“قيامةٌ بِلا صليب؟”
بقلم الأب ابراهيم سعد،
نَهتِفُ دائمًا: “المسيحُ قام”. كيفَ نُعيِّدُ القيامةَ إذا لَم نَعبُر الصّليبَ حيثُ الألم يتحوَّلُ إلى تَعزية؟ إنْ كُنّا نلمسُ وراء الألم تَعزيةً، فلَن نَيأس بل سنَرجو وراء كُلِّ ألمٍ، وراء كُلِّ وَجَعٍ، تعزيةَ “الإيمان والرَّجاء والمحبّة، وأعظمُهنَّ المحبّة”. أعظمهنَّ المحبّة لأنّها وَحدها تَغلِبُ الموت، وتَطرَحُ كُلَّ خوفٍ مِنه خارجًا. فبَعد قيامة الربّ، يُصبِح يومُ موتِكَ هو يومُ مولِدِكَ للحياة الأبديّة الّتي سَكبَها الجَنْبُ الـمَطعون للمَصلوب.
فإنَّ الّذين يَظهرُ لهم المسيحُ القائم، يَظهر وعلاماتُ الصَّلبِ على جَسَدِه فَيَرونَه روحيًا وبأعيُنِهم الرُّوحيّة. وظهورُه يكون في وجوه الفقراء كالبُستانيّ أمامَ عَينَي مريم، وفي وجوهِ الغُرباء كما الغريب أمام عيونِ تِلميذَي عمّاوس، وفي أوجاع النَّاس كما رأى توما اليَدَيْن الـمَثقوبَتَيْن والجَنبَ الـمَطعون. هذه هي قوّة إيماننا، القوّة الّتي لا يَعرِفها الـمُلحِدون والـمُشكِّكون وقليلو الإيمان، ولا يمكن أن يَروها إلّا إذا أراهم إيّاها السَّيِّدُ القائمُ عن طريق المؤمنِين أمثالِنا.
حيث توجدُ الدُّموعُ الكثيرة، يُشرقُ نورُ القيامة. هذا سِرٌّ، لا يُدرَك ولا يُفسَّر ولكنّه يُعاش، فيُزهِرُ من هناك فِعلُ الرَّحمةِ والرأفة، وتاليًا المحبّة. نحن في حالة انتظار القائمِ دائمًا ويوميًّا، وخُصوصًا في الشَّدائد والضِّيق، لكي يَنتشِلَنا منها فلا يَنتصرُ علينا أيُّ شيءٍ.
فكيفَ نتدرَّبُ نحن على عَيْش سِرّ القيامة في حياتنا؟ من خلال التّحرّر من ضَغطِ إحساسِنا بِحواسِنا، أي أنْ نتحرَّر من الأهواء، وفي تَحمُّل بعضِنا بَعض، والاهتمام ببعضِنا البَعض وخصوصًا مَن هُم بحاجةٍ لنا.
القيامة هي حالةٌ جديدةٌ لا تنتمي إلى هذا العالَم بل إلى العالم الآتي، ونحن نَحياه قَبْل وقته، وابتداءً من اليوم.
الموضوع ليس قضيَّةً مَعرِفيّة، ولا قضيّةَ فروض وشعائر دينيّة وعقائد تُعلَّم، بل قضيَّةُ خِبرةٍ وحياة. هذا هو نهج القداسة: نهجُ تَبَنّي القيامة كحقيقةٍ تُلامِس الجسد والفِكر والرُّوح، فنُترجِم هذه الحقيقة أفعالَ مَحبَّة وأعمال رَحمةٍ ومساعدة للآخَر، خصوصًا الـمُتألِّم.
القيامة هي حياةٌ واختِبار يوميّ نَذوقُه، عندما يواجِهنا الصَّليب، أيًّا كان نوع هذا الصّليب.
للقيامة طريقٌ واحدٌ هو: الصَّليب، أعْنِي سِرَّ الحُبّ. فالّذي لا يعيش في المحبّة لا يَعيشُ في القيامة.
والّذين قرَّروا أن يعيشوا من أجل المحبَّة هُم الّذين صمَّموا على الانتقال من الموت، بكلّ صوَره، إلى الحياة، فالمحبّة تساوي الحياة. هل تتَذكرون يا أحبّة أنَّكم لابسون الربَّ يسوع؟ هذه هي قيامَتُكم الأولى. والمحبّة هي التَّدريبُ العميقُ الّذي سيؤدّي إلى انبِلاج فجرِ القيامة في جسدكم المائت. فكيف إذا كان موتُكم على الصّليب؟