انطلاقة جماعة “أذكرني في ملكوتك”،

 كنيسة السيّدة العذراء مريم للسريان الأرثوذكس – برج حمود،، المتن.

 عِظة القدّاس الإلهيّ للأب فادي اسكندر، خادم الرعيّة:

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين
(بشم ابو وبرو وروحو حايو قاديشو حاذ الوهو شاريرو. آمين)

إخوتي، أحبّتي، نحن مجتمعون اليوم في قدّاس، نأمل أن يكون بدايةً وانطلاقةً في خدمةٍ فَرِحون أن نتشارك فيها مع جماعة “أذكرني في ملكوتك”، الحاضرة معنا اليوم من خلال عددٍ من أعضائها. غاية هذه الخدمة أن نَنقُل محبّةَ ورحمة ربِّنا، فتكونا حاضرتَين معنا دائمًا.

إنّ الإنجيل الّذي قرأناه اليوم هو من إنجيل يوحنّا الإصحاح 11، وهو يتكلَّم على إقامة لعازر. في بداية هذا النَّص، نلاحظ أن الربَّ يسوع كان ينتظر مَوتَ لعازر. وعندما مات لعازر، ذهب الربّ يسوع ليُقيمه. عندما وصلَ، رأى الربُّ الموجودِين يَبكون على موتِ هذا الشَّاب، فتَحنَّن عليهم، وبكى هو أيضًا لِمَوتِ لعازر. عندما يقوم الربّ يسوع بعملٍ ما، فهذا يعني أنّ الربَّ يريدنا أن نقوم به نحن أيضًا. إنّ الربَّ يسوع قد تحنَّن على أهلِ لعازر، إلى حدٍّ دَفع الجموع إلى القول فيه: “انظُروا، هذا الّذي كان يُحبّه”. وهذه هي النُّقطة الّتي أودّ أن أوضِحَها اليوم، مِن خلال هذه الخدمة الّتي سنبدأ بها اليوم، والّتي ستُتابَع وتستمرّ في الخميس الثاني من كلِّ شهرٍ؛ أيّ أنّه في كلّ شهر، سيَكون لدينا قدَّاس مع جماعة “أذكرني في ملكوتِكَ”، مختَّص بتقديم التعزية.

إخوتي، إن قُلنا عن ذاتِنا أنّنا نُحبِّ يسوع، وأنَّ يسوع يُحِبُّنا، وأنّنا نشعر بمحبّته، فهذا يعني أنّه علينا أن نقوم بما قام به، وهو أن نبكي مع الباكين؛ بِعبارةٍ أُخرى، يريد الربّ منّا أن نتضامَن مع الآخرين فنَكون جميعنا كنيسةً واحدة. ولكن، هل يسوع بكى ومات من البكاء؟ لا، أبدًا. صحيحٌ أنَّ يسوع تضامَن مع أهل لعازر، ولكنَّه لم يتوقَّف عند البكاء، الّذي تَدفعنا إليه طبيعتنا البشريّة مِن خلال التضامن مع الحزانى، إنّما اتَّخذ خطوةً أقوى نحو الأمام. إنّ الأمر الأوّل الّذي سأل عنه الربّ يسوع في بيت لعازر هو: أين هو القبر؟ وطَلَب أن يتمَّ رَفعُ الحجر. ولكن الحاضرين قالوا له: إنّ الـمَيتَ قد أنتَن إذ قد مضى أربعة أيّام على وفاته. غير أنّ الربَّ يسوع قد أصرَّ على رفعِ الحجر، وتوَّجه إلى مرتا الّتي كانت تبكي أخاها، قائلا لها: “ألا تؤمِنِين أنّه إذا آمنتِ ستَرين مجد الله؟”.  

أقام يسوع لعازر، وبإقامته للعازر، فتَح لنا عيوننا، لنُدرِك أنّ حياتَنا على الأرض لَيسَت رهينةَ خوفِنا من الموت. قَبْل يسوع، كان هناك خوفٌ دائم عند الإنسان من الموت، وللأسف ما زِلنا إلى اليوم، في حياتنا الاجتماعيّة، مُتَمسِّكين بهذا الخوف، إذ نخاف أن يحدث لنا شيءٌ فنموت. لقد أقام يسوع لعازر، ومن خلاله وَضَع أمامنا حقيقةً في غاية الوضوح، وهي أنّه لا يوجد شيءٌ اسمه موت يستطيع أن يتسلَّط علينا، إذ لا شيءَ يستطيع أن يمنعَنا مِن أن نُكمِل حياتنا الّتي أعطانا إيّاها الله، عندما يكون يسوع حاضرًا معنا. لذلك، نحن اليوم، نَحضُر في هذا القدَّاس كي نتذكَّر أنَّ حياتنا مع المسيح، لَيسَت مُنتَهيةً أبدًا، فحياتنا مع المسيح لها استمراريّة: أليس المسيح يسوع الّذي مات وانتظر ثلاثة أيّام في القبر قَبْل أن يقوم؟ إنّ ما قام به يسوع مِن أجلنا مِن شأنه أن يُبعِد عنّا كلّ خوفٍ من الموت، بعد الآن. كما فتَحَ الربُّ يسوع عيونَنا مِن خلال ما قام به، على أمرٍ آخر وهو أنّ الحياة الّتي نعيشها اليوم هي “محطّة”، أي أنّها لَيست كلَّ شيء، بل هي مجرّد “محَطَّة”، علينا اجتيازها لأنّ الفرح سيأتي لاحقًا، وكذلك حياة أُخرى ستأتي لاحقًا.

إنّ الله لم يَخلقنا كي نعيش لِبِضعِ سنوات، مهما كانت، قبل أن نفنى. إذا كُنّا نحن البشر، نقوم في بعض الأحيان بأفعالٍ ومشاريعَ، نَحزن لها إذا هُدِمَتْ؛ فكيف الله الذّي يعطي الحياة لـمَخلوقٍ على صورته ومِثاله، بِأن يكون مصيره الفناء؟!كيف نستطيع أن نقبلها في عقلِنا البشريّ؟! كيف نستطيع، في بعض الأحيان، أن نضعُفَ وننسى أنّنا خُلِقنا لحياةٍ أبديّة؟ كيف نستطيع أن ننسى أنّنا خُلِقنا كي يكون لدينا انتصار؟ إخوتي، علينا أن نتَذكَّر فِعل الخدمة هذه الّـتي نقوم بها، وهي أن نقترب مِن يسوع ونأخذه في قلبنا وفي كياننا، وأن نتذكَّر المعجزة الّتي قام بها مع لعازر، وأن نتذكَّر الأهمّ منها ألا وهو قيامته بعد الصّليب. علينا أن نتذكَّر دائمًا أنّنا “أولاد القيامة”.

اليوم، يُصادف أيضًا عيد مار الياس، ونحن لم نَكُن قد حضَّرنا لهذه المناسبة. لقد احتفَلْنا اليوم صباحًا في المطرانيّة بالقدَّاس الإلهيّ في مناسبة عيد مار الياس. ولكن ما هو جميل في احتفالِنا اليوم في عيد مار الياس هو أنّنا نَضُخّ خدمتنا الّتي نقوم بها. إخوتي، لم تَنتَهِ حياة مار الياس على الأرض، بل صَعِد في مركبةٍ إلى السَّماء. إذا نَظَرْنا قليلاً إلى هذا الموضوع وفكَّرنا في المكان الّذي صَعِد إليه النبيّ إيليّا، صَعد إلى حياةٍ أُخرى. إنّ مار الياس صَعِد إلى مكانٍ نحن اليوم لا نستطيع أن نَصِل إليه، وهنا ليس المقصود الموقع الجغرافيّ، بل الطبيعة الأُخرى، الشَّكل الآخَر، الّذي نسعى إليه. إنّ مار الياس قد صَعِد إلى السَّماء لأنّ الله أحبَّه. وبالتّالي، إذا كان لدينا إيمان أنّ الله يُحبُّنا، فإنّنا نعرف أنّه يحفظنا لكي نكون دائمًا في الحياة. هذه هي تعزيّتنا، يسوع هو تعزيتُنا، إلهُنا الّذي حقَّق لنا بمجيئه على الأرض وبِتَعليمه، وأفعالِه وصَليبِه وقيامته، رؤيةً جديدةً، نحن مدعوون كي نحملها دائمًا. هذا ما أُصلِّيه كي يكون دائمًا معنا.

في نهاية القدّاس وحتّى قَبْل نهاية القدَّاس، سنَتلو معًا صلاة لأجل الراقدين، هذه الصّلاة الـمُخصَّصة لجماعة “أذكرني في ملكوتِكَ”. وفي نهاية القدَّاس، ستَكون لدينا وقفةٌ مع هذه الجماعة، أُحبُّ أن نكون جميعًا حاضرين فيها، وأن نُعطي انتباهَنا لهذه الجماعة الّتي ابتدأتْ بهذه الخِدمة، فنرى كيف بدأتْ، وما هي أصداؤها في عالم اليوم.

ملاحظة: دُوِّنت العِظة ِبأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp