تفسير الكتاب المقدّس،
الأب ابراهيم سعد،
“سِفر حزقيال النبيّ – الإصحاحان: 16-37”
نتكلّم اليوم، في القسم الثّاني من سِفر حزقيال، عن خطيئة أورشليم وعن التّشويه الحاصل في العهد القديم للعلاقة بين اللّه وشعبه، فإمّا أن تكون كالعلاقة القائمة بين الأب والابن البكر (أيّ الوريث)، أو الصّورة الأهمّ لهذه العلاقة هي صورة الحبيب والحبيبة (أو العريس والعروس) بين الله وشعبه. لهذه الصورة أهميّة كبرى، وخاصةً في العهد الجديد نقلاً عن الرّسول بولس الّذي لا يتكلم عن سرّ الزّواج كَسرّ إلّا من خلال علاقة المسيح بكنيسته، وليس من خلال علاقة الرّجل بزوجته، فأنتم تتشبّهون بعلاقة المسيح بكنيسته. إذاً تكْمُن المسألةُ بين الله وشعبه، بين العريس والعروس، وهذا العريس هو اللّه، الحبيب الّذي يُسمّي نفسه في العبريّة “حِسِد” (أيّ الرّجل الّذي يغار كثيراً على حبيبته من نظرات الآخرين. فهو يُريد فقط أن يجلِسا بالقرب من بعضهما ويمضِيا الوقت بالنّظر إلى بعضهما).
هذه هي العلاقة الّتي يريدها الله. فالآلهة الأخرى تُغضِبُ اللّه على الرّغم من أنّها غير موجودة، وقد صنع البعض آلهةً يعبدُها وهي الأصنام الّتي لها عيون ولا تبُصر، ولها آذان ولا تسمع ولها أفواه ولا تتكلّم. وأنتَ تجعلُ من هذا الصّنم إلهَك وتعبُدُه وتنسُبُ إليه أموراً ليحقّقها لك مثل أمور الطّبيعة، فعندما يتأخّر تساقُطُ المطر يصلّوا للإله بعل ليبعثَ لهم المطر وهم يؤمنون بالله. كما ذهب موسى ليجلبَ الوصايا العشرة من الإله الحيّ وعندما عاد، وجد الشّعب قد أتى بقطعٍ من ذهب، وصنع منها صنماً على شكل عجلٍ وبدأ بعبادته، فلم يقبلْ الشعب بموسى لأنّ غيابَه قد طال فبدأ يشكّ في قدرة الله. إذاً تكمن المشكلة في أنّ الإنسان هو عابدٌ لشيء ما. فالله يقول: إذا أنا انتشلتكِ من أدنى درجات الأرض وأنقذتكِ من كلّ تلك القذارة وغسّلتُكِ ونظّفتُكِ وجعلتُكِ عروساً وتزوّجتُكِ، فهل ستعودين إلى الشّارع، أيّ إلى عبادة آلهة أخرى؟
هذه الصورة القاسية طرحَها حزقيال في كتابه عن خطيئة الشّعب. وهناك خطيئتان الله لا يتساهلُ فيهما، وهما عبادةُ غير الله وإهمالُ المحتاج؛ إن كان يتيماً أو أرملةً أو فقيراً. بمعنى آخر، جعل الله هاتيْن الخطيئتيْن خطيئةً واحدةً، فتصرّفُ الإنسان وحياتُه يُظهران أن عبادة الله تصبح عبادةً كلاميّةً وصوريّةً وطقسيّةً، وهنا تكمن الخطورة في أن تقومَ بحركاتٍ في الهيكل معتقداً أنّها العبادة. إذ هناك فرقٌ بين العبادة والطّقوس، فالطّقوسُ هي تعبيرٌ عن العبادة الحقّ، ولكن عندما تقوم بالطقوس من دون العبادة تُصبح مثلَ كاذبٍ تُريدُ أن تعيش الله في الوهم. لذلك تُكثِر من الذّبائح والنّذور الّتي تقودَك إلى الظّنّ بأنّ عبادة الله هي مجرّد حركات تقوم بها أو كلمات تقولها أو أمور تتصوّرها فيصبح هذا كلّه من عبادة الأصنام والله لا يقبل بها.
هل الله اختار شعباً بصفةِ شعبٍ مختارٍ فقط؟ لا، لأنّه قال لهم: “من قبْلِكُم، كان هناك شعوبٌ كثيرة وقمْتُ بإزالتها من هذه المنطقة، وأنتم إذا كنتم مثلَهم وعَصيْتُم أوامري ستُواجهون المصيرَ نفسَه” فلا يوجد ما هو حقٌّ حصريٌّ لكم، فتظنّون أنّ الله لا يستطيع التّخلي عنكم لأنّه سيُصبح من دون شعب، أمّا إذا أنتم تخليّتم عنه فلن تظلّوا من دون إله بل ستجدون على الفور إلهاً آخر. فقال لهم :”لا تُؤمِنوا لا تَأمَنوا” (أيّ إذا كنتم لا تؤمنون لن تعيشوا في أمانٍ). ففي اللّغة التّربوية، عندما يحاولُ شخصٌ ما أن يُعلّم شخصاً آخر فإنّ الكلام يأخذ طابع الإنذار والتّهديد والتّوبيخ والتّأديب. فالاعتقاد بأنّ الله هو فقط إلهُ محبّةٍ ورحمةٍ ومن غير الممكن أن يؤدّب، هو اعتقادٌ خاطئٌ، لأن التّربية تُنبّهُك في مواقِفك وأفكارك الّتي يُمكن أن تؤدّي بك إلى الهلاك.
حزقيال يقول: “لقد نكرتُم كلّ ما قام به الله من أجلكم وكأنّ شيئاً لم يكُن”. هذا هو التّمرّد فأنتم تقومون بإلغاء حكمِ الله وقوّته وسُلطته وألوهيّته وتجعلونه كصنمٍ له عيونٌ ولا يرى وفمُ ولا يتكلّم وأذنان ولا يسمع.
سنجري قراءةً للإصحاح السّادس عشر وستسمعون قساوة كلامه: “وكانت إليّ كلمة الرب قائلاً :”يا ابن آدم (أيّ يا ابن الإنسان) أخبرْ أورشليم بقبائحها، وقلْ هكذا قال السّيد الرّب لأورشليم: أصْلُكِ ومَوْلِدُكِ من أرض الكنعانيّين، أبوكِ آموري وأمّكِ حثّيّة، أمّا مَوْلِدكِ فإنّكِ يوم وُلِدْتِ لم تُقْطع سرّتكِ ولم تُغسلي بالماء تنظيفاً، ولم تُملّحي بالملح ولم تُلفّي بالأقماط (أيّ أنتِ لقيطة)، لم تَعطف عليكِ عينٌ، فَيُصنعُ لكِ شيء من ذلك ويُشْفقُ عليك، بل طُرحتِ على وجه الحقل قرفاً منك يوم ولدتِ، فمررتُ بكِ ورأيتك متخبّطةً بدمكِ، فقلتُ لك في دمك عيشي (أيّ منحتك الحياة)، وجعلْتُكِ ربواتٍ كنبتِ الحقل فنَمَيْتِ وكَبرْتِ وبَلَغْتِ سِنّ ذُروة الجمال، فَنَهدَ ثدياكِ ونَبتَ شَعركِ (أيّ أنا الّذي ربّيتك منذ صِغرك)، ولكنّكِ كنتِ عُريانةً عُرياً، فمررتُ بكِ ورأيتكِ، فإذا زمانكِ زمان الحبّ” (أي أنّ زمن الحبّ قد بدأ الآن لأنّني أحببتُكِ)، “فبسطتُ ذيل ردائي عليكِ (والثّوب الطّويل هو لباس الملوك)، فَسترتُ عَورتكِ وأقسمتُ لكِ ودخلتُ معكِ في عهدٍ يقول السّيد الرّب فصرتِ لي فغسلتكِ بالماء ونظّفتُ دمكِ الّذي عليك ثم مسحتكِ بالزّيت وألبستكِ وشماً ونَعلتكِ بجلدٍ ناعم، وحزّمتك بالكتّان النّاعم وكسوتكِ بالحرير وحلّيتك بالحلي، وجعلتُ أساور في يديْكِ وطوقاً في عنقكِ (أيّ لستِ عبدةً)، وجعلت حلقةً في أنفكِ وقُرطيْن في أذنيْكِ وإكليل فخرٍ على رأسكِ” (أيّ أصبحتِ ملكةً فالفتاة تصبح ملكةً عندما تتزوج الملك ولا وجود إلّا لملكٍ واحدٍ أيّ أنّ هناك ملكةً واحدةً).
“فتحلّيتِ بالذّهب والفضّة وكان لباسك الكتّان النّاعم والحرير وأكلتِ السّميد والعسل والزّيت، وكنتِ في منتهى الجمال حتّى صَلَحْتِ للمُلك، فذاع اسمكِ في الأمم لجمالكِ لأنّه كان كاملاً ببهائي الّذي جعلته عليك يقول السّيد الرّب (أيّ أنّ كل شيء جميل تملكينه هو منّي، فتذكّري أين كنتِ)، لكنّكِ اتّكلتِ على جمالك” (أيّ تقولين أنّ ما لديك هو مُلككِ فلا أحد وهبك إياه، أيّ إنك غنيّة بفضلك).
هنا سأذكّركم بمثل الغنيّ وأليعازر في إنجيل لوقا: كان للغنيّ خمسة إخوة ما يعني في الكتب الموسويّة الخمسة أنّه يهوديّ، فاعتقد بأنّه غنيُّ بفضله ولا علاقة لله بذلك، وكان أليعازر على باب بيته وكانت الكلاب تلحس جروحه وعندما ذهبا إلى إبراهيم، اليعازر أصبح بين يديّ ابراهيم والغنيّ أصبح في طرفٍ آخر،”بيننا وبينكم هوةٌ عظيمةٌ لا يمكن أن تُردم”. لقد اتّكل الغني على نفسه) “لكنّك اتّكلتِ على جمالكِ وزنيْتِ بما لك من السّمعة (أيّ أنّكِ تركتِني وذهبتِ إلى غيري) وسكبتِ فواحشكِ على كل عابر سبيلٍ قائمٍ. ليكن له ذلك وأخذتِ من ثيابكِ وصَنعتِ لكِ مشارف مبرقشة وزنيْتِ فيها (أيّ أنّكِ استعملتِ كلّ ما أعطيْتُكِ إيّاه للخيانة أيّ للتّوجّه إلى العبادات الأخرى) لا جرى ذلك ولا حصل. وأخذتِ أدوات فخركِ من ذهبي وفضّتي الّتي أعطيتها لكِ أنا، فصنعتِ لك تماثيل ذكور (أيّ أصنام لآلهة)، وزنيْتِ بها، وأخذتِ ثيابكِ الموَشاة فكَسَوتها وجعلتِ أمامها زينتي وبخّوري وخبزي الّذي أعطيتهُ لكِ، والسّميد والزّيت والعسل الّذي أطعمتكِ إيّاه جَعلتِها أمامها رائحة رضى (أي أنّك أخذتِ ما أعطيْتُكِ إيّاه ووضعتِهِ أمامهم لتنالي رضاهم) وهكذا كان يقول السّيّد الرّبّ. وأخذتِ أبناءكِ وبناتكِ الّذين ولدتِهم لي فَذَبحتِهم لها طعاماً (أيّ أنّكِ قدّمتِ أولادكِ وبناتكِ للآلهة الأخرى) أفكانت فواحشكِ أمراً يسيراً؟ (أيّ هل كان مقبولاً ما قمتِ به) إنّكِ ذبحتِ بَنيةَ وسلّمتهم ليُمَرّروا في النّار لأجلها، وفي جميع قبائحكِ وفواحشكِ لم تذكري أيّام صباكِ، حين كنتِ عريانةً متخبّطةً بدمك، وكان بعد كلّ شرّكِ ويلٌ ويلٌ لكِ يقول السيد الرّبّ إنك بنيْتِ لك قُبّةً (أيّ معبداً)، وصَنعتِ لكِ مرتفعاً في كلّ ساحة (كانت العبادات الوثنيّة تُمارس على التّلال)، وفي رأس كلّ طريق بنيْتِ مرتفعكِ وقبّحتِ جمالك وفَرَّشتِ رجليْكٍ لكلّ عابر سبيل وأكثرتِ فواحشكِ وزنيْتِ مع بني مصر جيرانك الغلّاظ البدن، وأكثرتِ فواحشكِ لتسخطيني (أيّ أنّكِ لم تتركيني فحسب بل قُمتِ بما يجعلني أغضب وهذا دليل على حقدكِ) فها أنا ذا قد مددتُ يدي عليكِ وأنقذتُ حصّتكِ وأسلمتكِ إلى شجع مبغضاتك بنات فلسطين اللّواتي خجِلْنَ من سلوككِ الفاجر (أيّ حتى البنات اللّواتي يعبدنَ آلهة وثنيّة خجلنَ من تصرفاتكِ) وإذ كنتِ لم تشبعي زنيْتِ مع بني آشور (أيّ العبادات الآشورية) وزنيْتِ معهم ولم تشبعي، وأكثرتِ في أرض تجّار في أرض الكلدانيّين وبهذا أيضاً لم تشبعي، ما كان أوهى قلبك يقول السّيّد الرّبّ حين فعلتِ هذا كلّه فعل امرأةٍ زانيةٍ سليطةٍ، وبنيْتِ قُبّتكِ في رأسِ كلّ طريقٍ وصنعتِ مرتفعكِ في كلّ ساحة ولم تكوني كالزّانية الّتي تسعى وراء الأجرة، بل كالامرأة الفاسقة الّتي تأخذ أجانب مكان رجلها، كلّ الزّواني يُعطين هدايا فأعطيْتِ هداياك لكلّ مُحبّيكِ ورشوتهم ليأتوك من كلّ ناحية لأمر فواحشكِ، ففعلتِ في ذلك على خلاف النّساء بأنّك تزنين ولم يسعَ أحدٌ وراءكِ للزّنا (أيّ أنّ لا أحد يُلاحقكِ بل أنتِ تُلاحقينهم)، وتعطين أجرةً ولم يُعطى لكِ أجرةً فصرتِ على الخلاف.
لذلك أيتّها الزّانية اسمعي كلمة الرّب إنّي لكونكِ أنفقتِ نحاسكِ وكشفتِ عَوْرتكِ في فواحشكِ على محبّيكِ وعلى جميع قذارات قبائحكِ وبسبب دماء بَنيكِ الّذين بذلتِهم لها، لذلك ها أنا ذا أجمع جميع محبّيكِ الّذين لذّذتِ لهم وجميع الذين أحببتهم مع جميع الّذين أبغضتهم، أجمعهم عليك ضدّك من كلّ ناحية (هجم على بني إسرائيل الأشوريّين والبابليون فهجّروهم وهذا كلّه بسببكِ) وأحكم عليكِ بما يُحكم على الفاسقات وسافكات الدّم وأجعلكِ دماً للغضب والغيرة وأُسلّمُكِ لأيديهم فيقودون قبّتكِ ويهدمون مرتفعكِ ويجرّدونكِ من ثيابكِ ويأخذون أدوات فخركِ ويغادرونكِ عُريانةً عُرياً (أيّ بعد أن يأخذوا منك كلّ شيء سيرمونكِ ويُعيدونكِ كما كنتِ قبل أن أراكِ)، ويجلبون عليكِ الجماعات ويرجمونكِ بالحجارة ويَطعنونكِ بسيوفهم ويُحرقون بيوتكِ بالنّار ويُجرون عليك أحياناً أمام عيون نساء كثيرة، فأكفّكِ عن الزّنا ولا تعطين أجرةً بعد اليوم (أيّ لا عمل لك بعد اليوم) وأريح غضبي منكِ وتزول غيرتي عنكِ، فأهدأ ولا أغضب بعد اليوم (لأنّ أحداً لن ينظر إليك بعد اليوم) بما أنك لم تذكري أيّام صباكِ، بل أسخَطتني في جميع هذا، فأنا أيضاً أجعل سلوككِ على رأسكِ يقول السّيد الرّبّ ألم تضيفي فجوراً إلى جميع قبائحكِ، ها إنّ كلّ ضارب مثل يضرب مثلاً عليك قائلاً “مثل الأمّ هكذا البنت” إنّما أنتِ ابنة أمّك الّتي عافت رجلها وبنيها، وأنتِ أخت أخواتِكِ اللّواتي عِفنَ رجالهنَّ وبنيهنَّ، إذ إنّ أمّكنَّ حثيّة وأباكنَّ آموري فأختكِ الكبرى هي السّامرة السّاكنة على يساركِ (إسرائيل انقسمت إلى قسمين: عاصمة الشّمال هي السّامرة وعاصمة الجنوب هي أورشليم، أهالي السّامرة هُجّروا قبل أهالي أورشليم، أيّ أنتِ مثل أختِك الكبرى فسيُصيبكِ ما أصابها) وأنتِ ألم يكن ذِكرُ سادوم أختك في فمك يوم تَكَبّرك (صورة الخطيئة كبيرةٌ جداً لأنّهم تركوا الله واتّبعوا عبادات أخرى) هكذا قال السّيّد الرّبّ إنّي أصنع بكِ كما صنعت بهم، إذا ازدريْتِ يمين اللّعنة لكي تنقضي العهد وأذكر أنا عهدي معكِ في أيّام صباكِ وأقيم لكِ عهداً أبديّاً وتذكرين أنتِ سلوككِ وتخجلين حين تقبلين أخواتِكِ اللّواتي هنّ أكبر منكِ مع اللّواتي هنّ أصغر منكِ، وأقيم عهدي معكِ فتعلمين أنّي أنا الرّبّ، لكي تتذكري وتخجلي ولا تفتحي فمكِ بعد اليوم بسبب خجلكِ، حين أغفر لكِ جميع ما فعلتِ” (ننتظر بعد كلّ هذه الصورة البَشِعَة أنّ يغضبَ عليها لكنّه تركها لتعرفَ ما سيفعلُه بها مَن تَبِعَتهم، وعندما تعود إلى ما كانت عليه سيُعاملها بطريقةٍ تجعلها تخجل ولا تتفوّه بكلمة، أيّ أنّه سيغفر لها جميع ما فعلت والله وحده قادر على هذه المغفرة الكبيرة، “وأنتِ تنسَيْنَ كلّ ما فعلتُه لكِ عندما تُصادفين أحداً غيري”. كذلك عندما نتعرّض لأيّ إغراءٍ بشريّ نترك الله ونتبعه مثل الرّشوة أو المنصِب أو المصلحة).
يقول: “قلْ لبيت التّمرّد (أسماهم ببيت التمرد لأنهم سيخرّبون له مملكته أيّ أنّ شعبي سيخرب مملكتي أيّ مملكته) ألا تعلمون ما ذلك؟ قلْ: أنّ ملك بابل قد أتى أورشليم وأخذ ملكها ورؤساءها وأتى بهم إليه آنذاك”. أي ستتهجّرون وتذلّون من قبل الّذين تبعتموهم. مثلاً في سفر التّكوين، حوّاء طلبت من آدم أن يترك الله والأفعى هي الّتي طلبت من حوّاء أن تفعل ذلك. اسم حوّاء مشتقّ من اسم حيّة والحيّة أو الأفعى هي إله عند البابليّين، رمز الخصب والحياة، لأنّ الأفعى تُبدّل جلدها و تتابع حياتها. فسفر التّكوين كُتِب في بابل، بالنّسبة إليهم إلههم قد تركهم لأنّهم تهجّروا وضُربوا فيعتقدون أنه لو كان إلههم حيّاً لكان دافع عنهم، ولكن عندما ارتكبوا الفظائع لم يُفكّروا بالله. إذاً أنتم في بابل إذا ابتعدتم عن عبادتي ستذهبون إلى الهلاك. الأفعى هي رمز الخصب وهي الحيوان الّذي لا يسمع ولأنّها لا تسمع لا تستطيع سماع كلمة الله وذلك يعني أنّها لا تستطيع النّطق بكلمة الله.
إذاً أيّ كلمة تقولها لا علاقة لها بكلمة الله، وإذا استمعتم لها فذلك يعني أنّكم تركتم الله. هذه خطيئة آدم وليست تمرّداً بمعناه البسيط بل هي تمرّد بمعنى آخر أيّ أنّكم قرّرتم أن تكونوا عبيداً لغير الله، في حين أن الله لم يخلقكم عبيداً بل خلقكم ملوكاً إلى حدّ أنّه منح آدم سلطاناً لتسمية كلّ شيء، فالّذي يُسمّي هو السّلطان. إذاً في بداية البشرية، كانت مشكلة الإنسان أنّ الله لم يشبعه على الرّغم من أنّه أعطاه كلّ شيء، لأنّه أراد أن يسمعَ لأحدٍ آخر. إذاً المسألة، هنا، ما هي إلا خيانة لعهد الحبّ.
إذا أضفنا إلى كلمة حبّ حرفاً في الوسط تُصبح حرب. إذاً تُعلن القطيعة بينكم وبين الله بمجرّد أن تستمعوا إلى شخصٍ ثالثٍ تُعلنون الحرب على الله وليس هو مَن يُعلنها، فعليكم تحمُّل نتائجها.
ستنكسرون وتصرخون إلى الله فيغفُر لكم بدلاً من معاقبتكم. لذلك يسوع قال وهو على الصّليب “اغفر لهم لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون” لأنّه لم يستمع إلى غير كلام أبيه فلا يستطيع أن يتفوه إلا بكلام أبيه، ذلك الكلام الّذي لم يتغيّر منذ الأزل وحتّى الآن “حين أغفر لكِ جميع ما فعلتِ”. بالنّسبة إليهم هذا موقِف ضعيف لأنّ الله إذا فقدَ شعبَه لن يعْلَم أحدٌ بوجوده، لذلك قال لهم سأبرّهن لكم أنّني سأدمّركم، فيقولون: لأننا ارتكبنا أخطاءً بحقّ الله سيُعاقبنا هنا يبدأ اليأس ولن يكون هناك خلاص، عندئذٍ يقول الرّبّ: “عزّوا عزّوا شعبي” أيّ في اللّحظة الّتي تشعر فيها باليأس ولا تجد أمامك إلّا الهاوية تأتي يدُ الرّبّ لتنقذك. وفي اللّحظة الّتي تقولُ فيها أنّ الله هو حاميك ومهما فعلتَ لن يتركَك عندها سيتخلّى عنك. الله يستطيع أن يُغيّر كلامَه لأنّ إله الإنجيل هو كلّ يوم في صورة. فكلّ يومٍ يجب أن تتعرّف عليه فيُصحّحَ لك تفكيرَك ومسارَك، والمقياسُ هو الاستماعُ لكلمتِه والإهتمام بالإنسان الآخر فهذا هو معنى القداسة.
صورة أخرى: عندما هُجّر الشّعب اليهوديّ إلى بابل، نحو الألم، أصبحَ الأملُ لديهم بأنّ الخلاص لن يتحقّق إلا بعودتهم إلى أورشليم. إذا تركهم الله ستقول باقي الشّعوب أنّ لا قدرة لله على شعبه وإذا خلّصَهم وأعادهم إلى أورشليم فسيقولون أنّ عودتهم كانت بفضل ما فعلوه وكأنّهم لم يرتكبوا الأخطاء لذلك قرّر الرّبّ أن يخلّصَهم من بابل وأن يتركَهم في منتصف الطّريق إلى أورشليم فيكون قد عاقبَهم، بينما الشّعوب الباقية تعتقد أنّ الله قد خلّص شعبه. والذين سيخلّصُهم هم فقط ممّن قبلوا كلمتَه واهتمّوا بالفقير. طبعاً هناك دينونة ولكن أنتَ تصنع أُسُسَها وأنتَ تحفظ نتائجها.
“وأنتَ فَنَادِ برثاء على رؤساء إسرائيل وقلْ (أيّ على المسؤولين عُميان يقودون عُميان هكذا قال يسوع للفريسيين) أمّكِ يا لها من لبوةٍ بين الأُسُدْ، رَبطت في وسط الأشبال ورَبّت صغارها وأنشأت واحداً من صغارها فصار شبلاً وتعلّم افتراس الفريسة والتهام النّاس، فسمعت به الأمم فأُخذت فيها هوّتهم، فقادوه إلى أرض مصر. فلّما رأت أنّها قد انتظرت وخاب أملها أخذت آخر من صغارها وأقامته شبلاً فصار بين الأسود، وصار شبلاً وتعلّم افتراس الفريسة والتهام النّاس ودمّر قصورهم وخرّب مدنهم، فأقفرت الأرض ومِلؤها من صوت زئيره فأقاموا عليه الأمم ممّا حوله من البلاد وبسطوا عليه شبكتهم، فأخذ في هوّتهم فجعلوه في قفص وأتوا به إلى ملك بابل، أتوا به إلى الحُصون لألّا يُسمع صوته من بُعد على جبال إسرائيل. أمّكِ كانت تشبه الكرمة غُرست على المياه فصارت كثيرة الثّمار من غزارة المياه وصارت لها قُضبان صلبة وارتفعت قامتها بين الغيوم فنظروا إليها لارتفاعها وكثرة أغصانها ثم إنّها قُلعت بغضبٍ وطُرحت على الأرض فأيبستِ الرّياح الشّرقية ثمرتها، وكُسّرت قُضبانها الصّلبة، والتهمتها النّيران وهي الآن مغروسة في البريّة في أرض قاحلة عطشى، فخرج من غصنها نار والتهمتها فلم يبقى فيها غصن” (هذا رثاءٌ وكان الرثاء ندبٌ لأفعالكم إذاً العهد القديم من الكتاب المقدّس ليس بتاريخ لشعب الله ولكنّه تاريخ تمرّد الشّعب).
عندما وصلوا إلى اليأس يقول لهم في الإصحاح السّابع والثّلاثين: “وكانت عليّ يد الرّبّ فأخرجني بروح الرّبّ ووضعني في وسط السّهل وهو ممتلئ عظام وأَمَرّني عليها من حولها فإذ هي كثيرةٌ جدّاً جدّاً على وجه السّهل، وإذا بها يابسةٌ جدّاً (أي مضى وقتٌ طويلٌ عليها)، فقال لي يا ابن آدم أتُرى تحيا هذه العظام؟ فقلتُ أيّها السّيّد الرّبّ: أنتَ تعلم، فقال لي: تنبّأ على هذه العِظام وقلْ لها: أيّتها العِظام اليابسة اسمعي كلمة الرّب هكذا قال السّيّد الرّبّ لهذه العِظام ها أنا ذا أدخل فيك روحاً فَتحيَيْن من جديد، أجعلُ عليكِ عصباً وأنشئ عليكِ لحماً وأبسطُ عليك جلداً وأجعل فيكِ روحاً، فتحيَيْن وتعلمين أنّي أنا الرّبّ (الله يُحيي العِظام ويجعلها مجدداً أجساداً تتحرّك، وهذا ما يُذكّرنا بالخلق الجديد. فيسوع المسيح في إنجيل يوحنا يقول في الإصحاح السّابع عشر: هذه هي الحياة الأبديّة أن يعرفوك أنتَ الإله الحقيقيّ ويسوع الّذي أرسلته).
فتنبّأتُ كما أُمرتُ فكان صوتٌ عند تنبّؤي، وإذا بارتعاش فتقاربت العظام كل عظمٍ إلى عظمهِ ونظرت فإذ بالعَصَبِ واللّحمِ قد نشأ عليها وبُسط الجلد عليها من فوق ولم يكن بها روح فقال لي تنبّأ للرّوح، تنبّأ يا ابن آدم وقلْ للرّوح هكذا قال السّيّد الرّبّ، هلمّ أيّها الرّوح من الرّياح الأربعة وهُبّ في هؤلاء المقتولين فيَحْيَوْا، فتنبّأتُ كما أمرني فدخل فيهم الرّوح فعاشوا وقاموا على أقدامهم جيشاً عظيماً جدّاً جدّاً، فقال لي يا ابن آدم هذه العظام هي بيت إسرائيل بأجمعهم ها هم قائلون قد يبست عظامنا وهلك رجاؤنا وقُضِيَ علينا لذلك تنبّأ وقلْ لهم هكذا قال السّيّد الرّبّ ها أنا ذا أفتح قبوركم وأُصعدكم من قبوركم يا شعبي وآتي بكم إلى أرض إسرائيل فتعلمون أنّي أنا الرّبّ، حين أفتح قبوركم وأُصدعكم من قبوركم يا شعبي وأجعل روحي فيكم فتحيَوْن وأقرّكم في أرضكم فتعلمون أنّي أنا الرّبّ تكلّمتُ وفعلتُ يقول الرّبّ.” (عندما أتى إلى أليعازر عند القبر فقال له هلمّ خارجاً فقام أليعازر). يوحنا قال: “والّذين يسمعون صوته يحيَوْن”.
إذاً كلمة الله فيها حياة وكلمة الله لا تأتي إلّا على شكل فارس على ظهر حصان وهذا الحصان هو الروح، فيصل الرّوحُ والكلمةُ معاً ويرحلان معاً وهما يحميانك أيّها الإنسان. إذاً السّرّ في حياتك هو أن تقبلَ كلمةَ الله، لأنّ كلمة الله تُحييك وتُصبحُ لديك طاقةَ حياةٍ، وعندما تملكُ الحياة تستطيع أن تهبَها لمن ليس له الحياة. فتكون أنت صانعَ حياة ومُحيي، فحين تسمعُ كلمةَ الله وتهتمّ بالإنسان الآخر تُصبح أنتَ الله).
ملاحظة: دُوِّن الشرح بأمانةٍ من قِبلنا.