟ وكيف أحافظ على مقامي؟”، وغيرها من الأسئلة المشابهة… قليلون جداً هم من يسألون عن كيفيّة “الخلاص”. عندها سأله يسوع إذا كان قد حفظ وصايا الله، فأجابه ذاك بالإيجاب، إذ حفّظه إياها أهله. عندها ازداد فرح المسيح لوجود عائلات تزرع كلام الرّب في قلوب أبنائها. عندها طلب منه الذّهاب وبيع ممتلكاته، وتوزيع الأموال على المحتاجين والفقراء. وانتظر يسوع عندها إجابة ب “نعم” على مثال القدّيسين ” أنطونيوس” وغيره ممن باعوا كلّ ما كانوا يملكونه، حتّى تتمّ فرحته الكبرى. إلاّ أنّ السّائل عاد حزيناً لأنّه كان غنيّاً جدّاً، واستصعب طلب المسيح فلم يستجب له. عندها، وقع المسيح في حالة من اليأس، هو الذي أعطى كلّ ما يملك بمجّانية، ولم يسأل عن المقابل يوماً.
ثمّ أضاف الأب سمعان أنّه وجد أفضل ما يمكن قوله في هذا القدّاس الأوّل للصّلاة من أجل أمواتنا الرّاقدين على رجاء القيامة، هو التّذكير بحالة المسيح يسوع، وهو معلّق على الصّليب، أمام جمهور غفير، أطعمه بكسر الخبز عندما جاع، ورأى بينهم الأعمى الذي شفاه، والمقعد الذي أقامه، ولعازر الذي أقامه من الموت بعد أربعة أيّام، وقائد المئة الذي شفاه، وغيرهم الكثيرين ممّن أنعم المسيح عليهم بنعمه، ينظرون إليه ويصرخون مع الصّارخين: ” اُصلبه! اُصلبه!”. وعندها أدركه اليأس الشّديد من قتل النّاس للطّبيب الشّافي، للمُخلّص! ولكنّه تشجّع عندما عرف فقر الشّعب وجهله، فسأل الرّب أن يغفر له ذلك الجهل: ” اِغفر لهم يا أبتاه، لأنّهم لا يُدركون ماذا يفعلون”…وتشجّع أكثر عندما عرِف له لصّ اليمين جميله، فطلب منه المغفرة، وذكره في الملكوت: “اُذكرني يا ربّ، متى أتيت في ملكوتك”؛ وللحال غمر المسيح سرور عارم، فأعطاه الحياة الأبديّة معه في السّماء، دون كلّ الأحياء بالجسد، الأموات بالرّوح، إذ حكموا بالموت على يسوع؛ وأضحى هذا القول عنواناً للكنيسة النّادمة، المؤمنة جمعاء، عنواناً للتّواصل بين الإنسان وربّه، عنواناً لجماعة مكرَّسة لِتَصل الإنسان الحيّ على الأرض، بالإنسان الحيّ في السّماء. فنصلّي لأمواتنا ليتشفّعوا لنا فنتقبّل الخلاص.
الموت في المسيحية بداية الولادة الجديدة، الخليقة الجديدة، لذا على هذه الصّلة مع الأموات أن تبقى موجودة، حتّى يشفعوا لنا، عبر صلاتنا لأجلهم من فيض حبّنا، فنَخلص جميعاً بالمسيح يسوع.
وختم الأب سمعان، بشكر جماعة ” ُذكرني في ملكوتك”، على تقبّلهم أن تكون كنيستنا وجماعتها فرداً منهم، لتنتشر رسالة الرّجاء في العالم كلّه. المسيح قام، حقًا قام!
ملاحظة : دوّنت العظة بأمانةٍ من قبلنا.