في بداية هذا النَّص، نقرأ أنَّ الخَتمَ السَّابع قد فُتِح، وكُنّا نتوقَّع عندئذٍ أنْ نرى نهاية هذا العالم، إلّا أنّ كاتب هذا النَّص، الرَّسول يوحنّا، أخبرنا أنّه بَعد أن فُتِح الخَتمُ السَّابع، رأى سبعة ملائكة يتهيَّأون للتَّبويق. في بعض الأحيان، قد ينتظر الإنسان رؤية بعض العلامات ليُدرِك أنَّ الآخَرة أصبحت قريبة، إلّا أنّه يتفاجأ أنّها لا تُبشِّره بما كان يتوقَّع حدوثه. 

وما نعيشه في عالمنا اليوم من أزمات، يدفع البعض إلى الاعتقاد أنَّ نهاية العالم قد أصبحت قريبة، إذ ينظرون إلى ما يحدث حولهم على أنّه علامات تُبشِّر بذلك؛ غير أنّ ذلك غير صحيح، لأنّ الآخِرة لا يستطيع أحد تحديد موعِد حصولها من خلال علامات، لأنّ هذه العلامات تُحدِّد ما سَيَحدث قَبْل مجيء المسيح الثاني، فيتمكَّن المضطَهدون مِن أجل إيمانهم والمعذّبون في هذا العالم والـمُخلِصون للربّ، مِن الثبات في إيمانهم، لإدراكهم أنّه في مجيئه الثاني، سيمسح الربُّ كلّ دمعةٍ من عيونهم. 

إذًا، من خلال هذا الإصحاح، أراد يوحنّا الرَّسول أن يقول لنا إنّ هذا الزَّمن الّذي نعيشه في هذا العالم، مع كلّ ما يحتويه من صعوباتٍ، هو فرصةٌ لكلِّ مؤمن كي يزداد ثباتًا في إيمانه بالربّ، كما أنّه فرصةٌ لكلِّ إنسان لا يزال متمسِّكًا بعباداته الوثنيّة كي يتوب إلى الربّ، لينال الخلاص. وهنا يُطرَح السُّؤال: هل نستطيع أن نرى في كلّ ما يحدث حولنا في هذا العالم، من حوادث وضربات، على أنّها فرصةٌ لنا للتَّوبة تَهيُّؤًا للمجيء الثاني، أم أنّنا نجد فيها فرصةً للبقاء في خطايانا؟

يبدأ هذا الإصحاح بِدَهشةٍ عند المؤمنِين، إذ بعد إصحاحٍ مليء بالتسابيح والتمجيد للربّ، ها هوذا الرَّسول يُخبرنا عن نِصف ساعةٍ من السُّكوت في السّماء. إنّ مُدَّة “نِصف ساعة” هي مُدَّة قصيرة، هي قِسمٌ من الزَّمن لا الزَّمن كلَّه، وكذلك عبارة “الثُلثُ” تُشير إلى فترة قصيرة من الزَّمن أو جزءٍ صغيرٍ من الشيء. إذًا، في هذا الإصحاح، يُكلِّمنا الرَّسول، على ضربات وحوادث سيتعرَّض لها المؤمنِون بالربّ لِمدَّةٍ قصيرة مِن الزَّمن.
ويتابع الرَّسول كلامه في هذا الإصحاح، فيخبرنا عن سبعة ملائكة واقفِين أمام المذبح وفي أيديهم أبواق، لا ليسبِّحوا الله، إنّما ليبوِّقوا؛ والتبويق في القديم كان يُشير إلى حدوث أمرٍ جَلَل، كالاستعداد للحرب. من خلال هذا الكلام، أراد الرَّسول أن يُنَبِّه المؤمنِين بالربّ، إلى ضرورة الثبات في إيمانهم وسط الحوادث والضربات الّتي ستحدث في هذا العالم، كما أراد أن يحثَّ الخطأة إلى الاستفادة من كلّ تلك الأحداث، وإعلان توبَتِهم إلى الربّ.

“وجاءَ مَلاكٌ آخَرَ وَوَقفَ عندَ المذبَحِ، ومَعَهُ مِبخَرةٌ مِن ذَهبٍ، وأُعطِيَ بَخورًا كَثيرًا لِكَي يُقدِّمَهُ مَعَ صلواتِ القدِّيسِينَ جميعِهم على مَذَبحِ الذَّهبِ الّذي أمام العرشِ”: إنّ عبارة “المذبح” في العهد الجديد مرتبطة بذبيحة الصَّليب؛ وبالتّالي، فإنَّ المقصود بعبارة “المذبح” هنا، الحَدث الخلاصيّ الّذي تمَّ على الصَّليب. إنّ الكاهن هو الّذي يحمل الـمِبخرة ويُبَخِّر في العهد الجديد؛ 

وبالتّالي، إنّ الكاهن الأوحد في العهد الجديد هو الربِّ يسوع، وهو في الوقت نفسه، الحَمَل المذبوح على الصَّليب: هو “المقدِّم والمقدَّم”، بحسب تعبير اللّيتورجيا الشرقيّة في الكنيسة. يقول لنا الرَّسول إنّ هذا الكاهن يُبخِّر بواسطة مِبخرة من ذهب، أي بِمبخرةٍ ملوكيّة، وبالتّالي هذا الكاهن هو مَلِكٌ. ويُخبرنا الرَّسول أنّ رَفْعَ البخور كان مترافِقًا مع صلوات القدِّيسِين. 

إنّ صلوات القدِّيسين، مهما كانت كثيرة، فإنّها من دون هذا الكاهن الّذي يبخِّر بمبخرةٍ من ذهب، أي الربِّ يسوع، لا نَفعَ لها، لأنّنا لا نستطيع اللّجوء إلى شفاعة القدِّيسِين بِمَعزِل عن الربّ، إذ لا يمكننا وَضع القدِّيسِين مكان الله. إذًا، التناغم والانسجام بين عمل الربّ وصلوات القدِّيسِين، هو شرطٌ أساسيّ في موضوع التضرُّع إلى الله الجالس على العرش. إنّ الرَّسول يوحنّا قد جَمَع بين المذبح والعرش: وهذا يعني أنَّ الصَّليبَ هو عرشُ المسيح على الأرض حيث سَكَب دَمه؛ والعرش السماويّ هو عرش المسيح الّذي هو الحَمَل المذبوح في الوقت نفسه، لذلك نجد في كلام الرَّسول تعزية للمؤمنِين المضطَهَدين، وتنبيهًا للخطأة.

“فَصَعِدَ دُخانُ البَخورِ معَ صلواتِ القدِّيسِين مِن يَدِ الملاكِ أمامَ اللهِ”، وهذا دليل على أنّ صلوات القدِّيسِين مستجابة أمام الله. عِوَضَ أن يبدأ الرَّسول يوحنّا، كاتب هذا السِّفر، بِسَردٍ للأحداث المخيفة الّتي لا بُدَّ لها من أن تحدث، بدأ كلامه بالحديث عن مِبخرة وبخور وصلوات القدِّيسِين، كما رأينا في الإصحاح السّابق عن الأحصنة، إذ بدأ كلامه على فَرسٍ بيضاء تُشير إلى الانتصار في المعركة، قَبْل انتقاله للكلام على بقيّة الأحصنة الّتي تُنبِئ بالمجاعة والأمراض والموت.

“ثُمَّ أَخَذَ الملاكُ الـمِبخرةَ ومَلأها مِن نارِ الـمَذبَحِ وألقاها إلى الأرضِ، فَحَدَثَتْ أصواتٌ ورُعودٌ وبُروقٌ وزَلزلَةٌ”: هنا، يُخبرنا الرّسول يوحنّا أنَّنا سنكون في مواجهة مع الجوع والأمراض، والهرطقات، وأحداثٍ أليمةٍ أخرى. إنَّ الهرطقة، بالنِّسبة إلى الكاتب، شبيهةٌ بالأمراض والضربات الّتي سنتعرَّض لها، إذ إنَّها تُصبح فرصةً لنا للتَّوبة. إنّ “الأَفْسَنتِين” هي عُشبَةٌ مرَّة، تَرمز إلى البِدَع الّتي تسعى إلى إبعاد النَّاس عن الإيمان.

إنّ الهرطقات تزرع المرارة في هذا العالم، وقد أُصيبَ بعض المؤمنِين بِتِلك المرارة لانجرارهم وراء الهرطقات، فتركوا الإيمان بالربّ، إمّا خوفًا وترهيبًا، وإمّا رشوةً وترغيبًا. هكذا هي التجارب الّتي نواجهها في حياتنا، فهي إمّا أن تكون ناتجة عن خوف أو عن إغراء. كان بطرس في مواجهةٍ مع الخوف، فأنكر الربّ، وسقَط بالتّالي في التَّجربة. 

أمّا يهوذا، فكان في مواجهةٍ مع الإغراء حين باع الربّ وسلَّمه إلى الموت، فسَقط هو أيضًا في التَّجربة. عندما سقطا في التَّجربة، أصبح كُلٌّ مِن بطرس ويهوذا، ضِدَّ المسيح، لأنّ موقِفَيْهِما عبَّرا عن عداوتهما للمسيح. وهنا يُطرَح السُّؤال على كلِّ واحدٍ منّا: كَم من المرَّات نُعبِّر عن عداوتِنا للمسيح مِن خلال مواقفنا، إثرَ سقوطِنا في تجربة ناتجة عن خوفٍ أو إغراء؟ إنّ عبارة “ضدَّ المسيح”، هي ترجمة لعبارةٍ يونانيّة تعني “المسيح الدَّجال”. 

إنّ الامبراطور هو ضِدّ المسيح، وعبادة الامبراطور هي ضِدّ المسيح، والمؤمنون الّذين يرضخون لعبادة الامبراطور خوفًا أو إغراءً يُصبحون ضِدّ المسيح. إذًا، المسيح الدَّجال قد يكون شَخصًا، كما قد يكون فِكرةً، أو حتّى مجموعة أشخاص. في هذه الظروف الحياتيّة الّتي نعيشها في عالمنا اليوم، نحن نعيش سِفر الرُّؤيا، وبالتّالي، نجد أنفسَنا أمام تحدٍّ يفرِض علينا الاختيار ما بين أن نكون مع المسيح أو ضِدَّه. غير أنّنا كبشر، نسعى في الكثير من الأحيان، إلى اتِّخاذ المواقف الّتي تناسبنا، فنختار المسيح عندما يناسب كلامه مصالحنا، ونرفضه عندما يتعارض كلامه مع مصالحنا. 

ولكنَّ المؤمن الحقيقيّ هو الّذي يتَّخذ موقفًا يُعبِّر به عن إخلاصه لكلمة الله، وللشاهد الأمين، الحَمَل المذبوح، يسوع المسيح. ففي المواقف الّتي يتَّخذها الإنسان، يُمتَحن إيمانه بالربّ، لأنّ الإيمان هو كالذَّهب: فالذَّهب لا يُمتَحن إلّا في النَار، والإيمان لا يُمتَحن إلّا في المواقف وَقت الصُّعوبات. 

وبالتّالي، المؤمن الحقيقيّ بالربّ هو الّذي يُظهر ثباتَه في الإيمان وقت الصُّعوبات. وهنا نتذكَّر قول الرَّسول يوحنّا في بداية هذا السِّفر، إذ عرَّف عن نفسِه قائلاً: “أنا يُوحنَّا أَخوكم وشَرِيكُكُم في الضِّيقةِ وفي ملكوتِ يسوعَ المسيحِ وصَبرِهِ”(رؤيا 1: 9). وبالتّالي، إذا كُنّا نواجه الضِّيق والصُّعوبات وصَبَرنا إلى المنتهى، فإنّ ذلك سيؤدِّي من دون شكّ إلى مشاركتنا الملكوت مع الربِّ يسوع. 

في عالمنا اليوم، نَطرَح السُّؤال على ذواتنا: كم مِن المرَّات نلوم الله، ونعاتبه بسبب ما نتعرَّض له من الضِّيقات، لأنَّنا لم نشعر بأنّ ثباتنا في إيماننا به يؤدِّي إلى النتيجة الّتي نرجوها؟ في هذا الإصحاح، يَحثُّنا يوحنّا الرَّسول على الصَّبر على الصُّعوبات الّتي تعترضِنا، لأنّه مهما طالت الشِّدة الّتي نعاني منها، فإنّه لا بُدَّ لها مِن أن تنتهي، وسيأتي المسيح لا محالة لِيَمسح من عيوننا كلّ دمعةٍ. 

إذًا، المطلوب منّا أن نواجه تحدِّيات هذا العالم في حياتنا اليوميّة، من خلال مواقف تُعبِّر عن ثباتنا في الإيمان؛ إذ ليس علينا انتظار قدوم جماعاتٍ مُضطَهِدة لإيماننا بالربِّ يسوع، لنُعبِّر عن إيماننا به بالاستشهاد. فالاضطهاد لا يكون فقط بالقَتل الجسديّ للمؤمِن بالربّ، إذ قد يكون الاضطهاد من خلال أمورٍ صغيرةٍ نواجهها في حياتنا، تتطلَّب منّا موقفًا يُعبِّر عن إيماننا بالربّ. 

ويُكلِّمنا الرَّسول أيضًا في هذا الإصحاح على “بُروق ورُعود وزلزلة”، والّتي يرى فيها بعض مفسِّري الكِتاب المقدَّس، رموزًا تُعبِّر عن الحالة الدَّاخليّة الّتي يعيشها الإنسان والّتي قد تؤدِّي إلى زعزعة إيمانه أو ثباته فيه. إنّ الرَّعد هو أصوات، وبالتّالي هو يُشير إلى التَّجارب والتحدِّيات الّتي يواجهها المؤمِن في هذا العالم. إنّ التَّجارب الّتي تواجهنا في هذه الحياة تَضعنا أمام خيارَين: إمّا الموت الجسديّ ورِبح الحياة الأبديّة، وإمّا المحافظة على الحياة الأرضيّة وخسارة الحياة الأبديّة، أي الموت الرُّوحيّ.

إنّ الملائكة السّبعة تهيّأوا لكي يبوِّقوا، أي أنَّ الوقت قد حان لمواجهة التحديّات. “فَبَوَّقَ الملاكُ الأوَّلُ، فَحَدَثَ بَرَدٌ ونارٌ مَخلوطانِ بِدَمٍ، وأُلقِيا إلى الأرضِ، فاحتَرَقَ ثُلثُ الأشجارِ، واحتَرَقَ كُلُّ عُشبٍ أخضَرَ”. في هذه الآية، يُعبِّر الرَّسول يوحنّا عن المجاعة الّتي سيواجهها المؤمنِون في هذا العالم، إذ سيشتهون كلمة الحياة، ولن تكون متوافرة في هذا العالم إلّا عند قلَّةٍ قليلة من البَشَر. كما يدفعنا الرَّسول إلى التفكير في موقفنا الخاصّ إذا تعرَّضنا لمجاعة حقيقيّة، إذ يُطرَح علينا السُّؤال: هل سيتمكَّن الجوع الأرضيّ من إبعادنا عن الكلمة الكفيلة بإشباعنا؟ 

إنّ القرار هو قرارٌ شخصيّ يتَّخذه كلّ مؤمنٍ منفردًا، وهو الّذي سيقرِّر إذا كان المؤمن سيَصبِرُ على الضِّيقات في سبيل المحافظة على إيمانه أم لا. إخوتي، إنّ الإنجيل ليس قصيدة تُغنَّى، بل هو موجودٌ بين أيدينا لكي نسعى إلى عيشه في حياتنا اليوميّة مع إخوتنا البشر، لا في أوقات صلاتنا الخاصّة فقط. نحن مدعوُّون إلى عيش الإنجيل وَسط إخوتنا البشر، والنَّاسُ أجناس: إذ مِنهم مَن هو صالح، ومَن هو سيئ، مَن هو غدّار، ومَن هو أمين، ومَن يريد الأذيّة للآخَرين، وَفِيهم مَن يريد إخضاع الآخَرين له من خلال إعطائهم رشواتٍ، وَفِيهم مَن يريد إخافتك. 

إنّ الرُّعود والبروق والزلازل نواجهها كلَّ يومٍ في حياتنا، وهنا يُطرَح السُّؤال: ما هو موقفنا أمام كلِّ واحدةٍ منها؟ إذًا، علينا أن نتهيَّأ للصُّعوبات: ففي البوق الأوّل صورة للمجاعة، إذ يُخبرنا الرَّسول عن احتراق الأشجار والأعشاب، وبالتّالي لا وجود للطَّعام.
“ثُمَّ بَوَّقَ الملاكُ الثَّاني، فكأنَّ جَبلاً عَظيمًا مُتَّقِدًا بالنَّارِ أُلقِيَ إلى البَحرِ، فَصَارَ ثُلثُ البَحرِ دَمًا. وماتَ ثُلثُ الخلائِقِ الّتي في البَحرِ الّتي لَها حَياةٌ، وأُهلِكَ ثُلثُ السُّفُنِ”: 

إنّ هذا الكلام يُشير إلى الموت، وأراد الكاتب مِن خلاله، أن يقول لنا إنَّ التواصل بيننا وبين الآخَرين سيتزعزع. تتعاظم الجماهير حول المؤمِن، حين يستقيل هذا الأخير من حَمْلِ لواء كلمة الحَقّ، كلمة الله؛ وتتضاءل الجماهير حوله، حين لا يَقْبَل المؤمِن بالمساومة على كلمة الله، مهما اشتَّدت الظروف عليه. حين يَتبَع المؤمن الربَّ يسوع، فإنّه سيتعرَّض لمواجهة شرسة مِنَ الآخَرين قد تقوده إلى الموت. أمام كلمة الله، لا حياد. 

في الإنجيل، كلّ حِياد هو موقف سلبيّ من الربّ. عندما تُحبُ شخصًا ويرفض هذا الأخير حُبَّك، فإنّه لن يَقف على الحياد منك، بل سيتحوَّل إلى عدوٍّ لك. إنّ الله لم يقف على الحياد؛ ونحن بين الحقّ والباطل، لا يمكننا الوقوف على الحياد، إذ يكفي أن نقول إنّنا لَسْنا مع الحقّ، لنكون ضِدَّ الحقّ، ولو لم نُعلِن ذلك صراحةً، بسبب خوفِنا أو قبولِنا بالاغراءات. إذًا، أمام أيّ تحدٍّ يواجهنا، نعيش ألم الاختيار: بين الحقّ والباطل. إنّ هذا الاصحاح يقول لنا إنّ هذا الزّمن هو فرصةٌ لنا للتَّوبة والرُّجوع إلى الله.

“ثُمَّ بَوَّقَ الملاكُ الثالثُ، فسَقَطَ مِن السَّماءِ كَوكَبٌ عَظيمٌ مُتَّقِدٌ كمِصباحٍ، وَوَقَعَ على ثُلثِ الأنهارِ وعلى ينابيعَ المِياهِ. واسْمُ الكوكَبِ يُدعى “الأفْسَنْتِين”. فصارَ ثُلُثُ المياه أفْسَنْتِينًا، وماتَ كَثيرونَ مِن النَّاسِ مِنَ المياهِ لأنّها صارتْ مُرَّةً”. إنّ الكوكب العظيم الّذي سَقط من السَّماء، هو العبادات الوثنيّة في ذلك الوقت، أي عبادة الامبراطور وإلهه. إنّ خضوع المؤمِن للعبادات الوثنيّة هو الّذي يجعله يبتعد عن الله، وهذا ما سيجعله يشعر بالمرارة. 

إنّ اسم الكوكب هو “الأَفسَنتين” أي العُشبة المرّة، ووجودها في المياه، يجعل المياه ملوثّة. إنّ هذا الكوكب لن يتمكَّن من تلويث كلّ المياه إنّما ثُلثها أي قِسمًا منها. إنّ كثيرين سيموتون روحيًا لأنّهم قَبِلوا بالهرطقات والبِدَع. إنّ الرَّسول لا يُنبِّهنا فقط إلى الأحداث العالميّة الّتي ستحدث، بل أيضًا إلى العبادات والخُرافات والبِدَع، والأفكار الجديدة الّتي هي ضِدَّ المسيح. وإليكم مِثالاً مِن واقعنا: للأسف، إنَّ الكثيرين مِن أبناء الإيمان، يربطون الأحداث الّتي نمرُّ بها، بصِحَّة توقُّعات المنَّجمين، وهذا يدلُّ على حياد الإنسان عن الطريق الصَّحيح.

 وهنا نطرح السُّؤال: أين الله في حياتنا؟ وأين هو دور الرُّوح القدس فيها؟ في هذه الحياة، علينا أن نسعى إلى بناء مصيرنا ومواقفنا على وعود الله، لا على توقُّعات المنَجِّمين. إنّ هذا الكوكب الّذي سقط من السَّماء، يُشير إلى عبادات جديدة، ومفاهيم جديدة، وأفكار جديدة، هدّامة ينجذب إليها بعض المؤمنِين. وهنا يطرح السُّؤال علينا: أين نحن من كلّ هذه العبادات الجديدة؟ للأسف، كثيرون يُحبُّون الإصغاء إلى المنَجِّمين، وينهار كلّ كلام الله ووعوده لنا عند أوّل شِدَّة يتعرَّضون لها. 

إنّ فيروس كورونا مِن أكثر الصُوَر وضوحًا الّتي تدفعنا إلى الانتباه لكلام سِفر الرّؤيا، وكذلك الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة السَّيئة الّتي نعيشها بشكلٍ خاصّ في لبنان. في لبنان، نحن معرَّضون للجوع، للموت، للتَّعب، لعدم التفكير في الغَد، وهذا يجعلنا نركِّز على عَيْش مَلذّاتنا، وعلى حاجاتنا، وعلى رغباتنا الدنيويّة، مُتَناسين ضرورة سَعيِنا إلى الحياة الأبديّة. إنّ المؤمن يشترك مع الّذي بَخَّر بالمبخرة الذهبيّة، مع صلوات القدِّيسِين، فيتميَّز عن الآخَرين، بشكلٍ واضحٍ.

“ثُمَّ بَوَّقَ الملاكُ الرَّابِعُ، فَضُرِبَ ثُلُثُ الشَّمسِ وثُلثُ القَمَرِ وثُلثُ النُّجومِ، حتَّى يُظلِمَ ثُلثُهُنَّ، والنَّهارُ لا يُضيءُ ثُلثُهُ، واللَّيلُ كَذَلِك”. إنَّ القمر والنُّجوم يرمزان إلى الأنوار. وبالتّالي، ما يَظُنُّه المؤمنُ نورًا في هذا العالم، هو نورٌ فانٍ، إذ لا نورًا حقيقيًّا في هذا العالم، إلّا نور الربِّ يسوع، وهو مَن علينا اتِّباعه.
“ثُمَّ نَظَرتُ وسَمِعتُ مَلاكًا طائرًا في وَسَطِ السَّماءِ قائلاً بِصَوتٍ عَظيمٍ: “وَيلٌ! وَيلٌ! وَيلٌ للسَّاكِنينَ على الأرضِ مِن أجلِ بَقيَّةِ أصواتِ أبواقِ الثَّلاثَةِ الملائكةِ الـمُزمِعِي أن يُبَوِّقوا!”: الويلات الثّلاث هي للنّاس الّذين وقعوا في فخّ التَّجارب، فابتعدوا عن الإيمان.

إنّ كلّ هذه الصُّوَر موجودة في العهد القديم، أكان عند إرميا أو في سِفر الخروج عن ضربات مِصر، وهي تُعبِّر عن أحداثٍ سَتَقع في هذا العالم، ولكنْ إذا وَقعَتْ تلك الأحداث فهي لا تُشير بالضرورة إلى اقتراب نهاية العالم. ولكن السُّؤال الّذي يُطرَح: إذ وقَعَتْ كلّ تلك الأحداث في العالم، ماذا سيكون موقفك منها؟ 

فإنّ موقفك منها هو الّذي سيُقرِّر، لا نهاية الزَّمان، بل نهايتك أنت، أي مصير علاقتك مع الربّ. إنّ كلّ نهاية يَلِيها بداية: وبالتّالي، إذا كان موقفك منها يقوم على إنكارك للربّ، فإنّ بدايتك الجديدة ستكون ملَّخصة بِهَذه الكلمات: “وَيلُ ويلٌ، ويلٌ”. 

هذا الكلام ليس تهديدًا، إنّما وَصفًا لواقِعِك الجديد بعد إنكارِك الربّ، تمامًا كما كان كلام الربِّ مع آدم، إذ وَصَف له الحالة الّـتي وصَل إليها، حين أكلَ من شجرة معرفة الخير والشَّر، قائلاً له:” فإنّك يوم تأكل منها تموت موتًا”(تك2: 17). في هذا الإصحاح، يُنبِّهنا إلى النتيجة الّتـي سنصل إليها إذ قرَّرنا الابتعاد عن الله، لذا يدعونا إلى التوَّبة. 

ولكن، كيف عسانا نواجه كلّ تلك الصُّعوبات؟ إنّنا لا نستطيع مواجهة الصُّعوبات إلّا بكلمة الله. فلا شيء يُقَويّنا في التّجارب إلّا كلمة الله أو أنْ نُسنِد ذواتنا إلى أشخاصٍ لديهم كلمة الله، أي القدِّيسِين. وبالتّالي، أمام واقع أليم مخيف والآتي أعظم، لا يمكننا إلّا التسلُّح بـ”الآتي الأعظم” أي الربِّ يسوع المسيح. 

والسُّؤال الّذي يُطرَح علينا: أنخافُ مِنَ المستقبل الآتي المخيف، أم ننتظر الربّ الآتي؟ عندما سأل بيلاطس اليهود: مَن يريدون أن يُطلَق سراحه: براباس القاتل؛ أم الربّ؟ إنّ اسم “براباس”، يعني “ابن الآب”. وبالتّالي، كان سؤال بيلاطس للشَّعب: أتريدون أن أُطلق سراح برباس، ابن الآب المزّيَّف؛ أم يسوع المسيح، ابن الآب الحقيقيّ ؟ كان برباس يملك عقيدة دينيّة أرضيّة، يعتقد أنّه مِن خلالها يستطيع تحقيق الملكوت الّذي ينادي به الربُّ يسوع. هذا هو المسيح الدَّجال، والقرار يعود إلينا كمؤمنِين بالربّ، في اختيار مَن نريد: المسيح الدَّجال أم المسيح الحقيقيّ؟ 

هناك خيارَان أمامك، لا خيار واحدٌ، فوجود خَيارٍ واحد لا يعكس حريّة الإنسان. على الإنسان أن يختار بين هذين الخَيارَين، الخَيار الّذي يُعبِّر عن حريَّته.

ملاحظة: دُوِّن الشرح بـأمانةٍ من قِبَلنا.