انطلاقة جماعة “أذكرني في ملكوتك”،
كاتدرائيّة الملاك رافائيل – بعبدا.
عظة صاحب السيادة المطران ميشال قصارجي السّامي الوقار:
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين
نحتفل هذه السنة بعيد شفيع أبرشيّتنا الكلدانيَّة في لبنان، الملاك رافائيل، في أوضاعٍ صعبةٍ تعيشها المنطقة، واستمرارٍ نزيف الهجرة وما يُعانيه إخوتُنا في العراق سوريا من محنةٍ لم ينتهِ بعدُ مسلسلُ جلجلتها في ظلِّ بقاء الأحوال المعيشيَّة على ما هي عليه في وطن الأرز إثر تأزُّم الملف المعيشي ووجود الملايين من النازحين والمهاجرين والمهجّرين.
هذه الأوضاع الصعبةُ من شأنها أن تُغذّي فينا إدراك هشاشة حياتنا ومعرفةَ مصيرنا الحقيقي، ألا وهو الحياةُ مع الله وفي الله؛ لذلك فنحن مدعوون، ونحن رازحون تحت نير البلايا والأحزان، إلى التمسُّك بالذي عليه وضعنا رجاءنا الوطيد… ذاك الذي يستطيعُ وحده أن يلمُسَ نعشَ نفوسِنا المائتة في ظُلمةِ خطايانا، أن يلمُسَ لحد أوطانِنا التي تتقاذفها رياحُ الحروب، أن يُمسِكَ بضريح همومنا اليوميَّة وشدائدنا ليقولَ لنا: ” لكَ أقولُ قُم!” (لوقا 4/11-16).
أيُّها المباركون،
يتمحور عيدُ الملاك رافائيل هذا العام حول الرسالة التي بلَّغها هذا الأخير إلى “طوبيت” والدِ “طوبيّا” في سِفرِ طوبيّا في العهد القديم حين قالَ له: “حينما لم تتوانَ في القيام وترك المائدة والذهاب لدفن الموتى، حينئذٍ أُرسِلتُ إليكَ…” (طوبيا 12/13).
إنَّ الله الذي يستطيع دون سواه أن يقيم الموتى من الرَّمس، أوصانا أيضاً أن يُعزّي بعضُنا بعضاً وأن ندفن موتانا بوقارٍ ونُصلّي لأجل راحة نفوسهم فنسعى لعَيش الإتّحاد معهم في الملكوت حيث لا وجعٌ وحزنٌ ولا تنهُّد، بل حياةٌ لا تَفنى.
إنّنا نستخلصُ من القراءة الأولى التي سمعناها مِن سِفرِ طوبيا، التقدير الرفيع الذي يخصُّ به الله الذين يهتمّون بدفن الراقدين وإكرام ذكراهم والصلاةِ لأجلهم.
أما في الإنجيل الذي تُلي على مسامعنا من بشارة القديس لوقا الرسول، فإنّ الضوء مُسلَّط على كَون الموت في المسيحيّة مِعراجاً إلى الملكوت المغبوط الذي فيه يلتئم شَتاتُ أبناء الله جميعاً في منزل أبيهم ليأكلوا ويشربوا معه إلى مائدة مجده السماوي، صحبة القديسين الأبرار الذين تلألأوا بالمجد ولا سيّما منهم بادري بيو العجائبي الحاضر معنا بذخائره ورُفات القديسين الذين نكرّمهم اليوم في احتفالنا وقد وفدوا الينا من الكنيسة الأرثوذكسية الشقيقة، من دير دخول السيدة في الأشرفية، بواسطة قدس الأب القاضي ابراهيم سعد المحترم، علماً ان هذه الذخائر تزور للمرة الأولى
أيّها الإخوة والأخوات الأحباء،
يسرُّنا أن نطلق هذه السنة، في أبرشيَّة بيروت الكلدانيَّة، جماعة “أذكرني في ملكوتك” التي أرادتها العناية الإلهية من خلال السيدة “جانيت الهبر” مع معاونيها في التأسيس، حركةً صلاتيَّة مسكونيَّةً تضمنُّا روحيّاً إلى نفوس السابق نياحهم من آبائنا وإخوتنا وأقاربنا وأصدقائنا الذين أتمّوا شَوط العمر بإيمانٍ وتقوى وقد سبقونا إلى رياضِ النعيم ليشفعوا بنا أمام عرش الدّيان الرهيب وينَهلوا من عِطر تقادمنا وصلواتِنا وشذى بخورنا فيضاً سخيّاً من الرحمة والرضوان وصَفحاً عن الأوزار وحلاًّ من الرزايا والقبائح التي اجترموها عمداً أو سهواً، بالقَول أو بالفعل، حينما كانوا على أديم وادي الدموع سائرين في أرض الفناء التي نحن عليها مقيمون. هذا وسوف تكون لنا وقفةٌ روحية مع امواتنا في الأحد من كل شهر ترافقنا على دروبها جماعة “اذكرني في ملكوتك”.
ولا يسعُنا في هذه المناسبة الكبرى، إلاّ أن نُقدِّم آيات الشُّكران والعرفان بالجميل للمُحسن الكبير الأستاذ “خليل عادل بطرس”، الذي أراد أن يتعاون وإيّانا في إكرام موتانا ودفنهم كما يليق بكرامتهم الإنسانيّة والمسيحيّة؛ إذ شمَّر عن ساعد الجدّ وشيّد صالةً لتقبُّل التعازي وموقفاً لركن السيارات في مدافن الطائفة في منطقة الفنار، حيث ساهم أيضاً في توسيع وتحسين الطريق المؤدّي إلى المقابر ليُمسي سالكاً سهل العبور ناهيك عن توسيع منزل حارس المدافن. إنّنا، إذ نحيّيه مع عائلته الكريمة، ندعو لهم جميعاً بطول العمر ودوام التوفيق والنمّو في كُل عملٍ صالحٍ.
إنّ حضور المرنّمة الملهمَة السيّدة “نبيهة يزبك” قد أضفى على لقائنا السنوي هذا مِسحةً من البهاء السماوي جعلتنا نتذوّق منذ الآن مذاق الغبطة الآتية التي لم تسمع بها أُذنٌ وما خطرت على قلب بشرٍ، على حدّ تعبير الكتاب الإلهي؛ فلها أجملُ تعبيرٍ عن ثنائنا ومحبتنا وعبارات الإطراء.
شُكرٌ من القلب نرفعه إلى الصديق الأخ “سمير زورا” ابنِ هذه الرّعيّة المباركة، الذي أراد أن يجتمع أبناء الكنيسة الكلدانيَّة من اللبنانيين والسوريين والعراقيين، إلى مائدة المحبّة التي أعدّها هو بما عُرفَ عنه وعن بيته الكريم وسلسلة مطاعمه المشهورة، من حُبّ للضيافة ويدٍ ممدودةٍ للخير والعطاء والإحسانِ كما نشكُر سائر المحسنين إلى هذه الأبرشيّة المباركة من قريب أو مِن بعيد سائلين لهم البركة العلويّة والجزاء السماوي!
أيّها الإخوة،
نستكملُ أعمال التوسيع أيضاً في مركز سيدة الرحمة في سد البوشرية، وقد بلغنا مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على أعمال الإصلاح والبناء والتقسيم الداخلي، لتصبَّ جميعها في خدمة أبنائنا الأحبّاء ولا سيّما اللاجئين العراقيين والسوريين في لبنان.
إنّنا إذ نشكر جميع الذين حضّروا لنجاح هذا الاحتفال السنوي الخاشع، نهنئ المونسنيور رافائيل طرابلسي النائب الأسقفي العام والشماس رافائيل كوبلي، ونرفع الدعاء من أجل غبطة أبينا البطريرك مار لويس روفائيل ساكو ونستمطر على روح البطريرك المثلث الرحمة رافائيل بيداويد شآبيب الرحمة والرضوان، كما نُعايد أبناء الأبرشيَّة بحلول هذا الموسم الفارح اكليركيين وعلمانيين… ولا سيما المجلس الأعلى للطائفة الكلدانيَّة في لبنان، والجمعيّة الخيريَّة ورابطة الشبيبة الكلدانيَّة والراهبات الفاضلات بنات مريم المحبول بها بلا دنس الكلدانيّات وجماعة الإتحاد وسائر الأخويّات والحركات الرسوليّة، معبّرين عن إمتناننا لمحطات التلفزة المؤسسات الإعلاميّة التي تُغطِّي هذا الحدث وعلى وجه الخصوص إذاعة نور الشرق الكريمة وتيلي لوميار نورسات.
وقبل الختام، نودّ أن نُكرِّر الدعوة لأبنائنا الأحبّاء عساهم ينخرطون أكثر فأكثر في حياة كنيستهم ونشاطاتها، عساهم ينخرطون أكثر في مجال الحياة العامة في لبنان ولا سيما الوظائف والدوائر العامة والنشاطات الحزبية ليكون حضورُنا فاعلاً مُثمراً وسط إخوتنا في الوطن الواحد ونساهم في دفع عجلة هذا البلد قُدُماً كما سبقَ لأجدادنا وآبائنا أن فعلوا عبر التاريخ وحتى يومنا الحاضر. ألا أعاد الله هذا التذكار البهيّ على كنيستنا الكلدانيَّة في العالم بأسره، على العراق وسوريا وفلسطين ولبنان بدوام العافية وفَيض البركات العلويّة بشفاعة القديس بادري بيّو العجائبي والملاك رافائيل وجميع القديسين.
وكُل عامٍ وأنتم بخير!