فقال ايليا لكلِّ الشعب: “اقترِبوا منِّي” (1 مل 30:18)
بقلم الخوري الياس جوزف عدس،
يستحضرني من سفر الملوك الأوّل قولٌ للنّبي إيليّا: ” فقال إيليّا لكلّ الشّعب: ” اقتربوا منّي ” فاقترب كلّ الشّعب منه. فرمّم مذبح الرّب الذي كان قد تهدّم” (1مل 30:18). كذلك المسيح المتجسّد عمانوئيل يهتف لكنيسته والعالم: ” اقتربوا منّي لكي أرمّم ما هدّمته الشرور التي عاشها ويعيشها شعبنا في هذا الشّرق المجروح”؛ وهذا النّداء يعلن محورَين أساسيّين: الأوّل هو: “اقتربوا منّي”، والثّاني هو: ” فرمّم مذبح الرّب”.
إنّ المعمَّد هو تلميذ للهيكل ورسول للعالم؛ فالتّلمذة تكمن في فعل الاقتراب، والرّسوليّة تتحقّق من خلال التّرميم. وتتبلور حياة التّلمذة والرّسوليّة عند المعمَّد في الترميمات الجوهريّة التّالية:
أولاً: ترميم مذبح الشركة:
ويتجسّد هذا التّرميم في الرعيّة بشكل ملموس من خلال مفهوم الشّركة الكنسيّة المتمثّل في التّجمّع حول الإفخارستيا وكَسْر الكلمة، لتكوّن الرعيّة جسداً واحداً يعيش في المحبة في شركة غير منغلقة على ذاتها، بل منفتحة على العالم.
أرى اليوم بعض أشكال الهدم في هيكل الشّرِكة بسبب الأحوال المؤلِمة التي يعيشها عالمنا بشكل عام، وكنائسنا بشكل خاصّ، في خفوت للعلاقة الأخويّة، فلذلك مع إيليّا النّبي أنادي: اقتربوا منّي لنبني الشّرِكة. فالرعيّة بمفهومها ليْست جماعة من أجل ذاتها بل هي هيكل رسالة، أي ذبيحة رسالة.
ثانياً: ترميم الهيكل الاحتفاليّ بالرّب:
ويشمل ترميم هذا الهيكل الاحتفال بالأسرار والعبادات بجميع أوجهها وأشكالها، لا كوظيفة، ولكن كحياة مع الرّعيّة المقتربة من شخص يسوع المسيح الرّاعي الصّالح. فالرّعيّة جماعة أسراريّة، وهي بقدر اقترابها من مذبح الربّ، تستطيع أن ترمّم هيكل الأسرار الذي قد تهدّم بسبب الأفكار اللاّهوتية المغالطة، ومعًا نرمّمها.
ثالثاً: ترميم هيكل الكلمة: الكنيسة هي التّجمع حول كلمة الله، وهذا الهيكل الواسع المدى هو تربية إيمانٍ، كسْر كلمةٍ، شهادة الحياة، تعليمٌ مسيحيّ. وقد رأيت أنّ هذا الهيكل لا بدّ أن يرمَّم بكلمة الرّجاء التي يقدّمها لنا يسوع المسيح بشخصه. الرّعيّة هي المكان الأوّل والأخير، والمساحة الوحيدة التي يترمّم فيها هيكل الكلمة باقتراب أبنائها من الرّب، ومن بعضهم البعض، حتّى نجعل كلمة الإنجيل واقعاً ملموساً في حياة الفرد والجماعة.
رابعاً: ترميم هيكل المحبّة: إنّ هيكل المحبّة الذي تبنيه الرّعية يتحوّل إلى التزام تجاه الفقراء والمعوزين، والمهمّشين، والمحتاجين من أبنائها، في جميع المجتمعات التي تعيش في وسطها، على مثال الكنيسة الأولى، حيث لم يكن فيهم محتاج.
قد رأيت في الآونة الأخيرة هذا الهيكل يتهدّم بين أبناء الرعيّة بسبب حضارة “الأنا”، والنّميمة، والحسد، وحبّ الذّات،؛ ولكنّ الطّريق الوحيد الذي يعيد بناء هذا الهيكل هو الاقتراب من الرّاعي يسوع المسيح، ومعرفته من خلال الجواب على السّؤال: مَن قريبِي؟
ترمَّم هذه الهياكل انطلاقاً من الحياة الشخصيّة، والجماعيّة، و الشّرِكة مع الثّالوث الأقدس من خلال التأمّل والصّلاة، وعيش الاحتفال اللّيتورجيّ من خلال الامتلاء من الرّوح القدس، ومعرفة يسوع المسيح بالتّأمّل بالإنجيل، وخدمة المحبّة من خلال اتّباع يسوع المسيح، ومحبّة الفقراء.