انطلاقة “أذكرني في ملكوتك”،

كنيسة القدّيسة بربارة للروم الكاثوليك – زحلة، البقاع.

 عِظة القدّاس الإلهيّ للأب ايلي خنيصر، خادم الرعيّة:

باسم الآبِ والابنِ والرُّوحِ القدسِ، الإله الواحد، آمين.

“ويخرجُ قضيبٌ من جِذع يسّى وينبتُ غصنٌ من أصوله. ويحلّ عليه روحُ الربّ، روحُ الحكمة والفهم، روحُ المشورة والقوة، روحُ المعرفة ومخافة الرب. ولذّتُه تكون في مخافة الربّ فلا يقضي بحسبِ نظرِ عينْه ولا يحكم بحسبِ سمعِ أذنيه. بل يقضي بالعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيبِ فمِه ويُميت المنافقَ بنفخة شفتيه. ويكون البرّ مِنطقة متنيْه، والامانة مِنطقة حقويْه”. (إشعياء 11: 1-4)

قبل مئات السّنين والنبوءات تتوالى عن مجيء المسيح. مَن هو هذا المسيح العظيم الذي تحدثّت عنه نبوءات العهد القديم؟ الأحد الماضي وفي ليلة عيد القدّيسة بربارة شرحنا نبوءة بلعام (الكاهن الوثني أو العرّاف الشيطاني الذي كان يذبح للشياطين)، جاء الملك مؤاب وقال له: تعال والعّن شعب إسرائيل. فبدلاً أن يلعّن الشعب خرج من فمه كلامٌ نبويّ، وأجاب: أباركُ بني يعقوب ومن بني يعقوب سيخرج كوكبٌ يلمع في السماء. والمجوس في مِلء الزمن عندما شاهدوا هذا الكوكب الساطع، عادوا الى ما دوّنه مرافقو بلعام – الذي كان من أشهر العرافين – ورأوا أن العرّافين الوثنين ذكروا بني يعقوب الذي يأتي منهم من سيملك على كل العالم.

واليوم لدينا إشعياء النبيّ، وهو أيضاً تنبأ عن المسيح، كيف سيأتي ؟ كيف سيكون مجيء هذا المسيح؟
قال: يخرج قضيبٌ من جِذع يسىّ ؟ من هو يسىّ؟ فعندما دخل شعب إسرائيل فلسطين وأراد أن يكون عليه ملكاً، قال صموئيل النبيّ للربّ: نريد ملكاً يملك علينا. فأعطاهم شاوول ملكاً لكن شاوول صنع الشر في عينيّ الربّ، فأسقطه عن الحكم الملكي، وخاطب الروحُ القدس النبيّ صموئيل قائلا: إذهبْ الى بيت لحم هناك تجد يسىّ ولديه سبعة أولاد، وحين أقول لك قُم وامسح الولد ملكاً على إسرائيل، تعلَم من خلال الإشارة التي اُعطيك إياها. عندما دخل صموئيل بيت يسىىّ رحّب به هذا الأخير فسأله صموئيل أين هم الأولاد؟ فأجلسهم يسىىّ وعند العشاء قال له صموئيل أريد أن أرى الأولاد كلٌ بدوره. سأله يسّىى لماذا تريد أن تراهم كلٌ بدوره؟ فأجاب: أريد ان أمسح ملكاً على إسرائيل. دخل الأول ولم يسمع صموئيل صوت الربّ، دخل الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس وكذلك لم يسمع صوت الربّ فقال ليسّى حينها: هل هؤلاء هم كل أولادك؟ أجاب كلاّ، لديّ ولدٌ سابعٌ وهو داوود يرعى الغنم. ومضى صموئيل يبحث عن هذا الراعي وعندما وجده قال الربّ: “اِمسح داوود ملكاً على إسرائيل”،  فصبّ عليه زيتاً وقبّله في فمه. لماذا؟ إن الروح القدس الذي يحلّ على الأنبياء يخرج من فم النبي ويدخل في فم الملك الذي عليه أن يتحدث فقط باسم الله. هذا هو يسىّ الجذع الأساسي للشجرة يأتي منه فرعٌ، وهو ملكٌ على إسرائيل الذي هو داوود. أين بيته وأين مدينته؟ في بيت لحم. وهكذا تتم النبوءات بأنّ الذي يأتي من جذع يسىّ فرعٌ آخر هو داوود جديد، هو ملكٌ ليس فقط على إسرائيل بل على كل بشر، سيملك الربّ الإله عليه.

نزرع الشجرة وعندما نقطعها عادةً ما ينبت فرعٌ، بعد أن قُطع جذع يسىّ نبت غصنٌ من هذا الجذع وهو المسيح الإله، لكن لماذا ركّز على الغصن؟ الغصن الخشبيّ الذي خرج ليخلّص العالم، نراه في بدايته يحتكّ بغصنٍ وعندما يموت سوف يحتكّ بغصنٍ آخر، أي من المذود الى الصليب. وهكذا يكون المسيح قد حقّق في نبوءة إشعياء الخلاص الذي من أجله أتى.
هذه النبوءة التي تمّت قراءتها في الرسالة تكلّمتُ عنها لكي تفهموا ما قيل عن يسوع في قراءات ما قبل الميلاد “سيحلّ عليه الروح ويمتلئ من المواهب”…

هل سيحلّ الروح القدس على المسيح كما يحلّ علينا في المعمودية؟ بالتأكيد كلا؛ لأن الأقنوم الثالث (الروح القدس) من الثالوث الأقدس سوف يحلّ على الأقنوم الثاني “يسوع” ويتّحد الأقنومَين في عمل رائع، ويصدح الأقنوم الأول بصوت عظيم في العماد:”هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت”.
أمّا نحن عندما نعتمد، يحلّ علينا الأقنوم الثالث ليجعلنا أبناء الله بالتبني.
منذ أكثر من سبع مئة سنة والنبوءات تتكلّم عن الأحداث التي ترافق المسيح. سبع مواهب للروح القدس يمتلئ منها المسيح وهي روح الحكمة، الفهم، القوة، المعرفة، المشورة، التقوى والمخافة ,ويركّز على الموهبة الاخيرة, المخافة . لماذا مخافة الربّ؟ هل نحن نخاف من الله؟ كلاّ. ما هي مخافة الربّ في الكتاب المقدس؟ 

عندما أحبُّ شخصاً أخاف من أن أجرح مشاعره لأن الحبّ الذي يجمعني به هو متين فكم بالأحرى هذا الحبّ الذي بين الأب والإبن؟ يريد يسوع ان يحقّق مخافة الله كي يحقّق إرادة الآب وهي أن يُساق الى الذبح؛ قائلاً في بستان الزيتون: “لا مشيئتي بل مشيئتك”؛ فهو مستعدٌ أن يذهب الى الموت ويُقرَّب قرباناً لكي لا يجرح محبة الآب. وهكذا كان يسوع يحبّ الآب وحلّت عليه مخافة الربّ. وهنا يجب أن نتنبّه، لقول النبوءة “لا يقضي بنظر عينيه”، يسوع لا يأخذ بالمظاهر، لانه عندما ينظر يرى الداخل وليس الخارج. وهو الذي قال: “من فيض القلب ينطق اللسان”، إنّه فاحص القلوب والكلى.

وتتابع النبوءة: “لا يحكم بحسب سماع اذنيه”. إنّها خاطئة وزانية لو علم ما امرُها لكان ابتعد عنها لأنها خاطئة. يا معلّم جئناك بهذه الزانية ماذا تريد أن تفعل بها؟ أجابهم يسوع: من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر، اذهبي وقومي ( قيامة من الموت) موت الخطيئة قومي ولا تعودي الى الخطيئة، اِذهبي بسلام.

 يسوع “يقضي الفقراء بالعدل”، هو صاحب الفقراء، طوّب الفقراء “طوبى للفقراء لان لهم ملكوت السماوات” ويتابع إشعياء ويقول: يضرب الأرض بقضيب فمه. القضيب هو رمزٌ للصليب ورمزٌ آخر لسيفٍ مسنّون ذي حدّين، وهذا السيف هو الكلمة التي تخرج من فمه “ليكن كلامكم نعم نعم ولا لا! وما زاد على ذلك فهو من الشرّير”. تقول النبوءة، “يضرب الأرض”، هل هي الأرض التي نمشي عليها؟  نتذكر عندما ضرب يسوع مثل الزارع فشبّه الإنسان بأرض حجرية او مشوِكة او جيدة او نجسة، الأرض التي سيضربها الربّ يسوع بفمه هي نحن الأرض، فعندما يأتي المسيح سيضربنا بقضيب فمه، أي كلمته ستحرث الأرض وتجعلها أرضاً صالحة وتحوّلها من حجرية ومشوِكة الى ارض جيّدة، ويتابع إشعياء النبوءة قائلاً “يُميت المنافق” من هو هذا الذي يُميت المنافق؟ المنافق هو سلطان الظلام، هو الشيطان، هو الشرّير الذي يزرع الشوك في كل نفس، الشوك الذي يجرح ويُدمي، يميت ويُؤلم ويسبب لنا الخطيئة. هذه هي شوكة الموت التي تحدّث عنها بولس الرسول، اقتلعها يسوع بموته وقيامته، أين شوكتك يا موت؟ يسوع يأتي ليقلع الشوك المتجذّر فينا. النبي إشعياء قال بأن الربّ سيميت المنافق الذي يزرع العيوب في كلّ انسان وكيف سيميته؟ بعمل الفداء الذي سيحقّقه على الصليب. ويتابع النبي قائلاً “يتمنطق بالبرّ” وماذا يعني؟ قديماً كان الذين يلبسون البز والأرجوان كما في مثل ألعازر والغني، كانوا يتمنطقون بزنانير مغمسّة بالذهب، فعندما يسيرون بين الناس يظهر غناهم؛ يتمنطقون بالذهب لتظهر هويتهم. ماذا يقول إشعياء عن الذي سيُدعى المسيح والمخلّص، سوف يتمنطّق بالبرّ والقداسة، وأكثر من ذلك عندما يحمل الإنسان حملاً ثقيلاً على أكتافه يلبس مشدّاً ليستطيع رفع الحِمل. يتابع النبيّ ويقول هذا المسيح سيتمنطّق بقدرة إلهية، قدرة الآب. لأنّ الحِمل الذي سيرفعه هو الصليب، هذا الصليب الذي يزن أثقال الأرض والكون كلّه ويحمل قضايا البشر. الذي يحمل هذا الصليب يجب أن يكون قوياً وصاحب بنية قوية.

هذا ما تكلّم به الأنبياء عن يسوع… لكي يحقّق الخلاص! هذا ما تحدث عنه إشعياء النبيّ، وهذه هي رسالة المسيح التي ظهرت في العهد القديم. وهنا أتأسف عندما يتكلّم البعض عن فصله عن العهد الجديد.

اما يسوع فقد قال: “جئت لأكمّل لا لأنقضّ” ولتلميذيْ عمّاوس “يا قليلي الإيمان بما نطقت به كتبُ موسى والأنبياء والمزامير بما يختصّ بي “وبدأ يشرح لهم كلّ ما جاء في الكتب. هذا هو الذي ننتظره بعد أيام ليولد. نتأمّل في هذه الرسالة الخلاصية ونقول له: يا من كانت بدايتك في غصن- في خشبة، انتهت حياتك على الأرض أيضاً في غصن – في خشبة، لأنك انت وصليبك ستكونان الجذعين الأساسيْين للكنيسة التي ستبسُط ملكيّتها في الأرض كما تغمر المياه كل الأرض وكل المعمورة، على أمل أن يغمر الروح القدس بمحبته جميعنا بنعمة الآب والابن والروح القدس. آمين.

ملاحظة: دُوّنت العظة بأمانةٍ من قبلنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp