تفسير الكتاب المقدّس،
الأب ابراهيم سعد،
“سِفر هوشع النبيّ – الإصحاح: من 1 إلى 10”
هوشع تنبّأ، في القرن الثّامن قبل الميلاد، وهو يحمل تقليداً وتراثاً فائقيْ الأهميّة. يقول بعض المفسّرين إنّ انتصار يشوع حصل عندما احتلّ الدّنيا (أريحا وغيرها…)، وعمليّا،ً تبيّن أن كلمة هوشع هي الّتي انتصرت، لأنّها تصوير عن أنّ الله هو الّذي يحتلّ، لكن كلمته هي الّتي تحتلّ وتُدمّر وتُخرّب.كلمة الله هي مُخرّبة، فلكي تبني يجب أن تُخرّب، لأنّها لا تستطيع أن تبنيَ على أرض تمّ تأسيسُها من غير الله. فهو بحاجةٍ إلى أرضٍ ليؤسّس عليها بنفسه حتى لا يُهَدم بناؤه في المستقبل. لذلك يُفضّل الله أن يدمّر ما بُنِيَ بغير يديْه لكي يُعيد بناءه من جديد. فكلمة الله لا تُبنى على أساسٍ غير موضوع من قِبل الله، لذلك كلّ كلمة من كلمات الله عندما تبنيك تكون، في الوقت نفسه، تُدمّر شيئاً فيك، لأنّها لا تستطيع أن تبنيك من دون أن يكون هناك شيءٌ قد دُمّر، تغيّر، هُدِم، أُبيد وسُحٍق في داخلك.
والدّليل على ذلك هو أنّ كلّ تائب، بسبب كلمة الله، قرّر أن يُخرّب أموراً كثيرة في داخله ويعود إلى أحضان الله. لذلك نحن في صراعٍ داخليّ دائمٍ لأنّنا نشعر بالحنين ونميل إلى المزج بين كلمة الله وكلمات البشر وبين روح الله وروح العالم. ولكنّنا لا نستطيع أن نجمعهم معاً إلّا إذا أصبح العالم الموجود في داخلك خاضعاً لكلمة الله، وقد تحوّل إلى مكانٍ يُبرهن كلمة الله من خلال سلوكك وأقوالك وأفكارك وتحرّكك وسَمَعك ولسانك. لذلك تحمل التّوبة لمحاتٍ من لمحات الحزن، الحزن المقدّس، وهو الحزن الوحيد الّذي يسمح الله أن تحزن به عند التّوبة، ومعناه ألاّ تحزن على الملذّات الّتي تركتها، وإنّما أن تحزن على الوقت الّذي أضعته على الملذّات الّتي كانت دون جدوى. لذلك تقول “يا ليتني كنتُ منذ البداية…” كما مثل الابن الشّاطر الّذي حزِن على الوقت الّذي أضاعه بعيداً عن أبيه.
هوشع يُري إسرائيل المكان الّذي يأخذنا إليه الابتعاد عن الله، ولكنّه كان يتكلّم على حزن الله بسبب تصرّفات شعبه. لذلك، في البداية طلب الله إلى هوشع طلباتٍ غريبةً للغاية وواحدة منها: أوّل ما كلّم الرّبّ هوشع قال له:
إذهبْ خذْ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى، لأنّ الأرض قد زنت زنىً تاركةً الرّبّ. فذهب وأخذ جومر ابنة دبلايم، فحَبِلت وولدت له ابناً فقال له الرّبّ: أُدعُ اسمه “يزرعيل” ، لأنّني بعد قليل أُعاقب بيت ياهو على دم يزرعيل وأبيد مملكة إسرائيل ويكون في ذلك اليوم… ثمّ حَبٍلت وولدت بنتاً فقال له: أُدعُ اسمها “لورُحامة” (ومعنى اسم لورحامة: لو تعني لا، رُحامة تعني الرّحمة)، لأنّي لا أعود أرحم بيت إسرائيل أيضاً بل أنزعهم نزعاً، أمّا بيت يهوّذا فأرحمهم وأخلّصهم بالرّبّ إلههم ولا أخلّصهم بقوسٍ وسيفٍ وبحربٍ وبخيلٍ وبفرسانٍ. ثمّ فَطِمت لورحامة وحَبِلت فولدت ابناً فقال أُدعُ اسمه “لوعمي” (أيّ لا شعبي في العبريّة) لأنّكم لستم شعبي (هو 1: 1- 9). فالله طلب منه أن يتزوّج من امرأة زنى لتُنجب له أطفالاً، تدلّ أسماؤهم على الوضع الّذي يعيشونه. فهل يقبل أحدهم أن يتزوّج من امرأة من هذا النّوع؟ لا، ولكن الله أخذكم وأنتم من هذا النّوع راضياً بكم ولكنّكم لم ترضَوْا. رَضِيَ القتيل ولم يرضَ القاتل.
يقول: لأنّ أمّهم قد زنت الّتي حَبِلت بهم صنعت خزياً لأنّها قالت إذهب وراء مُحبّيَّ الّذين يعطون خبزي ومائي، صوفي وكتّاني، زيتي وأشْرِبتي. لذلك ها أنا ذا أُسيّج طريقك بالشوك، وأبني حائطها حتى لا تجد مسالكها، فتتبع مُحبّيها ولا تُدركهم وتُفتّش عليهم ولا تجدهم، فتقول: أذهب وأرجع إلى رَجُلي الأوّل لأنّه حينئذٍ كان خيرٌ لي من الآن؛ إذا أنتِ عندما تتركين الله تذهبين وراء ناس آخرين وعندما لا يعطونك شيئاً تغرقين في المجاعة فتعودين إلى الرّجل الأوّل لأنّه كان خيراً من وضعي الآن، مثل قصة الابن الشّاطر الّذي كان يعيش في المجاعة ولا يستطيع تناول طعام الخنازير، والخنازير حيوانات لا تُربّى عند اليهود بل عند الوثنين. لذلك ذهب وعاش عند الوثنيّين.
أنت عندما تترك الله، أيّاً كان من تعبده، هو صنم، لأنّه ما من إله إلا الله وكلّ إله آخر غير الله هو صنم. وهي لم تعرف أنّي أنا أعطيتها القمح والمِسطار والزّيت، وكثَّرتُ لها فضّةً وذهباً جعلوه لبعل (إله الخصب عند الوثنيّين)، لذلك أرجع وآخذ قمحي في حينه، ومِسطاري في وقته وأنزع صوفي وكتاني اللّذيْن لسِتر عورتها، والآن أكشف عورتها أمام عيون محبّيها ولا ينقذها أحدٌ من يدي، وأُبطِل كل أفراحها، أعيادها، ورؤوس شُهورها وسبوتها وجميع مواسمها، وأخرّب كرمها وتينها اللّذين قالت هما أُجرتي الّتي أعطاني إياها محبّيَّ وأجعلهما وعراً فيأكلهما حيوان البريّة؛ إذاً يُوجّه كلامه إلى إسرائيل قائلاً إنّها مهما كسبت من عباداتها الأخرى فهو فراغ، رغم الوهم والظّنّ بأنها كسبت. أعاقبها على أيّام بعليم؛ أيّ كلّ الآلهة الوثنيّة. الّتي فيها كانت تُبخّر لهم وتَتزيّن بخزائمها وحُلْيها وتذهب وراء مُحبّيها وتنساني أنا يقول الرّبّ؛ إذاً خطيئة شعب الله هي أنّه يسّمي نفسه شعب الله وينسى الله فيصبح “لوعمي” أيّ لا شعبي.
إذاً الخطيئة الأساسيّة هي أن تنسى الله وكلمته. أهمّ حضورٍ لله هو حضور كلمته. إذاً أنتَ تُعبّر عن أنّ الله حاضرٌ في حياتك من خلال كلمته، لذلك عندما تنسى كلمته فإنّك تنساه. وحين تبِعتَ كلّ النّاس وصلت إلى صحراء، وكلمة صحراء أو بريّة، في الكتاب المقدّس، تعني لا حياة. والشيطان أخذ يسوع إلى التّجربة، إلى الصّحراء أيّ إلى مكانٍ لا حياة فيه، وأنت عندما تذهب إلى مكانٍ لا حياة فيه ستحتاج إلى أُسُس الحياة. فعندما تفصلك خطوةٌ واحدةٌ عن الموت، أيّ شخصٍ يعطيك الحياة، ستقبلها منه. عظمة يسوع هي أنّه لم يقبل مساعدة أيّ كان، إلى أن جاع أخيراً، ففي اللّحظة الّتي جاع فيها قال له الشّيطان: بكلمةٍ واحدة تُحوّل هذه الحجارة إلى خبزٍ فتأكل، فقال له يسوع ليس بالخبر وحده يحيا ابن الإنسان، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله. إذاً الحياة بالنّسبة إلى يسوع لم تعد مأكلاً ومشرباُ، بل صارت كلمة الله الخارجة من فمه يحيا بها.
ولكن ها أنا ذا أتملّقها وأذهب بها إلى البريّة وألاطفها وأعطيها كرومها من هناك ووادي عخور باباً للرّجاء وهي تغنّي هناك كأيّام صِباها
وكيوم صعودها من أرض مصر؛ إذاً كما أخرجتكم من المجاعة وسرت معكم في البريّة لأربعين عاماً وأطعمتكم ومستعدٌّ أن أُعيد ذلك مرّة أخرى، والمطلوب منك فقط أن ترضى. الله هو الضّحيّة والإنسان هو الجلّاد. ويكون في ذلك اليوم، يقول الرب: إنّك تَدعينَني رَجُلي ولا تدعينَني بَعلي؛ كلمة بعل تعني أيضاً الزّوج، إذاً الله تَدعينهُ رَجُلي وليس بعلي كما تدعين الآلهة الأخرى، أنا لستُ كذلك لأنّي اُعطيكِ الحياة. وانزع أسماء البعليم من فمها؛ لكي لا تتذكّر أن تُكلّم أيّ إله آخر. التّوبة ليست فقط اعترافاً إنّما هي عودة إلى الله، وهذا أهمّ من الاعتراف، فإن وصلتَ إلى الله وقد قَبِلك، لا تعود بحاجةٍ إلى الاعتراف، ولكنّنا نعترف لأنّنا نتفوّه بما هو موجود في عقولنا أيّ كلّ الآلهة الأخرى (الخطايا والأهواء…)، الأمر الأساسيّ هو العودة، وعدم قولك لذلك يعني أنّ في صدقك في العودة شكّ. فإذا كانت توبتك حقيقةً، لماذا لا تزال تحتفظ في عقلك بالآلهة الأخرى؟ عليك أن تطردها، وأفضل طريقة لطردها هي في الحديث عنها، لأنّها دخلت رأسَكَ عن طريق أُذنيْك أو عينيك فأفضل عضوٍ قادرٍ على إخراجها هو اللّسان، كما يكون الاعتراف بإلهك فقط عبر اللّسان. “آمنتُ لذلك تكلّمتُ”. فلا تُذكر أيضاً بأسمائها وأقطع لهم عهداً؛ إذاً الله يقطع عهداً جديداً فتخونه، يأتي به من جديد، يُنظّفه ويقطع عهداً جديداً فتخونه، ورَضِيَ الله بهذه الحياة وبقي يَغْسِّل خيانتك وكذبك حتّى غسّل في المرّة الأخيرة بدمِهِ.
يقول: وأقطع لهم عهداً في ذلك اليوم، مع حيوانات البريّة وطيور السّماء ودبّابات الأرض؛ هذا يذكّرنا بخلق التّكوين، عندما خلق الله له كلّ الحيوانات ليعود ويتسلّط عليها. الله هنا يجعل، الإنسان الخاطئ آدم جديد سيّد، وآدم خُلق نتيجة الحبّ فقط. أيّ كأنّه قد أعاد خلقه من جديد ووكأنّه لم يرتكب خطأً قبل ذلك. يمكن للإنسان أن يصل إلى مكانٍ يكذب فيه على نفسه ولكنّه يقول أنا سامحتُ ولكني لا أنسى، وهذا هو الفرق بينك وبين الله، فالله يُسامح وينسى إلى حدّ أنّك لو كرّرتَ الخطأ نفسه سينسى.
“سأغفر خطيئتهم ولن أذكرها من بعد” كما يقول إرميا. عندما عاد الابن الشّاطر إلى أبيه قبّله هذا الأخير على عُنقه والسّيّد لا يُّقبّل العبد بل الأب فقط، فقد نَسِيَ الأب كلّ أخطاء ابنه وتذكّر فقط بأنّه ابنه. ولكنّ الإنسان يميل إلى التّمرّد دائماً. يقول: وأقطع لهم عهداً وأكسر القوس والسّيف والحرب إلى الأرض، وأجعلهم يضجعون آمنين، وأخطُبكِ لنفسي إلى الأبد. وأخطبكِ لنفسي بالعدل والحق والإحسان والمراحم، أخطبكِ لنفسي بالأمانة فتعرفين الرّبّ ويكون في ذلك اليوم أنّي أستجيب يقول الرّبّ، أستجيبُ السّماوات وهي تستجيب الأرض، والأرض تستجيب القمح والمِسبار والزّيت وهي تستجيب يزراعيل، وأزرعها لنفسي بالأرض، وأرحم لورُحمة (أيْ سيرحم الّذين لا يُمكن أن يُرحموا)، وأقول لِلوعمي أنتَ شعبي وهو يقول أنتَ إلهي (هو 2: 5 – 23).
تذكّروا قول الرّسول توما: ربّي وإلهي، هذه هي الصّرخة الّتي جعلته بأمانٍ. إذاً لقد أعطى هذه الصّورة ليعكس معاناة الله مع شعبه ولكن دائماً عندما نواجه مشكلةً تجعلنا في حزنٍ شديدٍ نلوم الرّبّ، فعندما نتوجّه بالصلاة نحو الله ننسى أفعالنا تجاهه ولا نتذكّر إلّا ما عليه أن يُحقّق لنا. إذاً هذه علاقة غير صحيحة ومع ذلك يقبل الله بها. أنا أقبل على الرّغم من كلّ ما فعلته يا زوجتي، يا حبيبتي، يا إنساناً، يا نفساً بشريّة، ألم تتعلّمي أنّ للغفران جواباً واحداً ألا وهو الحبّ وأيّ جوابٍ آخر هو تمرّد؟ تذكّروا المرأة الّتي غسلت قَدمَيْ يسوع، فقالوا لأنّها أحبّت كثيراً غُفِرَ لها كثيراً. وهذه عبارة خاطئة، فالعبارة الصّحيحة هي أحبّت كثيراً لأنّه غُفِر لها، فهي أجابت الله بالحبّ لأنّه غُفِرَ لها سابقاً. وهذا الغفران لا يستطيع أن يقوم به غير الله، فالإنسان مهما بلغ عظيمُ غفرانه لا يقوى على أن يسامح إلى هذا الحدّ، فقد قال الرّبّ لبطرس: يجب أن تسامح سبعين مرّة سبع مراتٍ في اليوم وهو يقصد بأنّه يُسامح بطرس هذا العدد من المرّات في اليوم الواحد. يبقى الإنسان ظالماً ومع ذلك تبقى لديه الفرصة دائماً لينسى ظُلمه ويعود إلى الله، فالله لا يردُّ أحداً خائباً.
قال الرّبّ له: اذهبْ أيضاً أَحبِبْ امرأة حبيبة صاحب وزانية، كمحبّة الرّبّ لبني إسرائيل، وهم مُلتفتون إلى آلهة أخرى ومحبّون لأقراص الزّبيب، فاشتريْتُها لنفسي بخمسة عشرة شاقل فضّة، وقلتُ لها تقعدين أيّاماً كثيرة لا تزني ولا تكوني لرجلٍ وأنا كذلك لكِ، لأنّ بني إسرائيل سيقعدون أيّاماً كثيرةً بلا ملك، بلا رئيس، بلا ذبيحة، بلا تمثال، بلا وفود وتِرَافيم. بعد ذلك يعود بني إسرائيل ويطلبون الرّب إلههم وداوود ملكهم، ويفزعون إلى الرّبّ (يذهبون إليه خائفين) وإلى وجوده في آخر الأيّام (هو 3: 1 – 5). لقد حكمتُ عليكم لأنّكم لا تريدون العودة، اتّخذتم قراراً بأنّكم لا تريدون الله فيقول لهم إن كنتم لا تريدونني فلماذا تطلبون مني؟. اسمعوا هذا أيّها الكهنة وأنصتوا يا بيت إسرائيل واصغوا يا بيت الملك لأنّ عليكم القضاء؛ هم المسؤولون وعليهم تعليم الشّعب، فكيف يعلّمونه وقد نَسَوا كلمة الله.
أفعالهم لا تدعهم يرجعون إلى إلههم، لأنّ روح الزّنى في باطنهم وهم لا يعرفون الرّبّ وقد أزلّت عظمة إسرائيل في وجهه؛ التّوبة الصّادقة لا تكون إلّا بعد إحساسٍ كبيرٍ باليأس وتأتي بعد إفلاسٍ روحيّ، عندما تقتنع بأنّ لا شيء يُعطيك الفرح غير الله. هَلُمّ نرجع إلى الرّبّ الإله لأنّه هو افترس فيشفينا، ضرب فيجبرنا، يُحيينا بعد يوميْن وفي اليوم الثّالث يُقيمنا فنحيا بأمان؛ في العهد الجديد يموت وفي اليوم الثّالث يقوم، وهذا لا يعطي المعنى الحرفيّ لليوم الثّالث وإنّما يجب أن نأخذ المعنى الأدبيّ الكتابيّ للكلمة، أيّ إنّه ستولد حياةٌ جديدةٌ. فيُحينا وفي اليوم الثّالث يُقِيمنا فنحيا أمامه؛ أيّ لا حياة خارج إطار الحياة التي منحك إيّاها الرّب. لنعرف فلنتتبّع لنعرف الرّبّ خروجه يقينٌ كالفجر، يأتي إلينا كالمطر، كمطرٍ مُتأخّرٍ يسقي الأرض؛ المطر المتأخّر يُنعش الأرض.
إذاً إنّ عودة الرّب إلينا تعني عودتنا إلى الرّب، في أرضٍ قاحلةٍ وجافّةٍ تحتاج إلى نقطة لتنتعش من جديد. إن لم تكن عطشاناً الى هذه العودة فلن تشعر أنّك بحاجةٍ إليها. فالمرتوي لا يفكّر في أن يشرب. عليكم أن تعيشوا حالة الفقر والجوع والعطش لِتفهموا الكتاب المقدّس. لن تعرفوا قيمة المياه إن لم تعطشوا، كما أنكم لن تعرفوا قيمة الطّعام إن لم تجوعوا. فالعودة إلى الله وجملة “هلّم نرجع” تعنيان أنّنا ولدنا من جديد وإلّا لن تفهموا أيّ عيد مسيحيّ. فمنذ البشارة، منذ الوقت الّذي تكلّم الله به على وعده لنا،
إن لم نفهم إحساسنا بالعطش والجوع من دونه، فلن نفهم فرح وعده لنا. إنّ التّجّار يجعلوننا نفرح بالعيد حتّى لو لم نفهم معناه الحقيقيّ. فالإحتفال بالعيد لا نهاية له، هو يجعلك عبداً لغيرك. فعبارة “ولد لكم مُخلّص” تعني أنّك بلغتَ مرحلةً من اليأس إلى حدّ الموت، ولن نفهم معنى الموت إلا إذا فهمنا معنى الحياة. التّائبون فقط يفهمون هذا المعنى. أمّا القدّيسون فهم قدّيسون لأنّهم تذوّقوا الجوع الرّوحي، لذلك عَرفوا معنى قيمة الفرح الرّوحي. طوبى للجائعين لأنّهم سيُشبعون وطوبى للحزانى لأنّهم سيفرحون.
إذاً الحبّ جنون، ولا يمكن لأحد تفسيره، فهو سيبقى سرّاً إلى أن يُعلن في اليوم الأخير عندما سيكشفه لنا الله. ماذا أصنع بك يا إفرائيم، ماذا أصنع بك يا يهوّذا فإنّ إحسانكم كسحاب الصّبح وكالنّدى الماضي باكراً، لذلك أقرضهم بالأنبياء، أقتلهم بأقوال فمي، والقضاء عليك كنورٍ قد خرج، إنّي أريد رحمةً لا ذبيحة؛ أي إنّ الله لا يريد الذّبائح والطّقوس والصّلوات بل يُريد فقط الرّحمة. وأريد معرفة الله أكثر من المُحرقات، ولكنّهم كآدم تعدّوا العهد، هناك غدروا بي؛ فآدم وحواء غدرا باللّه. ونحن نكون كذلك عندما نتمّم واجباتنا تجاه الله، ونذهب إلى إقامة علاقةٍ مع آخر وهو إبليس الّذي يفرّق بين اثنين يُحبّان بعضهما. إذاً، التّوبة هي أن تقتل غدرك للّه. فهو ليس بحاجةٍ إلى اعترافاتنا بل إلى الرّحمة الّتي تعني الحياة. إنّهم قد صنعوا فاحشةً، لأنّهم مثل آدم غدروا بي، كما يكمنُ لصوص لإنسان، كذلك زُمرة الكهنة في الطّريق يقتلون، إنّهم قد صنعوا فاحشة، في بيت إسرائيل رأيتُ أمراً عظيماً هناك زنى كبير وأنت أيضاً يا يهوذا قد أُعِدّ لك حصاد عندما أرد سبي شعبي (هو 6: 4 – 11). إذاً المشكلة تكمن في التّرك، فإذا تركتَ الله يعني أنّك تركتَ مَن يُحبّ الله والعكس صحيح، فيوحنا الرّسول قال: من قال إنه يحبّ الله ولا يحبّ أخاه فهو كاذب. وكلمة “كاذب” في الكتاب المقدّس تعني الشّيطان، لأنّ الشّيطان هو الوحيد الّذي أُعطِيَ صفةً في إنجيل يوحنا وهو كذّاب أبو الكذّاب.
يقول: ويلٌ لهم لأنّهم هربوا عنّي، تبّاً لهم لأنّهم أذنبوا إليّ أنا أفديهم وهم تكلّموا عليّ بكذب، ولا يصرخون إليّ بقلوبهم حينما يولوِلون على مضاجعهم، يتجمّعون لأجل القمح والخمر ويرتَّدون عنّي وأنا أنذرتهم وشدّدُت أذرعهم وهم يفكّرون عليَّ بالشّرّ، يرجعون ليس إلى العليّ، قد صاروا كقوسٍ مُخطئةٍ (هو7: 13 – 16)؛ إذاً الخطيئة هي أنّكم أخطأتم في العنوان أيّ أنّكم استخدمتموني من أجل مصالحكم الشّخصيّة. لا تفرح يا إسرائيل طرباً كالشّعوب، لأنّك قد زنيت عن إلهك، أحببت الأجرة على جميع بيادر الحنطة (هو 9: 1).
إذاً الحبّ جنون والخطيئة جنون، لأنّ الحبّ يجعلنا ننسى خطيئة من نُحبّ، والخطيئة تجعلنا ننسى من يُحبّنا. فالتّوبة هي أن يعود عقلك إليك فتعرف من يُحبّك وتعرف من تحبّه. كلّ ما فعله الله كان ليجعلكم تفهمون. وهنا نفهم قول يسوع المسيح في إنجيل يوحنّا في الإصحاح السّابع عشر، وهو يصلّي قبل ذهابه إلى الصّليب “الحياة الأبديّة هي أن يعرفوك أنتَ الإله الحيّ والّذي أرسلته يسوع”، أيْ يكفي أن يعرفوك أيْ أن يعرفوا ما فعلتَ من أجلهم. إسرائيل جفنة مُمَدّدة.
إزرعوا لأنفسكم بالبرّ، أحصدوا بحسب الصّلاح، احرثوا لأنفسكم حرثاً، فإنّه وقتٌ لطلب الرّبّ حتّى يأتي ويعلّمكم البِّر، ها قد حرثتم النّفاق وحصدتم الإثم وأكلتم ثمر الكذب، لأنّك وثقت بطريقك و بكثرة أبطالك، يقوم ضجيجٌ في شُعوبك وتُخرب جميع حُصونِك (هو10: 1 – 15)؛ لأنّك وثقتَ بِطُرقك وليس بطُرق الرّبّ. فالربّ يصلّي ليلاً نهاراً ويطلب فقط أن يصير للنّاس عيون تُبصر، وآذان تسمع، وشفاه تتكلّم. ومن له أذنان للسّمع فليسمع. فالصّنم هو الوحيد الّذي يملك أذنَيْن ولا يسمع. ومشكلة الإنسان أنّه لا يتصرف مع الله كصنم وإنّما يصبح صنماً أمام الله. ها نحن الآن نقترب من عيد الميلاد لنكسر الصّنم الموجود في داخلنا ولنكسر الصّنم الّذي وضعناه في الله.
ملاحظة: دوّن الشرح بأمانةٍ من قِبلنا.